“
34 من أصل 133 إدارة رسمية استجابت لطلب “مبادرة غربال” للحصول على معلومات بناء على قانون “الحق بالوصول للمعلومات”. هذه النتيجة أعلنتها “مبادرة غربال” في مؤتمر صحفي، عقدته بتاريخ 18 أيلول 2018، أطلقت خلاله تقريرها الذي راقبت بموجبه مدى إلتزام الإدارات الرسمية بالقانون المذكور والصادر بتاريخ 10 شباط 2017. 85 طلب تقدمت به “غربال” إلى قلم الإدارة العامة. فيما راسلت 25 إدارة عبر البريد المضمون. 15 إدارة أحالت “غربال” شفهياً إلى سلطة الوصاية. 4 إدارات تسلمت طلب المعلومات من دون أن تسلمها إشعاراً بذلك. وإدارتان رفضتا إستلام الطلبات هما مؤسسة ضمان الودائع ووزارة الداخلية والبلديات. وقد بقيت إدارتان عنونهما غير معروف.
المعلومات المطلوبة
تسهب مبادرة غربال في مستهل تقريرها بتبيان الإطار القانوني الذي يلزم إدارات الدولة بموجب الشفافية، وذلك إنطلاقاً من الفقرة (ب) من مقدمة الدستور، مروراً بالإتفاقيات الدولية التي يلتزم بها لبنان وصولاً إلى قانون الحق بالوصول إلى المعلومات. بناءً عليه، تطلب غربال من الإدارات الـ 133 إطلاعها على ما إذا قامت بتكليف موظف للنظر في طلبات الحصول على المعلومات إستناداً إلى المادة 15 من القانون المذكور، إسمه وكيفية التواصل معه. أيضاً حول كيفية نشر الإدارة للمستندات الواجب نشرها حكماً بحسب المواد 7/8/9 من القانون. وأخيراً ما إذا كانت الإدارة المعنية قد أطلقت موقعا إلكترونيا خاصا بها تضمن من خلاله إتاحة المعلومات تطبيقاً للمادة 9 من القانون.
الحصول على هذه المعلومات الأولية لم يكن سهل المنال، حسبما يبين تقرير “غربال”. فقد واجهت المبادرة العديد من الإشكاليات المبينة في تقريرها. أبرز هذه الإشكاليات “جهل العدد الأكبر من الإدارات بوجود قانون الحق بالوصول إلى المعلومات”. إلى ذلك “رفضت بعض الإدارات تسليمنا (غربال) إشعاراً يقضي بإستلامها الطلب، بحجة أن المدير العام يجب أن يطلع على أي كتاب قبل تسجيله في قلم الإدارة”. يضيف التقرير أنه “في بعض الإدارات لم يتم تسليمنا إشعارات بالاستلام إلا بعد موافقة الدائرة القانونية داخل الإدارة وما استتبع ذلك من انتظار ودراسة للطلب”.
ضمن الإشكاليات أيضاً، تشير “غربال” إلى أن “عددا قليلا من الهيئات المعنية رفضت استلام الطلب أو إستلمته ورفضت الرد عليه لا لشيء إلا لأنها تعتبر نفسها غير معنية بهذا القانون. من بين هذه الهيئات وزارة الداخلية والبلديات ومجلس شورى الدولة. من جهة ثانية، تمسكت بعض الهيئات بإحالة “غربال” إلى الوزارة صاحبة سلطة الوصاية عليها، فيما القانون ينطبق على كل الادارات التي تتمتع بشخصية معنوية مستقلة. أخيراً، فإن بعض الإدارات العامة المعنية والمجالس العسكرية، لم يسمح للمبادرة “بالدخول إليها لتقديم الطلب من دون موعد مسبق، مع العلم أن بعض هذه الإدارات لا يمكن التواصل معها عبر الهاتف”. هذه الإشكالية أجبرت المبادرة في بعض الأحيان أن تقدم الطلب “لبعض الإدارات الأمنية أو تلك التي رفضت استلام الطلب أو تلك التي رفضت إصدار إشعار بالإستلام عبر البريد المضمون”.
الردود
يقسّم التقرير الردود التي وردته إلى فئتين أساسيتين: الردود الواردة ضمن المهلة القانونية (15 يوم)، والردود الواردة خارج المهلة القانونية. الفئة الأولى تتضمن 19 إدارة فقط، على أن ردودها ليست جميعها تتضمن إجابات على أسئلة “غربال”. يشير التقرير في هذا المجال إلى أن “عدة إدارات ومؤسسات عامة أجابت على بعض الطلبات فقط بينما يتم التغاضي عن الجزء الآخر منها”. ومن الأمثلة على ذلك مثلاً “تغاضي مدينة كميل شمعون الرياضية عن التعرض لكيفية نشرهم المعلومات الواجب نشرها حكماً، فيما أجابت على باقي الأسئلة”.
من الملاحظات التي يلقي التقرير الضوء عليها أن “عددا كبيرا من الإدارات قامت بتكليف رئيس قلمها أو رئيس الديوان الخاص بها لينظر في طلبات المعلومات”. يعتبر التقرير أن هذا الأمر “يسهل طريقة تسجيل الطلبات للإدارة، إلا أنه ما من داع لذلك كون موظف المعلومات أياً كان سواء رئيس القلم أم موظف آخر، ملزم بوضع سجل بالطلبات المقدمة وأن يعطي إشعاراً بالإستلام فور تسلمه الطلب”.
كذا يلحظ التقرير إختلافاً بين الهيئات المعنية لناحية تعاملها مع دور سلطة الوصاية بالنسبة لطلبات المعلومات التي تردها. ففي حين بادرت المديرية العامة للنفط، وهي خاضعة لوصاية وزارة الطاقة والمياه، إلى الإجابة على طلب المعلومات المقدم من غربال، إمتنعت الهيئة العلية للإغاثة عن الرد محيلةً مقدمي الطلب إلى رئاسة مجلس الوزراء بصفتها سلطة الوصاية. يضيف التقرير أنه “في الواقع لا يوجد إدارة لا تخضع لسلطة وصاية … وهذا ما يتنافى مع ما جاء في القانون…”. من هنا ينتقل التقرير إلى السؤال ما إذا كان الالتزام الواجب على الادارة هو حصراً “النشر عبر الموقع الإلكتروني. أي هل هو محصور بـ “موجب النشر حكماً” عبر الموقع الإلكتروني للإدارة المذكور في القانون؟ وفي حال كان هذا هو الموجب الوحيد على الإدارات الذي لا يحيل طالب المعلومات إلى الوزارة صاحبة الوصاية، فما هو الحل في حال “لم يوجد هذا الموقع الإلكتروني؟” سؤال آخر يطرحه التقرير.
تفاوت آخر بين حالات متشابهة يبرزها التقرير. هذه المرة على صعيد وزارات الدولة، ففي “مقارنة بسيطة بين وزارة الدولة لشؤون التنمية لإدارية من جهة ووزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد من جهة أخرى يتبين لنا بأن كل من وزارة المهجرين ووزارة التنمية الإدارية قد قامتا بتكليف موظف للمعلومات بعكس وزارة مكافحة الفساد مع العلم أم كل وزارات الدولة لديهم نفس الموارد والإمكانيات، فيجب العمل على أن تتساوى هذه الوزارات لناحية تنظيمها”.
هذا ويشير التقرير في معرض إشادته بتعاون المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي-وهي إدارة أمينة – مقابل إمتناع إدارات غير أمنية عن التعاون.
ردود خارج المهلة
أما عن الردود خارج المهلة، فهي صادرة عن 15 إدارة. يشير التقرير إلى أنه “من مراجعة تواريخ الردود يتبين أن بعض الإدارات كانت قد ردت خارج المهلة لكن في أقل من ثلاثين يوم عمل”. يضيف التقرير أن تجديد المهلة يتم من دون أن تطلب الإدارة ذلك. هذا وتعتبر “مبادرة غربال” أن هذا الشكل من التجديد التلقائي مخالف للقانون. وذلك على إعتبار أن التجديد من دون إعلام طالب المعلومات يؤدي إلى الإضرار بمصلحته. فالمشرّع وفقا للتقرير “راعى مصالح كل من طالب المعلومات عبر تحديد المهلة بخمسة عشر يوم، والإدارة عبر إتاحة تجديد المهلة لأخرى مماثلة. من هنا في حال “قامت الإدارة بتجديد هذه المهلة من تلقاء نفسها ومن دون إعلام طالب المعلومات فإنها بذلك تهدر مصالح هذا الأخير، خاصة إذا كان صحفيا أو باحثا يحتاج للمعلومات في أسرع وقت ممكن”.
عدم نشر العمليات المالية التي تتجاوز 5 ملايين ليرة لبنانية حماية للموردين
ومن المسائل اللافتة في ردود الإدارات خارج المهلة، مضمون جواب كل من مستشفى رفيق الحريري الحكومي وجواب مجلس القضاء الأعلى. فالجهة الأولى أجابت لناحية موجب نشر العمليات المالية التي تتجاوز الـ 5 ملايين ليرة أنه “أمر متعذر عليها لكثرتها ولأنها تتعلق بحق الموردين الذين تتعامل معهم المستشفى وهي تتم في كل حال على ضوء الأنظمة والقوانين المرعي الإجراء”.
ردود “إستثنائية”
خصص التقرير بعض الحالات- لأهميتها- بقسم عنونه “حالات إستثنائية جديرة بالذكر”. ويتضمن هذا الشق من التقرير ردود كل من “مجلس شورى الدولة، مجلس النواب ووزارة الداخلية والبلديات”. نضيف هنا حالتي المجلس الدستوري وإدارة المناقصات إلى هذه الفئة، وكان التقرير قد وضعه ضمن الجهات التي أجابت ضمن مهلة الـ 15 يوم.
المجلس الدستوري يقلص حق المواطن بالمعلومات إلى نفس حقه بالطعن بدستورية القانون
على صعيد المجلس الدستوري، اللافت أن الأخير أجاب أنه “شديد الحرص على الشفافية وأن موازنته تنشر ضمن الموازنة العامة، بالإضافة إلى أن الجهاز الإداري للمجلس الدستوري إمكانياته محدودة ويقتصر عمله على تسيير شؤون المجلس الدستوري الادارية”. يضيف المجلس، وهنا الأهم، أن “لا علاقة له بالمواطنين لأن القانون لا يعطيهم الحق بمراجعة المجلس الدستوري”. والحال أن المجلس الدستوري يكون قد قلص حق المواطنين بالوصول إلى المعلومات إلى نفس حجم حقهم بالطعن بدستورية القوانين، أي إلغاء الحق. وهو رد يؤخذ على المجلس الدستوري الذي يتوقع منه أن يعمد إلى توسيع المساحة التي تتيح للمواطنين أن يصلوا إلى إمكانية الإطلاع والمشاركة في كل ما يتعلق بالقوانين المنطبقة عليهم.
إدارة المناقصات تلتزم بخلاف التفتيش المركزي التي تتبع له
على عكس المجلس الدستوري، يبرز دور إيجابي ورائد لإدارة المناقصات على صعيد تعزيز حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات. حيث يبين التقرير أنه تم تحديد موظف للتواصل معه والحصول على المعلومات المطلوبة. ويبين التقرير أن الإدارة تقوم بنشر المستندات والمعلومات عبر التقرير السنوي الذي يصدر عنها بالإضافة إلى تقارير خاصة عند الحاجة، وأنه قد تم إطلاق موقع إلكتروني خاص بالادارة، يتم نشر التقارير عبره وجميع التلزيمات والصفقات التي تقوم بها الإدارة. يضيف التقرير أن الملفت في رد إدارة المناقصات أنها كانت قد تقدمت (مبادرة غربال) بكتاب مماثل إلى السلطة الإدارية التي تتبع لها مباشرةً إدارة المناقصات، أي التفتيش المركزي. لكن “وبعد متابعات عدة مع قلم التفتيش حتى بعد انتهاء المهلة لم نحصل على رد على كتابنا”. تكمل مبادرة غربال أن هذا الأمر “يثير التساؤل حول مدى فعالية الإدارات وكيف أنها تختلف من إدارة إلى أخرى بحسب إلتزامات الأشخاص الذين يعملون ضمن كل إدارة، حتى ولو كانت تابعة لأخرى”.
مجلس شورى الدولة ومجلس القضاء الأعلى يتذرعان بالأسرار المهنية!
ومن ضمن فئة “حالات استثنائية جديرة بالذكر”، مجلس شورى الدولة الذي إعتبر نفسه “غير معني بهذه الدراسة (موضوع التقرير) وأن عمل المجلس سري ولا شأن له بهذا القانون (الحق بالوصول للمعلومات)، وأن (على مبادرة غربال) مراجعة من صاغ هذا القانون”. هذا الجواب ينسبه التقرير إلى رئيس مجلس شورى الدولة. خطورة هذا الموقف تكمن بكون المجلس هو الجهة المعنية بالنظر في النزاعات الناشئة عن إمتناع الادارات عن تسليم معلومات لطالبها، وذلك إلى حين إنشاء اللجنة المعنية المنصوص عليها في القانون.
في الاتجاه نفسه، اعتبر مجلس القضاء الأعلى – وفقاً للتقرير – أن “أعمال المجلس ومراسلاته وتعاميمه تدخل ضمن الاستثناءات الواردة في القانون، التي تمنع الوصول إلى الأسرار التي يحميها القانون كالسر المهني أو السر التجاري، وذلك من دون توضيح الأسس التي بنى المجلس عليها رأيه هذا”. في هذا الصدد يتساءل “غربال”، كيف لتعاميم صادرة عن هيئة قضائية أن تكون مستثناة من أحكام هذا القانون؟
مجلس النواب لم يعين موظفا مسؤولا بعد
لناحية مجلس النواب، وفقاً للتقريرلم يتم الحصول على إجابات بحجة “عدم تكليف موظف للمعلومات”. وأنه بعد عدة إتصالات وإحالات بين عدد من الموظفين الإداريين في المجلس، تم إحالة الطلب أخيراً إلى “رئيس المجلس”. يأخذ التقرير على مجلس النواب الذي أقر القانون، عدم إلتزامه بأحكامه.
وزارة الداخلية لا تسجل الطلبات حتى
أخيراً، تمنعت وزارة الداخلية والبلديات حتى عن تسجيل الطلب لديها. عندها عمدت “مبادرة غربال” إلى إرسال طلب عبر البريد المضمون، لكن “الموظف المسؤول رفض الإستلام بعد أن فتح الظرف”.
توصيات
ينتهي التقرير إلى ست توصيات نوردها كالآتي:
- الإسراع في تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (وهي المرجع الناظر وفق قانون حق الوصول إلى المعلومات في رفض الإدارات العامة طلبات الحصول على المعلومات)،
- إنشاء موقع إلكتروني رسمي يربط جميع الإدارات ويتيح لأي شخص طلب الحصول على معلومات من عدة إدارات في وقت واحد،
- تطوير المواقع الإلكترونية الخاصة بالإدارات،
- تدريب موظفي الإدارات المشمولة بأحكام قانون الحق بالوصول للمعلومات لتمكينهم من فهم كافة مواد القانون،
- الحذر من إقرار مراسيم تطبيقية خاصة بقانون الحق بالوصول إلى المعلومات، لا سيما في حال إشتمالها على مواد قد تؤدي إلى تقييد بعض ما جاء في القانون.
“