بعيداً عن الإعلام، تشهد وثائق قصر عدل بيروت على إصرار القاضي سامر يونس، وهو يشغل منصب مدعي عام في بيروت، على واجب القضاء في فضح أعمال الغش، وتحديداً واجبه في نشر أحكام الغش. وهذا ما نقرؤه في عدد من الطعون المقدمة في السنوات 2011-2013 ضد أحكام قضائية تثبتت من حصول أعمال غش من دون أن تقضي بوجوب نشرها[1].
وقد برر يونس هذا الأمر باعتبارات عدة، أبرزها مصلحة المجتمع وحقه في معرفة من يرتكب غشاً ويتاجر في سلامة غذائه، فلا يقع المستهلك مجدداً ضحية “هذا الغش”. وذهب في هذا السياق الى حدّ إعلان سموّ موجب الحفاظ على صحة المستهلكين وضرورة إعلامهم بالجرائم التي تمس غذاءهم على أي اعتبار آخر، وخاصة على المصالح الخاصة المتضررة من نشر حكم يدين هذا الجرم. وقد بدا من خلال ذلك وكأنه يسعى جاهداً الى إعادة تصويب النظرة الى مختلف المصالح المعنية بالأحكام تلك بحيث يعيد الاعتبار الى مبدأ حماية المواطن (المستهلك) انطلاقاً من سمو الحق بالحياة والسلامة العامة، في موازاة التخفيف من التفهم والتسامح إزاء أصحاب المصالح التجارية والنفوذ. فالاستخفاف في صحة المستهلكين والتفريط في حقهم بغذاء سليم يستوجب حسب يونس الحزم والتشدد في العقاب، لا التخفيف والتساهل والتهاون. ويزيد هذا التشدد حسب يونس ضرورة بقدر ما تكون الجهة المرتكبة تستحوذ من خلال أهميتها وسمعتها على ثقة المستهلك، و”لا سيما إذا كانت من أصحاب المتاجر الرائدة أو المطاعم الفاخرة والباهظة الثمن”. ورغم قوة الحجج التي ساقها يونس، يسجل أن محكمة الاستئناف ردت مجمل هذه الطعون، ما يؤشر الى التباس كبير في تقييم المصالح الجديرة بالحماية.
وموقف يونس في هذا المحل يتماثل الى حد كبير مع توجه اجتهادي آخر عبّر عنه القاضي أنطوان طعمه (قاضي الأمور المستعجلة في جديدة) وأيدته محكمة التمييز اللبنانية بإعلان سمو السلامة العامة على أي اعتبار آخر. وقد تم هذا الإعلان في قضايا تتصل بالعنف الأسري وبالخدمات الصحية المقدمة من أحد المستشفيات[2].
نشر هذا المقال في العدد | 24 |كانون الثاني /يناير/ 2015 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
[1]حصلت المفكرة على طعن في 13-6-2011 وطعنين في 26-12-2012 وسبعة طعون في 20-6-2013. ويلحظ أن المادة 122 من قانون حماية المستهلك قد تعدلت في نيسان 2014 ليصبح النشر وجوبيا بعدما كان جوازيا. ولم يتسنّ للمفكرة التأكد بعد من مدى التزام المحاكم بهذا الموجب بعد ذلك التاريخ.
[2]يمنى مخلوف، “قضاء الأمور المستعجلة يثابر: مبدأ سلامة الانسان على رأس هرم المنظومة القانونية اللبنانية”، المفكرة القانونية، العدد 15، آذار 2014.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.