بعد سلسلة من الانتكاسات في العلاقة بين مجلس النواب الاردني والشعب عاد مجلس النواب لترميم صورته امام هيئة الناخبين من خلال انحيازه للمطالب الشعبية العريضة الرافضة لابرام اتفاقية لاستيراد الغاز من اسرائيل. وقد حصل ذلك من خلال رفضه بالاغلبية لهذه الاتفاقية بعد جلستين ماراثونيتين تحدث فيهما مائة وسبعة نواب على مدار يومين الاسبوع الماضي.
حقيقة صفقة اتفاقية الغاز
في ظل أزمة الطاقة المتفاقمة التي يعيشها الاردن وعقب انقطاع الغاز المصري عن الاردن عقب الثورة المصرية وتداعياتها اللاحقة، بدأت الحكومة الاردنية بالبحث عن مصادر بديلة للغاز المصري. ويبدو ان الخيار التي رأت الحكومة أنه الافضل هو استيراد الغاز من اسرائيل من خلال صفقة تبلغ قيمتها خمسة عشر مليار دولار تمتد لخمسة عشر عاما. فقدوقعت شركة الكهرباء الوطنية المملوكة بالكامل للحكومة الأردنية، اتفاقية أولية (رسالة نوايا) لاستيراد كميات ضخمة من الغاز من حقول غاز في مياه شرق البحر المتوسط تقع تحت هيمنة الحكومة الاسرائيلية. وسيتم بموجب هذه الاتفاقية (وقيمتها 15 مليار دولار) تزويد الشركة بـ300 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً ولمدة 15 سنة من حقل ليفاياثان لغايات توليد الكهرباء للمواطنين[1].وبحسب جهات معارضة للصفقة، تكشف دراسة تفصيلية أعدتها “اللجنة التنسيقية للمجموعات المناهضة لاستيراد الغاز من الكيان الصهيوني” بالشراكة مع خبير الطاقة ميكا مينيو- بالويلو من مركز أبحاث “بلاتفورم” المختص بشؤون الطاقة ومقره لندن، أن حصة الحكومة الصهيونية من قيمة الصفقة التي ستدفعها الحكومة الأردنية (من الأموال التي سيسددها دافعو فواتير الكهرباء) ستبلغ 8,4 مليار دولار على الأقل. وستذهب هذه بدورها لتمويل آلة الحرب والعدوان الصهيونية، وتمويل بناء المستوطنات، وتعزيز قوة الاقتصاد الصهيوني، هذا بالإضافة الى التبعية الاستراتيجية طويلة المدى التي ستترتّب على الأردن تجاه “إسرائيل” في مجال الطاقة، والربط الاقتصادي العضوي بينهما، وربط مصالح المواطن المباشرة (الكهرباء) بالعدو.
ويذكر أن هذا المبلغ يساوي أكثر قليلاً من تكلفة ثلاثة حروب مستقبلية على غزة مماثلة للحرب الأخيرة التي شنها الكيان الصهيوني وكلفته (بحسب مصادر رسمية) مبلغ 2.52 مليار دولار[2].
معارضة شعبية واسعة للصفقة
بالاضافة للجنة معارضة الصفقة، برزت جهود واضحة لنقابة المهندسين ولجنة مقاومة التطبيع فيها، ونقابة المهندسين الزراعيين، من خلال توفير المكان المناسب لعقد مؤتمرات صحفية لتعرية الاتفاقية، وتبني أنشطة مشتركة مستقبلية تهدف إلى إيقاف هذه الصفقة قبل توقيعها، وإبطالها في حال تم توقيعها. كما نفذت نقابة المهندسين الأردنيين ولجنة تنسيق المجموعات المُناهِضة لاستيراد الغاز من "إسرائيل"، اعتصامًا أمام شركة الكهرباء الوطنية الأردنية للمطالبة بعدم التوقيع على اتفاقية شراء الغاز منها.وقال عضو مجلس نقابة المهندسين بادي الرفايعة بتاريخ16 نوفمبر: إن "صفقة الغاز تمثل تحديًا لمشاعر الأردنيين ومحاولة لإجبار الشعب الأردني الرافض للتطبيع على التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال شراء الغاز المسروق من أراضينا الفلسطينية". وأضاف: إن "صفقة الغاز في حال تمت ستكون دعمًا للعدو في حروبه القادمة بحق شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية، وإن المسؤولين ينظرون للصفقة من بُعد اقتصادي فحسب دون النظر إلى أبعادها الأخرى"[3].
مجلس النواب يرفض الصفقة وسط هجمة شرسة على الحكومة
صوت مجلس النواب بأغلبية أعضائه في 10/12/2014 على رفض مشروع اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل التي تعتزم الحكومة توقيها.وأوصى المجلس الحكومة بعدم توقيع الاتفاقية بقرار من النواب، وضرورة البحث عن بدائل أخرى لتأمين الغاز لتلبية احتياجات البلاد، والسعي نحو إيجاد البدائل الأخرى، بالإضافة إلى الطلب من الحكومة توقيع الاتفاقية مع مطور الغاز الفلسطيني. وقال رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة أن هذا التوصيات ملزمة للحكومة من قبل النواب. وأشار الطراونة إلى أنه تحدث 107 نواب لمناقشة اتفاقية الغاز مع إسرائيل وقال": إن مذكرة النوايا التي عرضت على المجلس يحكمنا بها نظامنا الداخلي والذي ينص أن المناقشة العامة هي تبادل الرأي والمشورة بين النواب والحكومة، وتم رصد بعض التوصيات ستكون محل تقدير واحترام الحكومة ويردفها عريضة موقع عليها من الاف المواطنين". وقال رئيس الوزراء عبدالله النسور في مداخلة له خلال جلسة مجلس النواب، إن الحكومة تبحث عن بدائل أخرى وخاصة من البلدان العربية، مبديا استعداد الحكومة لشراء الغاز من دول عربية مثل قطر، ولو بأسعار أعلى بعض الشيء عن أسعار الشراء من إسرائيل. وكان وزير الطاقة الأردني محمد حامد، قد قال أمام النواب قبل يوم واحد من الجلسة، إن شراء الغاز من شركة نوبل الأمريكية لا يهدد مستقبل الأردن ولا يضع الاقتصاد الأردني رهينة بيد أي أحد. وشركة نوبل الأمريكية هي صاحبة حق امتياز إستخراج الغاز مع أسرائيل، وأبرمت اتفاقا مبدئيا مع شركة الكهرباء الوطنية المملوكة بالكامل للحكومة لشراء الغاز لمدة 15 عاما بقيمة إجمالي مقدرة بحوالي 15 مليار دولار. وقال حامد إن التخوف من أن يصبح الأردن أسيراً لغاز من مصدر معين غير وارد، مشيرا إلى أن خطوة استيراد الغاز الطبيعي من نوبل انيرجي لن تجعل الاقتصاد الأردني رهينة بيد أي دولة، في اشارة منه إلى إسرائيل. وأبدى النواب مخاوفهم من اتفاقية الغاز مع اسرائيل، وأن على الحكومة البحث عن بدائل أخرى. وطالبوا الحكومة بعدم توقيع الاتفاقية والتراجع عن الاتفاق المبدئي مع الشركة الأمريكية، لأن الصفقة في النهاية تعني استيراد الغاز من اسرائيل[4].
ومن الامور المثيرة في نقاش اعضاء مجلس النواب لموضوع الصفقة اشارة بعضهم الى وجود شبهة فساد كبير في هذه الصفقة. فقد ذكرت النائب رولى الحروب ان القيمة الحقيقية للغاز الاسرائيلي المزمع 8 مليارات – وفق وثائق اطلعت عليها من خلال احد مراكز الدراسات بواشنطن – فأين سيذهب الفرق؟!، وان مخزون الغاز في الريشة 70 تريليون قدم مكعب يكفي الاردن خمسين عاماكما ان شركة جيوكويست سلمت دراستها للبترول الوطنية منذ 1999، فلماذا تقاعست الحكومة؟[5]وقد انهال النواب بشكل عام بالنقد لهذه الاتفاقية منطلقين من مواقف وطنية وعروبية باعتبار اسرائيل عدوا للامة ولا يؤتمن لها جانب فكيف اذا سلمناها رقبة الاقتصاد الاردني ممثلة بقطاع الطاقة؟ حتى أن البعض منهم قد استذكر معارك الامة وتحديدا معركة الكرامة مع العدو الاسرائيلي.
الا انه من المفارقات الغريبة والتي اشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية والاستغراب موقف وزير التنمية السياسية في الحكومة الاردنية الوزير خالد الكلالدة الذي كان قبل توليه الوزارة من اشرس المعارضين للحكومات وسياساتها وكان يقف دائما على رأس الحراك ابان فترة الاعتصامات والاحتجاجات خلال الربيع العربي. إذ تحول هذا الوزير الى مدافع شرس عن الاتفاقية خلال مناقشتها حتى وصل الامر بالمعارض اليساري السابق الوزير الحالي ان يهدد الشعب الاردني على حد وصف بعض المواقع، إذ قال "إن على الشعب تحمل تبعيات عدم الموافقة على اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل. وأضاف في رده على مداخلة قام بها النائب سمير عويس بناءً على محادثة جرت بينهما قبل الجلسة الصباحية للمجلس، إن عدم إيجاد بديل للغاز سيحمل الأردنيين تبعات كبيرة على قطاع الطاقة كالقطع المبرمج وارتفاع أسعار تعرفة الكهرباء. وبين الكلالدة أن الحكومة تبحث دائما عن البدائل لحل مشكلة الطاقة، وإيجاد بديل عن انقطاع الغاز المصري"[6].
التكييف القانوني للاتفاقية واثر توصية النواب بالرفض
تدخل هذه الاتفاقية ضمن ما يعرف بالعقود الادارية او بشكل اكثر دقة العقود الادارية الدولية، فالعقد الاداري ما هو الا اتفاق تبرمه الدولة او اي من اشخاص القانون العام مع طرف اخر لاغراض تسيير المرافق العامة وتتجه نية الادارة فيه الى الاخذ باساليب القانون العام او انطوائه على شروط استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص. وبذلك، هذا النوع من العقود غير مشمول بنص المادة (33/2) من الدستور الاردني والتي تنص على ان "المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئاً من النفقات او مساسا في حقوق الاردنيين العامة او الخاصة لا تكون نافذة الا اذا وافق عليها مجلس الامة ولا يجوز في أي حال ان تكون الشروط السرية في معاهدة او اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية". فالمعاهدة والاتفاقية الدولية تعقد بين شخص أو أكثر من أشخاص القانون الدولي العام. بينما العقد الاداري الدولي بين شخص دولي عام كالدولة وطرف أجنبي من أشخاص القانون الخاص، كما أن المعاهدة تختلف عن العقد الدولي في تحديد القانون الواجب التطبيق فالعقد رضائي بينما المعاهدة تخضع للقانون الدولي العام. ومن هنا فإن مناقشة مجلس النواب لموضوع اتفاقية الغاز جاءت من قبيل مناقشة القضايا والموضوعات العامة وفقا لنظامه الداخلي، وان قراراته بهذا الشأن غير ملزمة وهي بمثابة توصياته لا يترتب على مخالفتها جزاء قانوني محدد. وانما، في حال عدم استجابة الحكومة لها، ففي هذه الحالة تقوم مسؤوليتها السياسية امام المجلس وفقا لاحكام المادة ( 51 ) من الدستور. وتجعل هذه المادة رئيس الوزراء والوزراء مسؤولين امام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة كما ان كل وزير مسؤول امام مجلس النواب عن اعمال وزارته. " ونستذكر هناتصويت مجلس النواب الاردني في وقت سابق من هذا العام بالاغلبية على قرار بطرد السفير الاسرائيلي من عمان وسحب سفير المملكة من اسرائيل، احتجاجا على مناقشات الكنيست الاسرائيلي حول نقل السيادة على المسجد الأقصى[7].ومع ذلك، لم تستجب الحكومة الاردنية لهذا القرار من مجلس النواب دون ان تتحمل اي مسؤولية.ومن الجدير بالذكر أن الحكومة وعلى ضوء قرار مجلس النواب وتوصيته بعدم ابرام اتفاقية الغاز الاسرائيلي لم تعلن اغلاق الملف والرجوع عن موافقتها المبدئية بهذا الشأن، وانما اعادت الكرة لملعب النواب طالبة تحديد بديل في حال رفض التعاقد لاستيراد الغاز الاسرائيلي خاصة بعد أن اوضح رئيس الوزراء ان كل الخيارات الاخرى التي كانت مطروحة غير مجدية. فلا يمكن استيراد الغاز من مصر بعد توجه مصر نفسها لاستيراد الغاز من اسرائيل ايضا. وكذلك اعلنت الجزائر عدم رغبتها ببيع الغاز، في حين ان اسعار الغاز القطري وفقا للاسعار العالمية هي اعلى بكثير من سعر الغاز المستورد من اسرائيل على حد زعم الحكومة الاردنية. وفي خضم هذا الجدل كله يعود للواجهة مجددا موضوع النفط والغاز الاردني الذي يرى كثيرون ومنهم مختصون ان عدم الكشف عنه والاستفادة منه مرهون بارادة اطراف خارجية، وتهيمن على الملف ابعاد سياسية تحول دون الاستفادة منه في الوقت الراهن. وكذلك الحال يعود للواجهة ملف الصخر الزيتي اذ قدّر خبير طاقة عالمي امتلاك الأردن نحو 29 مليار برميل نفط من الاحتياطات المكتشفة حتى الان في كميات الصخر الزيتي والمساوية لاحتياطات الولايات التحدة من النفط الخام في الوقت الحاضر[8].الا انه من الواضح جدا من نهج الحكومات المتعاقبة وعلى رأسها الحالية استبعاد الخيار الوطني في حل مشكلة الطاقة في الاردن .
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.