في خطوة مميزة، صادق البرلمان المغربي في 23-7-2014 بالاجماع على مشروع القانون رقم 13-108 الذي آل الى حصر اختصاص المحكمة العسكرية بالجرائم العسكرية، بهدف الحد من طابعها الاستثنائي. ويهدف هذا القانون الجديد إلى ملاءمة مقتضياته مع دستور 2011 الذي نص بشكل واضح وصريح على رفض انشاء محاكم استثنائية (الفصل 127)، كما كرس مبدأ سمو الاتفاقات الدولية على القانون الداخلي.
وكانت المحاكمات المرتبطة بأحداث مخيم اكديم ايزيك لسنة 2010 سلطت الضوء على واقع القضاء العسكري بالمغرب، الذي ظل وإلى وقت قريب يدخل ضمن إطار المسكوت عنه. وقد أسهم عدد من التقارير الوطنية والدولية في إعادة فتح النقاش بشأن ضرورة اصلاحالقانون العسكري المغربي. ومن أبرز التقارير في هذا المجال، التقارير الصادرة عن لجنة الحقوقيين الدولية (ICJ)، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان(FIDH)، والشبكة الأورو- متوسطية لحقوق الإنسان(EMHRN) ، إلى جانب مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول قانون القضاء العسكري، وكذا مذكرة إصلاح القضاء بالمغرب الصادرة عن عشر جمعيات حقوقية خلال شهر يونيو 2010، وتقرير جمعية «عدالـة» الصادر في يونيو 2011. كما أسهمت في ذلك المصادقة على الدستور الجديد لسنة 2011 بما تضمنه من مقتضيات قانونية جريئة تكرس مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القانون الداخلي، وتنص بشكل واضح وصريح على حظر احداث محاكم استثنائية. ويضاف الى ذلك، توصيات هيئات الإنصاف والمصالحة، خاصة المتعلقة بالحكامة الأمنية وما يتعلق بالتعزيز القانوني للحقوق والحريات الفردية والجماعية، وتدقيق المساطر والآليات القضائية القبلية والبعدية الكفيلة بضمان التوازن بين ضرورة توسيع مجالات الحرية، وصيانة كرامة الأفراد وحياتهم الخاصة وما يقتضيه مكافحة الإرهاب، العنف، والتمييز بشكل متوازن.وقد صاحب ذلك حراك حقوقي واسع شاركت فيه جميع القوى الحية في البلاد، مما اسهمفي التعجيل في تعديل القانون المنظم للقضاء العسكري بعدما عمّر زهاء ستين سنة.
أولا – واقع المحكمة العسكرية في ظل قانون 1956:
قبل التطرق لمستجدات التعديل القانوني الجديد لا بد من تسليط الضوء على المقتضيات القانونية المنظمة للمحكمة العسكرية التيأحدثت بموجب ظهير[1]10 نوفمبر 1956 أي بعد أيام قليلة على حصول المغرب على استقلاله. وبقراءة مضامين هذا القانون من زاوية قواعد المحاكمة العادلة وكذا من منظور المقتضيات الدستورية الحالية يمكن الجزم بأن المحكمة العسكرية أضحت في وضع يمثل نشازا قانونيا.
فمن جهة أولى من المعلوم أن محكمة النقض سبق وأن اعتبرت في قرار شهير لها المحكمة العسكرية محكمة استثنائية[2]. ومعلوم أيضا أن الدستور الجديد نص على الغاء المحاكم الاستثنائية، من خلال الفصل 127 منه الذي ينص على أنه: «لا يمكن إحداث محاكم استثنائية»، ومن ثم، فإن المنطق القانوني السليم يدفع للجزم بأن المحكمة العسكرية أضحت محكمة غير دستورية، عملا بمنطوقه. وما يدعم هذا الرأي هو الطابع الاستثنائي للمسطرة المتّبعة أمامها وهو طابع يتنافى مع أبسط شروط المحاكمة العادلة المنصوص عليها دستوريا وكذا في المعايير الدولية. وهو ما يبدو من خلال الجوانب التالية:
1-تكوين القضاة : تتميز المحكمة العسكرية بتأليفها من صنفين من القضاة :
· قضاة عسكريون بحسب الدرجات العسكرية للمتهمين؛
· قضاة مدنيون يترأسون هيئات المحكمة يعينون من درجات مختلفة مناسبة للتسلسل العسكري؛ بقرار إداري. ومن ثم فإن قضاة المحكمة العسكرية يخضعون لسلطة مديرية العدل العسكري ولا يخضعون للمجلس الأعلى للقضاء.
2- تعليل أحكام المحكمة العسكرية:إذا كان دستور 2011 يلزم القضاة بتعليل أحكامهم (الفصل 125) فإن قضاة المحكمة العسكرية غير ملزمين بتعليل أحكامهم، إذ يكتفون بالإجابة عن الأسئلة الواردة في الفصل 99 من ظهير 10 نونبر 1956، بعبارة : «نعم» أو «لا». دون أي تعليل.
3- الاختصاص:إذا كانت أفضل التجارب الدولية في المجال تتجه إلى تحديد الاختصاص النوعي للمحاكم العسكرية في وقت السلم في القضايا التأديبية، وفي بعض الحالات المقارنة إلى إلغاء المحاكم العسكرية في وقت الحرب، فإن قانون 1956 وسع من دائرة الاختصاص المخول لها إذ منحها:
· اختصاصا عاما في محاكمة جميع أفراد الجيش بسبب ارتكابهم في وقت السلم جنحا وجنايات تدخل ضمن جرائم الحق العام ويفترض أن تخضع لاختصاص المحاكم العادية،
· سلطة محاكمة المدنيين أمامها، عندما تنسب إليهم أفعال تعتبر جناية ضد أعضاء القوات المسلحة، أو جرائم المس بالأمن الخارجي للبلاد.
· سلطة محاكمة المدنيين في الجنح والجنايات المتعلقة بحمل السلاح دون رخصة.
ومن ثم يبقى أهم انتقاد موجه لقانون 1956 توسيعه لدائرة اختصاصاتها في مواجهة المدنيين رغم طابعها الاستثنائي وهو ما يعد خرقا لمبدأ محاكمة المدنيين أمام قاضيهم الطبيعي.
4- الاستقلالية: خلافا للفصل 107 من دستور 2011 الذي يكرّس مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، كرس قانون 1956 نفوذ السلطة التنفيذية على هذه المحكمة. فمؤسسة "مندوب الحكومة" القائمة بوظيفة الادعاء العام تعد تابعة بشكل مباشر لسلطة مدير الدفاع الوطني الذي ينتسب إلى السلطة التنفيذية، كما أن قضاة المحكمة العسكرية يعينون بقرار إداري من مدير الدفاع الوطني مما يجعل أي حديث عن استقلال المحكمة العسكرية عن السلطة التنفيذية في حكم العدم.
5- طبيعة الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية:
ان قانون 1956 يخرق مبدأ التقاضي على درجتين فقراراتها تكون نهائية ولا تخضع إلا للطعن بالنقض رغم اختصاصها الواسع في محاكمة المدنيين وهو ما يعد خرقا لأحد قواعد المحاكمة العادلة.
ثانيا – آفاق اصلاح قانون القضاء العسكري بالمغرب من خلالقانون رقم 13-108.
تعد مصادقة البرلمان على مشروع القانون رقم 13-108 المحال اليها من الحكومة المغربية أول اصلاح شامل للقضاء العسكري بالمغرب مند الاستقلال، ويتضمن عددا من المقتضيات الجديدة والهامة حيث تتوزع مضامينه هذا على أربعة محاور أساسية تتمثل فيما يلي:
– إعادة النظر في الاختصاص النوعي للمحكمة العسكرية لجعلها محكمة متخصصة وليس استثنائية. فقد تم تحديد اختصاص المحكمة العسكرية بالنظر فقط في الجرائم العسكرية المرتكبة من قبل العسكريين وشبه العسكريين.كما نص القانون الجديد أيضا على استثناء العسكريين من اختصاص هذه المحكمة في حالة ارتكابهم لجرائم الحق العام، وتخويل ذلك للمحاكم العادية، علاوة على ما تضمنته المادة الخامسة منه والتي أكدت على مقتضى مفاده أن المحكمة العسكرية لم تعد مختصة بالنظر في الأفعال المنسوبة للأحداث[3]كيفما كان وضعهم[4]،
– توضيح الطبيعة القانونية للمحكمة العسكرية،
– إعادة تنظيم ودعم مبدأ استقلالية القضاء العسكري،
– تقوية ضمانات المحاكمة العادلة أمام المحكمة العسكرية وتعزيز حقوق المتقاضين.
كما تم تقليص الحالات المعاقب عليها بعقوبة الإعدام من 16 حالة إلى 5 حالات، حيث تم حصر هذه الحالات بدقة وحرص شديد نظرا لحساسية المسألة وباستحضار للمصلحة العليا للوطن وخصوصية المجال العسكري، كما تم التنصيص على التقيد بقانون المسطرة الجنائية في هذا الباب.
ورغم هذه المقتضيات الايجابية التي تضمنها القانون الجديد والذي حظي بترحيب حقوقي وطني ودولي واسع، فإن الابقاء على القضاء العسكري كباب خاص ملحق بالقوات المسلحة الملكية لا ينتمي للباب المتعلق بالسلطة القضائية هو تأكيد على الابقاء على هذا النوع الاستثنائي من المحاكم.
[1]– يقصد بالظهير قانون صادر عن الملك
[2]– قرار محكمة النقض عدد 971 س 22، الصادر بتاريخ 31 ماي 1979، في الملف الجنائي عدد 63399.
[3]– الأشخاص الذين لم يتموا 18 سنة شمسية كاملة
[4]– المحكمة العسكرية حسب ظهير 1956 لا تختص بالنظر في قضايا المتهمين الذين تقل أعمارهم عن ثمانية عشر (18) سنة, ما لم يكونوا جنودا أو من رعايا دولة عدوة أو محتلة.