تواصل الأندية العلمانية معركتها الطلابيّة في جامعات لبنان الخاصة وفي الجامعة اللبنانيّة، فبعد الانتصارات التي حقّقتها في الانتخابات الطلابيّة الأخيرة العام الماضي ولاسيّما في كلّ من الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف، يتحضّر ممثلو هذه الأندية لخوض الانتخابات المقبلة، وهذه المرة تحت شعار “معركة كسر النظام مستمرة”.
وفي الإطار عينه، أطلقت الأندية العلمانية ال 12 مؤخراً ما أسمته “إعلان طلاب لبنان” في مسرح دوار الشمس في بيروت، بدعوة من شبكة “مدى”، المبادرة الطلابية العلمانية الشبابية المستقلة عن الأحزاب السياسية، معلنة عن برامج عملها التي ستخوض على أساسها الانتخابات الطلابية في العام الجامعي المقبل.
وتحاول الأندية العلمانية والتي عززت تنظيمها بعد انتفاضة السابع 17 تشرين من خلال مشاركتها الواسعة في ساحات الإنتفاضة ودخولها معترك الإنتخابات في جامعات جديدة، توحيد معركتها الطلابية، وإن اختلفت العناوين بين جامعة وأخرى، بدءا من منع “دولرة” الأقساط في عدد من الجامعات مرورا بفرض انتخابات طلابية في جامعات أخرى، ومنها اللبنانية، وصولا إلى رفض تهميش الجامعة الوطنية وسيطرة الزبائنية السياسية والطائفية عليها.
تحدّي هيمنة الأحزاب في الجامعة اللبنانية
يحدّد النادي العلماني في الجامعة اللبنانية الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها في المدى القريب باستقطاب أكبر عدد من الطلّاب من أجل إجراء انتخابات تنتج مجالس طلّابية شرعية ومُنتخَبة “خلافاً للمجالس التي تمثّل السلطة في الجامعة ضمن شبكة من الزبائنيّة”، حسب ما أشار ممثّل النادي العلماني في الجامعة اللبنانية الطالب علي نجدي في كلمة ألقاها خلال لقاء “إعلان طلّاب لبنان”، مشدّداً على ضرورة “استكمال النادي العلماني في الجامعة اللبنانية مسار النوادي العلمانية في الجامعات الأخرى والمناطق والنقابات التي تنسجم مع تطلّعات انتفاضة 17 تشرين الأوّل”.
اعتبر نجدي أنّ الجامعة اللبنانية محكومة ومنذ نشأتها بـ “عقد طائفي وأوليغارشيّة مصرفية ونهج قمعي وسلطوي”، وأنّ هذا الأمر لم يتغيّر بعد انتهاء الحرب الأهلية ولا سيّما أنّ “النظام أعاد إنتاج نفسه بين وصاية ديكتاتورية وحريرية احتكارية كانت أولى ضحاياها الجامعة اللبنانية التي تحوّلت إلى منبر للتحاصص السياسي والوساطات والقمع والاستقطاب الطائفي” الذي زاد في لبنان بعد العام 2005، وانعكس على الجامعة اللبنانية، فتفاقمت السيطرة الطائفية عليها في كلّ كلّيّة وكلّ فرع” وصولاً إلى ما هي عليه اليوم من “مجالس طلّابية غير شرعية تنتجها أحزاب الطوائف”.
وانطلاقاً من هذا الواقع الذي تعيشه الجامعة اللبنانية، تأتي أهمّيّة ولادة النادي العلماني في هذه الجامعة منذ سبعة أشهر، لما يشكّله من تحدّ للهيمنة السائدة لأحزاب السلطة على الجامعة منذ عقود، حسب نجدي.
وأشار أيضاً إلى رمزيّة توقيت ولادة النادي في الجامعة الوطنية في ظلّ “أزمة وجودية يعيشها الطلّاب والأساتذة والعمّال فيها على حدّ سواء” بسبب الانهيار الاقتصادي الراهن الذي يشكّل تهديداً لاستمراريّتها، سواء عبر خسارة قيمة ميزانيّتها التي تُصرَف بالليرة اللبنانية، بينما سعر صرف الدولار في السوق الموازي يواصل ارتفاعه، أو عبر هجرة الأساتذة الأكفّاء بفعل تآكل رواتبهم، ما سينعكس سلباً على جودة التعليم ويهدّد مصير طلّابها وحقّهم في التعليم، الأمر الذي “يتطلّب رفع صوت الطلّاب عالياً من دون خوف أو تردّد للمطالبة بحقوقهم عن طريق النادي العلماني المنحاز للناس والواضح بأولويّاته”.
مواجهة “دولرة” الأقساط
يجمع ممثّلو النوادي العلمانية في الجامعات الخاصّة الذين شاركوا في “الإعلان الطلّابي” على أنّ المعركة الأساسية اليوم في الجامعات الخاصّة هي مواجهة “دولرة” الأقساط و”تسليع” التعليم و”التهجير القسري للطلّاب” كما يقول رئيس النادي العلماني في جامعة القدّيس يوسف الطالب طارق غصن.
وفي هذا الإطار، شدّدت نائبة رئيس النادي العلماني في الجامعة الأميركية في بيروت الطالبة آية قاسم على موضوع “استكمال مسيرة مواجهة ارتفاع الأقساط عبر مختلف الوسائل المتاحة” مذكّرة بأنّ النادي العلماني في الجامعة الأميركية لجأ مؤخّراً إلى القضاء لمنع “دولرة” الأقساط عبر رفع دعاوى قضائية من قِبل عدد من الطلّاب ضدّ الجامعة لفرض التسعيرة الرسمية أي 1515 ليرة للدولار، وأنّ الطلّاب تمكّنوا بعدها من الضغط على الجامعة للتراجع عن قرارها، فحصل بعضهم على الشهادات كما أُتيح لآخرين إجراء امتحانات العام الدراسي الماضي وفق التسعيرة الرسمية للدولار، و”لا تزال المعركة مستمرّة هذا العام أيضاً”، وفق آية.
في السياق نفسه، لفتت رئيسة النادي العلماني في الجامعة اللبنانية الدولية الطالبة فرح درويش إلى ضرورة إنشاء عقد طلّابي لحماية الطلّاب من “جشع” إدارة الجامعات الخاصّة وضمان عدم رفع الأقساط للطلاب الملتحقين بالجامعة منذ أكثر من عام، موضحة أنّ “المعركة تتخطّى الوقوف ضدّ قرار إدارة الجامعة اللبنانية الدولية رفع الأقساط بنسبة 61.7% لتحدَّد على أساس سعر 2450 ليرة للدولار بعد وعود طويلة من رئيس الجامعة بعدم رفع الأقساط، أقلّه في السنوات الثلاث المقبلة، فالمعركة الأساسية هي في وجه “دولرة الأقساط وتسليع التعليم في كلّ الجامعات الخاصّة”.
وكغيرها من الجامعات الخاصّة التي شاركت في “إعلان طلّاب لبنان” تخوض الجامعة الأنطونية معركة “دولرة الأقساط” كمعركة أساسية، حسب ما تشير ممثّلة النادي العلماني في هذه الجامعة الطالبة جنى زهر الدين متحدِّثةً عن “امتعاض الطلّاب من ارتفاع الأقساط سنوياً من دون التشاور مع مجلس طلّابي يأخذ بعين الاعتبار وضع الطالب المادّي ويضمن الحقّ في الشفافيّة، ويتيح معرفة ما إذا كان هذا الارتفاع مشروعاً”.
المطالبة بانتخابات طلّابية
إلى جانب معركة رفض “دولرة الأقساط” تخوض الأندية العلمانية في الجامعات معارك تحرير مجالس الطلّاب من سلطة الأحزاب الطائفية، ففي بعض هذه الجامعات، لا سيّما الخاصّة منها، حُقِّقَت مكاسب لافتة العام الماضي، فيما لا تزال جامعات أخرى تحاول انتزاع حقّ إجراء الانتخابات.
ففي الجامعة الأميركية في بيروت، وللمرّة الأولى منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان، لم تشارك الأحزاب الطائفية بشكل رسمي في أيّ حملة انتخابية في مواجهة النادي العلماني خلال الانتخابات الطلّابية التي جرت العام الماضي، فقد نال النادي العلماني تسعة مقاعد من أصل 19، فيما توزّعت باقي المقاعد على مرشّحين مستقلّين وحملات غير حزبية، ما اعتُبر إنجازاً.
أمّا الانتصار الكبير الذي حقّقه النادي العلماني، فكان في جامعة القدّيس يوسف حيث فاز برئاسة الهيئات الطلّابية في جميع الكلّيّات (12 كلّيّة) التي خاض فيها الانتخابات الأخيرة تحت اسم حملة “طالب”، كما حصل على 85 مقعداً من أصل 240، الأمر الذي يعتبره ممثّل النادي العلماني في جامعة القدّيس يوسف طارق غصن “كسراً لاحتكار السلطة وقلباً لموازين القوّة، وبرهاناً على أنّه لا يزال هناك بصيص أمل لتحرير أصوات الطلّاب وأنفسهم عن طريق الوضوح وتراكم التجارب والتنظيم والعمل الجماعي”.
مقابل هذه الانتصارات التي حقّقتها كلّ من الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القدّيس يوسف، تحرم الجامعة اللبنانية وعدد من الجامعات الخاصّة طلّابها من الحقّ في إجراء انتخابات طلّابية تتيح إنتاج مجلس طلّابي يمثّلهم، “فتنسف بذلك مبدأ الديمقراطيّة وتلغي مبدأ التواصل بين الطلّاب والإدارة بحجّة رفض الأعمال السياسية داخل حرمها”، كما تقول الطالبة فرح دروي.
كما يفسح منع إجراء الانتخابات المجال أمام الجامعة “لاتّخاذ قرارات تؤثّر على الطلّاب من دون الاستماع إلى آرائهم، وأبرز مثال على ذلك قرار رفع الأقساط”، حسب ما تشير رئيسة النادي العلماني في جامعة سيّدة اللويزة منار سليمان.
وبين السماح بإجراء الانتخابات ومنعها، تطرّق “إعلان طلّاب لبنان” إلى الجامعات التي تسمح للطلّاب بالمشاركة في اختيار المجلس الطلّابي “ظاهرياً” عبر وضعها شروطاً هدفها التحكّم في القرارات المصيرية المتعلّقة بالطلّاب وإبعادهم قدر الإمكان عن الحياة السياسية.
وأبرز مثال على ذلك “ما تقوم به جامعة روح القدس من تعيين للممثّلين عن الطلّاب عن طريق القرعة، بعد أن تغربل أسماء المرشّحين لصالحها كما يقول شربل ضو ممثّل النادي العلماني في الجامعة إذ “يكون ممثّل الطلاب دائماً مقرَّباً من الجامعة ولا يعرفه الطلّاب”.
ويصف شربل هذا الأمر بالسياسة “المخيفة” التي “لا تمتّ إلى الديمقراطية بصلة”، لذلك، وانطلاقاً من إيمان النادي العلماني بأنّ “التغيير يبدأ من الطلّاب وجيل الشباب” قرّر النادي أن “يخوض المواجهة ويسترجع صوت الطالب ويفرض سياسات تشاركية”.
انتفاضة 17 تشرين: الأرضيّة المناسبة للعلمانية
تطرّق لقاء “إعلان طلّاب لبنان” أيضاً إلى نشأة النوادي العلمانية في الجامعات، التي كان أوّلها النادي العلماني في الجامعة الأميركية في بيروت العام 2008 بهدف “خلق مساحة نقاش حول ثقافة بديلة منحازة لأضعف فئات المجتمع، وتطمح إلى قيام دولة علمانية تنادي بالديمقراطيّة والعدالة الاجتماعية” وفق ما أوضحت نائبة رئيسه قاسم قاسم، ولتتحوّل بعدها هذه التجربة إلى مصدر إلهام للأندية العلمانية في الجامعات والمناطق والنقابات.
قبل انتفاضة 17 تشرين كان من الصعب أن تسوّق الأندية العلمانية الموجودة أفكارها داخل بيئة تحكمها العوامل الطائفية والحزبية والدينية سواء داخل الحرم الجامعي أم خارجه، كما تشير ممثّلة جامعة سيّدة اللويزة منار سليمان. لكن بعد 17 تشرين انقلبت الموازين رأساً على عقب، ووجد التيّار العلماني الأرضيّة المناسبة لنشر فكره في ساحات الانتفاضة التي شملت كامل الأراضي اللبنانية في وقت ارتفع فيه الوعي السياسي واهتزّت الانتماءات والولاءات السياسية مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
ونشأت بعد الانتفاضة أندية علمانية في عدد من الجامعات مثل النادي العلماني في جامعة روح القدس الذي أبصر النور منذ نحو السنة بعد “التحرّر من هيمنة الأحزاب السياسية والطائفية على الجامعة والقرارات المصيرية فيها، وإيماناً بمبادئ ثورة 17 تشرين”، كما يقول ممثّل النادي شربل ضوّ.
بعيداً من هموم الطلّاب في الجامعات في لبنان، تُعنى النوادي العلمانية بقضايا وطنية أخرى انطلاقاً من أنّ الطلّاب جزء من “مجتمع ينهار في ظلّ نظام يستغلّ القوي فيه الضعيف” كما تشير ممثّلة النادي العلماني في الجامعة الأنطونية، “ما يضع النوادي العلمانية في صلب المواجهة لبناء مجتمع يأبى الظلم، ويؤمّن الحقّ في التعليم والطبابة والسكن للجميع”.