عقدت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور يوم السبت الماضي الموافق 29-7-2017 على تمام الساعة الرابعة جلستها الرابعة والسبعين في مقرها بمدينة البيضاء الليبية شرق البلاد حيث حضر الاجتماع 44 عضو من أصل 58 عضو مما يعني توفر النصاب القانوني لعقد الاجتماع وتم التصويت على مسودة الدستور بواقع 43 عضو مع رفض عضو واحد وتكونت المسودة من إثني عشر بابا و197 مادة.
وقد صرح الناطق الرسمي للهيئة الصديق الدرسي: «تم التصويت على مسودة مشروع الدستور ولا مجال للتراجع». كما اكدت عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، نادية عمران ((إن الهيئة أقرت بشكل نهائي مسودة الدستور من خلال موافقة 43 صوتًا)).[1]
وفور انتشار خبر التصويت على المسودة، انتشرت أخبار متضاربة عن محاصرة الهيئة التأسيسية من قبل مجموعة من الرافضين للمسودة وتنوعت الأخبار بين أن محاصري القاعة مسلحين وأخبار أخرى تقول أنهم متظاهرون مدنيون. وتبين أن لا وجود لمجموعة مسلحة بل عشرات المحتجين على المسودة قد تظاهروا أمام مقر الهيئة بعد سماعهم بعملية التصويت.
وفي ذات السياق صرح لقناة بانوراما عبد الهادي بوحمرة مؤكدا واقعة المحاصرة واحتجازهم داخل القاعة[2] فيما أكدت مواقع إخبارية أخرى عن شهود عيان أن نشطاء بالجبل الأخضر نظموا تظاهرة احتجاجية، اليوم السبت، أمام مقر الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور بمدينة البيضاء، رافضين التصويت على المسودة الحالية.[3]
وبعيدا عن كل هذا، يتضح لنا فعلا أن التصويت لم يكون سهلا ومر بمخاض عسير خاصة بعد مقاطعة عشرة أعضاء من الهيئة للجلسة ورفضهم للتصويت بواقع ثمانية من برقة وواحد من مصراته وواحد من الزاوية. وفي ذلك قال عضو الهيئة عن إقليم برقة الدكتور عبدالحميد جبريل «10 أعضاء ممثلين عن إقليم برقة رفضوا انعقاد الجلسة؛ بسبب عدم تضمين مطالبهم»، مشيرًا إلى أن الأعضاء هددوا بتعليق عضوياتهم في الهيئة.[4]
كما علق ممثلا مكون التبو المقاطعان لأعمال الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، خالد وهلي والسنوسي حامد، معتبرين أنها «تخالف مبدأ التوافق مع التبو».
وقال وهلي وحامد، في بيان أصدراه اليوم الأحد: «يعلم الجميع أن الإعلان الدستوري الموقت وضع مبدأ اتخاذ قرارات الهيئة وفقًا لمعادلة توافقية صريحة تجمع ما بين الأغلبية والأقليات القومية بحيث لا تهيمن الأغلبية على الأقليات، وذك بأن تصدر الهيئة قراراتها بالثلثين زائد واحد مع وجوب التوافق مع التبو والطوارق والأمازيغ، وهذه المعادلة هي الشرعية الوحيدة بكل المقاييس لتأسيس دولة ليبيا الجديدة».[5]
بينما صرح عضو الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور، عن مصراته، محمد عبد الرحمن بالروين، «إنه يجب علينا أن نرفض كتابة الدستور من منطلق الخوف مهما كانت الظروف وعلينا رفض كل مشروع يعمق الانقسام والجهوية، ولا يتم التداول عليه ومناقشة ولو مادة واحدة فيه، ويتم عن طريق التحايل وإبرام الصفقات الشخصية»، كما «يجب أن نرفض كل مشروع لا يتضمن أسباب ومبررات اختيار مواده دون غيرها».
وتساءل بالروين: «هل يعقل يا سادة أن رئاسة الهيئة المحترمة وأنصارها أصروا على التصويت على المشروع كحزمة واحدة، ودون قراءته والاطلاع عليه؟ وهل يعقل يا رفاق أن نؤسس دولتنا الحديثة على هذا المنطق وبهذه الأساليب؟»
وانتهى قائلاً: «على أهالينا في كل ربوع الوطن ألا يقبلوا هذه الأساليب غير التوافقية، التي لا تمت للديمقراطية بصلة».[6]
وتبلغ ذروة الإثارة بعد محاصرة الهيئة وتراجع رئيس الهيئة التأسيسية عن اعتماد واقعة التصويت ودعوته الأعضاء إلى اجتماع يوم الأحد لإعادة التصويت على المسودة. إلا أن رئيس الهيئة عاد وصرح بعد يوم من الأحداث أن التصويت نهائي ولا توجد جلسة أخرى وأن المراسلة التي جرى توقيعها يوم أمس جاءت تحت الضغط، ولضمان خروج المحتجزين من أعضاء الهيئة بسلام، خاصة أن المتظاهرين كانوا محتقنين، ويطالبون بإلغاء التوقيع الذي تم على مسودة الدستور.
وأوضح عبد السيد أنه سيتم إرسال نسخة من الدستور لكل من البرلمان، والمفوضية العليا للانتخابات، التي تلعب الآن دورا مهماً جدًا للتوعية ولكل مفاصل الدولة وحكوماتها بالكامل؛ «لأن هذا دستور لكل ليبيا»، مشيرًا إلى إرسال نسخة أيضًا إلى الأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية للاطلاع.[7]
وبعد عملية التصويت، ثار الحديث حول جاهزية المفوضية العليا للانتخابات للقيام بعملية الاستفتاء والتي أعلنت فور مخاطبتها من رئيس الهيئة التأسيسية عن جاهزيتها تنظيم استفتاء وتمكين الشعب الليبي من ممارسة حقه الدستوري، إلا أنها تشترط إصدار قانون ينظم العملية.
وذكرت المفوضية في بيان أنها تسلمت كتابًا من رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور يطالب فيه المفوضية باتخاذ الإجراءات اللازمة لتمكين الشعب الليبي من ممارسة حقه الدستوري، وقول كلمته الفصل في مشروع الدستور من خلال الاستفتاء.[8]
وعلى المستوى الرسمي، أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، مساء أمس الأحد ترحيبه بإقرار الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور مسودة الدستور الليبي، داعيًا الأطراف المعنية إلى تهيئة الظروف للاستفتاء الشعبي مؤكدا على ضرورة احترام الجميع حرية الرأي والتعبير، وحماية حقوق الليبيين جميعًا في اختيار نهج حياتهم دون ترهيب أو تهديد .[9]
وقد كان تفاعل المجتمع الدولي سريعا مع هذه الاحداث حيث عبّرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن «عدم رضاها بشأن التقارير التي تفيد بوقوع اعتداء على مقر الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور». وقالت البعثة، عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» إنها «تعبر عن عدم رضاها بشأن التقارير التي تفيد بوقوع اعتداء على مقر الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، كهيئة منتخبة ومستقلة»، داعية إلى ضرورة «السماح لها بالعمل دون تهديد أو تدخل»[10].
كما غرد السفير البريطاني بيتر ميليت في تويتر «التخويف والتهديد باستخدام العنف ليست طريقة لبناء الديمقراطية في ليبيا، وجاء تصريح ميليت على خلفية الاحتجاجات التي واكبت اجتماع الجمعية التأسيسية للدستور في البيضاء. مساء السبت، أدعو لضبط النفس، وأدعم بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا».[11]
ويبقى اللاعب الرئيسي صامتا حتى الآن وهو مجلس النواب الذي يقع عليه عبء إصدار قانون الاستفتاء وعرض المسودة للاستفتاء الشعبي. ويبدو أن هذه المسألة لن تكون سهل في ظل عجز رئيس مجلس النواب عن عقد جلسة مكتملة النصاب منذ مدة طويلة إضافة، لانقسام نواب المجلس بين داعمين للاتفاق السياسي ورافضين له مما أثر على أداء المجلس منذ فترة طويلة وجعله عاجزا على القيام بواجباته الدستورية والتشريعية.
[1] يواية الوسط الاخبارية
[2] قناة بانوراما الفضائية
[3] قناة المرصد الاخباري
[4] بوابة الوسط الاخبارية
[5] بيان أعضاء الهياة التأسيسية من مكون التبو
[6] الصفحة الشخصية على الفيس بوك لعضو الهيأة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور عن مصراته محم بالروين
[7] موقع بوابة الوسط الاخباري
[8] الصفحة الرسمية للمفوضية العليا للانتخابات على الفيس بوك
[9] المكتب الاعلامي لحكومة الوفاق الوطني
[10] الصفحة الرسمية لحساب بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا في الفيس بوك
[11] صفحة سفير المملكة المتحدة في موقع التواصل الاجتماعي تويتر