مساء يوم 05-10-2023، أصدر عميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس بطاقة إيداع بالسجن في حقّ رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي والتي وجّهت لها النيابة العمومية تهمتيْ حمل الناس على مهاجمة بعضهم بعضا طبق أحكام الفصل 72 من المجلة الجزائية والتي تصل عقوبتها للإعدام[1] ومعالجة معطيات شخصيّة للأفراد من دون موافقتهم طبق أحكام قانون حماية المعطيات الشخصية[2]. وقد تمثّلت الوقائع[3] سند الملاحقة في كون موسي توجّهت في فترة حصة العمل المسائية ليوم 03-10-2023 إلى مكتب الضّبط في رئاسة الجمهورية حيث طلبتْ من الحاجز الأمنيّ السّماح لها بأن تُسَلم الموظف مطلبا في التظلم من الأوامر الرئاسية بتقسيم الجمهورية التونسية لأقاليم[4] ودعوة الناخبين للمشاركة في انتخابات المجالس المحليّة[5]. فتمّ إعلامها بأنّ التعليمات تمنع قبول أيّ وثيقة منها . فتمسكت في حديثها لمخاطبيها بكونها تمارس حقا وأن الامتناع من قبول المطالب يعدّ تعسّفًا وخرقًا للقانون. وبدا المشهد كما وثقه مرافقوها ونشرته على صفحاتها ودّيا. ولا تعلمنا هذه الوقائع ما ينسب للمعنية من أفعال يمكن أن تبرر اتهامها بمحاولة قلب نظام الحكم فيما يبدو أن نشرها للفيديو الذي تضمن حوارها مع الأمنيين في صفحتها تم تكييفه كاعتداء على حقّ هؤلاء في صورتهم وكان سند الاتهام الذي من الواضح أنه انطلاقة لمحاكمة سياسية جديدة ربما لم تكن منتظرة.
أمر لم يكنْ متوقّعا
غداة 25 جويلية 2021، وما تبعها من إجراءات مست بالحريات العامة ومنها الوضع تحت الإقامة الجبرية والتحاجير الاعتباطية للسفر والمحاكمات بتهم سياسية، خيَّر الجانب الأكبر من النخبة السياسية والحقوقية التونسية الصمت بحجة أن تصحيح المسار يستدعي التخلّص من رموز الفترة السابقة ولا داعٍ لتعطيله. خصوصا أن التشدد سيقف في حدود الإسلام السياسي وهو عدو لا تجوز مساندته. لقد اعتقد هؤلاء أن مظاهر الاستبداد لن تشملهم وأنّهم بفضلها وبدون التورط في ممارستها سيتخلصون من كل من كانوا يعيقون وصولهم للحكم. وعليه، ورغم أهمية موقع مرسي في المشهد السياسي التونسي وما يميزها من حركية، فإنها بدت طيلة المدة التي سبقت غير معنية بما يحصل من محاكمات ولا بالتدخل في القضاء، فلم تهتمّ بحلّ مجلس القضاء وإعفاء القضاة كما لم تساند أيّا ممن تمّ ايقافهم. وزادت على ذلك بأن عابتْ في بعض الحالات أن السلطات القضائية قصّرت في توجيه تهم أكثر شدة على خلفية مشاركتهم فيما تسميه ربيع الخراب. و لهذا جرّ إيقافها الجميع إلى موقع الإحراج.
تعميق لأزمة وصناعة لأخرى
يعمّق اعتقال موسي أزمة نظام الحكم الذي لم يعد من الممكن له تبرير إيقافه لكل المعارضين على اختلاف مرجعياتهم من أجل وقائع تعد ممارسة لحقوق أساسية. ولكنه أيضا يُحرج معارضيه الذين سيكون مطلوبًا منهم تحديد الموقف منه وهو أمر ليس هيّنا بالنسبة لهم خصوصا وأنها لم تكن تحترم حق غيرها من الحساسيات الحزبية في العمل السياسي وكانت باعترافها ممن ساهموا في ترذيل التجربة الديموقراطية.
أي تفاعلات سياسية مع إيقاف موسي؟
فسر تاريخ موسي إلى حدّ بعيد ما ظهر من مواقف اعتبرت إيقافها جزاء مستحقا وهي ممن لا يجب التضامن معهم لسوابقها في التشفي ممن نالتهم عصا الاستبداد. في المقابل، فإن ذات التاريخ والمواقف لم تمنع تعدّد الدعوات التي صدرت عن شخصيات عامة عرفت بانحيازها للحقوق والحريات والتي دعتْ إلى ضرورة التمسّك برفض المحاكمات السياسية أيا كان المستهدف بها. ونقدّر هنا أنّ ما كان طيلة المرحلة السابقة من إرباك في صفّ ضحايا المحاكمات السياسيّة مردّه الخلافات السابقة بينهم التي منعت في أحيان كثيرة عددا منهم من التعبير عن موقف واضح من كل المحاكمات السياسية. وعليه، قد يكون إيقاف عبير موسي نقطة فاصلة في مسار الاعتراض على هذه المحاكمات إذا ما انتصر فيه الحقوقي على الأيديولوجي والحلم بالديموقراطية على ثقافة التشفّي التي سادت طويلا ولم يستفدْ منها إلا من يسعون لتأبيد الحكم الفردي …لم تكن عبير موسي ديموقراطية ولم يكن لها من مواقف حقوقية. ولكن هذا لا يبرّر الصمت تجاه ما قد يكون لحقها من تعسف وما تم من اعتداء على حقها في العمل السياسي.
[1] ينص الفصل 72 من المجلة الجزائية على انه “يعاقب بالإعدام مرتكب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي.”
[2] قانون أساسي عدد 63 لسنة 2004 مؤرخ في 27 جويلية 2004 يتعلق بحماية المعطيات الشخصية
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.