أعطيت بالمغرب مؤخرا الإنطلاقة الرسمية لتطبيق نظام المحاكمات عن بعد في القضايا الزجرية، في إطار الإجراءات الإحترازية المقررة لمواجهة فيروس كورونا، مند الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية في البلاد. المبادرة تأتي بتنسيق بين وزارة العدل وإدارة السجون والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وقد خلفت جدلا واسعا بين مرحب ومعارض.
سياق ومضمون مبادرة المحاكمات عن بُعد
يأتي تنزيل المبادرة مباشرة بعد قرار المندوبية العامة للسجون منع نقل السجناء إلى المحاكم بشكل مؤقت لحضور جلسات محاكمتهم، خوفا من تفشي وباء كورونا، وذلك بعد اكتشاف عدة حالات للإصابة بالوباء داخل عدد من السجون المغربية مؤخرا.
كما أنها تأتي لمواجهة الإرتفاع المتزايد لظاهرة الاعتقال الاحتياطي في إطار أعمال التدابير الزجرية المتعلقة بخرق الطوارئ الصحية، والتي تستوجب استمرار جلسات البتّ في قضايا المعتقلين.
وعليه، تقرر تخصيص قاعات داخل المؤسسات السجنية وربطها بقاعات الجلسات بالمحاكم عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، حيث تتمّ المحاكمات عن بعد، وتقوم الهيئة القضائية بحضور الدفاع المتواجدين بقاعة الجلسات، بالاستماع عن طريق تطبيق السكايب للمعتقلين الإحتياطيين المتواجدين بقاعة داخل السجن.
اعتراضات على تطبيق نظام المحاكمات عن بعد
أعلنت عدة هيئات مهنية معارضتها للمبادرة، حيث قرر مجلس هيئة المحامين بمكناس، رفض إعتماد تقنية البث المباشر بالسكايب خلال انعقاد القضايا الجنائية والتلبسية الجاهزة، وأوضح نقيب الهيئة، في منشور موجه للمحامين والمحاميات أن “الرفض جاء بعد استحضار كل مبادئ وضمانات المحاكمة العادلة، وطبيعة تلك الملفات وما تقتضيه من عناية خاصة تحتم بالضرورة المخابرة المباشرة سواء مع المعتقل أو عائلته”.
وسجل بيان لمجلس هيئة المحامين بالناظور تحفظه على المبادرة لمساسها بشروط المحاكمة العادلة وخاصة مبدأ التواجهية والعلنية والحضورية، ولكونها تفتقد لأي غطاء قانوني.
وانتقدت عدة هيئات للمحامين وكتابة الضبط غياب المقاربة التشاركية في تنزيل نظام المحاكمات عن بُعد، خاصة وأن المشاورات التي تم القيام بها وبشكل مستعجل لم تشمل هيئات المحامين ولا هيئات كتابة الضبط، كما لم تشمل الجمعيات المهنية للقضاة وكذا الجمعيات الحقوقية.
تأييد لنظام المحاكمات عن بُعد في إطار حالة الطوارئ الصحية
في المقابل، أعلنت هيئات مهنية أخرى ترحيبها بالمبادرة، وقد أبدى محمد كمال مهدي، نقيب هيئة المحامين بتطوان، اختلافه مع النقباء والمحامين الذين رفضوا إعمال آلية المحاكمة عن بُعد، بداعي مخالفتها لأحكام قانون المسطرة الجنائية، مُعتبراً أن “إعمال آلية المحاكمة عن بعد فرضه الظرف الإستثنائي الذي يمرّ فيه المغرب على غرار باقي بلدان العالم، إذ صارت حياة الناس مهددة بسبب انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد”.
وأضاف أن حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها “تتيح إمكانية اتخاذ كل القرارات الهادفة إلى حماية الصحة العامة، باعتبارها من مشمولات النظام العام المغربي، ووقف العمل مؤقتا بعض أحكام القانون لصالح هذا الهدف الوطني الإستراتيجي العام”.
في نفس السياق، أكد النقيب عبد الرحيم الجامعي، أن شروط المحاكمة العادلة وفق المعايير الدولية مضمونة في نظام المحاكمة عن بُعد، فشرط الحضورية متوفر “لأن هناك اتصالا مباشرا مع المتهم ودفاعه”، أما بخصوص شرط العلنية، فقد اعتبر أن “القاضي يمكنه إعلان سرية الجلسة في إطار حماية النظام العام، لأن السلامة الصحية هي جزء من النظام العام”.
نظام المحاكمات عن بُعد تنزيل فوري لمشروع قانون عالق في البرلمان
تجدر الإشارة إلى أن وزارة العدل بالمغرب طبقت في وقت سابق أول محاكمة عن بعد نموذجية في سنة 2016، في محكمة الإستئناف بالدار البيضاء، وأعدت مشروع تعديل لقانون المسطرة الجنائية يتضمن مقتضيات إجرائية مفصلة للمحاكمات عن بعد. إلا أنه بقي عالقا في ردهات البرلمان.
وتفاعلا مع الانتقادات الموجهة لإعمال نظام المحاكمات عن بعد، قال وزير العدل محمد بنعبد القادر، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن “اعتماد تقنية التقاضي الإلكتروني إن كان في الظرفية الراهنة يبقى محكوما بشرط استثنائية القوة القاهرة، فإنه مستقبلا يتطلب تدخلا تشريعيا، لتأكيد مبدأ الشرعية الذي يشمل حتى الإجراءات المسطرية، ثم لوضع ضوابط التقاضي الإلكتروني وإرساء قواعد خاصة به”.
مواضيع ذات صلة
المغرب يعلن حال الطوارئ الصحية: احترام مبدأ الشرعية الجنائية في زمن “الطوارئ الصحية“
مشروع لتقنين المحاكمات عن بعد في المغرب: كيف يمثل المتهم في مكان احتجازه من دون قيد؟
الكورونا تتوغل في سجون المغرب: دعوات بتخفيف عدد السجناء الإحتياطيين
بالمغرب متابعة أكثر من 1000 شخص بسبب خرق قانون الطوارئ
استمرار التشريع العادي في زمن الطوارئ في المغرب