نشر المرصد اللبناني للفساد على صفحته على الفايسبوك قبل أيام، ملفاً تحت عنوان: "تزويد بيروت الكبرى بالمياه من مياه نهر الليطاني الملوثة"، أعده المتخصص بعلم المياه فتحي شاتيلا. ملخص ما جاء فيه أن وزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار تجاهلتا على مدى أربع سنوات (منذ 2010) كل الدراسات التي تؤكد ارتفاع نسبة التلوث في بحيرة القرعون. فأصرتا على إمكانية معالجة هذا التلوث بالطرق التقليدية وجرّ مياه الليطاني المخزنة في بحيرة القرعون لتزويد بيروت الكبرى بالمياه. يضيف التقرير أن البنك الدولي استجاب لطلب الدولة اللبنانية تمويل هذا المشروع الذي يكلف 200 مليون دولار أمريكي، بناء على مسح أجري لنوعية المياه عام 2005 في مختبرات الجامعة الأمريكية، تبين بموجبه أن المياه تصبح صالحة للشرب بعد معالجة اعتيادية في محطة متخصصة سيتم بناؤها. بالاضافة الى مراجعة فنية مستقلة أجرتها جامعة كاليفورنيا بالتعاون مع الجامعة الامريكية تمت "خلال فترة الغزارة حيث تتدنى نسبة الملوثات بفضل ارتفاع كمية المياه في النهر، ولا يمكن الركون اليها". بالمقابل كان قد تقدم شاتيلا عام 2010 بشكوى أمام لجنة الشكاوى لدى البنك الدولي تثبت أن "مياه نهر الليطاني ملوثة بمعدلات قياسية"، وعاد ليدعم شكواه أمام البنك الدولي، بدراسة أخرى أجراها أستاذ علوم الكيمياء في الجامعة اللبنانية الأمريكية أحمد الحوري التي "خلصت الى أن مياه نهر الليطاني ملوثة كيميائياً وصناعياً وجرثومياً بمعدلات قياسية …".
الحديث عن تلوث في نهر الليطاني ونفوق أسماك بأعداد كبيرة في بحيرة القرعون يعود الى عقد مضى. على الرغم من ذلك لم تظهر في الأروقة الرسمية أي محاولة إصلاح تذكر في هذا المجال. بالمقابل، كانت تُعدّ مشاريع جرّ المياه الملوثة الى البيوت على أنها مياه للشرب. مؤخراً، أعلن وزير البيئة محمد المشنوق أن كلفة تنظيف نهر الليطاني تبلغ 880 مليون دولار، لا تملك منهم الدولة غير 550[1]. ومذ ذاك، اشتهر مشروع التنظيف هذا بقيمته التي تناولها المواطنون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل غياب شبه تام لتفاصيلها الفنية، ومدى تطرقها لأصل المشكلة التي أدت الى هذا التلوث وراكمته.
هنا، تحاول المفكرة القانونية الوقوف عند أصل المشكلة وطبيعة الحلول الملائمة، من خلال حديث أجرته مع رئيس الجمعية اللبنانية لحماية المستهلك زهير برو.
قضية تلوث المياه كما يقدمها برو، تقع بين ثلاثة خطوط عريضة، تؤلف المشكلة ويبنى عليها الحل. ذلك أن "الانتقال من أزمة الى أزمة يفسره غياب الاستراتيجيات المتكاملة التي لم تكن موجودة يوماً". أحد العناصر الأساسية المؤدية الى غياب النظرة العلمية في التعامل مع الأزمات هو "عدم وجود خبراء في الادارات والوزارات واللجان النيابية، وهذا نقص أساسي". إستمرار هذا الواقع على الرغم من توالي الأزمات أدى إلى "انعدام الثقة العامة بالادارة العامة سواء لناحية الحكومة أم لناحية البلديات"، وهذه عقبة أساسية في أي حلول قد توضع قيد التنفيذ.
الانطلاق من هذه العناوين العريضة يفيد التأكيد على كون الأزمة عامة ولا تتعلق حصراً بنهر الليطاني، تماما كما هي أسبابها الأساسية الثلاثة. والأزمة في موضوع المياه تتعلق أولاً بسلامة الغذاء ككل، فـ"لا غذاء سليم ما دامت المياه ملوثة" يقول برو. بالتالي لا غذاء سليم لأن "مصادر التلوث في لبنان قائمة وتزداد: فمنذ نهاية الحرب اللبنانية حتى الآن ترمى مياه الصرف الصحي لـ 52% من بيوت لبنان في الطبيعة، بسبب عدم ربطها بشبكة الصرف الصحي، بالمقابل لا وجود لمعامل تكرير لهذه المياه". أما بالنسبة لشبكات المياه والري، فالثانية "شبه منعدمة". أما الأولى" فتبين أن الخزانات ممتازة، وعلى الرغم من ذلك، تصل المياه الى البيوت ملوثة بسبب سرقة المياه وانعدام الصيانة التي تصب في مصلحة شركات المياه العشوائية التي تقوم بسرقة مياه الدولة وبيعها للناس". وأخيراً، يراكم هذا الواقع "الفوضى الشاملة على منابع ومجاري الأنهار والمتمثلة بالاستثمارات السياحية والصناعية العشوائية على الضفاف".
الغياب التام للبلديات عن أداء دورها في هذا المجال من أهم أسباب تراكم المشكلة. يتحدّث برّو عن زيارات لمجموعة من البلديات بهدف إيجاد حلول لمشكلة المياه. "زرنا رئيس بلدية بيروت بلال حمد وتجمع بلديات الضاحية، ووزارة الطاقة والمياه واطلعناهم على ضرورة إصلاح شبكات المياه مع ما يستوجبه من مواجهة للتعديات على الشبكات من خلال دوريات ليلية مثلاً". غير أن أحداً "لم يفعل شيئاً رغم اعترافهم بوجود مشكلة". بناء على التجارب السابقة مع البلديات، والتي "إن نجحت تبقى فردية ومعزولة"، يجد برو أن "لا ثقة بالبلديات، فلدينا شكوك أنها ستفشل بإدارة ملف بخطورة ملف المياه".
بكلام أكثر تفصيلاً، "يجب تحويل كل منابع المياه في لبنان الى حرم خارج النشاطات البشرية وعزلها تحت حماية عسكرية". وهذا يستدعي منع "النشاطات الصناعية والسياحية والبناء في قطر محدد حول منبع المياه، يختلف اتساعه من مكان إلى آخر حسب طبيعة تربته أو صخوره". أما بالنسبة لمجرى النهر، "فإن سمح بنشاط سياحي، فيجب أن يكون تحت شروط صارمة حفاظاً على البيئة". التأكد من وصول هذا الحل إلى نتائج إيجابية يبقى مرتبطاً بـ"وجود اللجنة اللبنانية لسلامة الغذاء لأنها الجهة الوحيدة التي ستتمكن من إعطاء رأي علمي يضع الحكومة أمام مسؤولياتها" وأخيراً يبقى القضاء "وجهة ضرورية ومهمة" بالنسبة لبرو الذي يتأمل من هذه المؤسسة أن تؤازر العمل للحد من تلوث المياه والحفاظ على حق المواطنين بالغذاء السليم.
[1]– Green area، المشنوق في احتفال اليوم العالمي للبيئة في الألبا: نهر الليطاني يحتاج الى 880 مليون دولار تنظيف، 30 آذار 2016.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.