“
في انتخابات نقابة المحامين الأخيرة (19/11/2017)، فاز المرشح أندريه شدياق بمنصب نقيب المحامين للسنتين القادمتين. وإلى جانبه، فاز بعضوية المجلس كلا من ندى تلحوق الحائزة على العدد الأعلى من الأصوات وفادي بركات وعزيز طربيه. وفيما حلّ المحامي أسعد سعيد عضواً رديفاً، فإنه دخل المجلس بعد استقالة النقيب أنطونيو الهاشم من عضويته، تحقيقاً لـ”الميثاقية“[1]، ضمانا للتمثيل الشيعي[2].
المحامي، والمحامي الناشط: تطلعات متباينة
في يوم الانتخابات، استطلعت المفكرة من المحامين عن أولوياتهم. ولهذه الغاية، توجهت بداية إلى عدد من المحامين المختارين عشوائيا، لتتصل من ثم بعدد من المحامين الذين برزت أسماؤهم ضمن قضايا ذات طابع عام أو ينشطون ضمن جمعيات المجتمع المدني. وبنتيجة ذلك، وفيما تشارك المحامون الناشطون في الشأن العام عموما نفس هموم زملائهم، إلا أنهم حددوا أولوياتهم ضمن سياق مختلف يتعلق بشكل أساسي برؤيتهم الخاصة لدور النقابة في الدفاع عن الحقوق والحريات ومناصرة القضايا الاجتماعية.
الحد من احتكار المكاتب الكبرى لوكالات الشركات:
في هذا السياق، يشير أحد المحامين إلى أنه يمارس المهنة منذ “30 سنة وليس لدي أي شركة. يجب أن تفرض النقابة الحد الأدنى من الشركات لكل محام، وهو خمس شركات”. في الواقع، يؤدي احتكار المكاتب الكبرى لوكالات الشركات، فيما ينخفض مدخول عموم المحامين. هذه المسألة يؤكدها حديث كان أدلى به أمين سر نقابة المحامين الأسبق بيار حنا، خلال مقابلة أجرتها معه الصحافية رشا أبو زكي في عام 2013 في إطار دراسة عن الطبقات الاجتماعية للمؤرخ فواز طرابلسي. يقول حنا أن “هناك تركزا كبيرا في القطاع من حيث امتلاك وكالات الشركات، حيث يستحوذ حوالي 5% من المحامين على الوكالات السنوية للشركات في بيروت. فيما بمقدور المحامي الحصول على 5 وكالات سنوية في السنة، يرتفع هذا العدد إلى 300 وكالة في نقابة بيروت. أما المكاتب الكبرى، وهي لا تتجاوز الـ 5 إلى 6 مكاتب، فقد يصل الدخل السنوي للواحد منها إلى مليون دولار”.[3]
الضمانات الاجتماعية للمحامي: الطبابة، الاستشفاء، التأمين الصحي، والتقاعد
يشترك كل المحامين – الذين تمت مقابلتهم بطريقة عشوائية- بطرح هذه المسائل كأولوية. وترتبط هذه المطالبة بقلق المحامين من الخسائر التي تكبدتها النقابة جراء العقد الموقع مع شركة غلوب مد للفترة الممتدة بين أول نيسان 2015 و31 آذار 2018. وكان نقيب المحامين السابق أنطونيو الهاشم قد أصدر بيانا ذكّر فيه بحيثيات الملف والتطورات الحاصلة فيه، والتي انتهت إلى نقل النزاع بعد فشل محاولات التسوية إلى القضاء.[4] ويلحظ أن المحامين المستجوبين لم يتطرقوا في مطالبهم إلى ضرورة ضع آلية تضمن شفافية قرارات مجلس النقابة مستقبلا. بل اكتفوا في التعبير عن أملهم بـ “إيجاد حل للموضوع” و”الحد من العجز” و”المحاسبة”.
“الشؤون اليومية للمحامي في العدلية”
“أتمنى أن يهتم المجلس الجديد بأمور المحامين اليومية، مثلاً بعد نقل مجلس شورى الدولة إلى وسط بيروت من دون إنشاء صندوق مالية في المبنى الجديد، بات المحامي مضطراً للانتقال بينه وبين قصر العدل عند الحاجة لتسديد أي رسم، من ثم العودة إليه لإستكمال المعاملة وهكذا دواليك”. في السياق عينه، يشير المحامون إلى ضرورة التنبه إلى المصاعب التي يواجهونها في قصر العدل، منها “الإنتظار في صفوف طويلة أمام مكاتب القضاة الذين يمتنعون عن عقد جلساتهم في قاعة المحكمة”. كذلك الأمر “ضرورة تنظيم مواعيد الجلسات وتبليغها للمحامين وإلتزام القضاة بها فلا يضيّع المحامي وقته”. ومن المقترحات التي أدلى بها أحد المحامين، أن يتم تطوير نظام معلوماتي في النقابة يقوم على تشارك معلومات معينة مثل المعلومات المتعلقة بالجلسات والتعديلات التي تطرأ عليها بعد تنسيق الأمر مع القضاة.
أن تكون النقابة “رأس حربة” في مناصرة القضايا الإجتماعية
” نحتاج أن يكون دور نقابة المحامين فعالا أكثر على صعيد الحريات”. هذا ما اكتفى بقوله أحد المحامين المعروفين بنشاطهم في مجال حرية التعبير. وفي الاتجاه نفسه، ذهبت إحدى المحاميات الناشطات مضيفة أن الأمر يستدعي من النقابة “وضع استراتيجية متكاملة للتعامل مع قضايا الشأن العام، لا سيما من خلال فصل اللجان ومنها لجنة الحريات وحقوق الإنسان عن التوازنات السياسية والمذهبية، بحيث لا يعود تقدم أي قضية ضمنها رهناً بواقع الدولة ككل”. من جهته، يصرّح محامٍ ثالث ناشط ضمن عدد من جمعيات المجتمع المدني أن “النقابة يجب أن تكون المناصر الأول في موضوع حقوق الانسان”، وأن تحقيق ذلك يكون من خلال “تنظيم ندوات والذهاب بإتجاه التوكل المتخصص في القضايا ذات الطابع الإجتماعي، فلا تكتفي بالمعونة القضائية”. ويعبّر هذا الأخير عن تطلّعاته لنقابة تدفع باتجاه تحقيق العدالة من خلال الدفاع عن إستقلالية القضاء، ف “التشكيلات القضائية الأخيرة بيّنت فظاعة التدخلات السياسية بالقضاء، في حين أن استقلالية القضاء هي من الضمانات الأساسية للجمهورية والديمقراطية”. وفي الوقت الذي “يخضع فيه القضاة إلى موجب التحفظ، فإن النقابة معروف عنها أنها لسان العدالة ولديها القدرة على التعبير في المساحات العامة أكثر من القضاة”.
الشطب الإداري
اللافت في موضوع الشطب الإداري، وخلافاً لسائر الاشكاليات، تفاوتت آراء المحامين سواء على صعيد المجموعة المستطلع رأيها بطريقة عشوائية أو المحامين الناشطين في مجال الشأن العام.
وجود سوابق تم شطب محامين فيها بالطريقة الإدارية[5]، يثير العديد من المخاوف المتعلقة بتأمين الحق بالدفاع للمحامي، هذا بالإضافة إلى مخاوف من تطور هذه الممارسة لتتحول إلى أداة قمع بوجه المحامين. وفي هذ السياق يعتبر أحد المحامين أن “أسس العمل النقابي في نقابة المحامين تقوم على الحرص على حق الدفاع والمحاكمة العادلة، ومن المهم جداً أن تكون النقابة متناسقة مع نفسها في هذا المجال، بالتالي أن يكون حق الدفاع والمحاكمة العادلة مصانين فيها، وهو ما يستدعي الابتعاد عن الشطب الإداري”. وفي الاتجاه نفسه، طالبت محامية ب “إلغاء إجراء الشطب الإداري كلياً، وحصر الإجراءات المسلكية بالمجلس التأديبي”، مذكرة أنه “حتى المتهم بالعمالة مع العدو يتمتع بحقه في الدفاع وبتوكيل محام، فكيف يكون المحامي مهددا بالشطب إدارياً بأي لحظة”؟
بالمقابل، تتفاوت آراء آخرين بين من يؤيد إجراء الشطب الإداري إنطلاقاً من كونها “عملية سريعة بتخلص بدقيقتين”، ومن يطالب “بالتشدد بالتدابير المسلكية”. محام آخر، يجد أن هناك حاجة للتشدد أيضاً، إلا أنه يعلق الأمر على “تبليغ إنذارات للمحامي قبل شطبه، إلا في حالات الجرائم الشائنة فيجب أن يتم شطبه مباشرةً”. إلى ذلك يكتفي محام آخر بالتعبير عن مخاوفه من “الوصول إلى مرحلة يصير الشطب فيها على أساس الرأي وممارسة القناعات”.
حرية المحامي بالتعبير والظهور الإعلامي.
ينقسم المحامون في هذا المجال.
فالمحامون المستجوبون عشوائيا عبّروا عن إلتزامهم بالقيود المفروضة على ظهورهم الإعلامي لا سيما لناحية الحصول على إذن النقيب، معتبرين أن النقابة تضمن بذلك حقهم بالتعبير. ف “حدود المتطلبات المهنية تقتضي عدم التكلم في الإعلام. فهناك محاكم ولا نريد أن تصبح المحاكمات في الإعلام. فعمل الإعلام ليس إحقاق الحق أبداً، هذا عمل المحاكم”. كذا يجد محام آخر من المجموعة ذاتها أنه “يجب إعادة النظر بأخلاقيات التعامل الإعلامي وأن يوضع قانون يحدد هذه الأخلاقيات في ظل تطور تقنيات التواصل الجديدة”.
أما المحامون الناشطون في الشأن العام، والذين يتولون قضايا شأن عام، فهؤلاء يشكل الإعلام بالنسبة إليهم ساحة ضرورية للتوعية وللدفاع أيضاً. وفي هذا الإطار، يطلب أحد المحامين الناشطين من النقيب الجديد أن يفسح “المجال أمام المحامين لا سيما في قضايا تتعلق بالشأن العام وهي تكون مصيرية بالنسبة للحياة الديمقراطية في الدولة، بالحديث عنها إعلامياً خلافاً لمفاعيل التعاميم الصادرة خلال السنتين الفائتتين في هذا المجال”. ويذهب زميله إلى التأمل أن تبادر النقابة إلى “ايلاء مساحة أوسع لحرية التعبير لا سيما عندما يتعلق الأمر بمناصرة قضايا إجتماعية، فالاعلام المتخصص يتيح للمحامي تسليط الضوء على نسخة عقلانية للقضايا المطروحة”.
بالنتيجة لا بد من التوقف عند وجود أكثرية بين المحامين لا تتعامل مع هذه المهنة على أنها مرتبطة بطبيعتها بالشأن العام. إلا أن نظرتهم هذه للنقابة لا تبرر بناء رؤية محدودة لدورها، وبالتالي لتوقعاتهم منها. وهنا يطرح السؤال عن الميل الغالب لدى النقيب المنتخب حديثاً: فهل سيميل إلى تكريس الدور الفئوي للنقابة بمعزل عن أبعادها الوطنية، أم سينفتح على المحامين الذين يتطلعون إلى دور رائد لها في تطوير المجتمع والدفاع عن مصالحه؟ الأشهر القادمة ستعلمنا. فلتراقب.
نشر هذا المقال في العدد | 52|كانون الأول 2017، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه :
“قوانين الطوائف في مغازل النساء”
[1] – إلهام برجس – نجاح عيتاني، الطائفية في إنتخابات نقابة المحامين في بيروت: الكفاءة والحصص المحفوظة و… نقابات في المناطق
[2] – إلهام برجس، قلق طائفي في إنتخابات نفابة المحامين: ما تاريخه؟ ما حاضره؟ ، المفكرة القانوني، العدد 46.
[3] – الطبقات الإجتماعية في لبنان-إثبات وجود، فواز طرابلسي، مؤسسة هنريش بل، أيار 2014، ص 43.
[4] – يظهر من بيان النقيب أن العقد يحتم اللجوء إلى التحكيم في حال نشوء نزاع، إلا أنه عندما يشير إلى إنتقال النزاع من مرحلة المفاوضات إلى القضاء، لا يوضح ما إذا لجأت النقابة إلى القضاء اللبناني أم إلى التحكيم ومن هي الجهة التي تنظر في هذا الملف الآن.
[5] -المرصد المدني لإستقلالية القضاء وشفافيته: “الشطب الإداري بحق المحامين: حق الدفاع وإستقلالية المحامي في خطر”، المفكرة القانونية، العدد 45.
“