القضاء يقرأ المواثيق الدولية في وجه الإعلام المرئي: ليس لأحد استباحة صور الآخرين


2011-07-28    |   

القضاء يقرأ المواثيق الدولية في وجه الإعلام المرئي: ليس لأحد استباحة صور الآخرين

بتاريخ 7-6-2011، صدقت محكمة استئناف بيروت (الغرفة المؤلفة من جانيت حنا رئيسة وغسان الخوري وهالة نجار مستشارين) القرار الصادر عن القاضي المنفرد المدني في بيروت (علي يونس) بتاريخ 17-12-2009 بإلزام تلفزيون المستقبل بتسديد تعويض قدره احد عشر مليون ليرة لبنانية لسيدة عرضت صورتها في حلقة دعائية عن البدانة من دون موافقتها كتعويض عن العطل والضرر المعنوي والمادي اللذين اصاباها. فوفق محكمة الإستئناف، "صورة الشخص تشكل امتدادا لشخصيته وأن التعرض لها يشكل احد اوجه المساس بالحياة الخاصة، الأمر الذي يخالف احكام الدستور والمواثيق الدولية التي يحيل اليها في مقدمته والتي تكرس الحق في حماية الحياة الخاصة. وحيث اذا كان القانون اللبناني الوضعي لا يحتوي على نصوص خاصة تنظم الحق بالصورة، فإن الإجتهاد مستقر على محاسبة من يتعرض لهذا الحق بتطبيق الأحكام الخاصة بالمسؤولية المدنية، على اعتبار ان الحق بالصورة هو حق في الشخصية وامتداد للحق في الحرية". ومن أهم المواثيق الدولية التي من شأنها تأصيل الحق بالصورة، المادة 12 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واللتين تنصان على انه "لا يعرض احد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة".
واللافت ان المرجعين الإبتدائي والإستئنافي اتفقا على تقدير العطل والضرر المعنوي بعشرة ملايين ليرة لبنانية والعطل والضرر المادي بمليون ليرة لبنانية. فبعدما بين القاضي الإبتدائي ان عرض صورة المدعي لا يسبب الما معنويا بحد ذاته، فإن عرضها في سياق من صور لأشخاص بدينين وآخرين رشيقين للترويج لمساوئ البدانة في برنامج يروج لمستحضرات اعشاب طبية للتغلب عليها، يسيئ دون ريب لشخصية المدعية التي اضحت كما تقول في استحضارها "رمزا للبدانة" وفقا لأسلوب عرضها في الشريط. واضافت محكمة الإستئناف بأن القاء الضوء على مظهرها الخارجي كميزة غير مرغوب بها في المجتمع اللبناني انما اصابها بمعاناة نفسية وبشعور بالحرج والحزن مما يبرر التعويض المذكور.
وما يزيد هذه القضية اهمية، هو ان صور المدعية –التي عرضها التلفزيون على الوجه الذي تقدم- كانت قد عرضت سابقا ومن دون بدل من قبل التلفزيون نفسه في سياق الإعداد لبرنامج آخر "يوميات" عن السمنة الزائدة، ارتضت صاحبتها بالمشاركة فيه؛ وقد حاول التلفزيون الإستفادة من ذلك من خلال الإدعاء بأن مشاركتها على هذا الوجه تجعله مالكا للصورة وتجردها من حق المطالبة بتعويض. وهنا ايضا جاء الرد القضائي حاسما:  فـ"إذا كان البرنامجان يشتركان في موضوع  السمنة الزائدة، الا انهما يختلفان في طريقة معالجة وطرح الموضوع، ففي برنامج يوميات، كانت المدعية ضيفة تتكلم عن تجربتها في ربط المعدة، وتم عرض صورها في هذا السياق، في حين انه في البرنامج الآخر، تم عرض صور المدعية في سياق الترويج لمساوئ السمنة" و"حيث بإختلاف طريقة المعالجة، يختلف السياق الذي اعطت فيه المدعية موافقتها، وتضحي المدعى عليها (المستقبل) بحاجة الى موافقة المدعية لعرض الشريط المذكور في سياق آخر" (القاضي المنفرد المدني).
نشر هذا المقال في العدد الاول من المجلة الدورية للمفكرة القانونية. بامكانكم الاطلاع على المجلة كاملة هنا.

انشر المقال

متوفر من خلال:

غير مصنف



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني