الجنسية الفلسطينية: منظور تاريخي
إن اعتبار الفلسطينيين عديمي الجنسية أو فئة خاصة من عديمي الجنسية، كونهم يفتقدون دولتهم الوطنية، تبقى مسألة مثار جدل، وهذ ما سنبينه في الفقرات التالية.
1– طالبت المادة (7) من صك الإنتداب على فلسطين، الذي صدر بموافقة عصبة الأمم بريطانيا باصدار قانون لتنظيم الجنسية الفلسطينية. وقد صدر هذا القانون فعلاً عام 1925. والواقع أن الجنسية الفلسطينية منحت لكل المواطنين الفلسطينيين، بمن فيهم السكان اليهود المقيمين في فلسطين بشكل دائم. وقد بقي هؤلاء يحملون الجنسية الفلسطينية حتى العام 1952، تاريخ نشوء قانون الجنسية الإسرائيلية[1]. وظلت المحاكم الإسرائيلية تعترف بالجنسية الفلسطينية حتى ذلك التاريخ.
وقد حافظ الفلسطينيون على جنسيتهم تلك، رغم حرمانهم من ممارستها بمعنى المواطنة القانونية الفاعلة. وكان سكان قطاع غزة هم الوحيدين الذين ورثوا الجنسية الفلسطينية. وظلت غزة هي الوريث القانوني لفلسطين الإنتداب، ولكن من دون قيام سلطة وطنية تتمكن من تحقيق متطلبات الجنسية كما هو معترف به دولياً[2]. وهنا تجدر الإشارة إلى محاولة تأسيس “حكومة عموم فلسطين” في قطاع غزة برئاسة أحمد حلمي باشا واصدارها جوازات سفر فلسطينية. غير أن تلك الحكومة لم تعمّر طويلاً.[3]
2- لا يمكن للدولة الفلسطينية تفعيل الجنسية الفلسطينية قانونيّاً وتحقيق متطلباتها حسب المعايير الدولية من دون إصدار قانون جنسية يعتمد تعريفاً قانونياً واضحاً وشاملاً لمن هو الفلسطيني، ويراعي الأوضاع القانونية المتفاوتة للفلسطينيين في فلسطين التاريخية والشتات.وتجدر الإشارة هنا إلى أن ديوان الفتوى والتشريع /السلطة الوطنية أصدر أواسط العام 1995 مشروع قانون للجنسية الفلسطينية. ولأسباب معينة طوي هذا المشروع. ثم ما لبثت دائرة المفاوضات في (م.ت.ف) أن كلفت العيادة القانونية في جامعة الخليل باعداد مسودة لقانون الجنسية الفلسطينية (أيلول 2011). ولا ندري ما هو مصير مسودة القانون تلك.
ويقول أنيس القاسم[4] أن هناك ضرورة لأن يصدر عن ديوان الفتوى والتشريع تعريف للفلسطيني لأغراض مشروع قانون الجنسية. فالتعريفات التي وضعتها السلطة الوطنية للفلسطيني حتى الآن (مثال: التعريف الوارد في قانون الإنتخابات الفلسطيني عام 1995 وقانون الإنتخابات رقم (9 ) في العام 2005، وكذلك التعريف الوارد في قانون حق العودة رقم (1) عام 2008) لا تزال غائمة ولا تفي بالغرض.
3- نعتقد أن التفريق بين مفهومي الجنسية والمواطنة يتناغم مع الإختلاف في الأوضاع القانونية للفلسطينيين في داخل فلسطين وفي الشتات. ففي حال حصول فلسطيني الشتات على الجنسية الفلسطينية العتيدة لن يكونوا مواطنين كاملين في الدولة – التي لن يتمكن بعضهم أو جميعهم من العودة إليها، سوى عودة إفتراضية. كما أنهم سوف لن يتمتعوا بكافة الحقوق المدنية والسياسية التي تمنحها الدولة للأفراد حسب دستورها. وهذا على أية حال ما تعكسه مسودة دستور فلسطين الثالثة المنقحة (2003)، الذي لم يقرّ حتى الآن، وحيث يترتب على فلسطينيي الشتات إلتزامات وواجبات المواطن، من دون أن يتمتعوا بكامل الحقوق.
وتثيرمسألة الدولة الفلسطينية إشكالات أساسية لا تزال موضع جدل من قبل أبرز القانونيين الدوليين الذين تابعوا هذه المسألة أمثال جودوين جيل Guy Goodwin Gillوجون كويغلي John Quigleyوفرانسيس بويل Francis Boyleوسوزان أكرم Suzan Akramوغيرهم: فهل تمتلك الدولة الفلسطينية بصفتها القانونية التي إعترفت بها الأمم المتحدة (2102) كدولة مراقب غير عضو أو حتى بصيغتها الأرقى المأمولة مستقبلا في حال تمّ الإعتراف بها “دولة كاملة العضوية” في الأمم المتحدة الأهلية القانونية لكي تبسط ولايتها على السكان الفلسطينيين في الشتات (وغالبيتهم من اللاجئين)، أم أن ولايتها القانونية ستبقى محصورة جغرافياً وديموغرافيا بالضفة الغربية وقطاع غزة؟. وإذا كان منح الجنسية عملاً من أعمال السيادة بالنسبة للدول، فهل تمتلك “دولة فلسطين” منقوصة السيادة والواقعة تحت الإحتلال الإسرائيلي الأهلية القانونية للقيام بهذا العمل؟ تساؤلات تبقى برسم الجدل القانوني.
الحماية الدولية والإقليمية
يمكننا الحديث عن نوعين من الحماية المطلوبة للاجئين الفلسطينيين: الأول؛ الحماية المؤقتة Temporary Protectionوهي الحماية اليومية التي تكفل الحقوق الأساسية للاجئين الفلسطينيين في البلدان المضيفة من دون المساس بوضعهم القانوني كلاجئين.والثاني؛ الحماية المرتبطة بالحلول الدائمة Durable Solutionsوالتي تعني التوصل إلى حل دائم لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفق مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وخاصة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 ( 1948) المتعلق بحق عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم الأصلية التي أٌقتلعوا منها قبل العام 1948 وبعده.
وبخصوص الحماية الإقليمية هناك بروتوكول الدار البيضاء (1965) Casablanca Protocolالذي يتعلق مباشرة بمعاملة اللاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية، والذي طرح مسألة الحماية المؤقتة للاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة، والذي يعتبر إحدى المحاولات الإقليمية المبكرة في مجال حماية اللاجئين.[5]
يدعو البروتوكول في مواده الخمس إلى ضرورة معاملة اللاجئين الفلسطينيين، مع احتفاظهم بجنسيتهم الفلسطينية، معاملة رعايا الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية في ما يتعلق بحق العمل والتوظيف، الحق في مغادرة إقليم الدولة التي يقيمون فيها والعودة إلى هذا الإقليم، الحق في الحصول على وثائق السفر وتجديدها، حرية الإقامة والحركة بين الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية. ولا يتعدى مفهوم “الجنسية الفلسطينية” كما ورد في نصّ البروتوكول مفهوم “الهوية الوطنية” الفلسطينية، لأن الجنسية بمعناها القانوني لا تنظم إلاً بدولة ذات سيادة.
منحت معايير هذا البروتوكول اللاجئين الفلسطينيين على الصعيد النظري، وإن لم يكن على الصعيد العملي دائماً، نوعاً من الحماية المؤقتة في الدول العربية إلى حين عودتهم إلى وطنهم. ويرى بعض القانونيين أن الحقوق الممنوحة للاجئبن الفلسطينيين بموجب هذا البروتوكول هي أضيق نطاقاً من تلك الحقوق التي تكفلها اتفاقية العام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين عموماً. وقد اختلفت مواقف الدول العربية فيما يتعلق بإيداع هذا البروتوكول، كما تباينت مواقفها بخصوص تطبيقه في الممارسة العملية. ولاحقاً تنصلت الدول العربية بمن فيها تلك الموقعة على البروتوكول نفسه من مسؤوليتها في حماية اللاجئين الفلسطينيين، حيث أصدرمجلس وزراء جامعة الدول العربية في 12 أيلول/سبتمير1991 القرار رقم (5093) الذي جعل من وضع اللاجئين مسؤولية وطنية تتحملها كل دولة عربية على حدة، وفقاً لقوانينها الوطنية.
الأوضاع القانونية اللاجئين الفلسطينيين ( لبنان، سوريا، الأردن / فلسطين)
تتفاوت الأوضاع القانونية للاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة وما يترتب عليها من حقوق أساسية من دولة مضيفة لآخرى. ففي حين منحوا في الأردن حقوق مواطنة كاملة تمتعوا في سوريا بطيف واسع من الحقوق، ولكن ما دون سقف حقوق المواطنة الكاملة، ولكنهم حرموا في لبنان من معظم حقوق الإنسان الأساسية أو خضع الحدّ الأدنى لما تمتعوا به من حقوق لتقلبات السياسة وأمزجة الحكومات المتعاقبة. وهذا ما نشرت أبحاث كثيرة عنه وهو يخرج عن موضوع هذا المقال.
نشر في الملحق الخاص بقضية عديمو الجنسية:
عديمو الجنسية في المنطقة العربية، أي قضية؟
[1] شفيق المصري، “مسألة الدولة الفلسطينية في القانون الدولي”،
مجلة الدفاع الوطني، بيروت،1/1/2013
أنيس فوزي القاسم، “مشروع قانون الجنسية الفلسطينية وتأثيراته على اللاجئين والشتات الفلسطيني”،حقوق الناس، العدد الأول، آذار 1997[2]
[3] تشكلت حكومة عموم فلسطين في غزة بتاريخ 23/9/1948 برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي. وقام جمال الحسيني بجولة عربية لتقديم إعلان الحكومة إلى الدول العربية والإسلامية وجامعة الدول العربية. للإطلاع على الإعلان، ولمزيد من النقاش؛ أنظر: ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
[5] من الجدير ذكره أن عدد الدول العربية التي حضرت إجتماع الملوك والرؤساء العرب في الدار البيضاء في المغرب آنذاك لم يزد عن 12 دولة. وقد تباينت مواقف الدول من البرونوكول على النحو التالي: (أ) دول أودعت البروتوكول: الأردن، الجزائر، السودان، العراق، سوريا، مصر، واليمن. (ب) دول أودعت البروتوكول بتحفظ: لبنان، الكويت، والمملكة الليبية. (ج) دول لم تودع البرونوكول بعد: المملكة العربية السعودية، المملكة المغربية. (د) دول لم تحضر اجتماع الدار البيضاء: تونس. (ه) دول انضمت إلى ميثاق الجامعة العربية بعد توقيع البروتوكول ولم توقعه فيما بعد: البحرين، قطر، سلطنة عمان، الإمارات العربية المتحدة، موريتانيا، الصومال، جيبوتي، وفلسطين.