بتاريخ 16-07-2023 أعلن عن توقيع مذكرة تفاهم بين تونس والاتحاد الأوروبي تتويجا لمسار المشاورات بين الجانبين والذي قادته رئيسة الحكومة الإيطالية جوريا ميلوني. وقد أثار الخبر جدلا واسعا اعتبارا لغياب المعطيات حول مسار التفاوض وللالتباس في تقييم ما قد يكون اتفاقا ملزما لتونس في سياق علاقتها بشريكها الاقتصادي الأهم خصوصا في جانب مخرجاته المتعلقة بالمهاجرين الذين وصلوا الفضاء الأوروبي انطلاقا منها. وقد حاولنا هنا الإحاطة بهذه المذكرة من خلال طرح عدد من الأسئلة بشأنها على الباحثة الحقوقية المتابعة للشؤون الدولية فداء الهمامي.
المفكرة القانونية: ما هي الطبيعة القانونية لمذكرة التفاهم هل هي اتفاقية ملزمة ؟
الهمامي: مذكرة التفاهم ليست اتفاقية وهي وثيقة سياسية، أي انها توافق غير ملزم قانونا. وبالنظر إلى طبيعتها تلك فهي لن تعرض على البرلمانين الأوروبي والتونسي للمصادقة عليها كما هي حال الاتفاقيات الدولية. وهي تحتاج لتكون من الوثائق المعتمدة في الاتحاد الأوروبي أن يصوت عليها مجلس وزراء الخارجية الأوروبي الذي يختص حسب صريح الاتفاقية المنشئة للاتحاد بضبط سياسته الخارجية له. ويمكن القول في هذا الإطار أن إمضاء المفوض المكلف بسياسة الجوار والتوسع بالاتحاد الأوروبي أوليفر فارهيلي على المذكرة في قصر قرطاج يعد مصادقة مبدئية من الجانب الذي كلفه بذلك ليس أكثر.
المفكرة القانونية: هل يعني هذا أنه يمكن قانونا لتونس أن تتملص من التزاماتها التي وردت بالبند الخامس منها والتي تتمثل في تعهدها بقبول ترحيل مواطنيها من المهاجرين غير النظاميين بالاتحاد الأوروبي إليها وهل يمكن بالمثل للاتحاد الأوروبي أن يتراجع عن تعهّده بتقديم دعم مالي لها والوارد في بقية البنود؟
الهمامي: الإجابة السريعة نعم لأنه لا توجد في المذكرة أي آلية إنفاذ قانوني. والأهم أن بنودها لم يرد بها أي تعهد جديد. إذ وبالنسبة للدولة التونسية فمن المعلوم أنها وتنفيذا لتوافقات ثنائية سابقة سياسية مع كل من إيطاليا وفرنسا وألمانيا فهي تقبل بترحيل مواطنيها إليها وهو ما يحصل واقعا بشكل شبه يومي عبر مطاري النفيضة وطبرقة منذ انفراد الرئيس سعيد بالسلطة. أما فيما تعلّق بالجانب الأوروبي، فإنّ تعهّداته كانت جميعها موضوع توافقات سابقة.
وعليه، تونس التي كانت تطمح إلى اتّفاق ينعش ماليتها العمومية لم تتوصل فعليا لتحصيل أيّ تعهد في هذا الاتجاه كما سلف بيانه، والاتحاد الأوروبي بقيادة إيطاليا الذي كان يرغب في فرض أن تقبل جارته تونس بترحيل المهاجرين الذين وصلوا لفضائه عبرها أيا كانت جنسياتهم لها قسريا لم ينجح في فرض ذلك عليها.
في المقابل، يؤول تعميق النظر للإقرار بنجاح سياسي للرئيس التونسي قيس سعيد الذي ورغم محاولة رئيسة الوزراء الإيطالية وخلفها قادة أوروبا المحسوبين على اليمين استغلال عزلته الديبلوماسية والاقتصادية لفرض إملاءات عليه في ملف الهجرة لم يرضخ لهم ونجح عبرهم في فرض التطبيع مع نظامه رغم الاعتراضات الهامّة أوروبيا عليه سواء في علاقة بالمسألة الديموقراطية أو في إطار تقييم التعامل العنصري له مع ملف مهاجري جنوب الصحراء الأفريقية بتونس.
المفكرة القانونية: هل يعني هذا أن سعيّد هو الرابح الأكبر من المذكرة؟ وهل يمكن أن نفهم من قولك أن ميلوني ورغم زياراتها المتعددة لتونس لم تتوصل لما كانت تطمح له؟
الهمامي: هذا مؤكد. والدليل على ذلك هو أن المذكرة لم تتعرض لإرجاع المهاجرين من غير التونسيين لتونس وهذا كان هدف اليمين الأوروبي من التفاوض مع نظام سعيد. وربما تؤشر مجريات جلسة المساءلة بالبرلمان الأوروبي التي عقدت بتاريخ 18-07-2023 بلجنة الحريات المدنية والعدالة والشؤون الداخلية للمفوضة الأوروبية المعنية بالشؤون الداخلية والهجرة على ذلك لما كان فيها من تدخّلات من نواب أحزاب أوروبية مختلفة أدانت ما اعتبروه تطبيعا مع الديكتاتورية ومتاجرة بحقوق اللاجئين ولغياب المواقف المؤيدة له وسط اليمين الأوروبي. وهذا كان ملاحظا ويستشفّ منه عدم الرضا.
إلا أن نجاح سعيّد في هذه المحطة يبقى نجاحا نسبيا ومؤقتا. هو نسبي لكونه لم يحمل له حلولا فيما تعلق بمهاجري جنوب الصحراء بتونس الذين يطمحون للهجرة لأوروبا وبات مجبرا على استبقائهم بتونس لغياب آليات تسمح له بترحيلهم لبلدانهم الأصلية. وهو مؤقت لكون محطات التفاوض مع الأوروبيين لا زالت متواصلة وأوراق ضغطه فيها لن تكون قوية.
على مستوى أول، نلاحظ أن سعيّد استعمل ملفّ مهاجري جنوب الصحراء بتونس في خطابه الدعائي. وهذا الأمر يحمّله في نظر أنصاره مسؤولية تحقيق ما وعد به من ترحيل لهم في حين أنّ التزامه للأوروبيين بتدعيم حراسته للحدود البحرية سيزيد فعليا في عددهم. وهنا يبدو أنّ الاتفاق لا يخدم مصالحه ويمهد لفرض واقع جديد عليه تكون فيه تونس محطة نهائية للمهاجرين .
وعلى مستوى ثان، فمن المعلوم أنّ تونس والاتّحاد الأوروبي بصدد التفاوض حاليا حول بنود الأولويات الاستراتيجية للشراكة بينهما للفترة 2024-2027. وهو المعطى الذي لو انتبهنا له فسنتبيّن أنه الأهم لكون الهجرة وسياساتها مما يتضمنه ولأنه ينتهي لاتفاقيات ملزمة للدولة التونسية مع شريكها الاقتصادي الأهم. ونلاحظ فيما تعلق بهذا المسار أنه وخلافا لما سبقه من جولات حوار يتم في إطار تكتم كامل من طرفيه وتغييب متعمد للمجتمع المدني الذي كان سابقا يعتبر شريكا فعالا فيه. وأخشى أن يكون مردّ الانغلاق الحالي من الجانبين رغبة منهما في عدم الكشف عن اشتراطات واتفاقات لا اعتبار للحقوقي فيها.
المفكرة القانونية: هل يعني هذا أن التناول المؤثر لملف الهجرة ستكون مناسبته اتفاقية أولويات الشراكة الاستراتيجية؟
الهمامي: من المؤكد ، فالحوارات التي تتم حول هذه الاتفاقية من بنودها ملف الهجرة وأخشى هنا ان تكون الأفضلية التفاوضية للاتحاد الأوروبي الذي سيستفيد مما سيعد به من مساعدات لتونس عن طريق الآلية الأوروبية للجوار والتعاون الدولي والتي لفهم أهميتها وكيفية توجيهها سياسيا نذكر انها خلال المدة الفاصلة بين 2021 و2024 كانت في حدود 600 مليون يورو وتم صرفها على محاور أولوية ثلاثة هي
- تعزيز الحكم الرشيد وسيادة القانون؛
- تحفيز نمو اقتصادي مستدام يولد فرص عمل ويصاحب انتقال الطاقة؛
- تعزيز التناغم الاجتماعي بين الأجيال والمناطق.
وسيكون الأوروبيون أمام ضعف في الطرف الحكومي التونسي الذي يدخل مفاوضات تغيب عنه فيها آليات الضغط بعدما فرّط فيما كان له من سند من المجتمع المدني. إذ أن الاتفاقية التي سبقت ودخلت حيز النفاذ سنة 2018 تمّ التوصل إليها في إطار ثلاثي شمل المجتمع المدني بتونس وأوروبا والذي كان للتشاور معه دور في تحديد ملامحها ومنها إعطاء الأولوية لدعم الديموقراطية وتعزيز قيم حقوق الإنسان. في المقابل، فإن الحوار حول الاتفاقية الجديدة والذي انطلق بداية سنة 2023 لم يكن منفتحا عن المجتمع المدني مطلقا بتونس وتمّ الاكتفاء فيه من الجانب الأوروبي بجلسة استماع وحيدة لعدد محدود من الجمعيات فيما تعلق بملف الهجرة في بدايته. وهذا المعطى يبرر ما عبرت عنه من خشية في الموضوع وهو يبرر أيضا المواقف التي صدرت عن كبريات المنظمات الحقوقية في البيانات التي صدرت عنها والتي انتقدت مذكرة التفاهم ومنهجية العمل التي تنذر بها فيما تعلق بالحقوق عموما.