ورشة البناء التي نشهدها اليوم على تلّة الرملة البيضاء أنتجها تعاقب عمليّات الضمّ والفرز منذ الأربعينيّات وتعديل المراسيم المتعلّقة بالواجهة البحريّة لزيادة الإستثمار خدمةً لمصالح فئةٍ محدّدةٍ من المتموّلين. هذه العمليات جعلت الشاطئ الرمليّ الوحيد في بيروت مساحةً مُهدّدةً ومُتنازعاً عليها.
لمقاربة مشروع «إيدن روك» المنويّة إقامته على تلّة الرملة البيضاء، لا بدّ من العودة إلى تاريخ تملّك أراضي الرملة، الذي تزامن مع تأسيس دولة لبنان وطبقته السياسيّة. لنأخذ مثلاً العقار الأكبر على الشاطئ (المسبح الشعبيّ) ورقمه 2369. يشير الأرشيف العقاريّ إلى تبدّلٍ متكرّرٍ للملكيّة بين أفراد وشركاتٍ مرتبطةٍ بالطبقة السياسيّة. وكان العقار موضوع نزاعٍ قانونيّ خلال الثلاثينيّات بين لجنة تحديد الأملاك العامّة البحريّة والمالك جان موسى فريج، بحسب الأرشيف العقاريّ.
في كلّ تحوّلٍ أو إعادة صياغةٍ للملكيّة، وعلى الرغم من وجود نصٍّ قانونيّ يحمي المجال العام، شكّلت المصالح والتدخلات عائقاً أمام تطبيق رؤية للشاطئ كمساحةٍ مشتركةٍ يُمنع البناء عليها من أيّ نوعٍ كان وتأجيرها لأيّ جهة وإشغالها لأيّ غاية.
في خريطة تعود للثلاثينيّات، تظهر عقارات «إيدن روك» كشاطئ وهضبةٍ رمليّةٍ مفتوحة. في العام 1949، نشأت عقارات تلّة الرملة البيضاء (موقع «إيدن روك») بموجب مشروع إفراز بين أشخاصٍ ادّعوا الملكيّة بموجب سندات، فقاموا بإفراز العقار 2230 (المصيطبة) إلى 54 عقاراً. في عقد الإفراز، تمّ الإتفاق بين مالكي العقارات على فرض إرتفاق عدم البناء على العقارين 3691 و3692، وتمّ توثيق الإرتفاق بتسجيل إشارات عدم البناء على الصحف العقاريّة. هذه الإشارات أُزيلت بطريقةٍ غامضةٍ في العام 2005، عند بدء التخطيط لـ«إيدن روك».
بعدها، صدر في العام 1954 التصميم التوجيهيّ الأول لمدينة بيروت، وفيه أُقرّ بحظر البناء، أيّاً يكن نوعه، على طول المنطقة العاشرة من بيروت، والتي تشمل عقارات المشروع. في العام 1964، بدأ تحوّل الملكيّة من فردية إلى شركات، وفي هذه الحالة «الشركة السياحيّة اللبنانيّة». وفي تحديدٍ لخطّ البحر عائدٍ للعام ذاته، إرتُفقت جميع عقارات الموقع الذي يشهد الحفر اليوم، متعدّياً على مساحة إجماليّة تقارب 2180 م2 من أصل 5188 م2، أيّ بنسبة 42% من المساحة الإجماليّة. بالنظر إلى صورةٍ جويّة من العام 1956، نرى العقارات ذاتها تحت مياه البحر، ما يطرح أسئلة عدّة حول كيفية تكوين العقارات الخاصّة في هذا الموقع، وعلى كامل شاطئ الرملة البيضاء. هذه الإرتفاقات أيضاً أُزيلت بطريقةٍ غامضةٍ في العام 2005.
في السنوات التالية، عُدّلت المراسيم المتعلّقة بهذا الموقع لزيادة الإستثمار. اليوم، بقوّة المستثمرين وتخاذل السلطات، يقع البناء على شاطئنا الرمليّ.
أين وزارة الأشغال العامة والنقل من التعدّي التاريخيّ على الأملاك العامّة البحريّة، وهي القيّمة عليها؟ ولماذا لا تفعل اليوم فعلها في السنوات السابقة للحرب الأهليّة، فتستعدي الجهات التي تتعدّى على الرملة البيضاء، بما أنّ إعادة تحديد الأملاك العامّة البحريّة يقع ضمن واجباتها وصلاحياتها بحسب المادتين السادسة والسابعة من القرار رقم 144 تاريخ 10/6/1925؟
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.