دعاني واجبي الوطني والإنساني الى المشاركة في تظاهرة من تنظيم حملة “طلعت ريحتكم” رفضا” لسياسة الحكومة المتخاذلة في إيجاد الحلول لأزمة النفايات. لكن غاب عن ذهني أن المشاركة في هذه التحركات المطلبية في لبنان قد تؤول الى مأساة ستؤجج لديّ كل ما عانيت منه في دار الايتام. انطلقت المظاهرة من ساحة رياض الصلح الى شارع الحمرا حيث صدف مرور موكب مجهول الهوية فاقترب منه المتظاهرون هاتفين بشعارات منددة بسياسة الحكومة، ولم نعرف إلا لاحقا” أن وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس هو صاحب الموكب.
لحظة رؤيتي للوزير كانت لحظة انتقلت فيها إلى عالمي الخاص منفصلا” عن العالم الخارجي. فتحولت هتافات وأصوات المشاركين الى صمت غريب بالنسبة إليّ. لم أفهم ما حصل. كانت لحظة فظيعة. وبشكل غير شعوري، دنوت من السيارة. طرقت على النافذة. عرّفت عن نفسي. وصرخت بأعلى صوتي “الي حق عندك”. لم يكن ما قلته مجرد كلمات بل كانت صرخةٌ تعّبر عن لوعة تجربتي في دار الأيتام الاسلامية وخصوصا” أن من كان أمامي كان هو نفسه الوزير الذي تهرّب من مسؤولياته في مراقبة دور الرعاية ومساءلتها عما جرى لي، عما يجري لسائر الأطفال المودعين هنالك. وقد كلفتني هذه الصرخة أن ادعى عليّ سائق الوزير مما أدى الى احتجازي لأيام ثلاثة في ظروف رهيبة.
لكنّي كنت أعلم أني لم أفعل شيئاً سوى ممارسة حقّي بالتعبير، فخاطبت الحكومة التي لم تكن تريد أن تسمع بوجوب القيام بمسؤولياتها. فلم أخشَ الاعتقال. وبعد مضي ساعات من الاحتجاز والتحقيق والضغط النفسي، توضّحت الصورة عندي وتبين لي أنّ ما يحصل معي هو جزء من قضيتي الرئيسية وأن ملاحقتي هي لغاية في نفس يعقوب لأن الوزير الذي حرك الملاحقة كان اختار التهجم علي منذ تقدمت بدعواي ضد دار الأيتام ووزارة الشؤون الاجتماعية على خلفية تعرضي للاغتصاب لمدة 5 سنوات في تلك الدار. فبدل أن يسارع الى إنصافي واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأطفال المودعين في مؤسسات الرعاية، انصرف الى التشهير والذمّ بي. وهذه الملاحقة تأتي في السياق نفسه. وتاليا، خلال احتجازي، كان سؤال واحد يراود ذهني: “هل التوقيف هو ثمن أدفعه مقابل دفاعي عن الأطفال المودعين في دور الرعاية؟”
ولكن زادني التوقيف إصراراً على متابعة القضية حتى الوصول إلى العدالة: وقد زاد إصراري هذا مع سماع هتافات المتظاهرين المتضامنين معي ومع رفاقي داخل نظارة قصر العدل. فإمتلكتني اذ ذاك قوة لا مثيل لها. نشر هذا المقال في العدد | 31 | أب/ أغسطس 2015، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.