في 1 تشرين الأول 2014، أصدرت وزارة العدل اللبنانية تعميماًموجهاً إلى الكتاب العدل بشأن التعهد الذي يفترض بصاحب العمل توقيعه لديهم في إطار الحصول على إقامة للعاملة الأجنبية أو تجديدها (التعميم رقم 1778).ويفرض هذا التعميم، الصادر بناء على طلب المديرية العامة للأمن العامّ، أن يضاف إلى تعهد صاحب العمل بأنه لا يوجد “أي علاقة زواج أو ارتباط من أي نوع كان تربط العامل بأي شخص عربي أو أجنبي مقيم على الأراضي اللبنانية”، وبأنه يلتزم “في حال تبين لاحقاً وجود أي علاقة زواج حصلت بعد دخول العاملة بمراجعة الأمن العام بعد تأمين تذكرة سفر بغية ترحيلها إلى بلدها”. وقد انتهى التعميم بالتذكير بوجوب الالتزام به “تحت طائلة تحميل الكاتب العدل المسؤولية التي قد تنتج عن عدم الالتزام بهذا التعميم لجهة النواحي القانونية كافة”.
وتصدياً لهذا التعميم، طلبت “المفكرة القانونية” مع 7 هيئات غير حكومية من وزارة العدل إلغاءه وذلك بموجب كتابقدمته اليها في 13-5-2015 وفنّدت فيه ما تضمنه التعميم من انتهاكات فاضحة للنظام العام والحقوق الأساسية للإنسان والتزامات لبنان في المواثيق الدولية، ومنها مخالفة معاهدة الغاء جميع أشكال التمييز العنصري.
وفي موازاة الاجراءات المتخذة لدى وزارة العدل، عملت المفكرة على استطلاع آراء الكتاب العدل بشأن هذا التعميم ومدى تطبيقهم له، في مناطق جغرافية مختلفة شملت بيروت والبقاع والجنوب والنبطية والشمال وجبل لبنان. وفي حين وافق غالبية الكتاب العدل على “عدم قانونية” هذا التعميم ومخالفته للنظام العام، فإن قلة منهم (ثلاثة فقط) رأوا أن بامكانهم رفض تطبيقه. وقد شدد غالبية الذين اتصلنا بهم على ضرورة التواصل مع مجلس الكتاب العدل لدعوته لاتخاذ موقف موحد من هذا الموضوع. ويلحظ أن المجلس الجامع للكتاب العدل تم انشاؤه بموجب قانون صدر في نيسان 2014 وهو يشكل هيكلا يتيح لهم تعزيز التضامن فيما بينهم واتخاذ مواقف مشتركة. وهذا ما قادنا إلى مخاطبة مجلس الكتاب العدل لاستطلاع رأيه وما قد يتخذه من مواقف.
وقبل المضي في عرض مواقف الكتاب العدل، يهمنا توضيح أننا اتصلنا بحوالي 30 منهم، وقد رفض ثلاثة غيرهم الإدلاء بأي تصريح.
هل هو مخالف للنظام العام؟
ردا على سؤالنا،سلم غالبية الكتاب العدل (حوالي 23 من أصل 30) على أن هذا التعميم غير منطقي وغير إنساني، نظراً لما يشوبه من انتهاكات للنظام العام ولحقوق الإنسان. وقد أكد بعضهم أن هذا التعميم يُعد مخالفة فاضحة للدستور، كما أنه يحد من الحرية الشخصية للأفراد ومن حقوقهم الطبيعية. وأكد البعض أنه “ليس أول تعميم يصدر ويكون مخالفاً للقانون والنظام العام”، مضيفين أن هذا التعميم أثار السخرية لدى العديد من الزبائن الذين استغربوا كيف بامكانهم أن يراقبوا حياة عمالهم الشخصية. وقال بعض الكتاب العدل إنهم يشرحون لزبائنهم مضمون التعميم. وقد صرح ثلاثة منهم إنهم لم يطلعوا جيدا على التعميم أساساً، وأنهم لم يكتشفوا حجم المخالفة الا عند مبادرتنا للاتصال بهم.
بالمقابل، اعتبر قلائل من الكتاب العدل (7 من أصل 30)، الذين أجرينا اتصالات معهم في المحافظات تلك، أن هذا التعميم “منطقي وصحيح وجاء في المكان والزمان المناسبين”. وقال أحد الكتاب العدل من محافظة لبنان الجنوبي إنه لا يجد في هذا التعميم أي مخالفة ولا ينتقص لأي حق من حقوق الإنسان، لأنه يفرض تبليغ الأمن العام بأي علاقة تحصل في المستقل، معتبراً أن هذا “من حق الأمن العام”. وأوضح، بحسب رأيه، أنه إذا تمت تسوية أوضاع من يتزوج بعد قدومه إلى لبنان، لا يتم ترحيله، علماً أن التعميم ينص بشكل واضح على ترحيل من يرتبط بأي علاقة. وأضاف: “ككتاب عدل يجب أن نلتزم بأوامر وزارة العدل”. وفي الاتجاه نفسه، ذهب زميله في محافظة النبطية، بحيث رأى أن هذا التعميم قانوني لأن “بعض العاملات الأجنبيات يأتين إلى لبنان لغايات مخفية”، مضيفاً “نحن نستقدمهن للعمل وليس للزواج. ولسنا مضطرين أن نتحمّل مسؤولية أي عامل أجنبي يرتبط بعلاقات حميمة مع شخص آخر”. ورأى آخر أنه على الرغم من أن هذا التعميم يمس بحقوق الإنسان وكرامته، إلا أن “مثل هذه التعاميم تصدر لحالة أو حاجة معيّنة بعد حصول مشكلة ما، ولا يخترع الأمن العام هذه التعاميم من الفراغ، ولكن هنا قد تؤدي إلى حصول مشكلة على حساب مشكلة أخرى”. وقال آخر من محافظة البقاع: “لا مخالفة قانونية في هذا التعميم، بل مخالفة للأعراف والحريات الشخصية”، مشيراً إلى أن “بعض أصحاب العمل والعمّال الأجانب يقومون بالمخالفات باسم حقوق الإنسان”. وحاول البعض البحث عن أسباب وتبريرات لموقف الأمن العام، بأنه “يحاول حماية المصلحة العامة وصون الأمن، لأنه حصل حوادث استقدام عاملات وقام صاحب العمل بالزواج منها بعد فترة وقام بتشغيلها”. وقال أحدهم إن معظم العاملين في المنازل “تابعون لمافيات يأتون إلى لبنان وبعد فترة يقومون بسرقة صاحب العمل ويهربون”، موضحاً في حالة تم الزواج بعد القدوم إلى لبنان لا يتم ترحيل العامل بل تسوية أوضاعه.
هل يبقى نافذا رغم مخالفته للنظام العام؟
ولكن، رغم تسليم غالبيتهم بعدم شرعية التعميم، الا أنهم أكّدوا إلزامية التقيّد بإضافة نصّ التعميم إلى التعهد، بسبب فرض الأمن العام له، ومن أجل تسيير أمور المواطنين. وقال أحدهم: “نطبّقه لأنه مفروض علينا، وفي حال خلا التعهد من هذا النص يرّده الأمن العام ويحمّل الزبائن المسؤولية لنا، ولذلك نطبّق التعميم من أجل تسيير أمور المواطنين”. كما شدد أحدهم على أنه “بغض النظر عن رأينا الشخصية بشأن أي تعميم غير قانوني، إلا أننا ملزمون في تطبيقها، ولا يتم اتخاذ رأينا”.
وفي موقف لافت للانتباه، أشار ثلاثة من الكتاب العدل في محافظات لبنان الجنوبي، لبنان الشمالي، والبقاع إلى أنهم عندما وجدوا التعميم غير منطقي ومخالف للقوانين وحقوق الإنسان، رفضوا إضافته إلى التعهد، ومع ذلك لم ترد مديرية الأمن العام تلك التعهدات التي لم تحتوِ على نص التعميم رقم 1778. وبناءً على ذلك، شدد أحد الكتاب العدل في بيروت على أنه بعدما سمعه عن الشوائب التي يحويها هذا التعميم، وبما أن هناك بعض الزملاء الذين أكدوا عدم إضافة نص التعميم على تعهداتهم، سيعمد إلى عدم إضافته على التعهدات من الآن وصاعداً.
وفي سياق متصل، شدد غالبية الكتاب العدل في المحافظات اللبنانية كافة، من المعارضين والمؤيدين لهذا التعميم، على أنه لا يمكنهم مواجهة هذا التعميم أو أي تعميم مماثل بشكل فردي، مطالبين مجلس الكتاب العدل بمتابعة مثل هذه المخالفات لمواجهتها وحلّها، لأنه من يتكلم باسم جميع الكتاب العدل في لبنان. وقد طالب البعض منهم بالتواصل مباشرة مع المجلس لطرح الموضوع ومحاولة حلّه. فبامكان المجلس أن يدرسه ويرفعه إلى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل. وأمل البعض في أن يقوم المجلس في المستقبل باتخاذ خطوات لمواجهة هذا التعميم وأي تعميم غير قانوني آخر عبر إرغام دوائر الدولة على القيام باستشارته قبل توجيه تعاميم للكتاب العدل. وإذ سجل البعض شكوكاً بشأن فعالية هذا المجلس، فإن البعض الآخر صرح بعدم قابليته لاتخاذ خطوات لمواجهة هذا التعميم أو أي تعميم آخر غير قانوني، لما يشوبه من اشكالات داخلية وعقبات.
موقف مجلس الكتاب العدل؟
وعندما نقلنا مواقف هؤلاء إلى رئيسة مجلس الكتاب العدل ريموند بشور، طلبت الأخيرة أن نسلّمها الكتاب الذي وجهناه إلى وزارة العدل لعرضه خلال اجتماع أعضاء المجلس الذي كان يفترض اجراؤه مساء 13-5-2015، والتباحث في شأنه. وعندما عاودنا الاتصال ببشور للاستفسار عن نتائج الاجتماع (بعد تسليمها نسخة عن الكتاب)، قالت إنه لم تتم مناقشة هذا الموضوع “لأن الوقت لم يتسّع له وكان هناك ضرورة لمناقشة بعض الأمور الأكثر أهمية”. واعتبرت بشور، خلال الحديث، أنه “على الرغم من أن هذا القانون يحرم الإنسان من أبسط حقوقه، إلا أن هناك تناقضا بين العمل في الخدمة المنزلية والنية في الزواج وإنجاب الأطفال”. وتاليا، حتى اللحظة، ما يزال طلب الجمعيات الحقوقية عالقا أمام المجلس الذي لم يتسن له بعد درسه. وهذا ما سنسعى الى متابعته في الأسبوع المقبل.