تتمثل الخطوة القادمة وفق خارطة الطريق المنصوص عليها في الإعلان الدستوري في إجراء انتخابات لجنة ال60 المكلفة بكتابة مسودة دستور ليبيا الجديد. وكلما اقترب موعد إقامتها، خرج على السطح نقاش حول دستور ليبيا لعام 1951 بعد غياب دام أكثر من نصف قرن من الزمان وتنحصر وجهات النظر حول هذه الوثيقة الهامة في أربع هي:
الأولى: تجنح بشدة نحو العودة التامة والمطلقة للعمل بدستور 1951 وبأنه لا يقلل من شأن هذه الدعوة تعطيل العمل به أربعة عقود من الزمان لعدم مشروعية السبب الذي أدى إلى ذلك والمتمثل في انقلاب 1969 الذي فُرض بالقوة على الشعب الليبي. ويُمثل أنصار المَلًكِية والفيدرالية غالبية أصحاب هذا الاتجاه.
الثانية: أقل حماسا من وجهة النظر الأولى، وترى ضرورة إصلاح دستور 1951 قبل العمل به، وذلك بالتمييز بين الأجزاء الصالحة للتطبيق في هذه المرحلة، وبين تلك التي تجاوزها الزمن ولم تعد تتلاءم مع ما هو موجود من معطيات اليوم، إذ يرى أنصار هذا الاتجاه أنه إذا كان بالإمكان الإبقاء على أجزاء معينة من دستور 1951 كتلك المتعلقة بحماية الحقوق والحريات مثلا، فإنه لا يمكن الإبقاء على الجزء المتعلق بالمَلَكِية على سبيل المثال، ويمثل أنصار الجمهورية غالبية أصحاب هذا الاتجاه.
الثالثة: ترى أن دستور 1951 لم يعد نموذجا ملائما للعمل به وإنما أصبح يمثل مرجعية مهمة ومفيدة للنقاش بالنسبة لأعضاء لجنة الـ60 عند مباشرتهم لأداء مهام كتابة مسودة الدستور الجديد، وبعبارة أخرى فإن دستور 1951 سيمثل نقطة انطلاق للاسترشاد به دون أي إلزام بنصوصه، ويميل أغلب الأكاديميين الليبيين المهتمين بصناعة الدساتير إلى الأخذ بهذا الاتجاه.
الرابعة: وجهة النظر الأخيرة تسير في اتجاه مخالفٍ تماما لوجهات النظر السابقة، بالقول بأن دستور 1951 لم يعد يتمتع إلا بقيمة ثقافية، أي أنه أصبح يمثل وثيقة تشكل إرثا ثقافيا لليبيين جميعا ولم تعد له أية قيمة قانونية أو عملية. وعلى هذا الرأي سار عدد قليل من الأكاديميين الليبيين المهتمين بصناعة الدساتير.
وبالنظر إلى ما تقدم، فإن هذه الورقة ستحاول تقديم دراسة علمية تحليلية تقوم على بيان نقاط القوة والضعف في دستور 1951 وفق رؤية قانونية تستند إلى المعايير الدولية الحديثة في القانون الدستوري، تعتمد بشكل أساس على تقارير مقدمة من قبل منظمات دولية متخصصة في هذا الشأن[1] وستنصب أساسا على النص المعتمد سنة 1951 قبل إدخال التعديلات عليه سنة 1963، وفق الآتي:
أولا/ نقاط القوة:
بداية نشير إلى أن دستور 1951 (المادتان2و3) ينص على أن ليبيا دولة ملكية فيدرالية تتكون من ثلاث ولايات هي: برقة وطرابلس الغرب وفزّان، وعلى توزيع الصلاحيات[2] بين السلطات الفيدرالية وبين سلطات الأقاليم المحلية (المادة39) بحيث حددت صلاحية الأولى على سبيل الحصر في المادة 36 وتتولى سلطات الأقاليم الصلاحيات الأخرى غير المنصوص عليها في الدستور بالنسبة للسلطات الفيدرالية التي حصرت صلاحياتها في الآتي: الشؤون الخارجية والعسكرية، التجارة الدولية، الهجرة والضرائب والجنسية، القانون العسكري، السياسة العلمية، النقل العام، البنك الاتحادي والسياسة المالية والاقتصادية، الشرطة والتعليم العالي. كما نص الدستور (المادة 38) على بعض الصلاحيات تمارسها السلطات التنفيذية للأقاليم الثلاثة تحت إشراف السلطة التشريعية الفيدرالية بهدف التنسيق بينها، بحيث تتولى الأخيرة عملية التنسيق بين السلطات الثلاث فيما يتعلق بالمسائل التالية: الشركات والبنوك والملكية الفكرية وضريبة الدخل والموازين والمقاييس والإحصاء السكاني والموانئ الجوية والبحرية والقانون المدني والتجاري والجنائي والإعلام والعمل والضمان الاجتماعي والتعليم العام والصحة العامة.
وحدد الفصل الرابع من الدستور السلطات الفيدرالية في ثلاث هي: السلطة التنفيذية ويمثلها الملك (المادة 42) والسلطة التشريعية ويتولاها الملك بالاشتراك مع البرلمان (المادة 41) من خلال التصديق على القوانين (المادة 62) والسلطة القضائية وتمثلها المحكمة العليا والمحاكم الأخرى التي تصدر أحكامها باسم الملك (المادة 43).
وفيما يتعلق بالسلطة التنفيذية نص الدستور على أن الحكم الملكي وراثي يرثه الابن الأكبر للملك السابق. ويقوم الملك بتعيين رئيس الوزراء وبتعين مجلس الوزراء بعد التشاور مع رئيس الحكومة. ويكون مجلس الوزراء مسئولا أمام الملك وأن الملك مصون وغير مسئول (المادة 59) وهو الرئيس الأعلى للدولة والقائد الأعلى لجميع القوات المسلحة (المادتان 58 و68).
أما بخصوص السلطة التشريعية فنص الدستور على أن البرلمان ينقسم إلى غرفتين: مجلس الشيوخ ومجلس النواب (المادة 93) يمثلان الأقاليم الثلاثة (طرابلس الغرب وبرقة وفزان) بثمانية أعضاء لكل ولاية أربعةٌ منهم يعينهم الملك والأربعة الآخرون تختارهم السلطة التشريعية في كل إقليم (المادتان 94 و95)، أما النواب فيتحدد عددهم بنسبة نائب عن كل 20000 نسمة، على أن لا يقل عدد ممثلي كل إقليم عن 5 نواب (المادة 101)، ويُعد ممثلو مجلس النواب المسئولين الوحيدين في السلطة الفيدرالية المختارين مباشرة من الشعب عبر انتخابات ديمقراطية (المادة 100).
أما بخصوص السلطة القضائية، فقد نص الدستور على أن قضاة المحكمة العليا يتم تعيينهم من قبل الملك ويؤدون اليمين أمامه (المادة 141) وأن القضاء يصدر أحكامه باسم الملك الذي لا تنفذ أحكام الإعدام إلا بعد موافقته (المادة 76) بل وله حق العفو وتخفيف العقوبة المقضي بها (المادة 77)، أما بشأنالحجم والتنظيم الهيكلي للمحكمة العليا وبقية النظام القضائي فقد ترك أمره للقوانين العادية ولم يتضمن دستور 1951شيئاً بشأنها (المادة 143).
أما الآن، وبعد العرض المتقدم الموجز والمتعلق ببيان الكيفية التي نظم بها دستور 1951 السلطات الفيدرالية، نأتي على بيان نقط القوة فيه والتي تتوافق مع المعايير الدولية للديمقراطية:
1-يتعرضدستور 1951 لحماية معظم حقوق الإنسان والحريات الأساسية من خلال الفصل الثاني المتعلق بحقوق الشعب (المواد من 8 إلى 35)، وهو ما يعتبره البعض سابقة دستورية غير عادية وسابقة لأوانها في ذلك الوقت، وقد ساعد واضعو دستور 1951 على تحقيق هذه الخطوة المتقدمة وضع الدستور بعد سنتين من صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 وهي الحقوق التي لم تتضمنها دساتير دول متقدمة في تلك الفترة. ومن أهم هذه الحقوق حق المساواة أمام القانون والحق في التقاضي وغيرها كثير. وأكثر من ذلك قضت المادة 197 من الدستور بأنه لا يجوز اقتراح تنقيح الأحكام الخاصة بشكل الحكم الملكي وبنظام وراثة العرش وبالحكم النيابي وبمبادئ الحرية والمساواة التي يكفلها هذا الدستور[3].
2-حاولدستور 1951 العمل على إقرار مبدأ الفصل بين السلطات وتحقيق نوع من التوازن بينها. ففيما يتعلق بالسلطة القضائية نصت المادة 14 على أن القضاة مستقلون ومسئولون أمام القانون فقط.
أما فيما يتعلق بالسلطة التشريعية، فقد حاولت المادة 108 منح استقلالية لأعضاء السلطة التشريعية ضد الجهات التي تملك تعيينهم (كالملك وسلطات الأقاليم والناخبين) بالنص على أن كل عضو في البرلمان هو ممثل عن الشعب بأسره، ولا يملك ناخبوه أو السلطة التي قامت بتعيينهم أن تحدد وكالته بقيد أو شرط. أما المادة 136 فقد وضعت آلية مهمة للتخفيف من حدة حق الفيتو الذي يتمتع به الملك في مواجهة البرلمان (الاعتراض على القوانين) بالنص على أنه إذا ما طلب الملك من مجلس الأمة إعادة النظر في قانون ما، فإن على المجلس في هذه الحالة بحث القانون من جديد، فإذا أقره ثانية بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين صدق عليه الملك وأصدره خلال ثلاثين يوما من إبلاغ القرار الأخير إليه. أما إذا كانت الأغلبية أقل من الثلثين امتنع النظر فيه في دور الانعقاد نفسه فإذا عاد مجلس الأمة في دور انعقاد آخر إلى إقرار ذلك المشروع بأغلبية جميع الأعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين صدق عليه الملك وأصدره خلال ثلاثين يوما من إبلاغ القرار إليه. وهو ما يفيد وجود آليتين يمكن من خلالها البرلمان إقرار القانون الذي اعترض عليه الملك هي أغلبية الثلثين في الانعقاد الأول بعد المراجعة والأغلبية المطلقة المتحصل عليها في اجتماعين اثنين. كما تشترط المادة 70 حصول الملك على موافقة البرلمان حتى يتمكن من إعلان الأحكام العرفية وحالة الطوارئ، أما المادة 195 فهي تمنع الملك من حل مجلسي البرلمان في أثناء حالة الطوارئ.
3-مكافحة الفساد: تحتوي المادة 90 من الدستور على أحكام هامة لمحاربة الفساد، إذ تحرم هذه المادة على الوزراء شغل مناصب أخرى في الحكومة أو المشاركة في أي مشروع تجاري أو مالي بما في ذلك عضوية مجالس الإدارة،وذلك لضمان عنصر النزاهة. كما أن المواد من 159 إلى 175 من الفصل التاسع المتعلق بالنظام المالي للدولة تتضمن أحكاما تفصيلية للإجراءات اللازمة لموافقة البرلمان على الميزانية الفيدرالية مما يمثل رقابة تشريعية هامة على المسائل المالية وضمانة حقيقية لمكافحة الفساد.
4-مبدأ المساءلة: على اعتبار أن الملك مصون وغير مسئول، فإن المسئولية التامة تقع على مجلس الوزراء، وتقضي المادة 122 من الدستور على حق البرلمان في استدعاء أي من الوزراء للاستجواب والشهادةفي جلسة علنية، وهو ما يمثل آلية دستورية جيدة نحو مساءلة المسئولين.
5-مبدأ الشفافية: تقضي المادة 114 من الدستور بضرورة علنية كل جلسات مجلسي البرلمان ما لم يصوت أي من المجلسين على سرية الجلسة وهو ما يعتبر ترسيخا لمبدأ الشفافية.
6-مبدأ الوصول للسلطة بطريقة ديمقراطية سلمية: نصت المادة 26 على تكوين الأحزاب السياسية، ولكنها منعت في الوقت ذاته أي منظمة أو كيان سياسي من تحقيق أهداف سياسية بالقوة العسكرية، وهذا المبدأ يشكل أداة فعالة لمواجهة أي حزب أو كيان سياسي يسعى للوصول إلى السلطة بطريقة غير ديمقراطية عبر استخدام القوة.
ثانيا/ نقاط الضعف:
تأتي هذه الفقرة على بيان نقاط الضعف في دستور 1951 لاحتوائه عددا من القواعد أو الأحكام التي لا تتفق مع المعايير الدولية الحديثة للديمقراطية أو لعدم احتواء هذه القواعد أو الأحكام لمثل هذه المعايير، وأهمها ما يلي:
1-محدودية ما تضمنه دستور 1951 من أحكام وقواعد بشأن علاقة الدين بالدولة حيث اكتفت المادة 5 بالنص على أن الإسلام دين الدولة دون أية تفاصيل أخرى، فمن المتفق عليه في فقه القانون الدستوري أن للدساتير مدلولات وظيفية (تسوية الصراعات) وقانونية (بيان السلطات الحاكمة) وأيديولوجية يسير عليها النظام السياسي والقانوني والاجتماعي والاقتصادي في الدولة، ويجب أن تعبّر هذه الأيديولوجية عن الإرادة العامة للشعب على نحو يضمن وحدته ويحقق طموحاته وحاجاته ويحدد أهداف العمل السياسي والقانوني وغيره. وعليه فإن النص السابق لا يتضمن هذا التعبير فهو لا يحدد بشكل واضح علاقة الدين بالنظام السياسي أو القانوني أو الاقتصادي مما يؤدي إلى حصر الدين عمليا في النظام الاجتماعي وخير شاهد على ذلك أن الشريعة لم تكن مصدرا وحيدا للتشريع ولا مصدرا رئيسا له وهو ما دفع نحو وضع قوانين مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، من ذلك على سبيل المثال وضع قوانين تجيز التعامل بالربا بين الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين.
2-لم يعمل دستور 1951 على تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات وتحقيق التوازن بينها على نحو فعال، فهو يحصن الملك ويمنحه صلاحية تعيين مجلس الوزراء، وقضاة المحكمة العليا، ونصف أعضاء مجلس الشيوخ، وله صلاحية حل مجلس النواب، في الوقت الذي يتطلب الأمر لحجب الثقة عن الحكومة من قبل البرلمان ضرورة التصويت، ويمتع الملك بحق النقض في مواجهة القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية.وهو ما يفيد بتمتع الملك بصلاحيات واسعة في مواجهة السلطة القضائية والسلطة التشريعية من خلال آلية التعيين والنقض في الوقت الذي لا توجد فيه رقابة مطلقة على الملك. هذه الصلاحيات السابقة تجعل من النظام الملكي نظاما ملكيا مطلقا يتمتع بصلاحيات واسعة لا يجب أن يتمتع بها أي رئيس ولو كان منتخبا شعبيا عبر انتخابات ديمقراطية.
3-ضعف الصلاحية الممنوحة للسلطة القضائية في دستور 1951 فهو لا يمنح القضاء حق مراجعة القوانين قبل إصدارها على نحو ما هو موجود في الأنظمة المقارنة من خلال وجود مجلس دستوري (قضائي) يتولى مراجعة مطابقة القوانين للدستور قبل إصدارها كنوع من الرقابة الوقائية بل إنه لا يمنح القضاء صلاحية واضحة فيما يتعلق بالرقابة العلاجية والمتعلقة بالنظر في الطعون المقدمة بعدم دستورية القوانين أو القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية، فإذا كانت المادة 43 تنص على أن: السلطة القضائية تتولاها المحكمة العليا والمحاكم الأخرى التي تصدر أحكامها في حدود الدستور ووفق القانون باسم الملك. فإن الفصل الثامن الخاص بالسلطة القضائية لا يضيف شيئا ويحيل على القوانين العادية مهمة تحديد صلاحيات السلطة القضائية ما يجعل السلطة القضائية تحت رحمة السلطة التشريعية وتعد هذه النتيجة إخلالا بالتوازن المطلوب بين السلطات، فدستور 1951 لم يحدد إلا اختصاصا واحدا للمحكمة العليا لا تستطيع السلطة التشريعية المساس به وهو ذلك الوارد في المادة 151 وهو الفصل بالنظر في المنازعات التي تنشأ بين الحكومة الفيدرالية وبين حكومات الأقاليم أو بين حكومات الأقاليم بعضها ببعض.
4-لم يحدد دستور 1951 العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي، وذلك ببيان مكانة القانون الدولي في النظام القانوني الداخلي، وهي مسألة جديرة بالاهتمام بصفة أساسية للقاضي الوطني الملزم كقاعدة عامة بتطبيق أحكام القانون الوطني والذي قد يتعارض مع أحكام معاهدة دولية ملزمة للدولة الليبية وهو ما قد يجعل الأخيرة تحت طائلة المسئولية الدولية.
5-لم يضع دستور 1951 مبادئ عامة لتنظيم أهم آلية لممارسة الديمقراطية وهي الانتخابات الحرة المباشرة وترك ذلك لهوى السلطة التشريعية بتنظيم الانتخابات بموجب قانون (المادتين 100 و103) من الدستور.
6-بالرغم من أن دستور 1951 ضم الحقوق والحريات في الفصل الثالث على النحو السابق بيانه فإنه ينص على إمكانية تقييد العديد من الحقوق والحريات باستخدام عبارات واسعة ومطاطة مثل "على النحو الوارد بالقانون أو باستثناء الحالات التي يحددها القانون وغيره". وإذا كان وجود مثل هذه العبارات ليس غريبا في الدساتير الديمقراطية بل وفي القانون الدولي لحقوق الإنسان (المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك توجد مثل هذه القيود في العهدين الدوليين لحقوق الإنسان) فإن هذا التقييد (وفق المعايير الدولية للديمقراطية) يجب ألا يكون مطلقا وفي أضيق الحدود وألا يمس بجوهر الحق وضروريا فالاستثناء يظل استثناء فلا يجب القياس عليه أو التوسع فيه؛ لأن استخدام مثل العبارات السابقة يعطي صلاحيات واسعة للسلطة التشريعية للمساس بالحقوق والحريات ما يجعلها مؤهلة لأن تكون أداة للديكتاتورية، هذا فضلا عن أن دستور 1951 لم يتضمن ما يسمى الجيل الثالث من الحقوق وهو: الحقوق التضامنية كحق البيئة وحق التنمية وحق السلم.
الخلاصة:
نخلص مما تقدم إلى إقامة موازنة بين نقاط القوة والضعف لدستور 1951 وفق المعطيات الراهنة للمعايير الدولية للديمقراطية، فأقول: إن دستور 1951 يجنح نحو التوسع في صلاحيات السلطة التنفيذية مقابل إضعاف السلطة القضائية، وإتاحة المجال للسلطة التشريعية لتقييد الحقوق والحريات. ومن ثم، فإن خيار العمل بدستور 1951 أو بأجزاء منه قد لا يكون خطوة في الاتجاه الصحيح، ففضلا عن أن استعادة النظام الملكي للصلاحيات المنصوص عليها في الدستور هو لا يبدو متوافقا مع المعايير الدولية الحديثة للديمقراطية؛ كما أن المطالبة بالحفاظ على بقية الدستور مع تغيير نظام الحكم إلى النظام الجمهوري الرئاسي (باستبدال كلمة الملك بالرئيس) لا تتوافق أيضا مع معايير الديمقراطية لأن الإشكالية لا تتمثل في النظام الملكي بقدر ما تتمثل في العيب المتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات وعدم التوازن بينها في دستور 1951 وهو عيب لا يمكن تداركه باستبدال الملك بالرئيس. والأكثر من ذلك فإن دستور 1951 يترك المجال مفتوحا للتعدي على بعض الحقوق والحريات بموجب قوانين عادية، لذلك فإن الحل الأمثل يتمثل أولا في اتخاذ دستور 1951 نقطة بداية تسترشد بها لجنة الـ 60 عند كتابة مسودة الدستور الجديد، وثانيا اعتباره وثيقة تمثل إرثا ثقافيا لليبيين بعد إقرار الدستور الجديد.
متوفر من خلال: