“
بعد الإعلان عن فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي، أعلن مكتب المجلس عن جدول أعمال الجلسة المقبلة التي ستنعقد غدا وبعد غد (6 و7 آذار)، والذي تضمن 36 بندا. تحاول المفكرة من باب رصدها لأعمال البرلمان أن تبرز أهمية أو خطورة عدد من هذه البنود. ومن أهمها، الآتية:
1- البند الأهم، أقله من الناحية الرمزية، هو دعوة النواب إلى انتخاب 7 أعضاء في المحكمة الخاصة لمحاكمة الرؤساء والوزراء، من بين صفوفهم، وذلك لاستكمال تكوين هذه المحكمة، بعدما عين رؤساء غرف محكمة التمييز في نهاية الأسبوع الماضي القضاة الثمانية فيها. ويلحظ أن محاسبة الوزراء والرؤساء لم تحصل يوما وفق بنود الدستور، أقله في ظل دولة ما بعد الطائف. وهذا الأمر لا يتأتى فقط عن التقاعس في تعيين أعضاء المحكمة المنشأة قانونا في 1990، ولكن بشكل خاص عن كون إتهام الوزراء أمامها لا يتم إلا بقرار يوافق عليه ثلثا أعضاء النواب، وهو أمر قد يستحيل في ظل النظام التوافقي والتماهي بين مجلسي النواب والوزراء. وإذ تأتي هذه الدعوة من باب التأكيد على النية في مكافحة الفساد، فإن المخالفة المرتكبة من قبل رؤساء محكمة التمييز والتي أسهبنا في شرحها، تؤدي عمليا إلى ولادة محكمة مشوهة.
2- البنود 3 و4 و6 ثلاثة مشاريع قوانين للإنضمام إلى بروتوكولات أو إتفاقات متعلّقة بالحفاظ على البيئة. أهمها هو البند 6 البند الذي يتناول اتفاقية باريس الملحق باتفاقية الامم المتحدة الإطارية بشأن تغيير المناخ، وهو سمنح في حال إقراره الناشطين البيئيين مزيدا من الأسلحة للدفاع عن البيئة، وخاصة بما يتصل بالطاقة المتجددة. كما تناول البند 3 الموافقة على الإنضمام إلى تعديلات كيغالي المتعلقة ببروتوكول مونتريال. ويُعنى هذا البروتوكول بتخفيض نسبة إنبعاثات غاز الHFC الذي يضعف طبقة الأوزون. أما من أبرز التعديلات عليه فسريان أنظمة جديدة لترخيص الاستيراد والتصدير بحلول 1 يناير 2019 وحظر التجارة مع الأطراف التي لم تصادق على التعديل اعتبارًا من 1 يناير 2033. أما البند 4 فهو يتصل بإبرام بروتوكول عام 1997 لتعديل الإتفاقية الدولية لمنع التلوث من السفن(اتفاقية ماربول). وتهدف هذه تهدف هذه الإتفاقية إلى منع تلوث بيئة البحر وتقليص تسرب المواد الملوثة إليه نتيجة النشاط الإنساني على السفن أو نتيجة الحوادث البحرية.
3- البند 7 وهو يتمثل في اقتراح قانون بالإجازة للحكومة إعتماد القاعدة الإثنتي عشرية لغاية صدور قانون موازنة العام 2019. ويشكل هذا الاقتراح في حال إقراره مخالفة جسيمة للدستور، تحديداً المادة 86 منه التي تنص على التالي: “في مدة العقد الاستثنائي (لذي يدعو رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة المجلس فوراً لعقده والذي يستمر لغاية نهاية كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة)، تجبى الضرائب والتكاليف والرسوم والمكوس والعائدات الأخرى كما في السابق وتؤخذ ميزانية السنة السابقة أساساً. ويضاف إليها ما فتح بها من الاعتمادات الإضافية الدائمة ويحذف منها ما أسقط من الاعتمادات الدائمة وتأخذ الحكومة نفقات شهر كانون الثاني من السنة الجديدة على القاعدة الاثني عشرية”. فيستنبط بوضوح من هذه المادة أن القاعدة الإثني عشرية لا يمكن تطبيقها إلا لشهر واحد فقط، ولا يجوز أن تشكّل قاعدة الإنفاق ما بعده. وأسوأ ما في هذا الاقتراح هو بعده الرمزي إذ أنه يشكل نسخة طبق الأصل للوضع الشاذ الذي بدأ في العام 2006 واستمر خلاله لبنان طوال إثني عشر سنة (صدور موازنة 2017) من دون موازنة، الأمر الذي شرّع الأبواب أمام تفاقم الفساد.
4- البند 8 وهو يتمثل في اقتراح القانون المعجل المكرّر الرامي إلى الإجازة للحكومة الإقتراض بالعملات الأجنبية. ويأتي هذا الإقتراح من ضمن سلسة من القوانين، عمدت بدءاً من أواخر التسعينيات إلى الإجازة إلى الحكومة بإضافة دين خارجي إلى الدين الداخلي للدولة، أو عمدت إلى استبدال جزء من الدين الداخلي بالدين الخارجي تحت ما عرف ب”إعادة هيكلة الدين العام”. وكان العديد من النوّاب المعارضين، أبرزهم النائب الراحل نسيب لحود، قد حذّروا من هذه الخطوة التي تعرّض الدولة اللبنانية إلى مخاطر أكبر، وتنتقص من سيادتها إذ أن قدرة الدولة اللبنانية على التحكم بالديون بالعملة اللبنانية هي أكبر بكثير.
5- البند 18، وهو يتمثل في اقتراح القانون المتعلق بالموارد البترولية في الأراضي اللبنانية. فبعد صدور قانون الموارد البترولية في المياه البحرية عام 2010 (رقم 132/2010)، يتعلّق الإقتراح الحالي بتنظيم التنقيب عن النفط في البرّ. وللتذكير، كان الإقتراح قد شقّ طريقه حتى الهيئة العامة في الجلسة التشريعية المنعقدة في 29 آذار 2018 قبل أن يعمد رئيس الحكومة سعد الحريري إلى طلب سحبه فور طرحه للنقاش. وتتعلّق النقطة الخلافية الأبرز حول النص بصلاحية منح الرخص. فهل تعود هذه الصلاحية إلى مجلس الوزراء وحده أم هنالك حاجة لموافقة البرلمان على ذلك كما حاول بعض النواب إضافته على النص؟ ورأت السيدة لوري هايتايان، مديرة الشرق الأوسط في معهد حوكمة الموارد الطبيعية (NRGI) في حديث للمفكرة، أن في ذلك تهديد لنجاعة القانون حيث ترتبط هذه الصلاحية بوضوح بالسلطة التنفيذية. إلا أنها فسّرت موقف بعض النواب المحبذين لضرورة الإستحصال على موافقة البرلمان برغبتهم في شفافية ورقابة أكبر في اتخاذ مثل هذه القرارات الجوهرية. أما السيدة ديانا قيسي، المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز (LOGI) فرأت من جهتها أن إعطاء مثل هذه الصلاحية للبرلمان قد يؤسس لتناقض غير مفهوم، على المشرّع توضيحه، بين التشريعات التي ترعى الموارد البترولية في المياه البحرية من جهة وعلى البرّ من جهة أخرى. كما يقتضي – بحسب الخبيرتين – ترقّب ما سيفضي إليه النقاش المقترح حول نظام الإستملاك الذي سوف يتم اعتماده، إذ أن الركون إلى قانون 1991 يبدو غير مناسب أبداً لجهة التحديات المختلفة التي يطرحها الإستملاك في هذه الحالة وضرورة إيجاد آلية لفتح باب المراجعة أمام المتضررين. وأخيراً تقتضي متابعة ما سيؤول إليه النقاش حول الأحكام المتعلّقة بحماية البيئة أمام التحديات والمخاطر التي يطرحها التنقيب على الأرض، خصوصاً لجهة حماية المياه الجوفية، والأحكام المتعلقة بالأدوار الحقوق المعطاة للبلديات وآليات الرقابة على الأخيرة.
6- إقتراحي القانون الواردين تحت البندين 19 و20 المتعلقين بتسوية أوضاع رتباء وعرفاء وخفراء في الضابطة الجمركية، وبتسوية وضع عقداء متقاعدين في الأمن العام. ويلحظ أن أي إقرار لأي من هذين المقترحين سيشكل مخالفة دستورية، وفق قرار المجلس الدستوري رقم 2\2012 الذي أبطل القانون رقم 244\2012 الصادر بتاريخ 13\11\2012 والمتعلق بترقية مفتشين في المديرية العامة للأمن العام. وتتأتى عدم دستورية هذا الاقتراح وفق هذا القرار من كونه يشكل مخالفة لمبدأ الفصل بين السلطتين الإشتراعية والإجرائية المنصوص عليه في الدستور لا سيما المادة 65 منه التي عددت صلاحيات مجلس الوزراء ومن بينها تعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم وفق القانون. فلا يكون “لمجلس النواب الحلول محل مجلس الوزراء في ممارسة هذه الصلاحية”.
7- البند رقم 22 من جدول أعمال الجلسة يتضمن اقتراح القانون الرامي الى تعديل بعض أحكام المرسوم الاشتراعي رقم 150 تاريخ 16/9/1983 وهو إقتراح القانون الرامي إلى تعديل المادتين 77 و78 من قانون القضاء العدلي و المتعلق بمنح المحامين والموظفين والمساعدين القضائيين قضاة أصيلين، درجات إضافية على أساس أقدميتهم في المحاماة أو الوظيفة العامة (درجة عن كل ثلاث سنوات خدمة) فيما يفرض القانون الحالي تعيينهم في الدرجة الأخيرة، أي في أسفل السلّم القضائي.
ويشار إلى أن نادي قضاة لبنان كان نبه النواب إلى خطورة هذا الاقتراح وانعكاساته السلبية على العمل القضائي ومن أبرز هذه الملاحظات أنّ هذا الإقتراح يمنح المحامي درجة عن كل ثلاث سنوات قضاها في المهنة على نحو يتعارض بشكل صارخ مع مبادئ وأصول التدرج في القطاع العام، طالما أن ممارسة المحاماة، وهي مهنة حرّة، تختلف جذرياً عن التدرج في السلطة القضائية. إضافة إلى كل ذلك فإن الطريق الطبيعي لاستقطاب القضاة هو عبر سلوك معهد الدروس القضائية المعني بالتدريب الذي يخضع له قضاة المستقبل وهذا ما يجب المحافظة عليه وتعزيزه والتركيز عليه فالقضاة المتدرجون يخضعون لثلاث سنوات دراسية في المعهد (سواءً كانوا متخرجين حديثاً من كلية الحقوق أم كانوا من المحامين العاملين أو من حملة الدكتوراه).
كما كانت المفكرة القانونية نبهت هي الأخرى إلى خطورة إقتراح القانون المذكور ومن تداعياته السلبية على السلك القضائي، وقد رأت أنه يخشى أن يعزز في الظروف الحاضرة الوساطة في الدخول إلى القضاء وأن يمهد لما يشبه الخط العسكري في دخول محامين مرضى عليهم من القوى السياسية في المراكز العالية في القضاء، على نحو قد يحبط مئات القضاة الذين عبروا المراحل العادية من المسار المهني.
8- البند 24، وهو يتصل باقتراح القانون الرامي إلى تعديل قانون التجارة البرية وإضافة أحكام جديدة عليه، وتعديل المادة 844 من قانون الموجبات والعقود. وكان الإقتراح مطروحاً على النقاش في الجلسة التشريعية المنعقدة بتاريخ 25/9/2018، إلا أنه، تمّ التصويت خلالها على اقتراح قانون الأوف- شور منفصلاً، فيما أعيد اقتراح قانون التجارة إلى اللجان المشتركة ليدرس “خلال مهلة شهر واحد فقط” ثم يعاد للتصويت عليه مجدداً.
ومن المعلوم أن دراسة تعديل قانون التجارة قائمة منذ حوالي خمسة عشر عاما. وهذا الإقتراح هو حصيلة رزمة من إقتراحات القوانين الرامية إلى تعديل قانون التجارة البرية والمتعلّقة بأجزاء مختلفة منه، بلغ عددها ثمانية، قدّم أحدها النائب الراحل روبير غانم، وخمسة منها النائب ياسين جابر، واقتراح آخر النائب السابق روبير فاضل، وآخر النائبة السابقة جيلبرت زوين. وكانت لجنة الإدارة والعدل قد كلّفت لجنة فرعية دراستها جميعاً وتقديم صيغة شاملة لها. وعقدت هذه اللجنة الفرعية ما يفوق 125 جلسة بمشاركة عدّة جهات معنية أو مختصة أبرزها رئاسة الحكومة والمصرف المركزي وجمعية المصارف وبورصة بيروت واتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان ونقابتي المحامين في بيروت وطرابلس. وبالفعل أقرّت لجنة الإدارة والعدل هذه الإقتراحات معدّلة في 9/5/2018. وأبرز التوجهات التي تضمّنها هذه الإقتراحات “إلغاء الأسهم لحامله والأسهم لأمر تماشياً مع النصوص التي أقرها المجلس النيابي”، وأحكاماً جديدة حول إصدار أسهم تفضيلية وإيصالات إيداع عمومية “تسمح للشركات المغفلة تأمين التمويل الذي قد تحتاجه الشركة خلال فترة معيّنة”، وأحكاماً جديدة حول اندماج وانشطار الشركات، وتعديل أحكام الإفلاس لجهة تأمين المساواة بين الجنسين، وإقرار شركة الشخص الواحد وتعديل أحكام المادة 844 موجبات وعقود لتتماشى مع ذلك.
9- البند 26 وهو يتصل باقتراح القانون المعجل الرامي إلى منح النائب في مجلس النواب الصفة والمصلحة لطالب إبطال الأعمال الإدارية. يهدف هذا الاقتراح إلى ضمان شرعية القرارات الإدارية من خلال منح النواب صفة الطعن بها. وهو يدخل ضمن المساعي الآيلة إلى توسيع حالات قبول الصفة في المراجعات الإدارية بما يسقط حصانة العديد من القرارات الإدارية. وكان السبب المباشر لتقديم هذا الاقتراح هو اكتشاف النواب أنه حسب اجتهاد مجلس شورى الدولة، ليس لهم (بل ليس لأحد) صفة في الطعن في مرسوم الجنسية، رغم ما شابه من مخالفات.
10- البند 31 اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي إلى تعديل المادة 1003 من قانون أصول المحاكمات المدنية (حبس الأم إكراهيا لامتناعها عن تسليم والدها). يأتي هذا الاقتراح أيضا كردة فعل على المشاهد المحزنة لانتزاع الأولاد من أمهاتهم أو توقيف الأمهات بقرارات من دوائر التنفيذ بعد رفضهن تسليم أولادهن، في ظل قوانين أحوال شخصية جائرة. وقد عرفنا في سنة 2018 حالتين حظيتا باهتمام واسع وهما حالتا ميسا منصور وريتا شقير.
11- البند 32 من جدول أعمال الجلسة، يتصل باقتراح القانون المعجل المكرر الذي يرمي إلى تعديل الفقرة 5 من المادة 11 (معالجة الاشغال غير القانوني للأملاك العامة البحرية) القانون رقم 45 تاريخ 21/8/2017. وفيما كانت هذه الفقرة حددت مهلة ثلاثة أشهر للمخالفين لتقديم ملفات “معالجة المخالفات ومهلة أخرى لتسديد الرسوم والغرامات المتوجبة عليهم تحت طائلة إنهاء إشغاله غير المشروع، هدف هذا الاقتراح إلى تمديد هذه الفترة. وبذلك يؤدي هذا الاقتراح، في حال إقراره، إلى منح الجهات المخالفة والمعتدية على الملك العام منذ عقود مزيدا من التنازل والتسامح غير المبررين.
“