لأول مرة منذ انشاء دولتي لبنان وسوريا، فرضت الدولة اللبنانية على المواطنين السوريين ان يكون لديهم سبب مقبول لدخول لبنان. ففي ٣١-١٢-٢٠١٤، أصدرت المديرية العامة للامن العام اعلانا بوضعها معايير جديدة لتنظيم دخول السوريين الى لبنان، وقد حددت فيها ست فئات تؤهل المواطنين السوريين للدخول الى لبنان، وهي: السياحة، زيارة عمل، امتلاك عقار في لبنان، الدراسة، القادمون للسفر عبر لبنان الى دولة اخرى او للمعالجة الطبية او لمراجعة سفارة اجنبية، وأخيرا، القادمون بموجب تعهد بالمسؤولية من قبل مواطن لبناني. وتسمح هذه الأسباب للمواطنين السوريين بالحصول على اقامات مؤقتة قصيرة المدة (باستثناء الإقامات الدراسية السنوية) خلافا لما كان معمولا به سابقا سواء كان قبل العام ٢٠١١ او بعده حيث كان المواطنون السوريون يحصلون تلقائيا على اقامات لمدة ستة أشهر على الأقل، قابلة للتجديد.
ويأتي هذا القرار تنفيذا للبند الأول من “سياسة النزوح السوري” التي اعتمدها مجلس الوزراء في ٢٣-١٠-٢٠١٤، والمتمثل ب “وقف النزوح على الحدود باستثناء الحالات الانسانية الاستثنائية، وتسجيل الداخلين على الحدود وفق أسباب دخولهم للتأكد من تطبيق هذا الإجراء”. وعليه، تهدف هذه المعايير مبدئيا الى تعريف هذه “الحالات الانسانية الاستثنائية” التي يسمح لها بالدخول الى لبنان. كما جاء القرار بمثابة محاولة لتوضيح توجهات الأمن العام في هذا الصدد، بعدما بدأ منذ أشهر في تقييد دخول السوريين الى لبنان على نحو ملتبس وغير واضح وتشوبه درجة عالية من الاعتباطية. وقد ثنت هذه التدابير الملتبسة والاعتباطية آنذاك العدديد من المواطنين السوريين المقيمين في لبنان عن مغادرته خشية عدم التمكّن من العودة.
ويطرح هذا القرار اشكاليات عدة، أبرزها الآتية:
اولا: تدابير تمييزية ضد المواطنين السوريين بالنسبة الى سائر الأجانب؟
من الواضح ان هذا القرار جاء مخالفا ليس فقط للاتفاقيات الثنائية بين لبنان وسوريا، بل أيضا للقوانين اللبنانية التي تمنح امتيازات للمواطنين السوريين للدخول والإقامة في لبنان وحرية التنقل بين البلدين في مقابل المعاملة بالمثل للبنانيين في سوريا. فهل فقد المواطن السوري هذه الامتيازات لكي يلقى معاملة مماثلة لاي اجنبي آخر أم انه اصبح اليوم يلقى معاملة بشروط أدنى من الشروط المطبقة على سائر الأجانب؟ ويبدو ان القرار يتجّه نحو المنحى الثاني طالما أن المعايير الموضوعة خلت من أي اشارة الى حالات يسمح فيها عادة لأي اجنبي الدخول والإقامة في لبنان وأهمها:
١ – حالة أزواج اللبنانيات وأبنائهم، والذين من حقهم الحصول على إقامة مجاملة صالحة لمدة ثلاثة سنوات بموجب المرسوم 4186/2010. فليس من الواضح مدى استمرار نفاذ هذه الأحكام بحق المواطنين السوريين؛
٢ – الدخول الى لبنان بهدف العمل فيه إذ اقتصرت المعايير على السماح بزيارات عمل قصيرة المدة دون ان تتطرق الى إمكانية الدخول بهدف الحصول على إقامات عمل في لبنان.
ثانيا: إغلاق الحدود النظامية امام المواطنين السوريين الأكثر حاجة للدخول الى لبنان:
فضلا عن ذلك، فان التدقيق في هذه المعايير يظهر أنها تؤدي الى اغلاق الحدود النظامية أمام المواطنين السوريين الأكثر حاجة للدخول الى لبنان، وتحديدا فئة اللاجئين.
فقد خلت لائحة أسباب الدخول المفصّلة من اي اشارة لحالات اللجوء (أو النزوح وفق قاموس المفردات اللبناني) هربا من الاضطهاد والعنف وبحثا عن بلد آمن (سواء كان الشخص القادم مستهدفا شخصيا او بسبب مكان إقامته او انتمائه السياسي او الطائفي من قبل النظام او اي من الجماعات المسلحة في سوريا). ورغم ذلك، يلحظ أن بطاقة دخول المواطنين السوريين التي يدون عليها أسباب الدخول الى لبنان تتضمن فئة “نازح” مما يوحي بإمكان تصريح الراغبين منهم عن ارادتهم باللجوء الى لبنان. فكيف نفسر هذا التناقض بين خلو اللائحة المفصلة من أي اشارة الى اللجوء (النزوح) وتضمين بطاقة الدخول اشارة الى هذا السبب من دون أي تفصيل لشروطه؟ هل وردت عبارة “نازح” سهوا (أو بناء على طلب وزارة الشؤون الاجتماعية) أم أن ثمة تناقضا مقصودا بهدف الاشارة اليه من دون تفصيل شروطه من أجل ابقاء الانتقائية والضبابية قائمتين في تحديد هذه الشروط؟ وبما لا يقل أهمية عن ذلك، من سيتولى التثبت من توفر شروط اللجوء في حال ثبت أنه من الأسباب المبررة للدخول؟ هل يفترض بالمواطن السوري الراغب بالدخول أن يدلي بأسباب اللجوء لعناصر الأمن العام وهم غير المدربين على ذلك؟ وأي دور للجهة المؤهلة دوليا للقيام بذلك اي مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين، علما انها غير متواجدة على الحدود؟ وأي دور لوزارة الشؤون الاجتماعية التي كلفها مجلس الوزراء بالموافقة على تسجيل المواطنين السوريين لدى المفوضية؟ وماذا عن وضع المواطنين السوريين المسجلين لدى المفوضية والذين ذهبوا الى سوريا لفترة قصيرة في ظل قرار مجلس الوزراء بنزع صفة “النازح” عنهم؟ فهل سوف يمنعون تلقائيا من دخول لبنان او يسمح لهم بالدخول اليه على ان تنظر المفوضية بمدى وجوب سحب بطاقاتهم والغاء تسجيلهم لديها (وهو اجراء ترعاه قواعد خاصة ويتطلب احترام معايير واجراءات أهمها حق هؤلاء بالدفاع عن أنفسهم واباء وجهات نظرهم وأسبابهم لطلب اللجوء)؟
ويخشى بالواقع أن تؤدي هذه المعايير واقعيا ليس الى تخفيض عدد اللاجئين السوريين الى لبنان، انما، الى ارتفاع نسبة اللاجئين الداخلين بطرق غير رسمية أي من دون المرور بالمعابر الرسمية. ومن شأن ذلك أن يؤدي الى ارتفاع أعداد المواطنين السوريين المقيمين بطرق غير رسمية وتاليا هشاشتهم، وخصوصا مع ازدياد حالات رفض تجديد الاقامات للأشخاص المتواجدين في لبنان.
ثالثا: التمييز بين المواطنين السوريين وفق قدراتهم المالية:
فمن البيّن أن لائحة الأسباب تهدف الى منع دخول السوريين الأكثر فقرا مع إبقاء الحدود مفتوحة امام الذين يتمتعون بظروف اقتصادية جيدة. وهو ما يتبين من فرض إبراز مبلغ الف دولار وحجز فندقي للدخول بهدف السياحة او إثبات ملكية عقارات في لبنان او ابراز تعهد من معارف شخصية في لبنان تتعهد بكفالة إقامة ومسكن الوافد السوري.
وأخيرا، يسجل انه ليس من الواضح مدى انطباق هذه المعايير على المواطنين السوريين الذين دخلوا لبنان قبل العام ٢٠١٥ او على اعادة دخول المواطنين السوريين الذين يحملون اقامات في لبنان والمتواجدين خارج لبنان بتاريخ اصدار القرار او على اللاجئين الفلسطينيين من المقيمين في سوريا.
الصورة منقولة عن موقع facebook
نشر هذا المقال في العدد | 24 |كانون الثاني /يناير/ 2015 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
حق المعرفة لألشخاص المٌتبنّين
متوفر من خلال: