“
عيّن مجلس الوزراء اللبناني أخيراً أعضاء “الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان”، في جلسته المنعقدة بتاريخ 21 أيار 2018. يأتي هذا التعيين، بعد حوالي السنة والنصف من إقرار قانون إنشائها في مجلس النواب بتاريخ 19 تشرين الأول 2016.
تتشكل الهيئة من سبع فئات، وقد تم اختيارهم على الشكل الآتي:
- خليل أبو رجيلي، بصفته قاضيا سابقا،
- المحاميان رنا الجمل وريمون مدلج عن فئة المحامين،
- الطبيب بلال صبلوح عن فئة الأطباء الشرعيين،
- الطبيبة جوزفين ماضي سكاف، عن فئة الأطباء لمختصين في علم النفس،
- فضل ضاهر، عن فئة الأساتذة الجامعيين المختصين في حقوق الإنسان أو الحريات العامة،
- علي يوسف، عن فئة الصحافيين،
- بسام القنطار، رضا عازار، فادي جرجس من مظمات المجتمع المدني.
يشكل تعيين أعضاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان خطوة مهمة على صعيد تحسين واقع حقوق الإنسان والحريات العامة في الدولة، وفقاً لما تتمتع به من صلاحية وفقاً للقانون. إلا أن الإعلان عن أسماء الأعضاء المعينين، ترافق مع ملاحظات وتساؤلات عديدة تتعلق بمعايير تعيين هؤلاء وأيضا بمضمون المرسوم الذي خلا من تعيين أعضاء لجنة مناهضة التعذيب التي تشكل جزءا لا يتجزأ من أعمال الهيئة وتركيبتها.
من اللافت أيضا أن التعيينات حصلت من دون أن يصدر مرسوم بتحديد تعويضات أعضاء الهيئة الذين يفترض تفرغهم لأعمالها. فكيف يباشر هؤلاء أعمالهم من دون أن يعلموا ما هي التعويضات التي ستسدد لهم والتي يفترض أن تشكل راتبهم الوحيد؟ وقد رأى عدد من المراقبين أن الإرتجال في إصدار المرسوم من دون إحاطته بضمانات نفاذه، يعود لرغبة الحكومة في التجاوب مع المطالب التي عبرت عنها الدول المانحة في مؤتمر سيدار بوجوب إبداء المزيد من الإهتمام بحقوق الإنسان. لذا تذكرت الحكومة أن لديها أسماء محالة منذ حوالي التسعة أشهر، فعينت منها ما إرتضته.
وما يزيد التساؤلات في هذا الصدد هو أن المرسوم ما يزال غير منشور رغم انقضاء أكثر من شهر من المصادقة عليه في مجلس الوزراء.
بتر في الصلاحيات: أين لجنة مناهضة التعذيب؟
إنشاء “الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان” يعتبر إحدى الركائز الأساسية لإنفاذ “الخطة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان (2013 – 2019)”[1] التي وضعتها لجنة حقوق الإنسان النيابية عام 2013.[2] تعمل الهيئة – وفقاً لقانون إنشائها- على “حماية حقوق الإنسان وتعزيزها في لبنان وفق المعايير الواردة في الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، والقوانين اللبنانية المتفقة مع هذه المعايير”. وفق القانون، هي هيئة مستقلة، يتمتع أعضاؤها بضمانات عدة، على رأسها عدم إمكانية إقالة أعضائها.
تضم الهيئة وفق القانون في الوقت نفسه “لجنة الوقاية من التعذيب“[3] التي التزم لبنان بإنشائها عند تصديقه البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وكل أشكال المعاملة السيئة والمهينة، وكان يفترض به القيام بذلك منذ عام 2009 (خلال عام من المصادقة).
وفي هذا السياق، نص القانون على أن خمسة من أعضاء الهيئة يكونون أعضاء في اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب، وهم يعينون جميعاً بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء (…). ويفهم من هذا النص أن تعيين أعضاء اللجنة كان يجب أن يتم في نفس مرسوم تعيين أعضاء الهيئة ومن بينهم.
إلا أن هذه المسألة لم تكتمل، بالرغم من تعيين أعضاء “الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان”، بحيث خلا مرسوم تشكيل الهيئة من تعيين أعضاء اللجنة. ويخشى أن يؤدي ذلك إلى تعطيل بدء أعمال اللجنة لأشهر أو سنوات إضافية.
يلحظ أن لجنة الوقاية من التعذيب تتمتع بصلاحيات هامة، لعل أبرزها، صلاحية زيادة السجون من دون سابق إنذار. ومن مهامها “حماية الأشخاص المحتجزين والمحرومين من حريتهم وفقاً للقانون، ولإلتزامات لبنان بموجب (إتفاقية مناهضة التعذيب)”. ما يعزز دور الهيئة، هو إنشاءها بعد إقرار قانون مناهضة التعذيب عام 2017.[4]
الشفافية: ضمانة مفقودة خلال التعيينات
تحدد المادة الثانية من قانون إنشاء الهيئة، آلية واضحة لتعيين أعضائها. وهي مؤلفة من 10 أعضاء، خمسة منهم يؤلفون اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب. يتم تعيينهم بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء لمدة 6 سنوات غير قابلة للتجديد، من لائحة تقترحها الهيئات المعنية والمحددة في القانون.
وتنص المادة على أن “يتم إختيار اثني عشر عضواً من الناشطين في حقوق الإنسان تسميهم اللجنة النيابية لحقوق الإنسان، بناءً على ترشيحات مقدمة من منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان، على أن يتم تزكية كل مرشح من ثلاث جمعيات لبنانية على الأقل”.
وعلى هذا الأساس، اختارت لجنة حقوق الإنسان بتاريخ 30 آذار 2017، أسماء 12 مرشحاً من قبلها، هم: “سوزان جبور، فاضل ضاهر، فهمية شرف الدين، عمر نشابة، وداد حلواني، إيلي الهندي، وديع الأسمر، ربيع قيس وشارل سركيس”، بالاضافة إلى القنطار وعازار وجرجس، الذين تم تعيينهم.تقول جبور (رئيسة منظمة مركز ريستارت لتأهيل ضحايا التعذيب) لـ “المفكرة” أن “مسار الأمور كله لم يكن شفافاً، إنطلاقاً من لحظة التسميات من قبل الهيئات وصولاً إلى الإختيار النهائي”. تضيف “أمانة مجلس الوزراء كان يجب أن تنشر الأسماء التي وصلت لها، نحن اليوم لا نعرف من ترشح وعن أي فئة”. هذا وتؤكد جبور أنه تمت مطالبة الحكومة بـ”نشر الأسماء التي وصلت إليها من مختلف الهيئات لكي لا يأخذ الموضوع طابعاً سياسياً أو طائفياً”. هذه الضبابية لا تتحملها الحكومة وحدها، إنما أيضاً “الهيئات التي سمّت أشخاصا من جهتها، كان عليها أن تعلن بطريقة واضحة عن كيفية ومعايير الإختيار، وأن تنشر كل هذا بالإضافة إلى الأسماء التي إختارتها”.
ضربة “للمجتمع المدني”
“مع احترامنا لكل الأسماء، لكن المجتمع المدني ضُرب في هذه التشكيلة، ذلك أن الذين نظموا حملات ضغط ويعملون باستمرار في القضايا المتعلقة بمناهضة التعذيب لم يتم تعيينهم” تقول جبور.
أسماء عديدة برزت على خلفية نشاطها الحقوقي لسنوات طويلة مضت، داخل لبنان، لم يتم تعيينها. وحده الصحافي والناشط البيئي بسام القنطار يبدو إسمه مألوفاً ضمن فئة منظمات المجتمع المدني. بالمقابل يتبين من خلال إتصال أجرته المفكرة مع عازار أنها خلال عملها كمندوبة لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تشكلت لديها الخبرة المتعلقة بالسجون. وهي لم تعمل ضمن أي سجن لبناني، بل في “العراق ومالي وأيضاً عملت على ملف غوانتانامو عندما كانت في الجزائر”. وقد بقي الإتصال بـ “فادي جرجس” غير ممكن، لا سيما أن باقي المرشحين وحتى المعينين لا يملكون معلومات حوله، سوى ما أشار إليه أحدهم لناحية عضوية جرجس السياسية ضمن التيار الوطني الحر. ويظهر البحث عن إسم “فادي رومانوس جرجس” أنه سحب ترشيحه من الانتخابات النيابية في سنة 2009 لمصلحة التيار الوطني الحر.
هكذا تظهر أزمة الشفافية المنعدمة، والتي تتفاقم مساوئها في ظل الآلية المحددة لإختيار فئة منظمات المجتمع المدني. تعتبر جبور أن هذه الآلية تفتح المجال أمام “التسلل إلى هذا المجال”. ذلك أن “القانون لم يحدد ضمن أي معيار تعد منظمات المجتمع المدني معنية بحقوق الإنسان”. وهو، أي القانون “لم يضع معايير واضحة لإختيار الأعضاء ضمن هذه الفئة، بالتالي فتحت المجال لتسلل أشخاص من المجتمع الأهلي بمجرد حصولهم على 3 تزكيات من 3 جمعيات لبنانية، وأكيد حصل ذلك”.
بنفس المعنى يعتبر القنطار أن “عدد الجمعيات الموجودة في لبنان يسمح لأي شخص من الحصول على ثلاث تزكيات، أنا حصلت على 163 تزكية مثلاً”. يضيف أنه “هناك حاجة لتصنيف الجمعيات وفقاً لمعايير واضحة تبين مدى عملها على قضايا حقوق الإنسان، بعد إستشارة هذه المنظمات لناحية تحديد المعايير”.
مرشحو “اللبنانية” لم يعينوا
يظهر بين أسماء المعينين إسم الأستاذ المتقاعد في الجامعة اللبنانية “فاضل ضاهر”. تعيين ضاهر أثار إشكاليتين: أولاً كونه ضابطا سابقا وهو الأمر الذي لا يحبذه عدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان، وقد عبروا عن ذلك عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الإجتماعي. أما الإشكالية الثانية فتتعلق بتعيينه عن فئة أساتذة الجامعة اللبنانية، بعدما كان قد برز إسمه بين المرشحين من قبل لجنة حقوق الإنسان النيابية عن فئة منظمات المجتمع المدني. وهو ما يستدعي السؤال حول كيفية إنتقاله من فئة إلى أخرى، وبالتالي عما حصل للمرشحين من قبل مجلس عمداء الجامعة اللبنانية عن هذه الفئة وهم: حليمة قعقور، رندة فخري وحسن جوني؛ والذين كان يفترض اختيار أحدهم.
توضح قعقور، أنه “قبل الترشيح الأخير، كل فرع من فروع الكلية رفع إلى عميد الكلية السيَر المهنية للأساتذة الذين يعلّمون مواد حقوق الإنسان”. بدوره قام العميد برفع “كل الملفات إلى رئاسة الجامعة”. ما تعرفه قعقور أن الملفات التي أحيلت إلى العمادة كانت “حوالي المئة، تمت الغربلة إلى 10 ثم إلى 6، من بين الـ 6، رشح مجلس العمداء ثلاثة”. تشير الأستاذة إلى ضبابية المعلومات التي حصلت عليها عندما سألت في رئاسة الجامعة حول مصدر الاسم الذي تم تعيينه، وكيفية إستبعاد الذين رشحتهم الجامعة. فكل ما ذكر على مسمع قعقور هو أن “فاضل سمي في رئاسة الجامعة، وربما تم استمزاج رأي مجلس العمداء في ذلك”. هذه معلومة تبقى بكل الأحوال غير رسمية، لكنها تطرح عدة تساؤلات حول شفافية رئاسة الجامعة أمام الأساتذة. تنتهي قعقور إلى القول :”كنا نعلم بوجود تدخل سياسي، ولكن ما لم يتبادر إلى بالنا أن يتم إقصاؤنا جميعاً وتسمية شخص من خارج الثلاثة المرشحين بالكامل”.
فخري أيضاً بادرت إلى السؤال في الرئاسة بصيغة غير رسمية، لكنها لم تلق جواباً بعد. تقول للمفكرة أن ما حصل “على الأقل يستحق توضيحاً”. حيث أنه من “المستغرب إستبعاد الجامعة اللبنانية التي كرس لها القانون عضوية في الهيئة، بالتالي الاستخفاف بمكانة هذه الجامعة”.
من جهته يوضح ضاهر في إتصال مع المفكرة أن ترشيحه لعضوية الهيئة جاء من جهتين: “مجلس النواب، ضمن الـ 12 الذين رشحتهم لجنة حقوق الإنسان هذا من جهة، ومن جهة ثانية من قبل مجلس الجامعة”. يضيف ضاهر أن ترشيحه تم “من قبل مجلس الجامعة وإلى جانبه اسمين لا يعرفهما، وذلك بعدما رد مجلس الوزراء الأسماء الثلاثة الأول كونهم متفرغين ضمن الجامعة”.
تؤكد أمانة سر رئاسة الجامعة أنه “تمت تسمية 3 أساتذة في البداية”. لكن يبدو أن مجلس الوزراء ” أرسل كتاباً يوضح فيه أن عمل اللجنة يعني التفرغ ضمنها، مشيراً إلى الجامعة لتقديم أسماء أخرى”. عندها، وفقاً لامانة السر، “اقترحت الجامعة ثلاثة أسماء أخرى من المتقاعدين، ارفقتها بالثلاثة الأول بحيث يختار المجلس من الستة”.
هذه الرواية تجد نقدها عند قعقور:. فـ”الأستاذ جوني ضمن ملاك الجامعة، بالتالي لا خوف على تفرغه (تدرجه ضمن التفرغ)”. السؤال الأهم بالنسبة للأساتذة: “ألا يسأل الأستاذ الذي تم ترشيحه عن رغبته، ربما تخلى عن التفرغ، هذا القرار يعود لنا نحن ولا يؤخذ بدلاً عنا”. من جهتها تستغرب فاخوري أن يتم تداول هكذا كلام (سؤلت قبل أن تجيب أمانة سر رئاسة الجامعة). بالنسبة لها “للرئاسة أن تعلق درجات الأستاذ المتفرغ إلى حين عودته إلى التعليم أو أن تحتسب درجاته على إعتبار أن عمله ضمن الهيئة يستأهل له ذلك”.
بهذا المعنى تكون الحجة التي تقدمها الجامعة غير مطابقة للنص القانوني الذي لم يشترط على الأستاذ أن يكون متقاعداً. بالمقابل أشارت إلى ضرورة كون القاضي متقاعداً. بهذا المعنى، فإن شرط تفرغ أساتذة الجامعة اللبنانية للعمل ضمن اللجنة، يتطابق مع التفرغ المفروض على كل باقي الأعضاء. وهذا التفرغ المؤقت (6 سنوات غير قابلة للتجديد)، يستدعي تعليقاً لمهامهم ولا حاجة لإقالتهم بأي شكل من الأشكال. والسؤال الأهم هنا، هل أخطأ قراءة النص القانوني مدراء خمسة فروع في كلية الحقوق ومعهم عميد كلية الحقوق الذي رفع الأسماء الستة الأخيرة إلى مجلس العمداء؟ هل أخطأ كل هؤلاء القانونيين فأرسلوا أسماءً لا تنطبق عليها الشروط، ليصحح لهم مجلس الوزراء هذا الخطأ؟ هل تبدو هذه المعادلة مقبولة بالنسبة لرئاسة الجامعة اللبنانية؟
طائفية راسخة، وخطوة نحو المساواة الجندرية
إذن بات واضحاً أن القانون وضع آلية مفصلة لتعيين الأعضاء. تقوم هذه الآلية على ترشيح كل جهة من الجهات التي يسميها القانون لعدد محدد من أعضائها، على أن تجتمع كل الترشيحات لدى أمانة مجلس الوزراء.
الأخير يختار من ضمن المرشحين عن كل جهة العدد اللازم قانوناً ضمن الهيئة. بهذا المعنى، ترك القانون القرار الأخير للسلطة التنفيذية لإختيار الأعضاء. إقرار هذه المادة كان محلاً للتساؤل عن أثره لناحية تطبيق الأعراف الطائفية على هيئة طبيعتها حقوقية. أي، هل أقر القانون هذا المنحى بهدف ترك سلطة الحكومة محكمة على فرض المحاصصة الطائفية على الموضوع؟
إلى ذلك، جاء النص القانوني واضحاً لناحية ضرورة أن “يراعى في إختيار الأعضاء تمثيل الجنسين”. ولم يشر النص فيما يتعلق بهذه المسألة إلى نسبة التمثيل، ولا إلى المناصفة. بالتالي تركت هذه المسألة بدورها لمجلس الوزراء الذي رأى التوازن محققا بتعيين 3 نساء من أصل عشرة أعضاء.
بالمقابل، لم يتردد مجلس الوزراء بفرض الصيغة الطائفية، فالمناصفة واضحة في تعيين الأعضاء. حيث أن الأعضاء العشرة ينقسمون مناصفةً بين مسلمين ومسيحيين مع مراعاة المذاهب كافة، وهي صيغة عرفية يتم إسقاطها على كل التعيينات من دون سند قانوني.
وهذا ما يؤكده رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر في بيان صادر عنه حيث جاء فيه: “خطوة تعيين أعضاء الهيئة لم تسلم من المحاصصة الطائفية والسياسية”. وهو أمر يؤكده القنطار: “إلى جانب المعايير التي يحددها القانون، يبرز المعيار الطائفي، فالنصف مسلم والنصف مسيحي، وضمن كل نصف تتوزع الطوائف حصصها”. يضيف القنطار، أن “الخمسة المسلمين – مثلاً- موزعين إثنان من الطائفة السنية، وآخرين من الطائفة الشيعية، وعضو من الطائفة الدرزية”.
خطوتان في مسار الألف ميل
يفرض القانون أن “يتفرغ الأعضاء لعملهم في الهيئة ويحظر عليهم ممارسة أي عمل آخر خلال توليهم مهامهم”. هذا الشرط ضروري جداً لتتمكن الهيئة من القيام بدورها على أكمل وجه. غير أن الوصول إلى هذه الغاية يستدعي أن يكون الأعضاء المعينون على علم مسبق، قبل إستلامهم لوظيفتهم الجديدة، بالتعويضات التي سيتقاضونها عن عملهم، سيما أنهم سيخسرون أي دخل آخر لهم. وهو ما يستدعي أن يتحمل مجلس الوزراء مسؤوليته بإصدار مرسوم التعويضات قبل إصدار مرسوم التعيينات، وربما حتى قبل دعوة الأشخاص لتقديم ترشيحاتهم.
هذا الأمر لم يحصل. وعليه، يرجح أن تبقى إنطلاقة الهيئة معلقةً على إصدار عدد من المراسيم.
وفي هذا الإطار، يتخوف القنطار من عدم إلتزام الحكومة بالمهل، وإلا “لما إنتظرت سنة ونصف السنة لتعيين الأعضاء”. والأدهى أن هذا التعيين المتأخر تم في الجلسة الأخيرة للحكومة قبل تصريف الأعمال، بالتالي إستئناف العمل على كل المراسيم اللاحقة اللازمة لتفعيلها يبقى معلقاً إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة. وتحتاج الهيئة إلى “خطوات عديدة تبدأ بإقرار مرسوم الرواتب والتعويضات، ثم تحديد باب خاص لها ضمن الموازنة لتمويلها، وبعدها تعيين موظفين إداريين ضمنها”. إذن “أمامنا رحلة ومعركة طويلة لتبدأ الهيئة العمل”.
من جهتها تتأمل جبور أن “لا تكون تجربتنا مثل دول عربية أخرى، حيث أنشئت الهيئة ثم عرقل عملها من خلال خلق حالة من محدودية الموارد والخبرات”.
[1] – سعدى علاو، الخطة الوطنية لحقوق الانسان: إرتجال حيناً وطوباوية حيناً آخر، المفكرة القانونية، 4/2/2013
[2] -الخطة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان 2013-2019.
[3] – سوزان جبور، أخيراً اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب، المفكرة القانونية، 11/11/2016
[4] – إلهام برجس: إقرار قانون مناهضة التعذيب خطوة هامة إلى الأمام، المفكرة القانونية، 18/10/2017. أيضاً إلهام برجس، الممثل الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للمفكرة: غموض في التحقيقات وقلق من اختصاص المحكمة العسكرية في قضايا التعذيب، المفكرة القانونية 18/10/2017
“