مرة أخرى يعود موضوع وضع القضاء المغربي في مرآة التقارير الدولية للواجهة، هذه المرة على اثر القرار الصادر عن محكمة الإستئناف في ولاية "تكساس" الأمريكية يوم الأربعاء 30 سبتمبر 2015، والذي رفض تنفيذ حكم صادر عن محكمة مغربية في مواجهة رجل أعمال أمريكي. وقد أسس القرار حيثياته على كون القضاء المغربي "ليس مستقلا، ويعاني من استفحال الفساد، ويخضع لنفوذ السلطة السياسية"، إلا أنه ليس "منهارا بالكامل" وليس في وضع "خطير جدا"[1].
ويأتي هذا التقييم المثير للجدل ضمن الحكم الاستئنافي للحكم الإبتدائي الذي كانت أصدرته المحكمة الفيدرالية في غشت 2014، حيث رفضت تنفيذ الحكم الصادر عن القضاء المغربي ضد رجل الأعمال الأمريكي "دجوريا"، الذي تمت إدانته بتعويض قدره 123 مليون دولار أمريكي، لصالح شركة "مغرب بتروليوم" وصندوق الاستثمار "ايم ايف ايم"، على خلفية القضية التي باتت تعرف بـ"كذبة بترول تالسينت"، وعللت رفضها بـ"عدم استقلالية القضاء المغربي".
وأيدت محكمة الإستئناف في الدائرة الخامسة في "تكساس"، يوم الأربعاء 30 سبتمبر، الحكم الإبتدائي الصادر عن المحكمة الفدرالية. وجدير بالذكر أن المحكمة الفدرالية استندت في تعليل حكمها إلى تقرير يتكون من حوالي 66 صفحة أصدرته الوكالة الامريكية للتنمية الدولية في سبتمبر 2010 حول القضاء في المغرب وقدمت فيه صورة قاتمة عن اشتغال المنظومة القضائية وسيادة القانون في المغرب. وقد ركّز التقرير على ثلاثة معطيات وهي "العلاقة بين المؤسسة الملكية ووزارة العدل حسب نصوص الدستور المغربي السابق الصادر سنة 1996، وغياب استقلالية القضاء على مستوى القوانين وعلى مستوى التطبيق، واستفحال الفساد في المنظومة القضائية". وخلص إلى أن "النظام القضائي المغربي يخضع للتأثير السياسي"، وأن "الميكانزمات التي يتم بها تعيين القضاة، والحركة الانتقالية في صفوفهم، والاجراءَات التأديبية، تجعلهم يتخوفون من الانتقامات السياسية".
كما استند القرار على تصريحات لوزير خارجية المغرب السابق الطيب الفاسي الفهري الذي أكد صحة تقرير الوكالة الاميركية للتنمية الدولية خلال لقاء عقده في معهد بـ"روكينكس" في واشنطن في مارس 2011، عندما قال ما مفاده ان "استقلالية القضاء لا وجود لها اليوم لان القضاة لا يزالون يتوصلون بين الفينة والاخرى باتصالات هاتفية من وزارة العدل".
فضلا عن ذلك أشار قرار المحكمة الفدرالية على أن "القضاة المغاربة أنفسهم يؤكدون عدم استقلالية القضاء، ويطالبون بإصلاحات بنيوية للمنظومة القضائية"، في إشارة الى احتجاجات نادي قضاة المغرب سنة 2012. وكان مئات القضاة رفعوا شعارات تطالب بمحاربة الفساد، ونادوا باستقلال النيابة العامة عن وزارة العدل، ووقعوا وثيقة المطالبة بالاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية.
ويلاحظ في هذا الإطار أن قرار محكمة الاستئناف بتكساس، وكذا قرار المحكمة الفدرالية أسس على مضامين تقارير وتصريحات تشخص وضع القضاء المغربي قبل انطلاق الحراك القضائي بالمغرب، وفي ظل الدستور السابق وهي الوضعية التي كانت محل انتقاد من طرف منظمات وهيئات حقوقية مغربية ودولية، وقبل انطلاق مسلسل الاصلاح العميق والشامل للمنظومة القضائية المغربية.
ورغم أن الدستور المغربي الجديد الصادر سنة 2011 تضمن العديد من المقتضيات التي تكرس وضعا متقدما للقضاء المغربي وتعزز ضمانات استقلاله فرديا ومؤسساتيا، إلا أن تنزيلها على أرض الواقع لا يزال معلقا بسبب التأخر في اصدار القوانين التنظيمية للسلطة القضائية.
الصورة منقولة عن موقع www.hespress.com
متوفر من خلال: