قاضي التحقيق الأول في بيروت، مركز شاغر في خدمة أصحاب النفوذ

،
2021-09-15    |   

قاضي التحقيق الأول في بيروت، مركز شاغر في خدمة أصحاب النفوذ

مع تعيين النائب العام التمييزي الحالي غسّان عويدات في منصبه في العام 2019، شغر مركز قاضي التحقيق الأول في بيروت وما يزال حتى اللحظة شاغراً. وقد توالى عليه بفعل ذلك قضاة بالإنابة هم القضاة الأعلى درجة من قضاة التحقيق في بيروت، بدءا بالقاضي جورج رزق الذي أحيل على التقاعد في نيسان 2020 ليحل مكانه من ثم القاضي شربل أبو سمرا. وما يزيد من خطورة شغور هذا المركز الهامّ نسبياً، هي علامات استفهام متزايدة حول أداء شاغله الأخير وبخاصة في قضايا مكافحة الفساد.

آخر قرارات القاضي أبو سمرا التي أثارت علامات استفهام، قراره في 8/9/2021 بإخلاء سبيل نقيب الصيادلة السابق ربيع حسونة الموقوف رغم خطورة ارتكاباتِه في ملف احتكار الدواء الموثقة في تقرير التفتيش الصيدلي في وزارة الصحة. وقد استدعى هذا القرار استئنافه من قبل النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم أمام الهيئة الاتهامية في بيروت التي انتهت إلى فسخه في 9/9/2021. كما أصدر أبو سمرا في الأسبوع الماضي وتحديداً في 8 أيلول قراراً في قضيّة أخرى لا تقلّ خطورة وهي قضية التّلاعب ب “نظام نجم” الآلي والذي يحدّد مدى خضوع البضائع الداخلة إلى لبنان للتفتيش، والذي أهدر مليارات الليرات على الدولة اللبنانية. وقد تمثّل هذا القرار في إخلاء سبيل جميع الموقوفين من موظفي الجمارك في هذه القضية. أماّ في قضية شراء الدولارات وشحنها إلى الخارج، منع أبو سمرا المحاكمة عن مدير مصرف SGBL أنطون صحناوي وآخرين، لتعود النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان غادة عون وتفتح القضية. وفي قضية أخرى، أخْلى أبو سمرا سبيل الموقوفين في قضية الاعتداء على المحامي واصف الحركة، وهم مقرّبين من وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية والوزير طلال ارسلان. وقد أصدر أبو سمرا قراره الظني في القضية واعتبر فعل المدعى عليهم من نوع الإيذاء، مانعا المحاكمة عنهم من جرم محاولة القتل عمداً أو تكوين عصابة أشرار.

هذه المعطيات تستدعي الملاحظات الآتية:  

 

1- مركز محوري في عملية مكافحة الفساد أو ضمان الإفلات من العقاب

من البين في ظل المركزية الإدارية وتمركز الحياة الاقتصادية في بيروت أن لقاضي التحقيق الأول في بيروت دور محوري لضمان مكافحة الفساد أو على العكس من ذلك لضمان الإفلات من العقاب. فجميع ادّعاءات النيابات العامة ضمن نطاق بيروت تصل إلى قاضي التحقيق الأول الذي له التحقيق بها مباشرة أو توزيعها على سائر قضاة التحقيق العاملين ضمن دائرته. ويكون تاليا للشخص الذي يشغل هذا المركز هامشاً واسعاً في تحديد ماهية هذا الدور. ونستشفّ من أعمال القاضي أبو سمرا اتجاهاً واضحاً لممارسة مهامه في الاتجاه الثاني أي في اتجاه الإسهام في منع محاسبة أعمال الفساد وضمان إفلاتها من العقاب. 

 

2- المصفاة البديلة في مجال ملاحقة الجرائم: النيابة العامة أو قضاء التحقيق    

ومن هذه الزاوية، يشكّل مركز قاضي التحقيق الأول مصفاةً ثانية في مجال ملاحقة الجرائم، وهي مصفاة قد تؤدي في أحيان كثيرة إلى منع محاكمة في جرائم عدة أو تضييق مداها، وهو أمر نلمس خطورته بشكل خاص في القضايا المتصلة بأصحاب النفوذ، ومنها بعض القضايا المشار إليها أعلاه. وهذا ما قد يحصل في فضائح أو قضايا كبرى قد تجدُ النّيابة العامّة نفسها فيها تحت ضغط الرأي العام للتحرّك رغم نفوذ المدعى عليهم تحت طائلة الظهور مظهر المناوئة لأي محاسبة أو لحقوق المجتمع، فتنتقل إذ ذاك معركة هؤلاء إلى قضاء التحقيق، مستفيدين من طول أمده وربما خفوت الضجيج الإعلامي حول قضاياهم. وبفعل وجود هاتين المصفاتين، يجد قضاة النيابة العامة هامشا معينا في الكثير من القضايا للتحرك ضد ذوي نفوذ على نحو يستجرّ تصفيق الناس أو يخفّف من حنقهم من دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى وصول الملفات إلى المحاكمة وتاليا إلى المحاسبة الفعلية. وبالطبع، تزداد حظوظ ذوي النفوذ في الوصول إلى مبتغاهم في على ضوء منظومة التشكيلات القضائية الحالية حيث يتمّ اعتبار مراكز النيابات العامة وقضاء التحقيق (وبخاصة مراكز قاضي التحقيق الأول في المحافظات) على أنها مراكز حساسة تخضع لمنطق المحاصصة السياسية والطائفية.    

 

3- مجازفة بحقوق المجتمع بالعدالة 

رغم علامات الاستفهام المتزايدة حول أداء القاضي أبو سمرا وبخاصة في قضايا فساد كبرى، لم تتحرك حتى الآن المراجع المعنية لتعيين قاضٍ أصيل محله أو انتداب قاض إلى مركزه أو إحالته إلى التفتيش القضائي تمهيدا لوقفه عن العمل. وعليه، يكون المرجعان المعنيان (وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى قبل انتهاء ولاية أعضائه في أيار الماضي) قد ارتضيا ضمنياً المجازفة بحقوق الناس والمجتمع وتاليا بالسماح بتعميم إفلات قضايا الفساد من العقاب.

وتظهر خطورة أداء مجلس القضاء الأعلى في هذا الخصوص عند مقارنة تقاعسه حيال منع المحاكمة من القاضي أبو سمرا في في قضية  مكتّف-صحناوي-سلامة مع تأييده لوقف القاضية غادة عون عن التحقيق في هذه القضية بالذات. يخشى أن يمتدّ هذا الواقع المنافي لنظام العدالة في ظل تعطيل مجلس القضاء الأعلى بسبب انتهاء ولاية غالبية أعضائه.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، عدالة انتقالية ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مجزرة المرفأ ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني