بعد أشهر من عرقلة وزارة الداخلية لعشرات معاملات الزواج المدني التي عُقدت في لبنان، أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق قطع الطريق أمام الراغبين بعقد قرانهم مدنياً. وتشكل هذه الخطوة تراجعا عن الموقف الذي كان وزير الداخلية السابق مروان شربل اتخذه بتسجيل عقد زواج نضال درويش وخلود سكرية. وقد استند هذا الموقف إلى رأي الهيئة العليا للاستشارات في وزارة العدل الصادر في العام 2013، والذي أقرت فيه صحة عقود الزواج المدني لشاطبي القيد الطائفي في لبنان.
وفي التفاصيل، كان الوزير نهاد المشنوق أطلق تصريحه المثير للجدل لقناة "ال بي سي"، منذ بضعة أيام، رافضاً توقيع معاملات الزواج المدني متذرعا أن "قبرص منّا بعيدة"، أي أن على كل من يريد أن يعقد قرانه مدنياً التوجه إلى قبرص أو أي بلد يشرع الزواج المدني. وقد جاء كلامه صادما لعشرات الشباب الذين سجلوا زواجهم عند الكاتب العدل، وأعدّوا كل الأوراق المطلوبة لإنجاز معاملة التسجيل في وزارة الداخلية، إلا أن هذه المعاملات علقت في مكتب المديرة العامة لدائرة الأحوال الشخصية سوزان الخوري. لكن في الوقت ذاته، وعد وزير الداخلية اللبنانيين أنه سيدرس القضية في الأيام المقبلة، بحسب ما نقل عنه وزير الداخلية السابق زياد بارود في حديث لصحيفة "النهار" في عدد السبت الماضي ((17/01/2015.
واللافت للانتباه أن المشنوق نفسه كان قد علّق مرات عدة على قضية الزواج المدني في لبنان مؤكداً دعمه لاقراره، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" كما ورد في صور التقطها الزميل ميثم قصير للصفحة على موقع قناة "ال بي سي"، متسائلاً (في 24 كانون الثاني 2013): "ما الفارق بين عريسين يذهبان إلى قبرص لعقد قرانهما ومن يفعل ذلك في لبنان ما دام الأمر اختيارياً؟ من يريده لا ينتظر موافقتي أو رفضي. فلماذا لا نسهل لهم الأمر بدلاً من السفر إلى الخارج". ويضيف: "لا أقبل إلا الحرية لكل مواطن بما يريده في حياته الخاصة". وهذا ما يؤكد أن اتخاذه لقرار رفض التوقيع على المعاملات الحالية هو قرار سياسي لا صلة له لا بالقانون ولا بقناعات الوزير.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس "المركز المدني للمبادرة الوطنية" طلال الحسيني، خلال حديث مع "المفكرة القانونية" عقب الاجتماع الذي عقده المركز مساء أمس الأول لبحث القضية، أن بياناً سيصدر غداً الخميس لتوضيح وجهة نظرهم وتحديد الإجراءات التي يمكن اتخاذها رداً على قرارات المشنوق، مشيراً إلى أن المؤتمر الصحافي الذي كان سيُعقد يوم الخميس سيتم تأجيله إلى الأسبوع المقبل، لإفساح المجال أمام اتصالات سياسية قد تسعى إلى الحؤول دون عرقلة معاملات الزواج التي لا تزال عالقة في دائرة الأحوال الشخصية. وأوضح الحسيني: "لن نتخذ أي إجراء الآن ونحن لسنا في صدد المواجهة، بل سنفسح المجال أمام الاتصالات السياسية التي تسعى إلى حل الموضوع، لأن الوضع حساس وهناك بعض المعاملات التي يجب أن تُنجز".
ويؤكد الكاتب العدل جوزيف بشارة، الذي أنجر بعض الزيجات المدنية المعلّقة في دائرة الأحوال الشخصية أن الناشطين في هذا المجال تخطوا "مرحلة البحث في قانونية الزواج المدني، خصوصاً بعد إتمام الكثير من العقود وتسجيل الزيجات والأولاد"، مشيراً إلى أن هناك 58 ملفاً معرقلاً في دائرة الأحوال الشخصية. ويلفت الانتباه إلى أن من تُعَرقَل ملفاتهم في وزارة الداخلية يواجهون مشاكل عدة، فمنهم من أنجب أطفالاً ولا يقدر على تسجيلهم، ومنهم من يعيش خارج لبنان، كدول الخليج مثلاً، ولا يقدر على العيش مع زوجته في منزل واحد بسبب عدم إنجاز معاملاتهم. ويشدد على أنه لا يمكننا إنكار حق هؤلاء القانوني والدستوري في الزواج، مؤكداً أنه يتم الآن درس بعض الخطوات والإجراءات القانونية والقضائية التي قد يتم اتخاذها، مفضلاً عدم الإفصاح عن أي خطوة في الوقت الحاضر.
بدوره، يصرح الناشط في المجتمع المدني رواد غطّاس، وهو أحد الأشخاص العالقة ملفاتهم في وزارة الداخلية، أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام المخالفات القانونية والانتهاكات الحقوقية التي يرتكبها المشنوق، معلناً أن عددا منهم سيتقدم بشكوى ضد الدولة اللبنانية أمام مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وفي انتظار ما ستؤول إليه الأيام المقبلة، يبقى مصير وآمال حوالي 100 شخص بإتمام معاملات تسجيل زواجهم معلّقا بانتظار ما ستؤدي إليه الاتصالات السياسية، مع الأخذ بعين الاعتبار التداعيات السلبية التي قد تسببها هذه الاتصالات جراء بعض القرارات والمصالح السياسية للفرقاء في الحكومة، أو إجراءات وتحركات تتخذ قرار البدء بتنفيذها الجهات والجمعيات الأهلية المعنية. وفي أسوأ الأحوال، قد تبقى هذه المعاملات معلّقة في دائرة الأحوال الشخصية، بانتظار وزير جديد يوافق على إنجازها.
الصورة منقولة عن موقع annahar.com