تقدم نواب من كتلة الجمهورية القوية بتاريخ 31 تشرين الأول 2023 باقتراح قانون معجل مكرر ينص على تعديل المادة 56 من المرسوم الاشتراعي رقم 102 الصادر سنة 1983 (قانون الدفاع الوطني) كي يصبح سن “التسريح الحكمي من الخدمة العائد لرتبة عماد … 61 سنة بدلا من 60 سنة”.
وقد جاء في الأسباب الموجبة أن “لبنان يمرّ في واحدة من أصعب المراحل وأدقها” بسبب الفراغ الرئاسي والانهيار المالي والاقتصادي وحرب غزة التي ترافقت مع تدهور عسكري على الحدود الجنوبية علاوة على “المخاطر الاجتماعية الديمغرافية التي يشكلها الوجود السوري غير الشرعي”.
وأضافت الأسباب الموجبة أن الفراغ على مستوى قيادة الجيش هو خطر محدق “لا بد من العمل لمنع وقوعه” نظرا لحالة الضرورة القصوى التي “يمثلها تهديد الأمن القومي وتعريض مصلحة الدولة العليا للخطر الأكيد” وذلك عبر تعديل سن التسريح الحكمي لقائد الجيش لا سيما وأن واجب “السلطة السياسية المتمثلة بالسلطة التشريعية” حماية لبنان منعا “لانفجار المخاطر الآنفة الذكر وإتيانها على ما تبقى من كيان الدولة”.
بمعزل عن حظوظ إقرار هذا الاقتراح، فإنه يستوجب الملاحظات التالية:
التذكير بسابقة التمديد للعماد إميل لحود بطلب من الرئيس السوري حافظ الأسد
لا بدّ من التذكير بداية أن هذا الاقتراح في حال إقراره لن يكون أول مرة يتم فيها تعديل سنّ التسريح الحكمي لقائد الجيش انطلاقا من اعتبارات أمنية وسياسية. فالمرّة الأولى تمت بموجب القانون الصادر في 18 أيار 1994 إذ أصبح سن التسريح 60 بدل 59 عاما. وقد حصل هذا التعديل وفقا لما يعلنه الرئيس الراحل الياس الهراوي “بناء على رغبة سورية-لبنانية مشتركة” من أجل التمديد للعماد إميل لحود في قيادة الجيش علما أن “الهدف المعلن للعملية منحه سنة إضافية لمواصلة العمل على إعادة بناء الجيش، إلا أن الكثيرين رأوا فيها خطوة ذات مدلول لانتخابات رئاسة الجمهورية التي أصبحت على الأبواب”[1] أي سنة 1995 عندما كان من المفترض أن تنتهي ولاية الرئيس الهراوي قبل أن يتم تمديدها عبر تعديل الدستور لثلاث سنوات.
والمرة الثانية أيضا وفقا لما يكتبه الرئيس الهراوي بعد لقائه بالرئيس السوري حافظ الأسد في 15 نيسان 1995 عندما قال له أن “الظرف الذي تمرّ به المنطقة يتطلب عدم المجازفة بتغييرات على صعيد القيادات”. لذلك طلب منه تعديل الدستور من أجل تمديد ولايته ثلاث سنوات تنتهي سنة 1998 ومن ثم “في نهاية اللقاء قال لي الأسد إنه يتمنى تمديد مهمة العماد إميل لحود في قيادة الجيش فأجبت إني سأمدد له سنة واحدة كما في المرة السابقة. ابتسم ولم يعترض”[2].
لكن القانون رقم 463 الصادر في 8 كانون الأول 1995 نص على التالي: “يعدل ولمرة واحدة فقط سن التسريح الحكمي من الخدمة العائد لرتبة عماد بحيث يصبح 63 سنة بدلا من 60″، كي تتزامن تقريبا نهاية ولاية رئيس الجمهورية الممددة مع بلوغ العماد لحود سن التسريح الحكمي.
وعليه، وفيما تمّ تبرير التعديلات السابقة بالظروف الأمنيّة الاستثنائيّة التي تمرّ بها البلاد والمنطقة، فإنها هدفت فعليا إلى تحقيق غاية سياسية تتمثل في الإبقاء على قائد الجيش في منصبه تحضيرا للانتخابات الرئاسية.
تشريع دائم لمعالجة أزمة استثنائية
فيما تم تبرير الاقتراح الحالي بالظروف الاستثنائية التي يمر بها لبنان والمنطقة على نحو يستعيد الحجج التي انبنتْ عليها تعديلات التسعينيات، فإن الاقتراح الحالي نص على تعديل دائم لسن التقاعد من دون أي تبرير بخلاف ما حصل آنذاك.
التشريع كأداة لمعالجة أزمة العمل الحكومي
من اللافت أن الأسباب الموجبة تعتبر أن إقرار هكذا قانون هو من واجبات السلطة التشريعية بينما تعيين قائد الجيش هو مسألة تدخل في صميم صلاحيات السلطة التنفيذية عملا بالمادة 65 من الدستور التي تمنح مجلس الوزراء صلاحيات تعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها. فالاقتراح الحالي هو في الحقيقة نتيجة عجز الحكومة عن تعيين قائد جديد للجيش قبل انتهاء ولاية القائد الحالي بسبب الخلافات السياسية المستحكمة بين أعضائها هذا فضلا عن كونها حكومة مستقيلة تقوم بتصريف الأعمال.
فتعديل سن تسريح قائد الجيش بقانون يؤدي عمليا إلى حلول مجلس النواب محل الحكومة، مما يشكل انقلابا في المعايير الدستورية وينقل مسؤولية الحكم من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب.
ولا شك أن هذا الاقتراح يأتي بسبب عدم القدرة على اللجوء إلى الوسيلة المشكوك في قانونيتها التي تم اتباعها سنة 2013 وسنة 2015 عندما تم تأجيل تسريح قائد الجيش عبر قرار صادر عن وزير الدفاع كون هذا الأمر بات متعذرا اليوم بسبب موقف وزير الدفاع موريس سليم الذي ينتمي إلى فريق سياسي يعارض التمديد لقائد الجيش الحالي.
في الخلاصة، يعكس هذا الاقتراح فشل الحكومة عن القيام بدورها الدستوري بتعيين رئيس جديد للأركان وعجزها عن تعيين قائد جديد للجيش في الأسابيع المقبلة بسبب تضارب المصالح السياسية بين أركانها. كذلك يظهر هذا الاقتراح انتقال مسؤولية الحكم إلى مجلس النواب وتحوير استخدام السلطة التشريعية كي تتخذ قرارات تنفيذية لا يجوز دستوريا لها اتخاذها، هذا فضلا عن أن الاقتراح يكرس الطبيعة الاستثنائية للتشريع، ممّا يفقد القوانين ثباتها واستقرارها، ويعلقها بحجج أمنية تهويلية بينما غايتها الأساسية تكمن في كسب نقاط سياسية وحشد تأييد طائفي لا أكثر.
للاطلاع على اقتراح القانون كاملا يمكنكم الضغط هنا
[1] الياس الهراوي، عودة الجمهورية من الدويلات إلى الدولة، دار النهار، بيروت، 2002، ص. 386.
[2] المرجع نفسه، ص. 402.