أدى غرق مركب صيد يقل أكثر من مائة وثمانين مهاجرا سريا آخر ليل 03-06-2018 قبالة سواحل جزيرة قرقنة التونسية التي انطلق منها في اتجاه جزيرة لامبدوزا الإيطالية لهلاك قرابة المائة والعشرين من ركابه. صدمت فداحة الخسائر البشرية الرأي العام التونسي والأجنبي وأعادت الحديث عن ظاهرة قوارب الموت التي تشق البحر المتوسط يوميا إلى الواجهة في خطاب ساسة دول شماله وخصوصا منها إيطاليا كجنوبه وفي مقدمته تونس التي فجعت عديد العائلات فيها في أبنائها.
في تونس، صب الخطاب الإعلامي والسياسي غضبه على السلطة السياسية التي حملها مسؤولية الفشل في التصدي لتجار البشر، ممن ينظمون الرحلات البحرية، علاوة على تحميلها مسؤولية البطالة التي اعتبرت في نظرهم سبب تحول الهجرة إلى حلم يحكم 54,6% من شبابها. وقد توصل خلال الأربعة الأشهر الأولى من سنة 2018 ألف وتسعمائة وعشرة منهم للوصول إلى الضفة الشمالية حسب منظمة الهجرة العالمية فيما فقد آخرون تغيب الإحصائيات الدقيقة حول عددهم ونسبتهم.
ولم تخف حدة الحزن على المفقودين سعي عدد من الساسة في السلطة والمعارضة ومالكي المؤسسات الإعلامية[1] للإستثمار في المأساة بحثا عن مكاسب شعبوية تجعلهم يستفيدون من مخرجات الأزمة السياسية التي تزامنت مع الحادثة، بما أدى للقاء موضوعي بينهم وبين خطاب اليمين الذي بات يحكم دولة المقصد وعددا من الدول الأوروبية الأخرى.
حمل الساسة الايطاليون كما التونسيون دولة تونس مسؤولية الهجرة السرية. فكان أن تحدث وزير الداخلية ماتیو سالفیني[2] في تصريح متلفز بتاريخ 03-06-2018 عن المجرمين الذين ترسلهم تونس يوما من شواطئها لايطاليا ليضيف لاحقا وفي نفس اليوم بتدوينه على تويتر “أن الكثیر من الإیطالیین لیس لدیهم المأوى المناسب، ولیس من المعقول توفیر المسكن لنصف القارة الإفریقیة”[3]. وهو موقف أيده في توجهاته زميله في ذات الحكومة وزير النقل دانيلو تونينيلي الذي أعلن يوم 16-06-2018 الحرب على سفينتي إنقاذ للمهاجرين هولنديتين تعملان قبالة سواحل بلده.
للوهلة الأولى، يظهر الخطاب التونسي الذي انكفأ على ذاته متماسكا ومنطقيا. كما يبدو التصرف الايطالي المتوتر والمهدد بطرد نصف مليون لاجئ سري دفعة واحدة منسجما مع مبدأ حق الدول في حماية حدودها.
لكن تجاوز الظواهر يبين أن رد الفعل في ضفتي المتوسط حجب عن الوعي العام ما للأفراد من حق أصيل في الهجرة وأغفل حقيقة أن من يقفلون حدودهم في وجه الهجرة الاقتصادية يتحملون وزرا كبيرا من أزمات دول الجنوب الاقتصادية بفعلهم كقوى استعمارية نهبت مدخرات تلك الشعوب وحرمتها من حقها في التنمية في ماضي التاريخ وبدعمهم المستمر للأنظمة الفاسدة التي تنشر اليأس وسط الشباب وتبدد ثروات البلدان. كما أن ذات من يقيمون الحدود في وجه البشر يعملون على استباحتها في وجه البضائع دون كبير اهتمام بما قد يؤدي إليه إغراق منتوجاتهم لأسواق الدول الفقيرة من تهديد لاقتصادياتها الهشة وما سيتبع ذلك كأثر من دفع لسكانها مضطرين للموت بحرا في طريق بحثهم عن حلمهم بالحق في الحياة .
[1] ورد في بيان صدر عن الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري – الهايكا – بتاريخ 08-06-2018 فيما تعلق بتغطية قناة نسمة لحادث غرق المركب” رصدت الهيئة تغطية قناة نسمة لحادثة قرقنة التي تمثلت في غرق مركب مهاجرين غير نظاميين وخلّفت عديد الضحايا، وقد تم في هذا الإطار التداول في الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد بطريقة موجّهة ومتعارضة مع نواميس المهنة الصحفية،وإذ تحث الهيئة الصحافيين ومختلف القنوات الإذاعية والتلفزية على ضرورة إيلاء الأهمية القصوى لهذه الفاجعة والعمل على تكثيف التحقيق والتقصي بهدف بلوغ الحقيقة بما يساهم في عدم الافلات من تحمل المسؤولية عن كل تقصير أو اهمال، فإنها تؤكد على ضرورة الالتزام بالقواعد الأخلاقية لمهنة الصحافة دون توجيه أو توظيف،وتذكر الهيئة أنه قد سبق لها أن نبّهت الى المخاطر التي تتهدد المشهد الإعلامي في تونس من خلال التوظيف المفضوح لبعض المؤسسات الإعلامية وتحويلها الى طرف في الصراعات الحزبية الضيقة، غير أن التغاضي عن ذلك أدى إلى مزيد الانحدار الأخلاقي بلغ حدّ المتاجرة بدماء ضحايا حادثة قرقنة وتحويلها الى مطيّة لتحقيق مآرب سلطوية ضيّقة،إن ما تأتيه اليوم قناة نسمة من خلال تطويع منابر حوارية للدعاية لموقف أحادي يختزل طموحا شخصيا وذلك بتأثير من صاحبها “نبيل القروي” هو عبارة عن استمرار في مخطط من التخريب الممنهج للمشهد الاعلامي بهدف التموقع والتأثير في مفاصل الدولة ومؤسساتها، خاصة اذا ما أخذنا بعين الاعتبار شبهات الفساد المالي والأبحاث التحقيقية المفتوحة بشأنه مما يستوجب وقفة مسؤولة من قبل مؤسسات الدولة،
[2] من قادة حزب رابطة الشمال المتطرف معروف بعدائه للمهاجرين
[3] أزمة انتهت بقبول السلطات الاسبانية لرسو السفن بموانئها
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.