بدء محاكمة مستشفيات وجمعيات لإعانة اللاجئين بجرم تلويث الليطاني: شرف يذكر أن المصلحة البيئية لا تقل أهمية عن المصلحة الاقتصادية


2019-04-27    |   

بدء محاكمة مستشفيات وجمعيات لإعانة اللاجئين بجرم تلويث الليطاني: شرف يذكر أن المصلحة البيئية لا تقل أهمية عن المصلحة الاقتصادية

كان لجلسات محاكمة ملوثي الليطاني أمام القاضي المنفرد الجزائي في زحلة محمد شرف رمزية مختلفة عن محاكمة الصناعيين. تأتي الرمزية من مثول تسع مستشفيات أمام القضاء من أصل 18 مستشفى شملها إخبار مصلحة الليطاني بعد الكشف عليها والتأكد من تلويثها الليطاني ب “نفايات صلبة وسائلة”، وفق ما تضمنه إخبار المصلحة بتاريخ 2/1/2019. كما كانت المرة الأولى التي مثلت فيها جمعيتان تعملان مع اللاجئين السوريين القاطنين في مخيمات على ضفاف الليطاني.

فالمستشفيات التي يجب أن تعالج مرضى سرطان تلوث الليطاني في البقاع الذين يفوق معدل إصاباتهم ثلاثة إلى خمسة أضعاف المعدل العام في لبنان، ترمي النهر بنفايات صنفها الإخبار عينه ب “المتقدمة في خطرها القاتل”، موصفاً ما تفعله المستشفيات ب “انعدام المسؤولية والإستخفاف بالموت الذي يصيب سكان الحوض الأعلى (البقاع). وقد علمت المفكرة أن المصلحة هي التي قامت بتحريك دعوى الحق العام مباشرة أمام القاضي المنفرد الجزائي بحق المستشفيات التسع الموجودة، بعدما امتنع المدعي العام البيئي في البقاع أياد البردان عن اتخاذ أي خطوة بحقّ أيّ منها رغم انقضاء أربعة أشهر من تقدم المصلحة  (2/1/2019). ووفق المصادر نفسها، انحصرت الدعاوى المقامة بالمستشفيات (التسع) الموجودة في قضاء زحلة، على أن يتم تحريك دعوى الحق العام لاحقاً ضد المستشفيات الكائنة في قضاء بعلبك بعد انقضاء عطلة عيد الفصح.

وفي محاكمته للصناعيين الملوثين، كان لافتاً مساواة القاضي شرف في رده على وكلاء وممثلي المؤسسات الملوثة أن “المصلحة الاقتصادية مهمة على قدر أهمية المصلحة البيئية”. (المحرر)

مثلت أمام القاضي المنفرد الجزائي في زحلة نحو 9 مستشفيات كانت قد ادعت عليها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بجرائم تلويث النهر في يوم الأربعاء 24 نيسان 2019. المستشفيات التي تم النظر في ملفاتها هي جزء من 60 ملفاً جرى عقد جلساتهم في هذا التاريخ، والمستشفيات هي: مستشفى البقاع، مستشفى اللبناني الفرنسي، مستشفى رياق، مستشفى تل شيحا، مستشفى شتورا، مستشفى خوري العام، مستشفى المياس، مستشفى تعنايل، ومستشفى الرئيس الهراوي الحكومي. وكانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني قد تقدمت بإخبارات إلى النيابة العامة التمييزية في البقاع أول العام الجاري، واتخذت المصلحة صفة الادعاء الشخصي بحق المستشفيات أمام القاضي الجزائي بتاريخ 27 آذار وكانت جلسة أول أمس هي الجلسة الأولى لهذه المستشفيات.

وجاء في شكاوى الليطاني بأن المستشفيات تقوم بـ “تسييل الصرف الصحي إلى المجارير العامة ومنها تصب على نهر الليطاني أو روافده، وبالتالي بطبيعة الحال فإن الصرف الصحي التابع لها يصل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ليختلط بالمياه الطبيعية للنهر وروافده ويلوثها”. وقد طلبت المصلحة في شكواها بـ “إدانة المدعى عليهم وكل من يظهره التحقيق فاعلاً أو متدخلاً أو شريكاً أو محرضاً بارتكاب الجرائم المنصوص عنها في القوانين 2018/77 بخاصة المادة 95 منه، والقانون رقم 2002/444 بخاصة المادتين 58 و59 منه، والقانون رقم 88/64 بخاصة المادتين 9 و10 منه، والمواد 747 و748 و210 من قانون العقوبات، ومخالفة أو الامتناع عن تطبيق أحكام المرسوم رقم 13389 تاريخ 2004/9/18 المتعلق بتحديد أنواع نفايات المؤسسات الصحية وكيفية تصريفها وإنزال أشد العقوبات بهم.

كذا وطلبت المصلحة إلزام المدعى عليهم دفع مبلغ 100 مليون ليرة كتعويض مادي للمصلحة عن العطل والضرر المرتكب. جلسات المستشفيات كافة أرجئت بطلب من وكلائهم للاطلاع على الملف، وحددت جلسة لهم بتاريخ 29 أيار 2019.

شاويش على الحمامات

إلى جانب المستشفيات، تم عقد جلستين لجمعيتين تُعنيان باللاجئين السوريين، “الرؤية العالمية Word Vision” و “انترسوس INTERSOS”. وجاء الادعاء على هاتين الجمعيتين على خلفية الحمامات التي تقومان بتركيبها في مخيمات اللاجئين على ضفاف نهر الليطاني. واعتبرت المصلحة أن هذه الحمامات تقوم برمي مخلفاتها مباشرة في نهر الليطاني.

انعقدت فقط الجلسة الخاصة بجمعية الرؤية العالمية وحضر وكيل عنها والمفوض بالتوقيع عنها. وقد أدلى وكيلها “أنها جمعية تُعنى بالبيئة وقامت بتركيب عدد من الحمامات في مخيمات النازحين السوريين، وتعاقدت مع صهاريج لنقل المخلفات إلى محطات التكرير”. وأضاف، “قمنا بذلك حماية للنهر بسبب أن هناك نازحين كانوا عم “يعملوها بالنهر”، أي يقومون بقضاء حاجتهم فيه.

رد وكيل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني المحامي علي عطايا بأن الكشف بيّن أنه يتم تفريغ مخلفات الحمامات مباشرة بالنهر، لافتاً إلى وجود صور وشرائط فيديو تُثبت هذه الادعاءات وتعهد بتقديمها إلى المحكمة. من جهته، شرح وكيل الجمعية بأنه “لو حصل بعض الشواذ الذي تسبب به نازحون، فإنه من غير المنطقي ضرب مشروعنا بالكامل”. وأشار إلى أن هناك “شاويش على باب الحمام”، وكأنه يراقب كيفية استخدام اللاجئين للحمامات. ولفت إلى أن “بعض المخيمات لم تلتزم بتوصيات الجمعية ما دفعنا للخروج منها”. وأضاف: “أتمنى من المصلحة الوطنية لنهر الليطاني أن تُعيد النظر بالدعوى لأنها سببت لنا حرجا مع الجمعية الأم ومع الجهات المانحة”. وعليه أرجئت الجلسة إلى تاريخ 29 أيار 2019. كذا وارجئت قضية جمعية “انترسوس” إلى التاريخ نفسه بسبب تعذر تبليغ المفوض بالتوقيع عنها.

والجدير ذكره أن المصلحة كانت قد قدمت إخبارا على 17 جمعية لبنانية ودولية إلى النيابة العامة المالية بتاريخ 19 آذار 2019 متهمةً إياها بـ “التسبب بقتل النازحين وقتل جيرانهم اللبنانيين من خلال تلويث النهر وروافده ومشاريع الري التابعة له”. وقد جاء في إخبارها بأن بعض الجمعيات الأهلية المعنية بالنازحين أقدمت على اختلاس وتبديد أموال عامة وهبات ومساعدات وإقامة مخيمات في الأملاك النهرية والعمومية وعلى ضفاف نهر الليطاني وفي مجراه. كذا وتحويل مياه الصرف الصحي الناتجة عن تلك المخيمات إلى مجرى النهر وروافده والتي تصب في بحيرة القرعون وإلى مشاريع الري التابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني. وكانت المصلحة قبل التوجه إلى القضاء قد توجهت بكتب إلى وزارة الشؤون الاجتماعية تطلب إبعاد مخيمات اللاجئين عن مجرى النهر لكن لم تلقَ أية نتيجة.

60 ملفاً في يوم واحد

خلال الجلسة، نظر القاضي شرف بأكثر من 60 ملفاً، تنوعت الجهات المدعى عليها. فإلى جانب المستشفيات والجمعيات كان هناك معامل ألبان وأجبان، ومعامل باطون، وبلاط، ومؤسسات تعهدات بناء، وغيرها. وعليه، فإن معظم الملفات ارجئت بسبب تأخر ورود تقارير الخبراء، أو لتعيين خبراء في بعض الملفات، وأحياناً لاستكمال دفع أتعاب الخبراء، وأحياناً أخرى لتعذر تبليغ المدعى عليهم أو للاطلاع على الملف. وقد تم تعيين تاريخ 29 أيار للنظر في غالبية الملفات التي انتهى الخبراء من تنفيذ تقاريرهم فيها، على أن يصدر نحو ثلاثة أحكام في التاريخ عينه. وملفات أخرى أرجئت إلى تاريخ 19 حزيران 2019 إمهالاً للخبراء لتنفيذ تقاريرهم.

تم استجواب بعض المدعى عليهم ومن بينهم شركة الضاهر إنترناشيونال وهو معمل مخصص لرقائق الذرة Corn Flex ومساحته تقدر بنحو 15 ألف متر مربع، ويخرج منه نحو 5 إلى 10 متر مكعب من المياه ويبعد نحو 4 كلم عن نهر الليطاني، بحسب إفادة ممثل المعمل. الأخير أصر على أن المعمل غير ملوث، وشرح بأن الزيوت التي يتم استخدامها في صناعة رقائق الذرة تبقى في المنتج، ولا يتم تصريف أية نفايات سائلة. بالتالي، فإن المعمل وفقاً لقوله، تخرج منه المياه التي تُستخدم في التنظيف فقط، ولدينا محطة تكرير تخرج منها المياه صالحة للشرب. واعتبر بأنه من أكبر المعامل في الشرق الأوسط في سياق شرحه بأهميته الاقتصادية. فأجابه القاضي شرف بأن أهمية المعمل الذي تعتاش منه آلاف العائلات يوازي أهمية أي معمل تعتاش منه عائلة واحدة. وأضاف، “المصلحة الاقتصادية مهمة على قدر أهمية المصلحة البيئية”. بالتالي، اتخذ القاضي شرف قراراً بتعيين خبيرين للكشف العلمي على المعمل، وأن يتم تسليفهما بشكل مبدئي مبلغ 600 ألف ليرة. ردت وكيلة المعمل قائلة إن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني هي من عليها أن تدفع لأننا لسنا ملوثين. رد عليها القاضي شرف “إن كنتم بريئين يحق لكم الادعاء على الليطاني لاحقاً”. والجدير ذكره، أن القاضي شرف أشار لأكثر من مرة أمام المدعى عليهم أن لهم حق مطالبة المصلحة بالتعويض عليهم في حال براءتهم من الادعاءات المساقة ضدهم.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لبنان ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، الحق في الصحة والتعليم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني