صدر اليوم (7/11/2016) قرار إخلاء سبيل فاطمة حمزة بعدما بقيت موقوفة لمدة خمسة أيام في مخفر "الغبيري" لأنها رفضت التخلي عن حضانة ابنها علي. وفور خروجها من السجن، أكدت حمزة أن "الثورة الظلم على المرأة قد بدأت الآن، وانا سأحمل قضية كل امرأة لأنه من حق كل امرأة ان تتمسك بأولادها، وانا سأمارس أمومتي على أكمل وجه".
وسيقت فاطمة إلى السجن لأنها إمتنعت عن الإذعان لقرار المحكمة الجعفرية القاضي بسلبها حضانة ابنها (ثلاث سنوات ونصف) إذ تخطى السن القانونية لحقها بالحضانة وهو المحدد عند سن عامين بحسب المذهب الجعفري. على إثره، أصدرت "الحملة الوطنية لحماية المرأة اللبنانية" بياناً اعتبرت فيه أن "إطلاق سراح فاطمة حمزة ما كان ليتمّ لولا الضغط الممارس من قبل المجتمع المدني والنزول إلى الشارع، الأمر الذي عرّى ممارسات المحاكم الجعفرية أمام الرأي العام". وشرح البيان أن "الضغط الممارس في قضية فاطمة دفع بأشخاص نافذين للتدخل ولملمة الموضوع، ولكن هذا لا يعني أن الموضوع انتهى". وأكد البيان أن "الانتصار الحقيقي يكمن بتحقيق مطالبنا برفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية حتى لا يتكرر الذي حصل مع فاطمة مع غيرها، ومن أجل كلّ أمّ قابلناها وبكت وهي تخبرنا كيف انحرمت من أولادها". ولفتت الحملة إلى أنها بصدد تحضير "تحرّك قريب" دعماً للتغيير المطلوب.
قضية فاطمة
واحدة من خصوصيات قضية فاطمة تتمحور حول عدم وجود طلاق بينها وبين زوجها، إذ صدر الأمر بالحضانة نتيجة رفضها الخضوع لقراره بوضعها في منزلٍ منفيّ ومنعها من ممارسة عملها. ضربها ضغطاً عليها لتنفذ قراره، فقررت فاطمة ترك المنزل ورفعت دعوى نفقة، فردّ عليها بدعوى الحصول على حضانة الطفل. أصدر القاضي في المحكمة الجعفرية جعفر كوثراني حكماً قضى بإعطاء حضانة الطفل للزوج، فرفضت فاطمة تنفيذه. فوراً، تحرّك رئيس دائرة تنفيذ بعبدا (وهو قاضٍ مدنيّ) واتخذ قراراً بحبسها سنداً للمادة 998 من قانون أصول المحاكمات المدنية، فيما لم يبت بدعوى النفقة التي رفعتها.
ولأن قضية فاطمة حمزة هي قصة معاناة نساء كثيرات سببها الأحكام الشرعية التي تتحيّز للرجل دوناً عن ظروف العائلة ومصلحة الطفل نفسها، نفّذت "الحملة الوطنية لحماية المرأة اللبنانية" اعتصاماً نهار السبت 5/11/2016 عند الساعة الرابعة ب.ظ. أمام "المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى" في منطقة حارة حريك – طريق المطار، للمطالبة برفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية.
الاعتصام الأول من نوعه
في سابقةٍ من نوعها، وقف اعتصامٌ أمام "المجلس الشيعي الأعلى" للتنديد بقرار محكمةٍ شرعية، في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت. على أحد السواتر الباطونية، وقفت الناشطة في الحملة نادين جوني وصرخت من كلّ حرقة داخلها: "مش من حقّك تقهرني / ومن ولادي تحرمني"، "ارفعلي سن الحضانة / بيكفي شو عم نعاني". فقد ذاقت نادين شخصياً لوعة حرمانها من إبنها بعد بلوغه السنتين من العمر. وقد ردّد المئات خلفها: "الفساد الفساد / جوا جوا العمامات"، "فاطمة اليوم مسجونة / ومن الحضانة محرومة"، "الفساد الفساد / غيّر كل التشريعات".
لم ترفع هذه الهتافات حناجر ناشطي وناشطات في المجتمع المدني وحسب، فقضية فاطمة حمزة فضحت مآسي العديد من النساء اللواتي خسرن حضانة أولادهن، كما أولادهن الذين كبروا وخرجوا إلى الشارع لكي لا تتكرّر آلامهم /ن: "الفساد الفساد / بيحرم أمّ من الولاد"، "يا فاطمة يا صوت الكل / حضانة ابنك فوق الكل".
في المقابل، برّر القاضي كوثراني في حديث مع جريدة "الأخبار" قراره بأن محامية الأم، شقيقتها فاديا، "لم تدافع عن فاطمة بشكلٍ صحيح. فقد أهملت ثلاث درجات من النظر في القضية التي صدر الحكم فيها منذ عامٍ ونصف العام، فلم تعترض ولم تستأنف ولم تميّز. في حالة كهذه، نعتبر أن المستدعى بوجهها خضعت وهي موافقة على تسليم الصبي لوالده". وختم بقوله: "قدرها أنها جعفريّة، وليس كل الأحكام حلوة، فهناك أيضاً الأحكام المرّة".
لم تستطع وكيلة فاطمة الدفاع عن تهمة "التقصير" التي وجّهت لها، بعدما منعتها نقابة المحامين من تناول القضية في الإعلام. ما يطرح مجدداً مسألة حرية تعبير المحامين في القضايا الموكلة إليهم خاصة وقدرتهم على الاحتكام إلى الرأي العام. ورغم إسكات فاديا، انطلقت حملة تضامن واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ #مع_فاطمة_ضد_المحكمة_الجعفرية. وغصّ موقع "فايسبوك" بالعديد من روايات النساء والأولاد الذين ذاقوا عذاب القانون الشرعي. فأطلقت الحملة هاشتاغ ثانٍ #حضانتي_ضدّ_المحكمة_الجعفرية بغية توثيق تجارب الأمهات أمام المحاكم الشرعية.
وفعلاً، يروي أحمد العرب من أمام "المجلس الشيعي الأعلى" قصّة حرمانه من أمه. لم يحصل طلاق بين والديه، وإنما توفي والده، فمنحت المحكمة الجعفرية حقّ الحضانة لجديه بينما أمه لا تزال على قيد الحياة: "لم تأخذ المحكمة الشرعية حق أمي عند وفاة والدي. ذهبت الحضانة تلقائياً إلى بيت جدي. هناك ذقنا أنا وإخوتي الأمرّين بسبب سوء المعاملة. ولم يقبلوا بالتنازل عنا لأمي إلا بعد الحصول على مبلغ مالي. وكل هذا حصل أمام عيون المحكمة الشرعية والمحكمة الجعفرية".
سارت المسيرة التضامنية من أمام "المجلس" وصولاً إلى مخفر الغبيري حيث كانت فاطمة محتجزة. ولم يتأخر بعض الشيوخ بالتعبير عن رفضهم لهذا التحرك، معتبرين أنّ من يقوده هم مجموعة من اللادينيين التي تحرّض المتديّنين ضد أحكام الشرع والشريعة. أما واقع التحرك على الأرض فقد أظهر أنّ القضية حقوقية بحتة. إذ جمعت التظاهرة مشاركين ومشاركات من مختلف الأطياف والتوجهات الفكرية والعقائدية، وقفوا للاعتراض على أحكام "المحكمة الشرعية".
"الحضانة" بين القانونيين
في قضية فاطمة، رأت المحامية ملاك دعكور التي تتابع قضايا في المحاكم الشرعية، أن هناك اشكاليتين أساسيتين في القضية: "بحسب ما روت شقيقتها لنا، فإن زوج فاطمة قام بضربها وطردها من المنزل، من ثمّ رفع عليها دعوى طاعة ومساكنة. ولأنه أراد أنّ يضعها في منزل في منطقة عين بوسوار-جزين معزولةً عن عالمها، لم تقبل. ورفعت دعوى نفقة لكن القاضي لم يبت فيها علماً أن دعوى النفقة تبت بالقانون حتى لو لم يحصل طلاق. كما أنه أصدر حكماً بالحضانة علماً أنه في القانون يصدر الحكم بالحضانة عند وقوع الطلاق". وطالبت برفع سن الحضانة لدى المحاكم الجعفرية "أسوة بالمحاكم السنية".
كذلك، وجد ناشطون وناشطات في قضية فاطمة والاعتصام الداعم لها مناسبةً للمطالبة بقانون مدني إلزامي للأحوال الشخصية، يحفظ حقوق المرأة من عسف أحكام المحاكم الشرعية الجائرة. فرفعت شعارات مثل "من أجل قانون مدني للأحوال الشخصية يكفل المساواة بين المرأة والرجل"، "القضاء الديني من أكثر الأدوات ذكورية وعنفاً ضد المرأة".
وقد توقفت المحامية مريانا برّو عند أنّ "هذه القضية حرّكت الرأي العام في وجه ظلم تعيشه النساء منذ زمن. أيّ دين يقبل بأن ينتزع طفلاً عمره ثلاث سنوات من حضن أمه لإعطائه إلى زوجة أبيه؟ ما أسرع المحاكم في إصدار القرارات عندما تكون مجحفة بحق المرأة! أما القرارات التي تصبّ في صالح المرأة فتنام في المحاكم". ولفتت برّو إلى أنه "لا يمكن إقناعنا بأن القرار قانونيّ بحت، خاصة أنه لا يوجد طلاق. فاطمة هي واحدة من آلاف النساء، واليوم بدأت معركتنا. لن نطالب بتعديل سن الحضانة أسوة بالمذهب السني وحسب، إنما سنطالب بوضع قانون مدني للأحوال الشخصية، لأنه وحده الذي يضمن ويحفظ حقوق المرأة".
من جهتها، رأت المحامية فداء عبد الفتاح أنّ "توقيف فاطمة لتخليها عن حضانة ابنها غير مقبول بأي شكل من الأشكال. كان على القضاء التنفيذي أن يستبدل التوقيف بالغرامة أو أن يبحث معها عن حلّ". وتحفّظت عبد الفتاح على الهجوم على المحاكم الجعفرية "لأنّ هذا الأمر يضرّ فاطمة التي ستعود بطبيعة الحال وتلجأ إلى المحكمة نفسها".