“
نجح أهالي تربل والمنية الذين نزلوا إلى الطرقات والساحات وزحفوا بالآلاف نحو جبل تربل، ومعهم أهالي بلدات عزقي من الضنية وعلما مرياطة والفوار من قضاء زغرتا في استصدار موقف من رئيس الحكومة سعد الحريري بإيقاف العمل في المطمر المزمع إنشاؤه في أعالي جبل تربل. وقد أعلن الحريري عن موقفه من خلال تغريدة للأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، تبعه تصريح للنائب علم الدين الذي انضم بعد ظهر أمس للأهالي المعتصمين في جبل تربل. ويلحظ أن المنية تشكل بمناطقها كافة خزانا ديموغرافيا مهما لتيار المستقبل الذي يتمثل فيها سياسيا بنائبها عثمان علم الدين.
وكان وزير البيئة فادي جريصاتي عمد بغطاء واضح من القوى السياسية الحاكمة إلى إرسال عشرات أطنان النفايات إلى تربل في مساء 13 آب في مسعى لوضع الأهالي تحت الأمر الواقع، وكل ذلك خلافا للقوانين ومن دون أي دراسة مسبقة للأثر البيئي. وبدل أن يقهر هذا التصرف الأهالي متخطياً رفض المواطنين في المنية وجوارها لقراره إنشاء مطمر نفايات في تربل، المرتفع الوحيد في منطقة ، فإنه أشعل ما يشبه الثورة والإنتفاضة بينهم. ومع حصول المواجهات العنيفة بين القوى الأمنية والأهالي، وتحديدا النساء، راجعت بعض القوى السياسية حساباتها من المطمر خوفا من انفلات الشارع الذي بدا مستعدا للإنتفاض على أي جهة، أيا تكن، في سبيل مصلحة المنطقة ودفاعا عن صحة أبنائها.
وفي حين ذهب الناشطون في المنية وبعض بلدياتها ومعهم الحركة البيئية في لبنان إلى إعداد دعوى قضائية تُقدم أمام القضاء المستعجل صباح غد الجمعة في 16 آب 2019، لوقف الأعمال في المطمر، ومن ثم الطعن بقرار جريصاتي أمام مجلس شورى الدولة، جاء موقف الرئيس الحريري ليوقف الأعمال مساء أمس 14 آب 2019.
وعليه، نامت تربل والمنية على أمل أن لا يكون إيقاف العمل بالمطمر مؤقتا ومجرد تخدير، أملين أن يستمر توقف إرسال عشرات شاحنات النفايات ورميها عشوائيا من دون تجهيز في غياب دراسة الأثر البيئي حتى، برغم من إبقاء الآليات في الأرض المخصصة للمطمر، وكذلك القوى الأمنية التي تحرسها.
ومساء اجتمع أعضاء لجنة المتابعة لمكب تربل المركزي، الذين أسموه “مكب الموت”، وأصدروا بياناً جاء فيه:
أولا: تتوجه اللجنة بتحية إجلال وإكبار للشباب الثائر ولكل من واكب منذ اللحظة الأولى لإعلان استئناف العمل بالمكب مساء أمس، هذا الشباب الذي انتفض دفاعا عن المنية ودفاعا عن حق أبنائها بالعيش بعزة وكرامة.
إن وقفة العز التي وقفها الثائرون في مواجهة السلطة وأتباعها ستكتب بحروف من ذهب في سجل المنية وتاريخها.
ثانيا: إن قرار اليوم بإيقاف العمل بالمكب يجب أن يكون نهائيا وأن تسحب وزارة البيئة هذا المشروع من التداول وإن أية محاولة للعودة إليه ستواجه بردة فعل أعظم وأوسع وأشمل.
ثالثا: تشكر اللجنة الرئيس سعد الحريري الذي تجاوب مع المنتفضين الأحرار ووقف إلى جانب مطالب أهلنا المحقة برفض المكب.
رابعا: تتوجه اللجنة بالشكر الجزيل إلى الجيش اللبناني وباقي الأجهزة الأمنية التي سهرت على أمن المواطنين وعلى ممتلكاتهم كما حافظت على سلمية التحرك.
خامسا: ترفض اللجنة ما أدلى به وزير البيئة من تبريرات لجهة الفترة المؤقتة للمكب الذي سيصبح دائما فور بدء العمل فيه مع مخاطر إمكانية استقدام نفايات من خارج الأقضية الأربعة.
سادسا: تطالب اللجنة وزارة البيئة بإزالة كل النفايات التي أفرغتها الشاحنات خلال ال 24 ساعة الماضية نظرا لأنها أفرغت بطريقة عشوائية وأنها ستتسبب بضرر حتمي على التربة والمياه الجوفية.
سابعا: تطالب اللجنة المتعهد بسحب الآليات من موقع المكب غدا ودون تأخير.
ثامنا: ترفض اللجنة ما تعرضت له السيدة التي اعترضت رتلا من شاحنات النفايات من اعتداء على يد عنصر من قوى الأمن الداخلي كما ترفض التبريرات التي أوردتها حول صلة القرابة بين السيدة وعنصر قوى الأمن.
تاسعا: تعتبر اللجنة أن اللامركزية في إدارة النفايات هي الحل الوحيد المقبول بحيث تتولى كل جهة بلدية أو إتحاد بلديات إدارة نفاياتهم وفق ما يرونه مناسبا.
عاشرا: تؤكد اللجنة أن المواجهة لم تكن مع جهة مناطقية معينة في الأقضية الأخرى والتي نكن لأهلها كل ود واحترام مؤكدين على استمرار علاقات حسن الجوار والعيش المشترك.
إن المواجهة كانت في الواقع مع السلطة التي لم تحسن إدارة هذا الملف نظرا لتشابك مصالح جماعتها المالية والسياسية.
أخيرا، تدعو اللجنة أهلها في المنية والجوار للإبقاء على جهوزية تامة لمواكبة أية مستجدات في ملف النفايات خاصة إذا كان يتعارض مع مصلحة أهلنا ومنطقتنا.
يطرح وقف الأعمال في تربل سؤالا مركزيا على الحكومة التي باتت أكثر من أي وقت مضى مطالبة بإيجاد وضع مستدام غير تقليدي، أساسه الفرز من المصدر ومعامل الفرز واللامركزية النسبية في معالجة النفابات. أما أن تستمر السلطة على عوائدها في تحويل ملف النفايات إلى ملف مركزي لتحصيل غنائم منه، فذلك محكوم على ما يبدو بحائط مسدود. سمسم أغلق أبوابه ومن وصل اليوم ربما وصل متأخر.
سؤال ثان لا بد منه: هل سيكون للوزير جريصاتي شجاعة الاستقالة بعدما خسر ذاته ومصداقيته بمخالفته قوانين البيئة التي أؤتمن عليها، من دون أن يتمكن من فرض قوانينه أو بالأحرى لاقوانينه على أرض الواقع؟
إنشاء المكب في تربل قرار تاريخي وفق وزير البيئة: المزبلة قبل المدرسة، المزبلة قبل درس أثرها البيئي
“