في خطوة جديدة من نوعها نشرت وزارة العمل اللبنانية على موقعها الالكتروني، استطلاع رأي تطلب بموجبه ممن يهمه[1] الأمر التعليق على مشاريع قوانين جديدة تقدمت بها، تعني الفئتين المستثناتين من قانون العمل بموجب المادة 7 منه وهي العاملات في الخدمة المنزلية والعاملات الزراعيات، لتحال بعدها مع المشروع إلى مجلس الوزراء.
لا شك في أن من شأن إستطلاع رأي الأفراد حول مشاريع قوانين تعزيز مبدأي شفافية العمل التشريعي وإشراك المجتمع في صون وبلورة هذا العمل، كما من شأنه أيضا تكريس حق الوصول إلى المعلومات.
نقدم في ما يلي تعليقاً على مشروع القانون المتعلق “بتنظيم العمل اللائق للعاملين في الخدمة المنزلية”، آملين أن يساهم ذلك في تعميم النقاش وأن تأخذ الوزارة النقاط المطروحة في عين الاعتبار. ونلحظ بداية أن التعليق سيتناول مشروع القانون بشكل عامّ، من دون الغوص في تفصيلات مواده.
اشكالية القانون الخاص vs القانون العام
بداية، يجب الإشارة إلى أن مشروع القانون المنشور حاليا على موقع الوزارة هو الثاني من نوعه المقدم منذ سبع سنوات. ففي عام 2011، تقدم وزير العمل بطرس حرب بمشروع قانون يحمل المسمى عينه “تنظيم العمل اللائق للعاملين في الخدمة المنزلية”. تلقى حينها المشروع عددا من الانتقادات المرتبطة بعجزه عن تكريس حقوق وضمانات جوهرية تحمي العاملات في الخدمة المنزلية. وسرعان ما سُحب من النقاش بعد استلام شربل نحاس وزارة العمل. سيما أن نحاس كان من مناصري تعديل قانون العمل وإلغاء المادة السابعة منه عوضا عن إصدار تشريع خاص بالعمالة المنزلية على اعتبار أن العاملة المنزلية أو الزراعية هي عاملة يقتضي حمايتها بقانون العمل، قبل أن تكون عاملة منزلية أو زراعية.
يطرح مشروع القانون المقدم من الوزارة من جديد النقاش حول مسألة تشريع العمل المنزلي أو بالأحرى تشريع استثناءات المادة 7 من قانون العمل. هل يتم ذلك عبر إلغاء نص المادة 7 أم عبر تشريع خاص؟
يعتبر من هم من الرأي المؤيد لإصدار تشريع خاص أن ذلك يعود إلى خصوصية العمل المنزلي وخصوصية مكان تأديته (منزل صاحب/ة العمل). وهذه الخصائص تتطلب نصاً خاص وآليات خاصة غير تلك المنصوص عنها في قانون العمل.
إلا أن للقانون الخاص أبعاد أخرى أهمها وربما أخطرها، تكريس التمييز بين العمل المنزلي – ومن يقوم به – وسائر الأعمال. ويستتبع ذلك، تشريع حدّ أدنى للأجور خاص بهذه العمالة ويكون أدنى من الحد الأدنى الرسمي للأجور وتعويضات أقل مقابل ساعات عمل أكثر. أحد أسباب ذلك مرتبطة بطبيعة النظام الأبوي الرأسمالي الذي ينظر إلى العمل المنزلي لا من ناحية كونه عملا ذا قيمة اقتصادية بل أحد الواجبات الطبيعية للنساء[2]. لم يصبح العمل المنزلي عملاَ مأجورا ومعترفا به كعمل إلا حين بدأ يقوم به شخصٌ غير شخص “الزوجة”. وعلى الرغم من ذلك، ظل موقع من يقوم به، في لبنان، خارجا عن الإطار التشريعي العام منذ صدور قانون العمل عام 1946. بل على العكس، فإن دلّت التعاميم الصادرة عن المديرية العامة للأمن العام على شيء، على الأقل تلك الصادرة خلال السنوات الماضية، فإنما تدلّ على تكريس وتشديد لهذه المقاربة الأبوية للعمل المنزلي عبر إجراءات عدة. من أبرزها منع العاملات من إقامة أي علاقة حميمية والطلب من أصحاب العمل إعلام المديرية العامة في حال تزوجت العاملة ليصار إلى ترحيلها. حينها عللت المديرية العامة للأمن العام أن التعميم أتى من أجل “الحفاظ على ديمومة العائلة كمؤسسة لها دورها في المجتمع والى إحترام متطلبات الإقامة” وذلك لأن ” في معظم الأحيان لا تسمح أوضاع هؤلاء بتأمين أدنى متطلبات العيش الكريم وأولها المسكن، إضافة الى أن نظام الكفالة المعمول به قد لا يسمح بتكوين عائلة تعيش تحت سقف واحد”. تظهر المديرية العامة في تعليلها هذا بمثابة “الأب” الذي له أن يقرر ما هو الأفضل للعاملة في الخدمة المنزلية في تفاصيل حياتها الشخصية وعلاقاتها الحميمية.
لماذا إذاً الإصرار على تشريع خاص عوضا عن تعديل قانون العمل ليشمل الفئات المستثناة من أحكامه؟ لا تقدم الأسباب الموجبة – المذكورة في مشروع القانون جوابا واضحا على ذلك. اكتفت (في كلا القانونين) بالإشارة إلى استثناء المادة السابعة من قانون العمل، وإلى قصور قانون العمل عن توفير حماية للعاملين في الخدمة المنزلية كونه لا ينص على “إمكانية الدخول إلى منازل الأفراد للتأكد من دوام عملهم وكيفية معاملتهم، فجاء مشروع القانون ليؤمن الحماية لهذه الفئة عبر المساعدات الاجتماعية اللواتي أعطين صلاحيات مفتشي العمل والسماح لهن بالدخول إلى المنازل والاطلاع على السجلات المتعلقة بالعاملين في الخدمة المنزلية والتأكد من مراعاة الأحكام القانونية، ومن توفير المكان اللائق للعاملة في الخدمة المنزلية ومن دفع رواتبها والتقيد بدوام عملها”.
الأسباب الموجبة
أتت الأسباب الموجبة المذكورة في مشروع القانون عامة ومقتضبة وخالية من أي إشارة إلى نظام الكفالة وإلى الإنتهاكات التي تتعرض لها العاملات في الخدمة المنزلية سواء من أصحاب العمل أو من المنظومة نفسها. فانعكس ذلك على مشروع القانون موضوع تعليقنا. إلى جانب ما أشرنا إليه أعلاه، ذكرت الأسباب الموجبة خلو القانون اللبناني من أي نص ينظم عمل مكاتب استقدام العاملات. كما أشارت إلى الاتفاقية رقم 189 الصادرة عن منظمة العمل الدولية التي لم يوقعها لبنان وهو، وفقا ما ورد في مشروع القانون “مدعو إلى ملاقاة معايير الاتفاقية 189 (…) كي تتوافق أحكام قوانينه قدر الإمكان مع المنظومة القانونية لدى المنظمة”.
لا بد لنا التوقف قليلا حول ما ذكرته الاسباب الموجبة عن دعوة لبنان إلى “ملاقاة معايير الاتفاقية 189”. فما المقصود بذلك تحديداً؟ ولمَ لا يصادق لبنان على الاتفاقية عوضا عن المساومة بحقوق العاملات واختيار ضمان بعض منها “قدر الإمكان”.
مضمون القانون
غيّب مشروع القانون العديد من الحقوق والمفاهيم الجوهرية المكرسة في هذه الاتفاقية.
من هذه الحقوق المغيبة، حق العاملة في اختيار مكان إقامتها سواء كان عند صاحب العمل أو في مكان آخر تختاره هي. فالمادة الخامسة من مشروع القانون تنص على عكس ذلك “على صاحب العمل أن يحترم حقوق العامل في الخدمة المنزلية وخصوصيته وأن يؤمن له مأوى لائقاً داخل حرم المنزل (…)”. وبذلك تكون المادة الخامسة قد كرًست أمرين، الأول أنه من البديهي أن يكون مكان عمل العاملة هو مكان إقامتها والثاني حصر نطاق تطبيق القانون بالعاملات المقيمات عند أصحاب العمل، لا سيما أن مشروع القانون لا يذكر في أي مكان آخر العاملات غير المقيمات عند أصحاب العمل.
تعرف المادة الأولى من مشروع القانون العاملة في الخدمة المنزلية على أنها “كل رجل أو امرأة لبناني أو أجنبي يعمل بأجر عند صاحب عمل في الأحوال المبينة أدناه دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الأصل الإجتماعي” وكون التعريف يشمل العاملة اللبنانية، نتساءل كيف تتصور الوزارة تطبيق القانون عليها، سواء لناحية إقامتها عند أصحاب العمل، أو غيرها من المواد التي تقيد من حرية الأفراد. وفي حال كان يعلم واضعو مشروع القانون جيداً أنه لن يطبق على العاملة اللبنانية، لماذا إذا تم شملها في التعريف؟ ألا يدل ذلك على فرضية مفادها أن المشرع يظل مسكونا بالنمطية المتمثلة بأن جميع العاملات أجنبيات مع ما يستتبع ذلك من وضع قانون غير ملائم للعمالة المحلية. وبذلك يبدو المشرع وكأنه يكرس وصم هذه الفئة وحجب هذا النوع عن العمالة الوطنية بفعل الوصم الذي يطبعها.
حول ساعات العمل والاجازات
لا يختلف كثيراً مشروع القانون الجديد عن مشروع قانون بطرس حرب المقدم عام 2011 فيما خص ساعات العمل والإجازات. فمثل سلفه، حدد القانون الحد الأقصى للعمل في مادته العاشرة بستين ساعة في الأسبوع على أن “يمنح العامل في الخدمة المنزلية خلال أربع وعشرين ساعة فترة من الراحة لا تقل عن تسع ساعات متواصلة ما عدا الحالات الاستنثنائية التي تلتزمها ظروف العمل”. ما الذي يمكن أن يشكل ظروفا استثنائية؟ هل هو حفلة عشاء مثلا؟ عرس؟ لا يجبب مشروع القانون على هذا السؤال، تاركا تحديد استثنائية الظروف إلى صاحب العمل وربما لاحقا إلى مفتشي الوزارة.
أما بالنسبة للراحة الأسبوعية، فقد حددت بأربع وعشرين ساعة على الأقل يحق للعامل قضاء يوم الراحة خارج المنزل إذا رغب بذلك” (المادة 11). وهي المادة الوحيدة التي تشير إلى حق العاملة في مغادرة المنزل- مكان العمل. وأخطر ما في هذه المادة أنها من جهة قد تفسر على أنها تحرم العاملة من الخروج من المنزل خارج هذه الأوقات (أي مثلا في فترة راحتها خارج دوام عملها اليومي). كما أن إضافة عبارة “إذا رغب بذلك” تضيف التباسا إلى تفسير القانون، من حيث أنها تستعيد نمطية مفادها أن الخروج من المنزل هو أمر استثنائي مرهون برغبة صاحب العمل، وليس حقا مكتسبا. فهل يقال مثلا: تحصل العاملة على بدل لعملها، إذا رغبت بذلك؟
بالمقابل، يخلو القانون من أي مادة تحظر على أصحاب العمل وتعاقبهم على منع العاملة من الخروج أو حبسها في المنزل.
هذا مع العلم أن قانون العمل اللبناني قد حدد الحد الأقصى لساعات العمل خلال الأسبوع الواحد ب 48 ساعة (المادة 31)، كما نص على وجوب منح جميع الأجراء راحة أسبوعية لا تقل عن 36 ساعة بدون انقطاع (المادة 36). وهذا برهان آخر على التمييز الذي بإمكان قانون خاص إدخاله على العمالة المنزلية تحت غطاء الخصوصية.
حول فسخ عقد العمل
من اللافت إعتماد مشروع القانون المعايير عينها المنصوص عنها في قانون العمل بالنسبة للفسخ لجهة فرض موجب إعلام الطرف الثاني قبل شهر من الترك الفعلي عبر توجيه إنذار خطي يبين أسباب الترك (المادة 19)، سيما أن العاملة تكون خلال هذه الفترة لا تزال تعمل/تقيم في منزل أصحاب العمل.
بالمقابل، لم يأتِ مشروع القانون على ذكر أي ضمانات لجهة توفير الحق للعاملة بالبحث واختيار صاحب عمل وقدرتها على القيام بذلك من دون أن تفقد شرعية إقامتها في لبنان. يبدو بالتالي كأن الامكانية الوحيدة المتاحة للعاملة عند انتهاء عقد عملها هي مغادرة البلاد. وهكذا تكون وزارة العمل قد كرَست مبدأ ربط شرعية إقامة العاملة في لبنان بصاحب عمل واحد.
وقد اعتمد مشروع القانون إلى حد بعيد نفس التمييز المعتمد في عقد العمل الموحد الصادر عام 2009 بين الأسباب التي بموجبها يمكن للعاملة في الخدمة المنزلية أن تفسخ العقد وبين تلك التي تمكن صاحب العمل بفسخه سيما من ناحية تضييقها وحصرها بالنسبة للعاملات وتركها فضفاضة وعامة بالنسبة لأصحاب العمل.
الأسباب التي بموجبها يصح الفسخ دون توجيه إنذار خطي
بالنسبة للعاملة في الخدمة المنزلية
حصرت المادة 22 من مشروع القانون الأسباب التي تتيح للعاملة فسخ العقد دون توجيه علم مسبق والتي تلزم صاحب العمل بصرف تعويضات للعاملة (المادة 23) ، بثلاث حالات، (1) في حال تمنع صاحب العمل عن تسديد الأجور طيلة شهرين متتالين، (2) في حال تعرضت العاملة للضرب، أو إيذاء جسدي/نفسي/تحرش أو إعتداء جنسي وثبت ذلك بتقارير أو أي وسيلة إثبات أخرى (علما أن تقديم وسيلة إثبات في حالات الاغتصاب صعب جدا سيما في حال عدم تمكن العاملة من الخروج من المنزل) (3) في حال تشغيل العامل/ة بغير صفة.
وقد حددت المادة 25 هذه التعويضات بما يعادل “أجر نصف شهر عن كل سنة عمل لغاية خمس سنوات. وإذا زادت عن ذلك، تصبح بنسبة 65% من الأجر الشهري عن كل سنة عمل مهما بلغت سنوات الخدمة”. وهي تعويضات زهيدة جدا مقارنة بالتعويضات التي حددت المادة 50 من قانون العمل حدها الأدنى ببدل أجرة شهرين وحدها الأقصى ببدل أجرة اثني عشرة شهرا. وتبدو أكثر قابلية للنقد عند مقارنتها بالرواتب التي تتقاضها العاملة، والتي وفق دراسة[3] أجرتها الباحثة سوسن عبد الرحيم عام 2016 بنيت على عينة شملت 1200 صاحب عمل، صرح 38″% منهم أنّ الأجر هو أقلّ من 200$ (في 2% من الحالات، لا يتجاوز الراتب 150$). وأن ما يناهز 80% صرحوا أنه أقلّ من 300$“.
يستفاد من هذه المادة أن إخلال أصحاب العمل باحترام القانون والبند لجهة الإجازات أو بتوفير مأوى لائق أو باحترام الحد الأقصى لساعات العمل أو بحق الانتساب إلى نقابة أو الخروج من المنزل إلخ، ليست أسباب موجبة تسمح للعاملة بإبطال العقد من دون أن ترسل علما مسبقا أو تسمح لها بالمطالبة بتعويض من صاحب العمل.
بالنسبة لأصحاب العمل
نصت المادة 24 على 5 حالات يمكن لهم فيها فسخ عقد العمل دون ضرورة لتعويض أو توجيه علم مسبق، منها ما يمكن وصفها بالعامة والفضفاضة وتحمل الكثير من التأويل سيما عند مقارنتها بالأسباب المتاحة للعاملة.
فعلى سبيل المثال يمكن لأصحاب العمل فسخ العقد في حال تركت العاملة في الخدمة المنزلية مكان عملها دون مسوغ شرعي وعلى صاحب العمل إبلاغ وزارة العمل خلال 48 من الغياب بعد التثبت منه. وبما أن مشروع القانون يعطي أصحاب العمل حق التذرع بأسباب استثنائية لمنع العاملات من الاستفادة من فرصهن، فهل هذا يعني أن من حق أصحاب العمل فسخ عقد العمل في حال تمسكت العاملة بإجازتها وممارسة حقها بتمضيتها خارج المنزل في ظل رفضهم ذلك؟
كما يعتبر الخطأ الجسيم أو الإهمال المقصود بهدف إلحاق الضرر بصاحب العمل أو أفراد عائلته سببا يجيز لصاحب العمل فسخ العقد علماً أن القانون لا يقدم أي تعريف عما يمكن أن يشكل خطأ جسيما أو إهمالاً مقصوداً.
كما يحق لأصحاب العمل فسخ العقد في حال أقدمت العاملة على ضرب صاحب العمل أو أحد أفراد عائلته، أو إيذائه جسديا أو نفسيا أو التحرش به أو الإعتداء الجنسي عليه وثبت ذلك بتقارير أو أي وسيلة إثبات أخرى، وفي حال ارتكابها جرما معاقب عليه في القانون اللبناني بموجب حكم قضائي، أو في حال رفضها القيام بالعمل التي استخدمت لأجله.
وعليه، ساوى مشروع القانون هذا بين التعويض المطلوب من العاملة والتعويض المطلوب من أصحاب العمل، على عكس ما ينص عليه قانون العمل الذي يفرض على أصحاب العمل تعويضا يصل حده الأقصى لغاية بدل أجر 12 شهرا، فيما لا يفرض على العاملة إلا بدل شهر في حال ترك عملها من دون إنذار مسبق (في حالات عقود العمل التي لا تتجاوز ثلاث سنوات).
حالات الفسخ التي تستوجب إرسال إنذار خطي
بالنسبة للعاملة في الخدمة المنزلية
في حال فسخت العاملة عقد العمل لغير الأسباب الواردة في المادة 22 والمبينة أعلاه وتبين أن الفسخ تسبب بضرر لصاحب العمل (المادة 18) أو في حال أخلّت في شروط الإنذار (المادة 20)، يتوجب عليها التعويض لصاحب العمل بما يعادل أجر شهرين ولا يزيد عن أجر ستة أشهر وبدل تذكرة سفر. علماً أن قانون العمل اللبناني حدد الحد الأقصى المفروض من الأجيرة في حال فسخها العقد دون وجه حق ببدل أجر شهر بالنسبة إلى العقود التي لا تتجاوز مدتها ثلاث سنوات وببدل أجر 4 أشهر بالنسبة للعقود التي تتجاوز مدتها الثلاث سنوات، أي أقل مما هو مفروض على العاملة بموجب هذا القانون.
بالنسبة لأصحاب العمل
في حال حصل الفسخ لغير الأسباب المبينة أعلاه أو في حال تم لسبب لا يرتبط بأهلية العامل في الخدمة المنزلية أو تصرفه داخل المنزل أو لتقدمه بحسن نية بشكوى إلى الدوائر المختصة، يعتبر بمثابة إساءة لاستعمال الحق يستوجب تعويضا للعاملة لا يقل عن أجر شهرين ولا يزيد عن أجر ستة أشهر (المادة 18).
وفاة صاحب العمل
نصت المادة 21 من مشروع القانون على أنه في حال “طرأ تغيير في حالة صاحب العمل من الوجهة القانونية بسبب الإرث، على الورثة أن يعملوا على تسوية وضع العامل في الخدمة المنزلية”. ليس واضحا ما المقصود من هذه المادة. ماذا يعني بتسوية وضعها؟ هل يعني تأمين تذكرة سفر وترحيلها؟ أخطر تأويل قد يُعطى لهذه المادة (وهو التأويل الأكثر قربا للواقع)، فمفاده نقل عقد العمل بموجب الإرث بمعنى أنه يكون لهؤلاء حق في مواصلة عقد العمل مع العاملة حتى ولو لم ترغب بذلك، على نحو يظهرها بمثابة جزء من الأملاك الموروثة.
حل النزاع
نصت المادة 26 من مشروع القانون على وجوب عرض كل نزاع ينشأ حول تطبيق هذا القانون على وزارة العمل، خلال 15 يوما من نشوء النزاع كحد أقصى، التي عليها أن تبت به خلال مهلة 15 يوما. لا تعتبر العاملة مخالفة لشروط الإقامة طيلة فترة النظر بالنزاع أمام الوزارة على أن تتخذ مكان إقامة معروفا. وفي حال تعذر الوصول إلى حل حبي، يتيح المشروع للفريق المتضرر مراجعة مجلس العمل التحكيمي، علما أنه ينص على إسقاط شرعية إقامة العاملة خلال فترة عرض النزاع أمام المجلس، وذلك على عكس ما نصت عليه المادة عينها خلال فترة عرض النزاع أمام وزارة العمل.
لا بأس في أن يكون لوزارة العمل دور في تسوية النزاع الناشئ عن علاقة العمل، سيما وأن هذا الدور يؤدي عمليا إلى وضع حد لممارسة حالية تنيط بالمديرية العامة للأمن العام القيام بهذا الدور. إلا أن من شأن فرض مرحلة لحل النزاع حبيا أن يفتح المجال أمام تسويات تعقد بين العاملة وصاحب العمل قد تتنازل عبرها العاملة عن جميع أو بعض حقوقها. وهذا ما أظهرته مراجعة الأعمال القضائية[4] في قضايا العاملات في الخدمة المنزلية والتقارير الصادرة في هذا الإطار. على سبيل المثال يظهر من تقرير صادر عن رابطة كاريتاس لبنان بالاشتراك مع منظمة العمل الدولية عام [5]2014 أن نجاح التسوية غالباً ما يتطلب تنازل العاملة عن نسبة كبيرة من حقوقها قد تصل إلى 75% أو حتى 80% وأن هذه التسويات لا تقتصر على القضايا المرتبطة بالأجور المتوجب دفعها للعاملة إنما “تتعداها إلى قضايا ترشح عن خطورة جرمية أكبر (بعضها جنايات)، تمنع من حيث المبدأ التسوية بشأنها لتعلقها بالحق العام” مثل الضرب والإيذاء والاغتصاب. والجدير ذكره أن التسوية تؤدي إلى منع محاكمة صاحب العمل المسؤول عن هذه الانتهاكات وبالتالي إلى إفلاتهم من العقاب من جرائها. إن القلق من خطورة التسويات مشروع سيما في ظل شبهة الانحياز للهيئات الرسمية وطول أمد الدعاوى وعدم ضمان القانون للعاملة شرعية إقامتها في حال قررت اللجوء إلى القضاء.
خلاصة
ربما الإيجابية الوحيدة الذي يأتي بها القانون تتمثل بوجوب إنشاء دائرة المساعدات الاجتماعيات تقوم بضبط المخالفات لأحكام هذا القانون ونصوصه التطبيقية يحق لها القيام بزيارات دورية إلى المنازل التي تستخدم عمالا في الخدمة المنزلية والاطلاع على السجلات، والاستماع إلى العاملة، صاحبة العمل (المواد 39، 41،42،43). فمثلما سبق وأشرنا إليه، يتجاهل مشروع القانون تجاهلا تاما نظام الكفالة. وهو لم يتطرق إلى الإشكاليات والإنتهاكات الناتجة عنه والمرتبطة جوهريا به، مثل حق العمالة بتغيير صاحب العمل وشرعية إقامتها، أو حقها في الاحتفاظ بأوراقها الثبوتية. تنص المادة 46 من مشروع القانون على “إلغاء جميع القوانين والأنظمة المخالفة لأحكام هذا القانون والتي لا تتفق مع مضمونه”. فهل تشمل هذه النصوص التعاميم الصادرة عن المديرية العامة للأمن العام والتي تشكل صلب نظام الكفالة؟ أم هي غير مشمولة كون مشروع القانون لا يأتي أصلا على ذكر أي من هذه الحالات؟ ما هي أهمية العمل التشريعي إن لم يهدف إلى تغيير منظومة جوهرها قائم على الاستغلال؟ أليس في ذلك تكريسا لنظام الكفالة ومحاولة أخرى لقوننته؟ تهدف قوانين العمل إلى تعديل موازين القوة بين الأجراء وأصحاب العمل، لصالح الطرف الأضعف أي الأجراء وليس لتكريس علاقة القوة القائمة وشرعنتها، كما سيتحصل من مشروع القانون هذا،في حال إقراره.
[1] هذا المقال يعتمد الحيادية الجندرية. وتاليا التأنيث بالجمع أو من دون الدلالة على شخص بعينه تشمل الذكور والإناث على حد سواء.
[2] سيلفيا فديريشي، أجور مقابل الأعمال المنزلية، الترجمة العربية لمشروع الألف، عام 2018، النسخة الإنجليزية منشورة عام 1974
[3] نزار صاغية، مضبطة إتهام برسم النيابة العامة: نعم، نحن نُتْجر بالبشر، المفكرة القانونية، العدد 43، تشرين الأول 2016
[4] سارة ونسا، حكم جزائي يرفض تهميش دور القاضي في حماية حقوق عاملات المنازل، ويبطل مقايضة تنازل “كفيل” عن عاملة منزلية بتنازلها عن حقوقها، المفكرة القانونية، العدد 12، كانون الأول 2013
[5] سارة ونسا، تقرير كاريتاس عن المساعدة القانونية لعاملات المنازل: التسوية غير المنصفة للنزاعات، كجزء من نظام الكفالة، المفكرة القانونية، العدد 20، أيلول 2014