كلّ من اعتلى منبر الهيئة العامة في المجلس النواب انتقد الموازنة وخلوها من أي بعد إصلاحي. لكن الكلمات المنقولة تلفزيونياً تناولت مواضيع متعددة، لاسيما منها الحرب على غزة وعلى جنوب لبنان، الفراغ الرئاسي، حقوق المودعين، غياب الإصلاح، تهالك البنية التحتية، حقوق المودعين وغيرها. وانتهى اليوم الأول إلى تقليص عدد المشاركين في الجلسة بعد انسحاب كتلة لبنان القوي، بسبب وضع النائب جبران باسيل شرطاً تعجيزياً للاستمرار في المشاركة، وهو الموافقة على استبدال مناقشة مشروع القانون المقدم من الحكومة والمعدّل في لجنة المال باقتراح قانون بالمضمون الحرفي نفسه. وإذا كان باسيل يريد من ذلك تثبيث رفض المشاركة في مناقشة أي مشروع قانون تقرّه الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي، فقد كان طلبه مرفوضاً مسبقاً إلى حد عدم توفر أي نسخة عن المشروع، حيث سرت شائعات برفض إدارة المجلس تسلّمه أو تسجيله. مع ذلك، وضع باسل اقتراحه في إطار “دعوة اللبنانيين لنفخ الحياة في التجربة اللبنانية وحماية بعضنا من الهيمنة والطعن بالظهر”، معتبراً أن الاستمرار بالحكم واستغياب رئيس الجمهورية لا يوصل إلا إلى الخراب. وأمل أن تعتبر الجلسة مناسبة لجمع جديد لا إلى شرخ إضافي. وفي نهاية كلمته، أعلن أنه في حال عدم الموافقة على اقتراحه ستنسحب الكتلة ويبقى منها الأعضاء في لجنة المال فقط، أي رئيس اللجنة ابراهيم كنعان والعضوان فيها: آلان عون وسليم عون.
في ردّه على سؤال بعد نهاية الجلسة المسائية، وصف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الاقتراح بالبدعة، مشيراً إلى أن الموازنة لا يمكن أن تقر باقتراح قانون، وهو ما لم ينكره باسيل، الذي حرص على التأكيد أن الاقتراح ينبع من حرص على الشكل، مشيراً إلى سابقة سجّلت في هذا المجال بتقديم اقتراح قانون اعتمادات إضافية.
أبو فاعور: لجنة المال تخضع للهيئات الاقتصادية
النائب وائل أبو فاعور خصص كلمته للإضاءة على إسقاط لجنة المال “ما أسماه “نادرتين إصلاحيّتين” وردتا في المشروع المقدم من الحكومة:
- النادرة الأولى هي الضريبة على من استفادوا من سياسة الدعم التي اعتبرها “صندوقاً أسود” لا نعرف قيمته الفعلية لكن بالحد الأدنى يقدر بـ11 مليار دولار استفاد منها التجار. وقد أوضح أبو فاعور أن ميقاتي طلب من مصرف لبنان تزويده بالأرقام، إلا أنه لم يزود بها حتى اليوم. كما ذكر أن الوزير السابق غازي وزني كان أشار إلى أن الدعم كلّف ما بين بداية 2020 ومنتصف 2021 نحو 7.6 مليار دولار. وسأل: ما الذي يدفع أي نائب إلى إسقاط هذه المادة؟ وهل من الأولى أن يدفع التجار والمحتكرين الضريبة أم المواطن؟
- النادرة الثانية هي بند الضرائب على الشركات التي استفادت من منصة صيرفة، التي تحولت، بحسب أبو فاعور، إلى أداة للربح السريع والفساد. كما ذكّر أن البنك الدولي اعتبر أن قيمة التربح من فارق السعر وصل إلى 2.5 مليار دولار.
وسأل أبو فاعور ما هي الدوافع الحقيقية وراء إسقاط هذين البندين سوى الإصغاء للصوت العالي لقوى اقتصادية تبدو كلمتها مسموعة ومطاعة. أضاف: لماذا تسمع اللجنة للهيئات الاقتصادية ولا تسمع للمجلس الاقتصادي والاجتماعي؟ وقال: بدلاً من استسهال وضع الضرائب على الناس لماذا لا نُفعّل آليات التهرب الضريبي المقدرة 4 مليار دولار، ولماذا نتجنّب الاملاك البحرية والمرامل والكسّارات والحدود البرية، ولماذا لا تضع وزارة الاقتصاد حداً أقصى لأسعار المواد الغذائية؟
وعاد أبو فاعور إلى العام 1929، ليشير إلى أن رئيس لجنة المال آنذاك ميشال شيحا كان أول من ساهم في تبني انحياز الدولة إلى التجارة على حساب الزراعة والصناعة… “تغيرت الظروف لكن جمهورية التجار بقيت وخوفي أن الجمهورية سقطت وبقي التجار”.
فياض: التعديلات الضريبية ليست من فرسان الموازنة
كذلك كان للنائب علي فياض مداخلة بالنظام، اعترض فيها على عبارة فرسان الموازنة. وخالف النائب علي فياض ما ورد في تقرير لجنة المال لناحية اعتبار إيراد التعديلات الضريبية في الموازنة مخالفة للدستور. وقال إن المادة 82 من الدستور تشير إلى فرض الضرائب بموجب قانون شامل تطبق أحكامه، ومفهوم الشمولية هنا لا يعني قانوناً واحداً للضرائب بل يعني شمول تطبيقه كل الأراضي اللبنانية، وبالتالي لا يحتاج التعديل إلى قانون ضريبي شامل.
وإذ وافق فياض على توسّع مفهوم فرسان الموازنة في الموازنات، لكنه أشار إلى عدم جواز أن يؤدي ذلك إلى “فوبيا” تحوّل الموازنة إلى موازنة أرقام وجداول. أضاف: عندما نعفي من الغرامات إنما نتاول البعد التشريعي حتى لو تجاوز ذلك إطار سنوية الموازنة. وختم بالإشارة إلى ضرور التعاون كي لا نضمّن الموازنة قوانين لا أثر مالي لها، ولكن ما له أثر مالي لا يجوز اعتباره من فرسان الموازنة.
عدوان: مشكلة القضاء خُلقية
وسأل النائب جورج عدوان: “كيف نقارب الموازنة اليوم بالطرق التقليدية وكأننا لم نشهد انهياراً نقدياً ومالياً واقتصادياً، وكأنه لم تحصل سرقة العصر في لبنان؟”. تابع: هناك منظومة تتشارك مع حاكم المصرف المركزي السابق رياض سلامة المسؤولية في ما حصل. في كل الدول تحصل محاكمات ومحاسبة، إنما في لبنان لم يحصل أي شيء، بل أكثر يحضر سلامة جنازة أخيه بمواكبة أمنية من عشرات رجال الأمن”. وقال: “غير صحيح أننا ننتظر قانون استقلالية القضاء في لبنان حتى نقوم بالمحاسبة والإصلاحات، إنما المشكلة “خلقية” موجودة في القضاء لا يحلها قانون”.
أضاف: هذه الموازنة استمرار للموازنات السابقة ولا تحمل أي استثمارات أو أي اصلاح ضريبي حقيقي، وتشكل الضريبة فيها على الدخل والأرباح ورؤوس الأموال أكثر من 7.2% مقابل 67% من السلع والخدمات والرسوم على التجارة والجمارك وضريبة على القيمة المضافة ورسوم الاستهلاك، بمعنى آخر 67% تصيب عموم الناس ونسبة قليلة من المقتدرين”.
قالوا في الموازنة
- جميل السيد: في لجنة المال حوّلنا الموازنة من أسوأ إلى سيء، وهي موازنة ضرائبية بامتياز تبحث عن القرش في جيب المواطن. ويكفي أن أشير بعد العملية التجميلية إلى أن الرسوم والضرائب تضاعفت 46 مرة، وفي كل ما يخطر على البال، في الدوائر الرسمية كلها تضاعفت أي الفواتير وسيكون انعكاس على أسعار السلع والخدمات”.
- الياس ابو صعب: إن لجنة المال حاولت قدر المستطاع إجراء إصلاح في الموازنة وفُرِض على المجلس مناقشتها بمختلف العلل ولا صفر عجز فيها”، مشيرا إلى أن “هذه الموازنة لا تلبّي مطالب الاستشفاء والتربية ولا المؤسسات ولا القوى الأمنية ولا العسكريين”. وقال: “لو لم نناقش هذه الموازنة لكنا عدنا إلى موازنة 2022”.
- ميشال معوض: الموازنة تشجع غير الملتزم والاقتصاد الأسود، وهي موازنة التشبيح وتجويع المواطن وضرب القطاع الخاص الشرعي لصالح أبطال التهريب، وموازنة ضرب الموظفين في القطاع العام ومؤسسات الدولة لصالح الزبائنية”. ووجودنا اليوم في الجلسة هو لتأمين النصاب كي لا تقرّ الموازنة بمرسوم وكي نحمي المواطن”.
- ابراهيم منيمنة: “الشيء الإيجابي اليوم هو أن السلطة اقتنعت بأنه يجب إقرار موازنة وقطعنا مرحلة تعليم العالم كيف تدار الدولة بلا موازنات”. وأضاف: “فاقد الشيء لا يعطيه ولا نريد منكم رؤية على 10 سنوات بل أقله على سنتين تخرجنا من الموت السريري إلا إذا كان تدمير كل مقومات النهوض هو الهدف”.
- غادة أيوب: “هذه الموازنة أتت صورة عن هذه السلطة فهي ضربت الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية”.
صراع البداية
وكانت الجلسة افتتحت بتوتر على خلفية طلب النائب ملحم خلف الكلام بالنظام، حيث رفض الرئيس نبيه بري إعطاءه الإذن، معتبراً أن لا نظام قبل بدء المناقشة. إلا أن خلف لم يتجاوب وأكمل كلامه معتبرا أن الجلسة يجب أن تكون جلسة انتخاب رئيس، فبدأت المعركة الكلامية مع تلويح برّي بإمكانية طرده من القاعة.
- بري: ما رح أعمل منك بطل وطلعك من القاعة.
- خلف: ما حدا بيطلعني من القاعة إلا الشعب اللبناني، مكملاً تأكيده وجود أن تكون الجلسة جلسة حُكمية لانتخاب الرئيس.
- النائب فراس حمدان: ما حدا بيطلّع حدا.
- النائب قبلان قبلان: لسنا في جلسة حُكمية وأي كلام آخر مخالف للدستور.
- النائبة بولا يعقوبيان: هذا انقلاب على النظام الداخلي. منعتم الاقتراحات المعجلة والمكررة. منعتم تلاوة الأوراق والآن تمنعون الكلام بالنظام.
- خلف: هل كلامي بالدستور هلقد معيب؟
- النائب علي حسن خليل: هيدي العمليات المسرحية في المجلس خلصنا منها ،سكتنا بس اذا بدنا نعمل مسرحيات ما بدنا.
- حمدان: إلك 30 سنة عامل مسرحيات.
- خليل: ما تتدخل واحد تافه. سكتنا على قرطة ولاد، حاملينكن صرلنا سنتين.
- لا يا الياس في جلسة قرأ مادة دستورية لا يطرح أي أمر آخر.
- خليل: السلبطة خلصنا منها بهالمجلس.
- خليل: ولك مين شايفكن قرطة مافيات.
- يعقوبيان: مطلوب من العدالة عم تحكي عن مافيات؟
- بري: سأعطيك الكلام فور بدء النقاش بعد تلاوة تقرير لجنة المال.
يذكر أن مسألة الكلام بالنظام كان تطرق لها الزميل وسام اللحام في ورقة بحثية عن النظام الداخلي لمجلس النواب أشار فيها إلى أن المادة 69 من النظام الداخلي تعطي “لكل نائب حق الأولوية في الكلام في كل أمر يتعلق بالنظام الداخلي”، أي يمكن للنائب الخروج عن الموضوع الذي يناقشه المجلس من أجل لفت الانتباه إلى وجود مخالفة للنظام (ص 30).
كذلك سبق للمجلس الدستوري أن حسم مسألة جواز التشريع في فترة الفراغ الرئاسي، في إطار درسه للطعن المقدم بقانون تأجيل الانتخابات النيابية، مؤكداً ما سبق أن ذهبت إليه المفكرة القانونية. إذ أعلن أن تحول مجلس النواب إلى هيئة ناخبة عملا بالمادة 75 من الدستور يقتصر على الجلسة المخصصة لانتخاب الرئيس فقط ولا ينسحب إلى كل الجلسات التي قد يعقدها المجلس: “وحيث إن الغاية من المادة 75 هي إعطاء الأولوية لانتخاب رئيس للجمهورية وحث المجلس على الإسراع في هذا الانتخاب ومنعه من القيام بأي عمل آخر أو مناقشة في الجلسة المخصصة للانتخاب، أما الشؤون العامة الأخرى الداخلة في اختصاص مجلس النواب، فيمكن عرضها في جلسات أخرى لطرحها ومناقشتها وأخذ القرارات بشأنها”.
فضل الله: نقوم بكل الخطوات الممكنة لمنع الصهاينة من الانتصار
أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن النائب حسن فضل الله قدّم في كلمته مطالعة مرتبطة بالحرب مع العدو الإسرائيلي ودوافع مشاركة حزب الله فيها. وقال إنه من أجل منع الصهاينة من الانتصار في هذه الحرب، كان لا بد من القيام بكل الخطوات الممكنة ومن بينها العمل الميداني العسكري الذي أثبت جدواه وفعاليته. والدليل هو هذا الاستنفار الديبلوماسي الأميركي والغربي لمصلحة حماية كيان الاحتلال وتأمين عودة المستوطنين إلى الشمال. أضاف : “ما يعنينا اليوم هو كيفية حماية بلدنا والتصدي لمخاطر المشروع الصهيوني ولتوحشه الذي نرى صوره في غزة والضفة، وهذا ما يتطلب أن يكون الموقف اللبناني على مستوى المسؤولية الوطنية التاريخية. لأنَّ الحرب لا تتعلَّق بغزة فقط بل هي حرب تحديد مستقبل المنطقة بما فيها لبنان، ونحن أخذنا الموقف الذي يمليه علينا واجبنا ورؤيتنا لمصلحة بلدنا من جهة وما تمليه علينا انسانيتنا بأن لا نتفرج على إبادة الشعب الفلسطيني آخذين بعين الاعتبار كلّ ما له علاقة بوضعية بلدنا. وقال هذه حرب الخيار الواحد، وهو خيار وقف هذه المذبحة الصهيونية بكل الوسائل الممكنة، فقرار الحرب هو بيد الكيان الصهيوني وقرار وقفها هو بيد الولايات المتحدة الأميركية وما نملكه نحن في لبنان هو حق الدفاع المشروع عن النفس، وحق اللبنانيين في مقاومة الاحتلال.