“
بينما كانت نيران نحو 105 حريقا تلتهم ما تبقى من أحراج لبنان وغطائه النباتي في مختلف الأراضي اللبنانية، أكبرها في المشرف والدبية، وفق مدير عام الدفاع المدني ريمون خطار، مشردة آلاف المواطنين من منازلهم ومحاصرة مناطق بأكملها، حاول لبنان الرسمي تغطية تقصيره وفشله في تطبيق الإستراتيجية الوطنية لمكافحة حرائق الغابات الموضوعة منذ أكثر من عشر سنوات عبر تقاذف المسؤوليات ما بين وزارتي الدفاع والداخلية وجمعية “أخضر دائم” التي كانت جمعت التبرعات إبان ولاية وزير الداخلية الأسبق زياد بارود واشترت ثلاث طائرات سيكورسكي لإخماد الحرائق والإنقاذ.
وكشفت الحرائق المندلعة منذ مساء الأحد 13/10/2019 أن الطوافات الثلاث معطلة بسبب عدم الصيانة وعدم توفر قطع الغيار اللازمة للتشغيل، وهي متوقفة في مطار بيروت الدولي.
وبينما استشهد المواطن الشاب سليم بومجاهد من بتاتر عاليه خلال تطوعه لإخماد حريق صغير في بلدته، تحول المسؤولون في لبنان إلى “أبرياء ذمة من دم هذا الصديق”، ليطالبوا كل بدوره، من رئيس الجمهورية إلى أصغر مسؤول في إدارة رسمية، ب”فتح تحقيق بالأسباب التي أدت إلى توقف طائرات الإنقاذ وإطفاء الحرائق سيكورسكي عن العمل منذ سنوات وتحديد المسؤوليات”، كما غرد موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية عند الساعة الواحدة من بعد ظهر 15 تشرين الأول 2019.
بموازاة تخبط لبنان الرسمي ومحاولة تضخيم عدد الحرائق المفتعلة من بين مجموع الحرائق، دعا وزير البيئة فادي جريصاتي في تصريح إعلامي إلى “إعدام مفتعلي الحرائق”. وقد تداعى المواطنون على وسائل التواصل الإجتماعي إلى إطلاق دعوات للتطوع معلنين عن تشكيل لجان في الشوف وعاليه وساحل الشوف لمساعدة فرق الدفاع المدني ومدّ المراكز المقطوعة من الماء والطعام، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مركز Arc en ciel في الدامور الذي أتت النيران على طوابقه الثلاثة.
وواجه عناصر الدفاع المدني وجمعيات عدة ومواطنون وشبان من المخيمات الفلسطينية الحرائق بالوسائل البدائية وسيارات الإطفاء (نحو 30 سيارة للدفاع المدني)، بمساندة من طائرتي إطفاء استقدمتا من قبرص، ومروحيات الجيش اللبناني ومائتي آلية للجيش مع عناصرها، بانتظار وصول طوافتي إطفاء من إيطاليا ومثلهما من اليونان ما بين الساعة الرابعة والخامسة من عصر 15/10/2019. وشكلت الرياح الساخنة التي شهدها لبنان على وقع موجة الحرّ التي تجتاح لبنان آتية من الخليج، عاملاً سلبيا في نقل الحريق وتمدده من منطقة إلى أخرى ليشمل مناطق شوفية أخرى منها باتر والكنيسة والدبية وكفرقطرة وبريح ونيحا بالإضافة إلى المشرف.
طائرة السيكورسكي
تقاذف مسؤوليات سيكورسكي
نقلت وسائل إعلام عن وزير الدفاع الياس أبو صعب وصفه طوافات سيكورسكي ب”الخردة”، فيما قالت وزيرة الداخلية ريا الحسن أن الطوافات الثلاث وصلت إلى لبنان “منزوعين”. ورداً على الوزيرة الحسن، قال وزير الداخلية الأسبق زياد بارود للزميلة ليلى يمين من المفكرة أن “ما تتحدّث عنه ريّا الحسن ليس صحيحاً، فسلاح الجوّ لا يستلم طائرات بحالة سيئة. هذه الطائرات قدّمت بمثابة هبة للدولة اللبنانيّة مع صيانة لمدّة ثلاث سنوات. أحضرنا هذه الطائرات إلى لبنان في العامّ 2009 وقد استخدمت لمدّة ثلاث سنوات من قبل طيّارين مدرّبين على استخدامها. بعد هذه السنوات، بدأت بالتراجع تدريجياً من دون أن يهتمّ أحد بصيانتها، والمسؤول عن صيانتها هو مجلس الوزراء الذي يجب أن يرصد لها الأموال من ضمن الموازنة.
وبالنسبة للخطّة التّي قدمها لمكافحة الحرائق، كشف بارود أنه “كان هناك وعد بصرف 80 مليون دولار، “وراحت وهناك محضر بجلسة مجلس الوزراء”، مشدداً أنه “من المهمّ جداً تعزيز قدرات الدفاع المدني بشكلٍ عامّ، فالموضوع غير متعلّق بالطائرات فقط. عمل هذه الطائرات يساهم ب 30 و40% فقط، وهناك أمكنة لا تصل إليها هذه الطائرات بحكم طبيعة لبنان. في العامّ 2013، قدّمت الميدل إيست 150 ألف دولار لصيانة إحدى هذه الطائرات. بدل دفع مبالغ لصيانتها، ها نحن اليوم ندفع أكثر بكثير للحصول على الطائرات من قبرص”. وقد رجح بارود أن تكون كلفة استئجار كل طوافة من قبرص بين 10 و15 ألف د.أ بالساعة. وبمراجعتنا لمدير وحدة إدارة الكوارث التابعة لرئاسة مجلس الوزراء زاهي شاهين، أكد لنا أن لبنان سيسدد سعر السوق لقبرص من دون أن يحدد المبلغ المتفق عليه، مشيرا بالمقابل إلى أن الاتحاد الأوروبي سيتولى دفع كلفة 4 طائرات من إيطاليا واليونان، وذلك تلبية لطلب من وزيرة الداخلية ريا الحسن ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري.
وهذا ما أكده الوزير السابق فادي عبود، وهو رئيس جمعية أخضر دايم التي جمعت نحو 15 مليون دولار من التبرعات لشراء الطوافات، في حديث ل “المفكرة”. وقد صرح أن “الجيش اللبناني هو الذي أشرف على شراء الطوافات وبالمواصفات التي وضعها، وأن الجمعية سلمته مع الطوافات قطع الغيار التي جاءت معها بالإضافة إلى مليون دولار لصيانتها وفق الحاجة، ولا يمكن أن يستلم الجيش طائرات معطلة”.
مصدر عسكري في الجيش اللبناني أكد الأمر نفسه ل”المفكرة”” مصرّحا أن الطوافات وصلت إلى لبنان سليمة و”شغالة” وأن الجيش درب طيارين متخصصين للعمل عليها وأنها شاركت على مدى ثلاث سنوات منذ 2009 ولغاية 2012 في إخماد حرائق على الأراضي اللبنانية”. وبالنسبة للجهة المسؤولة عن صيانة طوافات سيكورسكي، أوضح المصدر نفسه أنها “مسؤولية وزارة الداخلية”، لافتاً إلى أنه لا يعلم إذا كان الجيش اللبناني قد طلب من وزارة الداخلية صيانتها أم لا “بس هيدي مسؤوليتهم”، كما أكد للمفكرة.
مصادر الدفاع المدني قالت للمفكرة أن “لا علاقة لنا بالطوافات وهي بتصرف الجيش اللبناني”، وعن احتياجات الدفاع المدني وعناصره رد المصدر “نحن الآن، في الميدان نتحدث في معوقات عملنا ونواقصنا بعد إخماد الحرائق”.
متطوعون يساعدون في اطفاء الحرائق في احراج الدبية
وحدة إدارة كوارث بلا اعتمادات
يذكر أن لبنان أنشأ في العام 2010 وحدة إدارة الكوارث التابعة لرئاسة مجلس الوزراء “ولم تتم مأسستها حتى اليوم، وما زال موظفوها الخمسة يتقاضون رواتبهم من مشروع بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية موقع عليه مع الحكومة”، وفق ما أكد مدير الوحدة زاهي شاهين ل “المفكرة”.
ورداً على سؤال ماذا تفعل الوحدة اليوم؟ قال شاهين” نحن ننسق بين إدارات الدولة ضمن روحية اتفاقية ساندي (Sendai ) للحد من مخاطر الكوارث عبر تجنبها قبل وقوعها وليس فقط لدى حدوثها”. ومن البنود التي تعمل الوحدة عليها، بعض النقاط التي احتوتها الخطة التي أطلقتها لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلدية النيابية برئاسة النائب سمير الجسر في 2017. ويومها أوصى تقرير اللجنة بتخصيص اعتماد مالي من ضمن موازنة وزارة الدفاع لصيانة طوافات سيكورسكي وإعادة تأهيلها، وهو ما لم يحصل من أساسه.
وعن مسؤولية وحدة إدارة الكوارث بالنسبة للطوافات وتأمين صيانتها، قال شاهين “نحن ما منقدر نقول للجيش يعمل صيانة للطوافات، هي تحت تصرفهم”، مؤكداً أن الوحدة “لا تملك اعتمادات مالية ولم تنجز خطوات تفعليها كما يجب”.
وحصلت المفكرة على تقرير الجيش اللبناني عن طوافات سيكورسكي (نشر في العدد 290 من مجلة الجيش في أيلول 2009) لدى استلامها والذي يؤكد فيه (الجيش) صلاحية الطوافات للعمل ووضعها الجيد. ومما ورد في التقرير “دخلت طائرات الـ«سيكورسكي» الثلاث حيّز الخدمة الفعلية، بعدما أصبحت جاهزة فنياً لممارسة وظيفتها في إطفاء الحرائق. امتلاك لبنان الطائرات الثلاث كان نتيجة جهود ومساعٍ بذلها وزير الداخلية زياد بارود وجمعية «أخضر دايم»، بعد أن انتظر اللبنانيون سنوات طويلة عتاداً يكافح الحرائق التي أتت على معظم ثروته الحرجية”.
وعن مواصفات الطوافات كتبت مجلة الجيش: “Sikorsky – S61N طوافة أميركية الصنع تستخدم لصالح البحرية الأميركية وبلدان أخرى عديدة منها: الأرجنتين، استراليا، بلجيكا، البرازيل، كندا، مصر، ألمانيا، الهند، ماليزيا، النروج، الباكستان، قطر وإسبانيا. تعتمد هذه الطوافة رسمياً في الولايات المتحدة الأميركية كطوافة رئاسية من قبل المارينز وتسمى «Marine One» عندما يكون الرئيس على متنه. و يمكنها نقل فصيلة جنود (30 جندياً) إذا ما توافرت بقع الإنزال المناسبة. ويكون إستخدامها متعدد الوجوه: بحث وإنقاذ، إطفاء حرائق، نقل جنود إلى المعركة، تغطية جوية بالنيران وذلك عند تجهيزها بالعتاد اللازم.
وتتميّز الطوافة بقدرتها على الهبوط على المياه في الظروف الطارئة، كون جسمها من الأسفل يشبه القارب.
لم يؤمن لبنان كلفة صيانة الطوافات الثلاث برغم أن موسم الحرائق محدد في الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الحرائق من شهر حزيران كل عام ولغاية نهاية تشرين الثاني، فيما يدفع اليوم مبالغ طائلة لاستئجار طائرات إطفاء من قبرص واليونان وايطاليا، فيما يتحمل الناس وحدهم في مختلف المناطق اللبنانية فاتورة الحرائق التي تشردههم وتلتهم الأخضر واليابس وتبث دخانها القاتل في الأجواء.
مركز ARC En Ciel الذي التهمته النيران في الدامور
“