محكمة بعلبك تنذر ألبان لبنان بوجوب معالجة التلوث من دون تأخير: “علينا أن نراعي المصلحة العامة وألا نعطي مهلاً إلى ما لا نهاية”


2019-06-25    |   

محكمة بعلبك تنذر ألبان لبنان بوجوب معالجة التلوث من دون تأخير: “علينا أن نراعي المصلحة العامة وألا نعطي مهلاً إلى ما لا نهاية”

لا تنكر شركة ألبان لبنانLiban Lait  أنها متسمرة بتلويث نهر الليطاني. وهذا الفعل بدأ منذ نشأتها في العام 2000. أي أنها كانت ولا تزال ترمي مخلفاتها الصناعية وروث الأبقار في النهر على مدى 19 عاماً مرت. وكانت  الشركة قد  تعهدت أمام المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم في خريف 2018 بتجميع مياهها الصناعية في برك ترسبية (4 برك) ومن ثم تعهدت، بعد مثولها أمام محكمة الجزاء في بعلبك، بإنشاء حفرة ترسيب خامسة، بانتظار انتهاء المهلة المعطاة لها لغاية أيلول 2019 لأجل تركيب محطة التكرير مخلفات معملها للألبان والأجبان ومشتقات الحليب.

وكانت محكمة الجزاء في بعلبك، برئاسة القاضية لميس الحاج دياب، أرسلت كتاباً إلى وزارة الصناعة  تطلب منها الكشف على معمل الشركة. وسلّمت الصناعة تقريرها في آخر جلسة عقدت بتاريخ 20 حزيران 2019.

يشرح التقرير طريقة قيام شركة ألبان لبنان بترسيب نفاياتها الصناعية، وقد خلُص إلى اعتبار الطريقة التي تعتمدها الشركة غير كافية لرمي المخلفات الناتجة عنها في الأوساط البيئية.

ويُشير التقرير إلى أن نفايات الشركة السائلة تأتي من مصدرين: “مصنع الألبان والأجبان”، وهي نفايات تحتوي على مصل الأجبان ومياه التنظيف والشطف، وهذه تنقل بقسطل إلى ثلاث حفر ترسيب (سعتها 15000 متر مكعب)، وهي حوالي 100 متر مكعب باليوم حسب ما أكدته إدارة الشركة للخبير المكلف من وزارة الصناعة. والمصدر الثاني، “مزارع الأبقار، حوالي 150 متر مكعب باليوم (وفقاً للشركة)، وهي عبارة عن مياه شطف المزارع التي تحتوي روث الحيوانات، وهذه تذهب بقسطل إلى خزان تجميع ومن ثم تمر بفرازة، لفصل المواد الصلبة (روث) عن السائلة، وأن النفايات السائلة تجمع في خزان آخر، ومن ثم تذهب إلى حفر الترسيب الثلاث لتلتقي بنفايات المصنع السائلة”. ويشرح التقرير أن الشركة تقوم بترسيب ما تبقى من المواد الصلبة، أما السائلة فتكمل طريقها إلى بركة تجميع كبيرة مزروعة بالقصب لتنقية المياه، وبعد البركة ترمى ما تبقى من المياه في النهر”.

يؤكد التقرير تاليا بأن “معالجة النفايات السائلة بهذه الطريقة قبل صرفها بالنهر تخفف كثيراً من أضرارها، إلا أنها غير كافية لجعل هذه المياه صالحة لترمى بالسواقي الطبيعية والأنهار، كما أن وجود العديد من برك المياه المكشوفة يزيد الروائح المنبعثة، وبالنتيجة المعالجة الحالية غير كافية لرفع التلوث”.

بدورها، تحفظت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني على الإجراءات التي قامت وتقوم بها شركة ألبان لبنان، واعتبرتها غير ذي جدوى، لأن حفر الترسيب تُشكل مستنقعاً لترسيب المياه الصناعية والزراعية قبل إعادة تفريغها في نهر الليطاني.

وتُحاول المصلحة الوطنية لنهر الليطاني الحصول على إذن قضائي باتخاذ الاجراءات اللازمة لإغلاق كافة المسارب والقنوات التي تستخدمها الشركة لتسليط مياهها الصناعية إلى النهر. لكن حتى اللحظة لم تنجح سوى بإغلاق أحد المسارب الذي كان يصب مباشرة في النهر من دون المرور بحفر الترسيب. ويعود الأمر إلى عدم حصولها على الإشارة الصريحة من النيابة العامة المالية للقيام بذلك، وكانت آخر مرة طلبت المصلحة هذا الإذن في 13 أيار. وعلمت المفكرة أن المصلحة أُبلغت أنه تم حفظ طلبها في الأدراج.

الشركة أمام المحكمة: نرمي الملوثات الأقل تلويثاً في النهر

في 20/6/2019  مثلت “ألبان لبنان” أمام القاضية الحاج دياب ممثلة بالمدير العام مارك واكد، وتقدم الأخير بالصور والمستندات التي تثبت قيام الشركة بإنشاء حفرة ترسيب خامسة. وشرح أمام المحكمة بأن المياه الخارجة من آخر بركة تُحوّل إلى النهر، وهذه المياه برأيه هي الأقل تلوثاً بعد عملية الترسيب. ومع ذلك، فإن واكد يرى بأن المياه الصناعية الناتجة عن المعمل هي “غير سامة، كونها تحتوي على بقايا عضوية فقط.”

بدوره، رد وكيل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني المحامي علي عطايا بأن “هذه المياه لا تزال ملوثة، وأن تغيير طبيعة مياه النهر هو بمثابة تلويث للنهر”. عندها شرحت القاضية الحاج دياب بأن “تقدير الضرر هو مبحث آخر”. وأضافت، “نحن متفقون أن المياه التي تخرج من المعمل هي غير معالجة وتذهب إلى النهر”.

إذن، المهلة المعطاة لمعمل “ألبان لبنان” تنتهي في أول شهر أيلول 2019، وذلك لأجل تركيب محطة تكرير بقرض ميسر (يتحمل فوائده مصرف لبنان) من البنك الدولي بقيمة مليوني دولار. القاضية  الحاج دياب استفسرت من واكد عن محطة التكرير قيد الإنشاء، فأشار إلى أن هناك ثلاث شحنات آتية من كندا، ستصل خلال 40 يوماً، ومن ثم يحتاج التركيب إلى ثلاثة أسابيع أخرى.

وشددت القاضية على أن هذه المهلة هي المهلة الوحيدة التي ستعطيها للشركة، قائلة : “الضرر موجود، والمياه (الملوثة) تسيل في مجر نهر الليطاني، وعلينا أن نراعي المصلحة العامة وألا نعطي مهلاً إلى ما لا نهاية”. ثم طلبت القاضية من واكد أن يقدم المستندات التي تُثبت إدلاءاته فيما يخص شحنات المعدات الخاصة بمحطة التكرير.

وخلال الجلسة، طلب واكد الكلام وشرح بأن فريق عمل المصلحة دخل إلى المعمل من دون إذن قضائي، وقام “بتلحيم أحد المآخذ التي هي أصلاً كانت ملحمة”. ولفت وكيله المحامي إيلي صعب بأنه تم “إبلاغنا القرار عبر الواتساب، فلا يُمكن تجاوز حدّ السلطة”. فرد عطايا مؤكداً وجود قرار قضائي. فشرحت القاضية الحاج دياب بأنه لا علاقة لها بالاجراءات التي تحصل خارج الجلسة، انما إن كان هناك محضر قانوني، فإنه من الضروري ضمه إلى الملف”. وتوجهت إلى عطايا وطلبت منه “أن يقدم نسخة عن المحضر”. وبالتالي أرجئت الجلسة إلى تاريخ 11 تموز 2019.

الحال أن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني كانت قد تحفظت أمام النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم على الإجراءات المعتمدة من قبل الشركة. وكان القاضي ابراهيم قد كلّف المصلحة بتلحيم المأخذ الذي يحول النفايات السائلة مباشرة إلى النهر بتاريخ 9 أيار 2019 دون المسرب الذي يؤدي إلى البركة. لكن في مذكرة أخرى عادت المصلحة وأرسلتها إلى القاضي ابراهيم في 13 أيار، شرحت فيها بأن العمال في معمل ألبان لبنان منعوا فريق العمل التابع  للمصلحة من القيام بواجباتهم. وكررت المصلحة طلبها من القاضي إبراهيم “إلزام الشركة إقفال المسارب والمآخذ التي تحول الصرف الصناعي من المعمل والمزرعة إلى الليطاني، ومن حفر الترسيب المؤقتة إلى النهر أيضاً”. وشرحت المذكرة بأنه “بغض النظر عن مدى جدوى هذا الحل (الحلّ المؤقت الذي نفذته الشركة أي حفرة الترسيب الخامسة) في ظل عدم تحديد القدرة الاستيعابية لحفر الترسيب، ومقارنتها بكمية الصرف الصناعي التي تتدفق يومياً عن المعمل والمزرعة، التي تضم آلاف رؤوس الماشية” (تبلغ 200 ألف متر مكعب في اليوم). وطلبت المصلحة من القاضي ابراهيم إعطاء قرار عاجل وفوري بتكليف المصلحة للكشف على الحلول المؤقتة المتخذة من الشركة، من ثم إقفال المسارب كافة والمآخذ التي تحول الصرف الصناعي إلى النهر، وذلك على نحو يحول دون تحويل النفايات السائلة المجمعة في حفر الترسيب إلى النهر..”. والجدير ذكره أنه حتى اللحظة لم يعط القاضي إبراهيم الإشارة بتنفيذ الأمر.

القاضية: “لن نعطي أي مهل إضافية”

وفي ملفات مؤسسات صناعية ملوثة أخرى، كانت المحكمة تنتظر ورود تقارير وزارة الصناعة، إذ أن خبراء الوزارة قاموا بالكشف على المعامل التي قامت بتركيب محطات تكرير لمياهها الصناعية. ويذكر أن القاضية الحاج دياب تعتمد بشكل أولي على خبرات وزارة الصناعة على أن تقوم بتكليف خبراء مختصين عند الحاجة.

ويشار إلى أن بعض التقارير وردت فيما لم ترد تقارير أخرى بعد، وأخرى لم تتمكن المحكمة من تسليمها على خلفية أن بعض أصحاب المعامل تأخروا بدفع المستحقات اللازمة لاستلام العينات. بالتالي أرجأت القاضية الحاج دياب جميع الجلسات إلى 11 تموز 2019. وعادت القاضية وأكدت بأنها “لن تعطي الشركات أي مهلة لتحسين وضعها بعد ذلك، ونصحتهم بالاستفادة من فترة العطلة القضائية (شهر ونصف) لإجراء التعديلات”. وشرحت بأنه بعد العطلة سيجري الفحص الأخير للعينات، وعلى ضوء المعطيات التي تظهر ستحدد المحكمة توجهها. إذن، فإن أطراف النزاع ينتظرون استلام تقارير وزارة الصناعة لأجل تقديم لوائح شاملة تتضمن التعليق على الاستجوابات السابقة وعلى نتائج التقارير المخبرية.

وفي أحد الملفات، ويعود إلى شركة الريف التجارية، لفتت القاضية الحاج دياب إلى أن وزارة الصناعة أنهت التقرير الخاص بها، وتبين أن الفحوصات أظهرت أن النتيجة غير مطابقة مئة في المئة. وهذا الأمر شهدناه في أكثر من ملف إن كان في زحلة أو في بعلبك. ففي معظم الأحوال، يحتاج تكرير المياه الصناعية التي تحتوي على نفايات عضوية، لإجراء عدة تجارب للوصول إلى النتيجة المرجوة. ويرتبط الأمر باستخدام نوع من البكتيريا التي تعيش في المياه الصناعية وتقوم بالتغذي عليها، فإن نموها يحتاج للوقت وللطقس المناسب كي تُعطي النتيجة المطلوبة.

يذكر أن المؤسسات المدعى عليها التي مثلت أمام القاضية الحج دياب، إلى جانب شركة “ألبان لبنان Liban Lait“، شركات “تبارك وصدارة غروب” والتي تعود لنفس المالكين من آل الديراني، وهي ثلاث شركات جرى الادعاء عليها في ملف واحد. واللافت في ملف هذه الشركات أن وزارة الصناعة، وبعد كشفها على معاملها بطلب من المحكمة، اقترحت إحالة الأمر على خبراء مختصين، بسبب أن الوزارة وجدت أنه بالنسبة لحجم المعامل فإن ذلك خارج عن اختصاصها. وفي جلسة سابقة، كلفت المحكمة د. ناجي قديح و د. نادين ناصيف للكشف على المعامل، ومن المفترض صدور تقريرهما هذا الأسبوع. وكان من المتوقع أن تتجه وزارة الصناعة في الاتجاه نفسه في ملف “ألبان لبنان”، بسبب ضخامة إنتاجه اليومي وضخامة الملوثات الناتجة عنه.

كما تم النظر في ملفي “شركة الريف التجارية” و”تندر بول” اللتين كان قد صدر قرار بإقفالهما من قبل القاضية الحج دياب بتاريخ 12 آذار 2019، وتم إعادة فتحهما بعد تعهدهما بإجراء الإصلاحات البيئية اللازمة. ونظرت القاضية الحج دياب في ملفات شركة الخيرات وشركة مرتضى للأحجار، وشركة سليمان غروب.

بدورها، تقدمت شركة الخيرات بالفواتير التي تُثبت قيامها ببيع نفاياتها الصناعية، فيما من المفترض أن تقوم وزارة الصناعة بأخذ العينات من معملها، وفحصها بعد تركيب محطة تكرير. ومن جهتها، لفتت شركة “تندر بول” إلى تأخر استيراد إحدى القطع التي تستعمل في تركيب محطة التكرير، وأكدت أنه حالما تصل فإنها تحتاج إلى 8 أيام لتركيبها ومن ثم تشغيلها. وشرحت القاضية أنها على استعداد للتواصل مع المدعى عليهم خلال الصيف عبر موظفة قلم المحكمة، وذلك لأجل إحالة كتاب إلى وزارة الصناعة لإجراء الكشف على ضوء الانتهاء من تركيب المحطة”.

مقالات ذات صلة:

السيانوبكتيريا عادت بعد غياب ثلاثة أشهر: سخاء الطبيعة ومصلحة الليطاني تُحييان بحيرة القرعون…والدولة تقتلها

بعد 6 أشهر ونصف على نيله مليوني دولار لمعالجة النفايات الصناعية: معمل “ليبان ليه” يرمي 200 ألف متر مكعب من الملوثات العادمة في الليطاني

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني