“
رفعت الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري أمس في 27 حزيران 2019 صوتها المعارض لتنفيذ سد بسري إلى أعلى مستوى، معلنة ما يشبه حالة طوارئ تستوجب استدعاء تدخل الرؤساء الثلاثة في البلاد لمنع مجلس الإنماء والإعمار من المضي في تنفيذ المشروع الذي يكلف كحدّ أدنى مليار و200 مليون دولار.
ولم تكتف الحملة، التي أظهرت جدية علمية دقيقة في ردها على التقارير التي نشرها مجلس الإنماء والإعمار حول السد، بالرد على الادعاء لجهة جدواه الاقتصادية، بل أيضا لجهة المخاطر الجيولوجية الناجمة عنه. وقد دعت الحملة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى اعتبار مؤتمرها الصحافي بمثابة إخبار في تصرف حملة مكافحة الفساد التي يحمل لواءها.
وبعدما قامت الحملة بدراسة كل التقارير التي نشرها مجلس الإنماء والإعمار عن السد، “والتي لا تشمل سوى أقل من 40% من النقارير والدراسات المنفذة حوله”، كما أفاد أعضاء الحملة أمس، مؤكدين إخفاء المجلس نحو 50 دراسة وتقرير علمي، طالبت رئيس مجلس النواب نبيه بري ب “تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للنظر والكشف عن كامل الارتكابات والفضائح في ملف مشروع سد بسري”.
وإثر تفنيدها أداء مجلس الإنماء والإعمار في مجمل مسار مشروع سد بسري، توجهت الحملة إلى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، بصفته وصياً على المجلس، لتطالبه ب “تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للنظر والكشف عن كامل الارتكابات والفضائح في ملف مشروع سد بسري”.
وفي ضوء ما وصفته ب “إخفاء الدراسات العلمية والانتهاكات والارتكابات والتلاعب في نتائج التقارير العلمية وتحريف الحقائق وتغيير الخلاصات العلمية حول وقوع سد بسري على فالق زلزالي ناشط”، طالبت أيضاً وزير العدل ب “الإيعاز لدى القضاء المختص بفتح تحقيق فوري يكشف عن كامل الارتكابات في ملف مشروع سد بسري وسوق المرتكبين إلى العدالة، وبالإيعاز لمجلس شورى الدولة للإسراع بالبت في الدعوى المقدمة أمامه ضد المشروع”.
وتمنت الحملة أن “ينصت البنك الدولي بشخص نائب رئيسه فريد بلحاج ومديره الإقليمي ساروج كومارجاه بتجرد وموضوعية لصوت التقارير والحقائق العلمية الدامغة، بدل التسويق لمشروع خطير وأخرق، أصبح في دائرة الشبهة الجرمية والفضيحة الموصوفة والتي قد ترتب على البنك الدولي تبعات التلاعب بمصائر الشعوب وأموالها”.
وجاء رد الحملة في 27/6/2019 خلال مؤتمر صحافي عقدته مع الحركة البيئية اللبنانية بحضور رئيسها بول أبي راشد، في نقابة الصحافة، بحضور نائب منطقة جزين إبراهيم عازار، وعدد من الخبراء والناشطين المعارضين لسد بسري وأعضاء الحملة.
مربك مجلس الإنماء والإعمار
“مربك مجلس الإنماء والإعمار”، بهذه العبارة وصف منسق الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري رولان نصور ما أسماه “تبرير المجلس تدمير مرج بسري وجر المياه المسرطنة إلى بيروت وجبل لبنان وتقسيم الأرباح بين المتعهدين وشركات الإسمنت وأمراء الفساد وإنفاق مليار و200 مليون دولار أغلبها ديون ستترتب على كاهل المواطن”. وركز نصور في رده على التقارير التي نشرها المجلس على 6 نقاط:
1- في الجدوى الإقتصادية:
تدّعي دراسات سد بسري أنّ مياه السدّ سوف تُنقل إلى المنازل في بيروت وجبل لبنان عبر الجاذبية، من دون الحاجة إلى أيّ مضخات. في الواقع تنفي تقارير أخرى للمجلس نفسه هذا الأمر، مؤكدة الحاجة لمحطات ضخ في الدامور والناعمة وعرمون وخلدة والقبّة والشويفات وكفرشيما والحازمية والحدث وبعبدا، ما يرتّب تكاليف إضافية باهظة للتشغيل والصيانة، سوف يدفع ثمنها المواطن اللبناني زيادة في تعرفة المياه. ولا تلحظ دراسة الجدوى الإقتصادية للمشروع تكاليف جرّ المياه ومعالجتها في محطّة الوردانيّة. ولم تقدّم أرقاماً دقيقة لكلفة المتر المكعّب الواحد من مياه سد بسري على المواطن في بيروت وضواحيها.
2- في الحاجة للمياه:
تستند دراسات مجلس الإنماء والإعمار في تقدير الحاجة للمياه إلى استراتيجيّة وزارة الطاقة الصادرة سنة 2012، والتي تدّعي أنّ لبنان يعاني من شحّ مائي خطير يحتّم بناء عشرات السدود الإضافية. هذه الاستراتيجية تستند إلى أرقام يعلم المجلس أنّها مغلوطة: فالوزارة لم تقم برصد المتساقطات وقياس الينابيع ودراسة الأحواض الجوفيّة وإحصاء الآبار منذ ستّينيّات القرن الماضي. وقد أكّدت دراسات الUNDP والBGR الألمانية، أنّ لبنان لا يعاني من عجزٍ مائي كما تدّعي الوزارة، إنما المشكلة تكمن في سوء الإدارة وتدهور وضع الشبكة.
3- في دراسة تقييم الأثر البيئي:
إنّ دراسة تقييم الأثر البيئي غير مكتملة. فعلى سبيل المثال، لم تلحظ مسوحات التنوّع البيولوجي في أحراش وبساتين مرج بسري سوى خمسين نوعاً من النبات فقط، تحت ذريعة عدم توفّر الوقت الكافي للدراسة، ما أدّى إلى سوء تقديرٍ خطير لقيمة مرج بسري البيئية وللخسائر الناجمة عن تدميره المحتمل. ولم تقم الدراسة بتقدير الخسائر الناجمة عن تقكيك وتدمير خمسين موقعاً أثرياً والقضاء على القيمة الإقتصادية لأكبر وادٍ زراعي في جبل لبنان. وإذ استغربت الحملة موافقة وزارة البيئة على دراسة تقييم الأثر البيئي للسدّ، وضعت الموافقة في خانة التواطؤ ضدّ مرج بسري المصنّف موقعاً طبيعياً منذ العام 1998.
4- في دراسة البدائل:
إنّ دراسات البدائل التي نشرها المجلس لا تلحظ زيادة التغذية من نبع جعيتا الأقرب إلى بيروت وذات نوعية المياه الأفضل من مياه السدود. ورأت الحملة إنّ إعادة تأهيل قناة جعيتا ضبيّة وحدها كفيلة بزيادة التغذية لبيروت الكبرى بنسبة كبيرة وبكلفة معقولة. وأشارات إلى أن الدراسة لا تلحظ البدائل كإستثمار ينابيع أخرى قريبة من بيروت، ولا تنظيم استثمار المياه الجوفية في محيط العاصمة وضبط الهدر والتعديات على الشبكة، ولا تعزيز التخزين الجوفي عبر تنفيذ مشاريع التغذية الإصطناعيّة (artificial recharge).
5- في نوعيّة المياه:
إنّ آخر تحليل لنوعيّة المياه التي يريدون جرّها من القرعون وبسري إلى بيروت الكبرى تعود لسنة 2011، وبالتالي لا يعوّل عليها اليوم، علماً أنّ مياه بسري سوف تختلط بمياه القرعون الآسنة قبل جرّها إلى بيروت الكبرى.
6- في كميات المياه:
يدّعي المجلس تعبئة سد بسري ب 125 مليون متر مكعّب من المياه. هذه الأرقام لا تستند إلى قياسات علميّة دقيقة، فتقارير المجلس اعتمدت على محطات قياس مثبتة على مجرى نهر الأوّلي فقط، فيما تمّ قياس التدفّق على أساسٍ شهري، ما أدّى إلى أخطاء فادحة في تقدير تدفّق الينابيع الكارستية. ورأت الحملة إنّ التقييم الصحيح لتدفق المياه وتوافرها يتطلّب تركيب محطات لمراقبة التدفق اليومي لمدة سنة ماطرة وأخرى جافة على الأقل في جزين ونيحا وباتر وبسري وغيرها، من أجل تقدير كميات المياه المتوقعة في النهر بشكل صحيح.
وشددت على عدم احتواء الدراسات على أي تقييمٍ علمي لتأثير التغيّر المناخي وارتفاع الحرارة على توافر المياه في خزان سد بسري المزعوم ما يجعل من الدراسات الهيدرولوجيّة ناقصة.
من جهةٍ أخرى، قالت الحملة أن المجلس يدعي توافر 60 مليون متر مكعّب سنوياً من مياه القرعون لتضاف إلى مياه بسري في بحيرة جون قبل جرّها إلى بيروت الكبرى. هذه الأرقام مبالغ فيها، فهي تخالف مرسوم توزيع موارد الليطاني رقم 14522 الذي يحدّد 50 مليون متر مكعّب كحدٍّ أقصى للمياه التي يمكن جرّها إلى بيروت، علماً أنّ مشروع قناة 800 سوف يؤثّر سلباً على إمكانيّة تأمين هذه الكميات.
إغفال متعمد ل 56 تقريرا ودراسة
وقسّم دكتور نمر رده على المسار العلمي والدراسات حول مشروع سد بسري إلى أقسام عدة.
1- تأخر نشر الدراسات والتقارير
في الشكل، شدد د. نمر على تأخر مجلس الإنماء والإعمار في نشر الدراسات في 14/6/2019، أي بعد 70 يوما بعد مطالبة مجلس النواب بها في 4/4/2019. وأكد، بعد الاطلاع على كامل التقارير المنشورة، غياب 56 تقريراً غير منشور، وبالتالي يكون قد نشر ما نسبته أقل من 40% من التقارير الجيولوجية المعروفة.
وعاد د. نمر إلى التقارير الرقم 4 و 5 و7 و32 وتقريرين يحتفظ هو بهما لإثبات وجود 56 تقريراً لم ينشرها المجلس. وفند ذلك بأرقام الصفحات ومحتواها. ووضع هذه المعلومات بعهدة لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه في المجلس النيابي.
وفي الشكل أيضاً، تحدث نمر عن القيمين على المسار العلمي لمشروع سد بسري، ليقول: “هناك Independent Dam Safety panel أو اللجنة المستقلة لسلامة السد كما يسميها البنك الدولي، تتألف من 4 أعضاء. تتلخص مهمة هذه اللجنة بالإشراف العلمي والتقني على الدراسات وحسن سير التنفيذ. وهذه اللجنة المستقلة يفرض وجودها البنك الدولي، كونه ممول المشروع، ويأخذ برأيها طوال فترة تنفيذه.
وعليه، وفق نمر، “نجد أن أحد أعضاء اللجنة المستقلة لسلامة السد، وهو د. مصطفى إرديك (تركي) مكلف بأكثر من عمل يقوم به في مشروع السد. هو للحقيقة يتمتع ب 4 صفات ومهام هي:
- عضو اللجنة المستقلة لسلامة السد.
- عضو اللجنة الدولية للسدود الكبيرةInternationl Commission on large dams (ICOLD).
- ممثل مجلس الإنماء والإعمار العلمي كما رأينا في جلسة المجلس النيابي (هو الذي تحدث باسم المجلس). وكما نرى في التقرير رقم 2 المؤرّخ خلال الشهر الماضي (أيار 2019) والذي أخذ مجلس الإنماء والإعمار بخلاصته كما هي، ترجمها وجعل منها بيانه الرسمي عندما نشر التقارير ال 36 في 14 حزيران.
- ملتزم دراسات عن سد بسري لحساب مجلس الإنماء والاعمار، كما هو موثق في التقرير رقم 3.
وأضاف د. نمر “أعتقد أنه يمكننا أن نترك جانباً عضويته في اللجنة الدولية للسدود الكبيرة ( ICOLD)، ولكن كونه عضواً اللجنة المستقلة لسلامة السد، وممثل مجلس الإنماء والإعمار العلمي والمتحدث باسمه، وملتزم دراسات عن سد بسري، تدخلنا في لعبة تضارب مصالح موصوفة لا تطمئن حول سلامة السد والسلامة العامة المترتبة عنه. ووضع المعلومات عن صفة الخبير التركي وتضارب المصالح بعهدة “من يريد أن يسمع”.
2- إخفاء وإهمال وجود فالق زلزالي ناشط
استشهد نمر في تعرضه للمضمون بدراسات وتقارير علمية عارضاً صورا لخرائط لجيولوجيا مرج بسري وطبقاته ألأرضية تؤكد خطورة موقع السد كونه يقع على ملتقى فوالق زلزالية. كما عرض شريحة لصورة تؤكد موقع النقطة التي شهدت ارتكاز زلزال 1956 في المنطقة. في مقابل هذه المعطيات جاء جواب المجلس “أن السد مصمم لتحمل الزلازل وبالتالي لا خوف عليه”.
وتوقف نمر عند ما قالته الحملة للمجلس من أن السد قد يتسبب بزلزال بما هو معروف ب RIS أو الزلزالية الناجمة عن الخزان. فجاء الجواب أنه اذا ما افترضنا أن الفالق موجود أساسا في موقع السد، فهو لا يعتبر فالقا زلزاليا ناشطا، كما لا يتصل بفالق روم.
وفي قراءته لما تحتويه تقارير المجلس المنشورة، و”التي تشكل أقل من 40% من مجموع التقارير الجيولوجية التي نعرف بوجودها ولم ينشرها المجلس”، وفق نمر، أوضح أن الدراسات حول مشروع سد بسري بدأت مع التخطيط في الخمسينات، وفق التقارير 1 و7 و32 . وأوضح أن العمل في الدراسات والتقارير استغرق سنوات طويلة ونفذتها شركات لبنانية وأجنبية.
ومن هذا المعطى انتقل نمر إلى التأسف أن “كل هذا العمل والدراسات والشركات اللبنانية والأجنبية التي عملت على المشروع “ما بيعبّو العين على ما يبدو”، ولذا نجد في الصفحة 4 ومن التقرير الأول 1 أن التقريرين 3 و4 اعتمدا كقاعدة للمعايير الزلزالية ولا شيء ولا غيرهما”.
وللتوضيح، قال نمر “كتب التقرير 3 الخبير التركي بصفته الرابعة كملتزم دراسات عن سد بسري. وكتب التقرير 4 د. عطا الياس الذي يعمل لحساب مجلس الإنماء والإعمار، وكان من ضمن وفد مجلس الإنماء والإعمار في الندوة النيابية في 4/4/2019”. ووثق نمر ارتباط هذين الشخصين بمجلس الإنماء والإعمار في الوقت الذي تعتمد فيه تقاريرهما فقط، فيما جرى الإستغناء عن كل الدراسات والعمل السابق الذي أنجز عن المشروع، وكلف ملايين الدولارات.
ومن هنا، توقف عند ما ورد في الصفحة من التقرير 1 أن الفالق الذي كان ممتداً على الضفة اليسرى من نهر بسري في الدراسات السابقة تم تصنيفه غير ناشط، وليس فرعاً من فالق روم.
وبعد استعراضه لما ورد في الصفحات 9 و10 و11 و 25 من التقرير الرقم 7 ، مع بوسترز لصور جيولوجيا وخرائط، بيّن نمر التناقض حول عدم نشاط الفالق الزلزالي تحت موقع سد بسري في التقريرين 3 و4 اللذين أعدهما الخبير عطا الياس والخبير التركي اللذين يعملان مع المجلس، مع ما هو موثق ومعمتد في النقارير 5 و 6 و 7 و 8 و 9 و 10 و 11 و 12 و 13 و 18 و 25 و 26 و 32 و 35 . وقال “مما يعني في 14 من أصل 36 تقرير منشوراً، وحدهما التقريرين 3 و 4 (للدكتور عطا الياس والخبير التركي) لديهما تفسير آخر عن جيولوجيا السد”.
والأخطر، وفق نمر، يكمن في الصفحتين 70-71 من التقرير 32 (مرفق ب بوستر) حيث هناك إشارة إلى تقرير شركة ECI الأميركية، وتظهر خريطة من التقرير إمتداد فالق روم تحت موقع السد. وطبعاً تقرير شركة ECI الأميركية هو من “ضمن التقارير المغيّبة”.
وبالتالي، قال نمر، فإن الفالق الذي يمر تحت مجرى نهر بسري هو فالق متصل بفالق روم بحسب التقارير الأميركية، وليس كما يزعم خبراء مجلس الإنماء والإعمار.
واستشهد نمر أيضاً بما ورد في التقرير 26 ، كتبه بروفيسور إسباني من جامعة كاتالونيا Prof. Antonio Gens (Geotechnical Eng. ، ويقول أن سد بسري موجود في منطقة زلزالية شديدة، ولذلك من المهم جداً أن نقيّم أهمية تمييع الأرض تحته.
وفي التقرير 31 الذي أعدته دار الهندسة شاعر وتقول “أن التركيبة الجيولوجية في بسري تحتوي على تفاعل معقد من الفوالق والطيات والإنهدامات، ويمر فالقان رئيسيان قريب جداً من محور السد وهما فالق روم وفالق قلعة الحنبرا (وهو ما نسميه فالق بسري). وهذا يؤكد وجود فالقين في موقع السد. كذلك يقول التقرير أن الآبار التي حفرت في محور السد بينت وجود فالق رئيسي مما يمكن تفسيره امتداد لفالق روم تحت مجرى النهر. كما قالوا أن أقرب نقطة ظاهرة لفالق روم هي 2 كيلومتر بعيدة عن السد، ولكن يبدو أن الجزء الذي يمر بالقرب من السد أو أن فرعا منه يكمل تحت وادي بسري وتحت السد المقترح. وهذا يكون خطرا رئيسيا على حياة المشروع. ومن جملة السلبيات للمشروع يوثق دار الهندسة شاعر وجود خطر زلزالي عال.
ومن التقرير الرقم 32 لدار الهندسة شاعر أيضاً، يقرأ نمر “أن غالبية الفوالق في منطقة السد تعتبر ناشطة (الصفحة 55)، ومن الصفحة 56 يقول أن فالق روم هو ناشط جدا ويتسبب بزلازل، وأن وجود هكذا فالق تحت موقع السد يشكل أزمة في تنفيذ هذا المشروع، وأن منطقة البحيرة التي سيشكلها السد هي منطقة فيها حركات تكتونية وهذه بلوكات لا تتحرك إلا بوجود فوالق ناشطة عليها.
وينتقل نمر ليرى إذا كان الفالق ناشطاً أم غير ناشط زلزالياً، ليقول: في التقرير 4 (تقرير الدكتور عطا الياس) الذي اعتُمد من قبل الخبير التركي (إرديك) ومجلس الإنماء والإعمار، يوجد إشكالات علمية ومنهجية إستثنائية. ويثبت ذلك بالرجوع إلى الصفحة 9 من التقرير الرقم 4، حيث يقول أنه في مساحات جيولوجية في العام 1983 و1994 تم حفر خنادق بينت، كما شرحها، وجود تحركات زلزالية ليست قديمة كثيراً، وفسرها أنها بسبب حركات الأرض وليس بسبب الزلازل. وفي الصفحة 11 من القترير نفسه (الرقم 4) استنتج أنه بعد إطلاعه على التقارير العلمية الأميركية والمحافير التي أنجزوها، قرر أنه لا يمكن وجود فالق متحرك يمر في المنطقة.
واعتبر نمر أنه لحسن الحظ في الصفحة 8 من التقرير 14، لدينا صورة تبيّن لنا انكسار طبقات الأرض تحت مجرى النهر. وبعدما عرض الصورة اعتبر أن المجلس لو كان يعلم بها لأخفى التقرير الرقم 14، وضمه إلى التقارير ال 56 المغيّبة. هذه الصورة هي شهادة حية، إضافة إلى النتائج الأميركية التي تقول أن الفالق تحت مجرى نهر بسري هو فالق زلزالي ناشط.
أكثر من ذلك، يعود نمر إلى التقرير الرقم 4 (الصفحة 12) حيث يخبرنا الدكتور عطا الياس أنه اكتشف وجود Terraces، أي مدرجات نهرية من دون أن يشرح أو يفسّر سبب وجودها. وعليه يقول نمر “أن مطلق جيولوجي مختص، ومتخرج بإجازة فقط بالجيولوجيا، يعرف أن حركة الأرض نحو الأعلى هي التي تتسبب بالمدرجات النهرية، والتي يتبعها حركة النهر نحو الأسفل. وأن حركة الأرض نحو الأعلى يعني أن حركة الأرض ناشطة مما يعني وجود فالق زلزالي ناشط.
وبعدما فنّد ما ورد في التقارير الرقم 4 و10 و 11 ، استخلص نمر أن د. عطا الياس نقض عملياً كل التقارير والدراسات السابقة التي تقول بوجود فالق زلزالي ناشط تحت مجرى نهر بسري، وجاء الخبير التركي الأرديك ووافقه الرأي وانتهت القصة.
وأضاف “نحن نقول لا، فمن يريد أن ينقض دراسات علمية بكلفة ملايين الدولارات من العمل والتعب والأبحاث والقياسات الأرضية والمخبرية لا يمكن أن يكون شخصا واحداً مهما كان شأنه. ففي الحد الأدنى، يجب اجتماع لجنة خبراء، أو تجمّع شركات مرموقة ومشهود لها بالكفاءة، لينقضوا كل الدراسات التي سبق وأنجزت، ولا يحصل الأمر بشحطة قلم فرد واحد”.
وأسمى ما حصل ب “قفز فوق النتائح العلمية الموثقة والتلاعب بها، وانتهاك لحرمة العلم وارتكاب جريمة بحق المنطق، وسير العملية العلمية السليمة، وتحريف للحقائق وتغيير الخلاصات العلمية”.
واستغرب نمر أن وجود سد مثل سد بسري لم يستدع الخبيرين عطا الياس ومصطفى إيرديك للتحدث عن الزلزالية الناجمة عن الخزان (أي تسبب السد بزلزال عبر تجمع المياه ووزنه) في تقريريهما، في وقت من الطبيعي أن يحكى عنها في حالة مماثلة، وتحديداً كما فعل د. الياس نفسه في تقريره عن سد جنة بعد سنة واحدة من تقريره عن سد بسري. وهذه صدفة غريبة فعلا.
3- تحريف للحقائق العلمية
وفي الرد بالتفصيل على بيان مجلس الإنماء والإعمار، اعتبر نمر أن البيان هو ترجمة لخلاصة التقرير الرقم 2 الذي كتبه عضو اللجنة المستقلة لسلامة السد (أي الخبير التركي نفسه) بصفته الثالثة كممثل المجلس والمتحدّث باسمه، ليعتبر أن الكلام العلمي “عليه جمرك”.
ويعتبر المجلس عبر الخبير التركي أن الكسر الجيولوجي الموجود تحت سد بسري هو طبيعي ويمكن وجوده في أمكنة عدة أخرى ولا يعتبر فالقا زلزاليا ناشطا كما لا يمكن اعتباره ذا ميزة تكتونية معروفة ولا يتصل بفالق روم، وعليه اعتبر نمر أنه رد على هذا الادعاء بما أورده من دراسات وخرائط وصور وتقارير عن داري الهندسة خطيب وعلمي وشاعر والشركة الأميركية والتي لم تدفعهم لاعتباره فالقا زلزاليا ناشطا.
كما يقول المجلس أنه ليتحرك هذا الكسر ويتسبب بتحرك فالق روم يجب أن يكون فالقا تكتونيا ناشطاً يتوافر فيه ضغط تكتوني مرتفع وهو ليس كذلك، وهنا سأل نمر “كيف عرفوا أنه لا يتوفر فيه ضغط تكتوني ناشط؟ أين دراساتكم التي تدحض الدراسات السابقة؟”
وفي البيان أيضاً، يتذرع المجلس بأن حدوث زلزال على فالق روم يكون على عمق 15 إلى 20 كيلومتر وأنه من غير الصحيح أن خزان مياه بمعق ستين إلى سبعين متر يمكنه زيادة ضغط وتسريب المياه إلى هذا العمق والتسبب بتحريك فالق يتسبب بزلزال هذا إذا ما افترضنا أن الفالق موجود أساساً في الموقع. ورد نمر على هذا الكلام بالقول “يحدث الزلزال على أي عمق كان، وهذا الكلام خطير أن يصدر عن خبير زلازل كونه ينم عن جهل بكيفية حصول الزلزال بغض النظر عن العمق. وعلى كل الأحوال سأقرأ في الصفحة 31 من “دستور” الخبير التركي وهو ICOLD (2011) (اللجنة الدولية للسدود الكبيرة) وينص في سطر واحد على “أن الزلازل الطائشة القريبة وليس بعمق 15-20 كلم، هي النتيجة الأكثر احتمالاً للزلزالية الناجمة عن الخزان”.
وفي الرقم 4 من بيان المجلس يقول أن نهر الأولي يمر أساسا في موقع المشروع كما أن الآبار الإستقصائية التي تم حفرها في المنطقة أكدت وجود مياه جوفية على مستويات قريبة نسبياً من مستوى سطح الأرض، إذا فبحسب التحليل غير المنطقي المثار فإن الفالق ليس بحاجة لمياه بعمق أمتار ليتحرك ويسبب زلزال بما أنه موجود ضمن المياه الجوفية بعمق كيلومترات.
ورد نمر على هذا البند بالقول أنهم يحاولون القول أنه يوجد مياه في موقع السد فما الذي سيتغير، وعليه نقول أن وجود المياه في الآبار الاستقصائية وغيرها مما يحفرونه حالياً لتأمين مياه لبعض المناطق، يعطينا مستوى المياه الناجم عن حالة التوازن القائم بين الضغوطات الأرضية والتسربات المائية الجوفية منذ آلاف السنين. أما وجود السد والبحيرة خلفه سيولّدان حالة من انكسار التوازن المذكور مما يؤدي إلى ما يعرف بالزلزالية الناجمة عن الخزان”.
وخامساً يقول المجلس أنه حتى لو كانت عملية تحريك الفالق المزعوم (فالق روم) ممكنة، وهي ليست كذلك، فسوف يكون من الأجدى أن يتحرك الجزء المركزي منه والذي يبعد 25 كيلومتر من موقع السد ويتسبب بزلزال بدلاً من أن يتحرك من طرفه المزعوم وجوده تحت منطقة السد. وسخر د. نمر من هذا الكلام على خطورته قائلاً “إذا بتسألوا تلامذة جيولوجيا بيعرفوا أن الزلزال بيتحرك بأي نقطة منه، فماذا يحاول الخبير التركي أن يفعل؟”.
وفي النقطة السادسة من بيان مجلس الإنماء والإعمار يقول “إن اللجنة الدولية للسدود الكبيرة خلصت إلى أنه لا يقتضي النظر في مخاطر زلازل لا يمكن أن تنشأ عن إنشاء سدود إلا في حال تشكل بحيرة بارتفاع مئة متر وهذا ليس الحال في سد بسري حيث يبلغ أقصى ارتفاع للمياه فيه 61 متر”. ومن كتيب اللجنة الدولية نفسه يرد د. نمر بالبرهان من الصفحة 23 حيث يرد جدول ب 39 زلزال سببتهم السدود، خمسة من بينها حدثت على عمق مياه أقل من مئة متر. أول هذه السدود في إسبانيا على ارتفاع 43 متر للمياه. وسد آخر بارتفاع 91 متر في اليونان، وثالث في اليونان أيضاً بارتفاع 60 متر فقط ورابع في إيطاليا بارتفاع المياه 34 متر وفي إيطاليا أيضاً 93 متر لارتفاع المياه. وهذا يدحض الأقاويل مجلس الإنماء والإعمار وخبيره التركي ويضع ما يقال في خانة التدجيل.
“