عرفت وزارة الداخلية التونسية الإجراء الحدودي S17 “بأنه إجراء يقضي فقط بالاستشارة في وضعية أشخاص من المواطنين التونسيين أو الأجانب ثبتت لوزارة الداخلية بمعطيات جدية علاقتهم بالمجموعات الإرهابية سواء من خلال سعيهم إلى الإلتحاق بهذه الجماعات ببؤر التوتر أو بالجبال التونسية أو بمساندتهم بشريا وماديا ليتسنى لهم تنفيذ عمليات إرهابية”[1]. كما أكدت أن هذا الإجراء يجد سنده القانوني” فيما يخوله الأمر عدد 50 المنظم لحالة الطوارئ للسلطة التنفيذية من اتخاذ تدابير استثنائية بصفة وقتية إلى حين زوال موجبها بما فيها تلك المتعلقة بمراقبة التنقل والجولان داخل التراب التونسي وعند مغادرته أو الحلول به”[2]. كشفت في المقابل تقارير حقوقية وتحقيقات صحفية[3] أن هذا الإجراء يستغل في تقييد حرية أشخاص تشتبه وزارة الداخلية في علاقتهم بالإرهاب أو بشبكات الدعارة خارج البلاد التونسية التي تستغل تونسيات في نشاطاتها وأن اتخاذه يتم بالاستناد لتقارير أمنية تستند للمظهر الخارجي “للشخص” أو الشكوك التي تحوم حول ضلوعه في نشاط مشبوه لدى مصالح الأمن. ويقدر عدد من شملهم هذا القيد على الحق في السفر والتنقل بمائة ألف شخص[4] وهي تقديرات تكذبها وزارة الداخلية التونسية التي تدعي أنه مبالغ فيها في ذات الحين الذي تمتنع عن تقديم إجابة صريحة حول عدد من يشملهم إجراؤها[5].هذا بدعوى أن هذا المعطى “من المعطيات الأمنية التي لا يمكن كشفها”[6]. لينتهي جانب من المتحدثين باسمها لدعوة من يشملهم للالتجاء للقضاء لطلب رفعه[7].
وبعيدا عما تدعيه الجهة الأمنية من فضل لهذا الإجراء في كبح موجة التحاق التونسيين بالمجموعات الإرهابية في بؤر التوتر التي تتمثل أساسا بليبيا وسوريا، يجدر إبداء الملاحظات الآتية:
أنه إجراء يقيد حرية سفر الأفراد بما يعني أنه يمس حقهم في التنقل والذي يعدّ من الحقوق الأساسية حسب صريح الفصل 24 من الدستور التونسي وهو إجراء يتخذ دون الاستناد لأي مقرر قضائي حال أن ذات الدستور يفرض في الفصل 49 أن يكون القضاء الجهة التي تنظر في تناسب ما يتخذ من إجراءات تقيد هذه الحقوق لحماية الأمن العام، مع مراعاة مبدأي الضرورة والتناسب.
أنه إجراء يستند فعليا وقانونيا في تبرير شرعيته لحالة الطوارئ السارية حاليا بتونس وللأمر المنظم لها، حال أن النظام القانوني الحالي لحالة الطوارئ لا يتلاءم مع مقتضيات الدستور.
أنه إجراء يتخذ دون احترام لأدنى حقوق من يشمله في العلم المسبق به قبل تاريخ تحوله للمنفذ الحدودي حيث يفاجأ به. وهذا الأمر يؤدي في حالات لتعطيل سفره وفي حالات أخرى لمنعه منه.
أنه إجراء لا يمكن من يشمله من أي وثيقة مكتوبة تثبته بما يمس بحقوق من يشمله في المنازعة فيه أوفي طلب جبر الضرر عما يسببه من ضرر .
أنه إجراء يتخذ في كثير من الأحيان وكما أقرت بذلك وزارة الداخلية بالاستناد لهويات مقتضبة بما يؤول لأن يتجاوز ضرره من كان يراد به، ليشمل أفرادا آخرين بما يؤكد الاستهانة بالحقوق الفردية .
أنه إجراء يخضع في رفعه كما في اتخاذه لسلطة غير مقيدة قانونا بما يؤدي لحالات تمييز بين من يستهدفهم، سببها اعتماد بعضهم المحسوبية أو ما لهم من نفوذ سياسي فعلي للتمكن من رفعه وبعضهم أوجها أخرى من الفساد بما يميزهم فعليا عن غيرهم ممن يرفضون الانخراط في تلك المنظومة أو ممن لا يتوصلون بكل بساطة للاستفادة من خدماتها.
بالخلاصة، تفرض الأسباب المبينة أعلاه الدعوة للتراجع عن هذا الإجراء، حماية لحق الأفراد في التنقل ومنعا للفساد والبحث عن بدائل له تحترم القانون وضرورة حماية حريات الأفراد فيما تفرضه من قيود على تلك الحقوق حماية للأمن العام، وهي بدائل يفرض الدستور أن يسند فيها الاختصاص للقضاء المسؤول بحكم نصه عن حماية الحقوق والحريات.
[1] تعريف مستمد من رد وزارة الداخلية عن سؤال كتابي موجه من عضو مجلس نواب الشعب ياسين العياري لوزير الداخلية في الموضوع –رد مؤرخ في 20 -04-2018 .
[2] نفس المرجع السابق .
[3] نشر بتاريخ 24-10-2018 موقع انكفادا تقرير صحفي بعنوان ” S17 : ضحايا مزاج الداخلية ” تولت إجراؤه الصحفية آمال مكي وبذات التاريخ نشرت منظمة العفو الدولية ، تقريرا شمل 60 تونسيا، وجاء بعنوان “حتّى مرّة ما يقولولي علاش: القيود التعسّفية على حرية التنقّل في تونس”.
[4] ورد بتحقيق ” S17 : ضحايا مزاج الداخلية ” : ” قرابة 100 ألف مواطن تونسي يخضعون للإجراء الحدودي S17، هذا ما أعلنته شبكة الملاحظ للعدالة الانتقالية، والتي تضمّ الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان ومنظمة محامون بلا حدود، في تقرير نشرته عام 2017. رقم يتوافق مع إحصائية كان نشرها مرصد الحقوق والحريات قبل ذلك بنحو عام، في إطار حملة ميدانية اشتغلت على عيّنة من 500 تونسي كان شعارها “عمّار 17… سيّبني نعيش”.
[5] يلاحظ هنا أنه وبشكل يناقض هذا الموقف كان وزير الداخلية الأسبق لطفي براهم وفي سياق رده عن تساؤل في الموضوع خلال جلسة استماع له بلجنة “الأمن والدفاع بمجلس نواب الشعب بتاريخ 29-01-2017 أفاد أن إجراء مراقبة السفر شمل قرابة تسعة وعشرين ألف شخص
[6] رد وزير الداخلية الكتابي عن سؤال النائب ياسين العياري – المرجع السابق .
[7] في حوار مع صحيفة وطن يغرد خارج السرب التونسية صدر بتاريخ 28-02-2018 وأجراه الصحفي “عبد الحليم الجريري” ذكر الناطق الرسميّ باسم الإدارة العامة للأمن الوطني “العميد وليد حكيمة” أن قائمة الـs17 تندرج في جملة المراجعات التي تجريها وزارته ، مضيفا أن ذاك الإجراء هو إجراء إداري بإمكان أيّ مواطن التشكي منه لدى المحكمة الإدارية وهنالك آلاف استطاعوا التخلص منه عن طريق القضاء، “
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.