مناقشة رسالة رئيس الجمهورية: افتتاح مناقشات تعديل الدستور؟


2022-11-04    |   

مناقشة رسالة رئيس الجمهورية: افتتاح مناقشات تعديل الدستور؟

الجلسة الأولى التي يعقدها المجلس النيابي بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون ودخول البلاد في الفراغ الرئاسي لم تخصص لانتخاب رئيس كما يتوقع، بل خصصت  لمناقشة رسالة الرئيس المنتهية ولايته إلى المجلس. الرسالة بحدّ ذاتها حملت الكثير من التناقضات، لكن الجلسة أيضاً لم تخلُ من التناقضات والرسائل السياسية. كما شكك البعض في وجود خلفية طائفية للرسالة، مثل نائبي اللقاء الديموقراطي بلال عبد الله ووائل أبو فاعور، إضافة إلى النائب سامي الجميل (قبل مغادرته الجلسة)، إلا أن رئيس المجلس نبيه بري قال: “إن شاء الله النّوايا منيحة، وسبق أن ناقشنا من قبل رسائل مماثلة” (في إشارة إلى رسالة الرئيس عون إلى المجلس في أيار 2021). 

حتى كتلة رئيس الجمهورية دخلت إلى الجلسة مدركة أنها لم تعد ذات قيمة، فرئيس الجمهورية مُرسل الرسالة انتهت ولايته، أضف إلى أن رئيس الحكومة الذي يطالب عون بسحب تكليفه انتهى تكليفه حكماً بانتهاء ولاية الرئيس. الأكثر تصالحاً مع نفسه كان التغييريون وكتلة نواب الكتائب. انسحبوا من الجلسة، معلنين أن وظيفة المجلس يجب أن تكون انتخاب رئيس قبل أي عمل آخر. 

بعد ذلك، بدت الجلسة مخصصة لتثبيت نقطة واحدة: عدم انعقاد مجلس الوزراء إلا في الحالات الطارئة وبالتشاور مع المكونات الممثلة فيه، خاصة بعدما صدرت مواقف متناقضة من ميقاتي (التأكيد على إمكانية استبدال الوزراء الذين يعتكفون وتفعيل مجلس الوزراء ثم التأكيد على احترام مبدأ الحدود الدنيا لتصريف الأعمال). وهذه نقطة كان حذّر منها رئيس الجمهورية في رسالته، إذ أشار إلى أن “ما يزيد في الأمر خطورة أن رئيس حكومة تصريف الأعمال، المكلّف والممتنع عن التأليف، يرغب في عقد جلسات لمجلس الوزراء ورقابة مجلسكم منعدمة، مخالفاً مفهوم تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق ومبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها”. 

وبعد أن تحدث ممثلون عن أغلب الكتل النيابية، حيث لم تخل الكلمات من التوتر الذي بقي مضبوطاً، اقترح بري أن يصدر المجلس توصية نصت على أنه “استنادا إلى النص الدستوري، ولما لم يرد حول مسار هذا التكليف اتخاذ موقف منه، وبما أن الرئيس عون قام باستشارات أتت نتيجتها تكليف ميقاتي، وباعتبار أن أي موقف لا يطال هذا التكليف ولسنا بصدد التعديل. ويتطلب تعديلا دستوريا لسنا بصدده الآن، حسب ما ورد في الرسالة وفق الصفحة الرابعة (“عدم نص الدستور على صلاحيتي بسحب التكليف ومعاودة الاستشارات النيابية”)، ولكي لا تطغى سلطة على أخرى، ولحرص المجلس على عدم الدخول في أزمات وحرصاً على الاستقرار يستوجب إعطاء الأولوية لعمل المؤسسات، يؤكد المجلس ضرورة مضي رئيس الحكومة قدماً في القيام بمهامه كحكومة تصريف أعمال”. علماً أن اقتراح بري كان انتهى بعبارة “مهامه” قبل أن يطلب النائب جبران باسيل، ويؤيده النائب جورج عدوان، إضافة “كحكومة تصريف أعمال”. 

وكان ميقاتي قد أكد في كلمته التي تلت كلمات النواب، أنه يعي تماماً أنه عندما يتحدث الدستور عن تصريف الأعمال بالمعنى الضيق فهو حتماً يُميّز بين حكومة كاملة الاوصاف وحكومة تصريف الأعمال. وهذا الأمر ينطبق في الأيام العادية ولكن عندما تقتضي المصلحة الوطنية العليا، سأستشير المكونات المشاركة في الحكومة لاتخاذ  القرار المناسب، بدعوة مجلس الوزراء إذا لزم الأمر وأنا لست بصدد تحدّي أحد ولا ضد أحد.

لكن خلف هذا الخطاب المضبوط، لم يترك ميقاتي مناسبة لم يصوّب فيها على الرئيس ميشال عون، محمّلاً إياه مسؤولية عدم تشكيل الحكومة. وهو إذ استعرض عدداً من المحطات، اعترض باسيل على استغياب رئيس الجمهورية، مشيراً إلى أنه سيتم إصدار بيان توضيحي. ليرد ميقاتي بالسؤال: هل تحترمون البيانات وتعيرونها أهمية؟ لقد صدر قبل أسبوعين بيان للرئيس ينفي فيه إعداد مرسوم بقبول استقالة الحكومة، ثم بعد أسبوع أي الأحد الفائت تغيّر الجو ويوم الاثنين الذي تلا صدور البيان وصل النائب باسيل إلى القصر وبدأ بالصراخ اعتراضاً على صدور البيان. أضاف ميقاتي: إن عون وبحضور وزير الخارجية وانطوان شقير، رفض طلبه إصدار مرسوم الحكومة كما هي بشكلها الحالي، وقال له “لقد وضعت المرسوم بالدرج وأقفلت عليه ومعي المفتاح”. ميقاتي ذكّر بما قاله أحد نواب التيار في العام 2018 من أن الرئيس ميشال عون استطاع تعديل الدستور بالممارسة عوض تعديله بالنصوص. ليضيف المطلوب كما هو واضح هو تعديل الدستور وكل ما نشهده هدفه خلق جدلية لمنع الحكومة من ممارسة عملها… 

أما باسيل فرد عليه بالقول: “في 30 تشرين الأول، دولة الرئيس ميقاتي قال وجدت أن لا مصلحة في تشكيل الحكومة ولا شيء سيتغير”. ليقول ميقاتي: “أطلب من رئاسة الجامعة اللبنانية أن تضع مادة جديدة في العلوم السياسية عنوانها “كيف المفاوضة على شفير الهاوية”.

“حذار الطائف”

مسألة تعديل الدستور والمواقف منه كانت هي خلفية معظم الكلمات التي ألقيت في الجلسة. فقد انتفض أكثر من نائب، ولاسيما منهم وائل أبو فاعور وبلال عبد الله، محذرين من السعي إلى تعديل الطائف. فقد اعتبر عبد الله أن البعض يحلم بانتهاز الفرص للقصف على اتفاق الطائف، وكأننا في وضع للبحث بالصلاحيات، لمن نعطيها وعمن نحجبها. ليس الوقت الآن للحديث عن اتفاق الطائف، هناك حكومة تصريف أعمال ورئيس حكومة. وإذا كان المطلوب أن نسعى للتغيير، أتمنى أن نقارب الدستور بمجمله وليس في ما يخص الحكومة”.

في الاتجاه نفسه، رأى النائب وائل أبو فاعور:  “الرسالة تدعو لسحب التكليف من رئاسة الحكومة، وأسارع إلى القول بأن الشراكة ليست خيارا أو منّة من أحد، التزام الكتلة بالحلّ هو بانتخاب رئيس للجمهورية يعفينا من كل المخاض ومما يمكن أن يقودنا إليه هذا النقاش ومنها الطائفية. 

مقاربات دستورية جديدة تنتظر أجواء مؤاتية للحوار

في المقابل، أشار رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد إلى أن “الرسالة تشير إلى ثغرة دستورية تتمثّل بعدم وضع الدستور مدة محددة للتكليف كما تفصح عن مخاطر شغور موقع الرئاسة. هذه الإشارات وغيرها تتطلب مقاربات دستورية وازنة ودقيقة ومناخا وفاقياً وتحرراً من الكيديّات والتدخلات الخارجية”. وأردف: “إننا بكل صراحة، نرى أن مناقشة هذه الإشارات تحتاج إلى أجواء حوارية مؤاتية، وقد سحبت الدعوة للحوار، ومع عدم توافر هذين العاملين فعبثا نصل إلى نتيجة”. 

واعتبر النائب جميل السيد أنه على المجلس اتخاذ القرار المناسب حول موضوع حكومة مستقيلة ويستحيل محاسبتها. واقترح السيّد استعراض الصلاحيات المدرجة في الدستور والعائدة لرئيسي الجمهورية والحكومة ومن ثم إصدار قرار يحدد صلاحيّات  الحكومة.

مواقف بارزة في الجلسة

من أهم المواقف التي سجلت في نقاشات الجلسة، المواقف الآتية: 

  • حذّر النائب أسامة سعد من أن نذر الفوضى الدستورية والسياسية والمجتمعية تتجمع خلفها مخاطر التفلتات والانهيارات الأمنية. وقال: “هي الفوضى المنظمة ذات الأجندات المتعددة… من سيملأ كل الفراغات بالرغبة أم بالضرورة في هياكل الدولة؟” وسأل: “هل نستدعي الفوضى وهي تطرق الأبواب؟ هل نحن بصدد استدعاء الخارج بشأن رئاسة الجمهورية كما هو حالنا بكل الشؤون؟” وقال: “انتخاب الرئيس اليوم وليس غدا… من يعجز عن انتخاب رئيس بسبب الانقسامات الحادة فإنه بالتأكيد لن يكون قادرا على تحديد صلاحيات حكومة تصريف الأعمال”.
  • دعا النائب جورج عدوان المجلس إلى اتخاذ موقف أو قرار بشأن صلاحيات مجلس الوزراء، بعيداً عن التجاذبات. وقد ذهب النائب جهاد الصمد إلى حدّ المطالبة بوضع قانون لتحديد صلاحيات حكومات تصريف الأعمال.  
  • اعتبر باسيل أنه كان على بري أن يدعو إلى الجلسة قبل مغادرة الرئيس. فردّ الرئيس بري: “وصلتني (أي رسالة رئيس الجمهورية) يوم الأحد في 30 تشرين الأول”.
  • إذ اقترح باسيل أن يتم التوافق على الرئيس مسيحياً أو انتخابه مباشرة من الشعب، تدخّلت النائبة ستريدا جعجع، مشيرة إلى أن “سمير جعجع هو الأقوى مسيحياً إيدنا بزنارك تتبنى ترشيحه”. علماً أن بري كان دعا إلى جلسة انتخاب رئيس يوم الخميس المقبل، مؤكداً وجوب أن لا تتحول هذه الجلسات إلى مسرحية.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني