القانون والقاضي بمواجهة أم وطفلها والعدالة: فاطمة وعلي، قصة جديدة عن إجحاف القوانين الطائفية


2016-11-05    |   

القانون والقاضي بمواجهة أم وطفلها والعدالة: فاطمة وعلي، قصة جديدة عن إجحاف القوانين الطائفية

أمام منزل فاطمة حمزة، انتظر عناصر الضابطة العدلية لإلقاء القبض عليها واحتجازها منذ يومين في مخفر الغبيري في بيروت. تهمتها هي الامتناع عن تنفيذ قرار قاض شرعي بتسليم إبنها إلى والده. هذه التهمة دفعت رئيس دائرة تنفيذ بعبدا (وهو قاض مدني) إلى اتخاذ قرار بحبس فاطمة سنداً للمادة 998 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتي تنص على أنه "يجوز حبس المحكوم عليه بتسليم ولد قاصر في حال الامتناع عن تسليمه"، فيما تحدد المادة 1000 من القانون نفسه مدة الحبس القصوى بستة أشهر. ويلحظ أن هذا الأخير طبق الحكم الشرعي من دون أي تدقيق.  

التصعيد الذي اختاره الوالد لإجبار زوجته على تنفيذ قرار، شكل نقطة التحول التي أخرجت قضية فاطمة وابنها علي إلى العلن. هذا المفترق لم يعد خاصاً بفاطمة فقط. ففي الحيز العام حيث تتحرر المآسي الأسرية من عبء الكتمان، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالقصص المماثلة. شابات وشبان تحدثوا عما عانوه وهم أطفال بسبب سلخهم/ن عن أمهاتهم/ن تحت مظلة قوانين الأحوال الشخصية الطائفية. استحضرت أمومة فاطمة الدولة المدنية للدفاع عن تلك الدينية. هكذا نقلت الدولة المدنية ممثلة بعناصر الضابطة العدلية فاطمة من أمام منزلها إلى المخفر، وفصلتها عن طفلها الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره.

القاضي الشرعي جعفر كوثراني يلتزم حجة تطبيق القانون والشرع لتبرير قراره. والحق أنه التزم بقراءة معينة للمذهب الجعفري، وهي القراءة الموافقة للمجلس الأعلى الجعفري، من دون أن يحاول الاجتهاد خارج حدودها، آمرا بسلخ طفل في عمر ثلاث سنوات عن أمه. تشير لائحة المحامية فاديا حمزة التي تولت الدفاع عنها أن الأب "بدّل قفل باب المنزل" ليمنع زوجته وابنهما من الدخول اليه بينما كان الطفل رضيعاً. هذا ليس الا تفصيل من بين تفاصيل كثيرة تضمنتها اللائحة. فالأب وفقها "تخلى عن مسؤوليته الزوجية والأبوية بعد ولادة طفله وأقدم على طردهما من منزلهما عبر قيامه بتغيير قفل المنزل الزوجي مانعاً إياهما من الدخول…". كذا تشير اللائحة إلى أن الأب امتنع عن الانفاق على إبنه إلى أن تمكنت الوالدة من الاستحصال على قرار بالزامه بالنفقة لم يبادر إلى تنفيذه الا بعدما انذر بامكانية حبسه في حال استمراره بالامتناع". ليعود لاحقاً للتذرع ببلوغ الطفل عمر السنتين للتوقف عن تحمل نفقات معيشته. بالمقابل كانت فاطمة تتحمل كل النفقات من دون أي حاجة لتهديدها بالسجن، الذي لم تواجهه إلا لأنها رفضت التخلي عن إبنها. هذه اللائحة التي تقدمت بها محامية فاطمة قبل حوالي الشهرين من صدور القرار لم يؤخذ بها. ببساطة، قرر القاضي اهمال الوقائع المذكورة فيها مبقيا إياها من دون تحقيق بحجة ورودها خارج المهلة التي حددها لتبادل اللوائح.

بإمكان القاضي طبعا أن يستند إلى قراءة المذهب الشرعي المذكور[1] ولكن، هل يرضى القاضي العادل أن يتحمل طفل نتائج هذه القراءة المجحفة والتي لا تقيم مقاما مصلحة الطفل الفضلى؟

في مطلق الأحوال، فإن القاضي ليس المسؤول الوحيد هنا، فهو كما الأب لديهما نصوص يستطيعان التذرع به حتى اللحظة الأخيرة. القانون الذي يعتبر أن الحضانة هي اصلاً للأب. والام لا تستحق الحضانة بعد السن المحدد شرعاً ما لم يصدر حكم لصالحها في دعوى منفصلة عنوانها "إسقاط حضانة". فالحق بالحضانة وفقاً لدليل المحاكم الجعفرية هو حق قابل للتنازل من جهة الأم، غير قابل للتنازل من جهة الأب. وقوانين الاحوال الشخصية الطائفية تضج بالمعادلات المجحفة. وهل من إجحاف أكثر من أن تنحصر نتائج امتناع أب عن الانفاق على أولاده إلى حبسه من دون أن ينزع عنه الحق بالحضانة، فيما يؤدي تمسك الأم بمسؤولياتها تجاه أبنائها وحضانتهم إلى سجنها فيما لا يغيّر شيئاً في عدم استحقاقها الشرعي للحضانة. أما تكليل الإجحاف هذا فلا يكون إلا متى يرفض الزوج (حالة فاطمة) تطليق زوجته التي طردها وتزوج أخرى عليها. فلا يفصل القاضي بينهما، إنما يسلخ الطفل عن أمه محتجاً بأن أحكام الحضانة تطبق في حالات "الشقاق" كما "الطلاق".

وفاطمة ليست الشاهدة الوحيدة على ما تفعله قراءات مجحفة وقاض ملتزم بتطبيق هذه القراءات مهما كانت مجحفة. مثلها دارين سلمان التي تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي شهادتها. القاضي كوثراني ذاته، وتفاصيل القضية ذاتها: "عام 2013 عندما بلغ ابني عمر السنتين حكم القاضي جعفر كوثراني بحضانة الطفل لوالده… فاذا لم أسلمه إلى والده يحكم علي بالسجن وأصبحت ملاحقة قضائياً حتى ألقي القبض علي عام 2016 وتم توقيفي لدى المدعية العامة غادة ابو كروم التي حولتني إلى سجن النساء في بعبدا فيما رفض إبني الذهاب إلى والده الذي لا يعرفه ولم يكن حتى ينفق عليه مع أني كنت لا أزال زوجته ولم يطلقني. بعدها طلبت المدعية العامة أبو كروم ملاحقة أهلي، كون الولد كان معهم وحكمت عليهم بالتوقيف لحين استلام الطفل. بعد سجني شهر ونصف، تلقيت تهديدات من محامي زوجي بتلفيق قضية تبقيني في السجن، بالمقابل لم يفلح أهلي بكل محاولاتهم للتواصل مع نواب ورجال دين، قررت أن أسلم طفلي بشرط أن احصل على حقي برؤيته، لكنهم غدروا بي وأنا اليوم لا أعرف عنه شيئاً".

ان كانت الأمهات ضحايا النظام الأبوي والذكوري الذي تقوم عليه قوانين الأحوال الشخصية، فإن الأبناء يتحملون العبء الأكبر الناتج عن قرارات المحاكم الشرعية. كثيرون نشروا مأساة من طفولتهم تسبب بها قرار القاضي الشرعي. نور عز الدين كتبت عن طفولة اعتقادها الخاطئ أنّ والدتها تركتها ورحلت: "حرمتنا المحكمة الجعفرية من أمي…فجأة وجدنا أنفسنا في بيت جديد لا نعرف مكانه، أمكم تركتكم، هذا ما عرفناه. الصدمة كانت قوية. في الحقيقة أمنا لم تفعل شيئاً سوى انها ارادت الطلاق". عاصم ترحيني، هو أيضاً لن ينسى بعد سنوات مرت "وجه رجل الأمن الذي اععتقلني طفلاً ونقلني الى مخفر النبطية وصفعني ونهرني تنفيذاً لاوامر من سمي ابي بمباركة من الشيخ والمحكمة الشرعية". كريم من جهته عاش قصة انفصال أهله في اطار مختلف. فهو الذي كان يستطيع أن يرى والدته في الوقت الذي يشاء، غاص في حزنه من خسارة العائلة المترابطة. يقول أنه اليوم و"بعد 13 سنة 70% من مشاكلي النفسية مرتبطة بهالقصة. وصلت لمرحلة كنت قول ليش بعد لازم عيش…من مبارح انا وعم بقرا عن فاطمة … وانا عم فكر كيف رح يحس هالصبي (ابن فاطمة) بس يكبر، كيف بعد رح يحب هالكوكب، كيف بعد رح يكون الو نفس يعيش؟ بسأل مع انو الجواب مش موجود السؤال يمكن يتحول لجواب بعد كم سنة: ليش هالصبي انتحر؟"

إثر القبض على فاطمة وحبسها، دعت "الحملة الوطنية لحماية المرأة اللبنانية" لاعتصام اليوم عند الساعة الرابعة أمام "المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى" في منطقة حارة حريك – طريق المطار. وقد جددت مطالبها لرفع سن الحضانة بالنسبة للمرأة الخاضعة للمحاكم الجعفرية.  وفيما نشرت الحملة مواقف لرجال دين مؤيدة للاعتصام ولمطلب رفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية، من بينهم موقف للسيد علي فضل الله إبن المرجع السيد محمد حسين فضالله ، يبقى السؤال في الأساس: "هل يجوز أن يبقى معيار السن هو المعيار المعتمد لتحديد سن الحضانة؟ من دون إيلاء أي أهمية لمعيار المصلحة العليا للطفل المكرسة في اتفاقية حقوق الطفل التي أقرها لبنا وبات ملزما بها.

سؤال إضافي لا بد من طرحه بشأن تنفيذ الحكم الجعفري من دائرة التنفيذ على النحو الحاصل. فألم يكن بإمكان دائرة التنفيذ أن تتوقف عند وجود مؤشرات قوية في الملف على مخالفة الحكم للمصلحة العليا للطفل، التي تدخل ضمن قواعد الإنتظام العام؟ يجدر التذكير هنا بالحكم الصادر عن القاضي المنفرد في جويا بلال بدر في دعوة فريقي الخصومة في مناقشة مدى تطابق حكم شرعي بمنع سفر راشدة على ضوء أحكام الدستور اللبناني وما يمثله من انتظام عام.  

 


[1] علماً أنه ليس للطائفة الشيعية فانون للأحوال الشخصية وإنما دليل للمحاكم الجعفرية. وتنص المادة 242 من قانون القضاء الشرعي السني والجعفري على أن القاضي الجعفري يطبق بالدرجة الأولى المذهب الجعفري من دون اي تفصيل.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني