“
تواصل “المفكرة” بالتعاون مع القاضية عفاف النحالي متابعة جلسات الدوائر المتخصصة. وهي تنشر هنا مزيدا من الملاحظات حول أعمال هذه الدوائر.
مورو يدلي بشهادة مؤثرة في قضية المطماطي
استمعت المحكمة في ثالث جلسات نظر الدائرة المتخصصة في العدالة الانتقالية في قضية الاختفاء القسري لكمال المطماطي[1] لشهادة نائب رئيس مجلس النواب التونسي عبد الفتاح مورو. وقد ذكر مورو أن أحد حرفائه من المسجونين السابقين أفاده أن أمنيين ذكروا له “أنه وبعد موت كمال نقلت جثته سرا للعاصمة تونس حيث تم التخلص منها بردمها بأحد أعمدة جسر شارع الجمهورية الذي كان حينها بصدد التشييد”[2].
يلاحظ هنا أن مورو رفض سابقا أن يدلي بشهادته أمام هيئة الحقيقة والكرامة. وعليه، فإن مبادرته اليوم تطرح السؤال فيما إذا كان لرفضه السابق علاقة بموقف سياسي له من تلك الهيئة. كما أنه لم يكشف عن أسماء من ذكروا له المعلومات التي أوردها. وعليه، لا يكون بالإمكان التأكد من إفادته إلا في حال هدم الجسر، وهو أمر يستحيل توقع حدوثه لأهمية المنشأة أولا ولكون الادعاء الذي ورد ضعيف السند. ومن شأن هذه الشهادة أن تؤدي إلى تضخيم السؤال حول قدرة التتبعات على التوصل لمعرفة الحقيقة في هذا الملف، وتاليا إلى تعزيز مشروعية طرح المصالحة الشاملة الذي قدمه راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة خلال الأسبوع المنصرم.
محاكمات شهداء وجرحى الثورة: جدل قانوني و إجراءات احترازية
يوم 13-10-2018، عقدت الدائرة المتخصصة للعدالة الانتقالية بتونس العاصمة أولى جلسات نظرها في ملف شهداء وجرحى الثورة نهج كولونيا. حضر الجلسة المحامي منير بن صالحة عن المتهمين والذي تمسك في مرافعة أولية “بكون موكليه تمت محاكمتهم بعد الثورة امام المحكمة العسكرية وصدرت في جانب بعضهم أحكام بالإدانة وقضوا العقاب وتمت تبرئة بعضهم الآخر بما يكون معه من قبيل التدخل في القضاء إعادة محاكمتهم. كما تمسك بن صالحة بكون موكلوه لا يعترفون بالمحاكمة التي تواجههم لصدورها عن هيئة فقدت شرعيتها. ولذا فلن يحضروا جلساتها.
من جهته، تمسك دفاع الضحايا بكون القضاء العسكري لم ينجح في كشف الحقيقة، مطالبا باتخاذ إجراءات منع سفر في حق المتهمين كإصدار بطاقات جلب في حق من رفض منهم الحضور .
عقب الجلسة، اتخذت المحكمة قرارا في تحجير السفر عن المنسوب إليهم الانتهاك. نقل القرار الجدل حول “شرعية إعادة المحاكمة للساحة الإعلامية”: فقد انقسم المشهد بين متعاطفين مع المتهمين ومتمسكين بضرورة المحاسبة وبأن الدستور التونسي ينص بالفصل 148 منه صراحة على أنه لا يمكن الدفع باتصال القضاء في مسارات العدالة الانتقالية. وبعيدا عن هذا الجدل السياسي، نذكر أن إجراء تحجير السفر الذي اتخذته الدائرة المتخصصة بتونس ودوائر أخرى أثار مشاكل تطبيقية هامة أدت في عديد الحالات لتعليقه في عدد من الدوائر التي أصدرته.
في عديد الملفات، اعتمدت هيئة الحقيقة والكرامة في تحريرها للوائح الاتهام على صور من ملفات قضائية قدمها لها الضحايا. وافتقرت في كثير من الحالات تلك النسخ لما يبين الهويات الكاملة للمنسوب لهم الانتهاكات. وقد أدى إدراج تلك الهويات المقتضبة بجداول الممنوعين بالسفر إلى تعطيل سفر عديد الأشخاص غير المعنيين بالقضايا. وقد فرض هذا الخلل على بعض الدوائر تعليق إجراء تحجير السفر ومطالبة وزارة الداخلية بمدها بالهويات الكاملة للمنسوب لهم الانتهاكات. ويطرح هذا الخلل مجددا السؤال حول جدية العمل التحقيقي الذي تولته هيئة الحقيقة والكرامة وحول حقيقة التزام المصالح الأمنية بإنجاح العدالة الانتقالية.
محاكمة براكة الساحل: ويتواصل سقوط أسماء الضحايا
انعقدت يوم 25-10-2018 بمقر المحكمة الابتدائية بتونس أولى جلسات ضحايا ملاحقات براكة الساحل”. شهدت الجلسة احتجاجا من عدد من الضحايا الذين لم يقع إدراج أسمائهم بلائحة الاتهام. وقد أكد السيد محسن المغيري رئيس جمعية إنصاف قدماء العسكريين أن المحقق المشرف على الأبحاث بهيئة الحقيقة ذكر له أن الأبحاث بالملف لم تكتمل في حق مجموعة من الضحايا، وعند استكمالها سيتم إعداد لائحة تكميلية تحال على المحكمة.
نابل: حرمة المعطيات الشخصية في مواجهة الصورة
حضر بجلسة المحاكمة المخصصة لنظر ملف الضحية فيصل بركات ثلاثة من المنسوب لهم الانتهاك وهم قاضيان سابقان وإطار أمني. وقد تمسك المتهمون بألا يتم تصوير استجوابهم احتراما لحقهم في قرينة البراءة ولأن نشر المحاكمات هي من العقوبات التكميلية. استجابت المحكة للطلب الذي قدرت أنه حق مشروع للمنسوب لهم الانتهاك وحجرت على كل الحاضرين بالمحاكمة التصوير. احتج محامي ورثة الضحية سمير ديلو على القرار وانسحب من قاعة الجلسة متمسكا بكون التصوير جزءاً من كشف الحقيقة. من جهتهم، تمسك المتهمون بأن يتم استنطاقهم في حضور محامي القائمين بالحق الشخصي. ويطرح الجدل الدائر السؤال حول السبل الكفيلة بتوثيق المحاكمات الجارية دون اعتداء على حقوق المتهمين الشرعية.
مواضيع ذات صلة:
قضية الحوض المنجمي أمام دوائر العدالة الانتقالية: الضحايا يحاكمون هيئة الحقيقة أيضا
العدالة الانتقالية في بعدها القضائي في تونس: قراءة من الخارج
الضحية تطلب الحقيقة لقاء المصالحة: ملاحظات بشأن ثاني جلسات قضية البلعي في نابل
[1] بتاريخ 07 – 10-1991 إعتقلت إحدى الفرق الأمنية بجهة قابس المهندس كمال المطماطي لاتهامه بالانتماء لحركة الاتجاه الإسلامي . انقطعت بعد هذا التاريخ أخباره عن أسرته علمت بعد سنوات انه مات تحت التعذيب لكنها ولحد اليوم لم تتوصل لمعرفة مكان إخفاء جثمانه.
[2] الواقع بالمدخل الجنوبي للعاصمة التونسية تونس على مستوى تقاطع شارع الحبيب بورقيبة مع شارع الجمهورية .
“