رفع أهالي ضحايا تفجير المرفأ الصّوت بعد شيوع خبر توجيه وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة كتاباً إلى المحقق العدلي القاضي طارق بيطار يطلب فيه إخراج فرضية العمل العسكري أو الإرهابي من الأسباب التي أدت إلى التفجير المرفأ. وتوجّهوا مباشرة أمس السبت إلى منزل نعمة في الأشرفية حيث أعلنوا عن توجهّهم إلى رفع دعوى قضائية فردية وجماعية ضدّه على خلفية ما اعتبروه تدخّلاً سافراً في مسار التحقيقات.
أهالي الضحايا: لا للتسييس
وتجمّع ذوو الضحايا في ساحة ساسين في الأشرفية تحت زخّات المطر، حاملين المظلّات بيد وصور ضحاياهم بيد قبل أن يتوجّهوا إلى منزل الوزير نعمة. وعلى وقع أناشيد ترثي الشهداء فتشعل آلام أهاليهم، وأخرى ثورية تزيد من نقمتهم على الطبقة السياسية، مشى المحتجّون يداً بيد هاتفين: “دماء شهدائنا ليست برسم البيع”. كما رفعوا لافتات كتب على بعض منها: “نريد نتائج التحقيقات بشفافية قبل أن ينفذ صبرنا”، “من أدخل النيترات ولحساب من؟ من حقنا أن نعرف”، “لماذا هذا الإصرار على الصمت أيها القضاء؟”، “لا للتسييس… لا للتمييع… لا لتضييع دماء شهدائنا”.
وفور وصولهم إلى منزل الوزير، وجدوا القوى الأمنية وعناصر من الجيش اللبناني بانتظارهم. فطالبوا الوزير بالنزول إلى الشارع والتقدم بالاعتذار لهم عن “طعن قضيّتهم بالخاصرة”، لكن نعمة لم يفعل. فرفع المحتجّون صرختهم: “التدخّل في القضاء ممنوع”، “لعلّ الجيران تسمعها وتوصلها للوزير إذا لم يكن مختبئا في منزله”، كما قولوا. واعتبروا أنّ استمرار هذا النهج بتسييس القضاء والتدخّل بمجرى التحقيقات سيخسّر الأهالي خيار القضاء الذي يثقوا به، “ولن يكون أمامهم سوى خيار الثأر”، هدّد المحتجون.
وكانت وسائل الإعلام تداولت خبراً مفاده أنّ نعمة وجّه كتاباً إلى القاضي بيطار، بواسطة وزيرة العدل ماري كلود نجم، يطلب فيه “إصدار تقرير رسمي يخرج الأعمال الحربية والإرهابية من دائرة الأسباب التي أدت إلى وقوع الانفجار في الرابع من آب الماضي”. وهو ما يعدّ “جرماً تصل عقوبته إلى الأربع سنوات ونصف بحسب المادة 419 من قانون العقوبات الجديد التي تجرّم التدخّل في أيّ مراجعة قضائية، وتشدّد العقوبة على من يتولّى وظيفة عامّة”، وفق المدير التنفيذي لـ”المفكرة القانونية” المحامي نزار صاغية.
ولاحقاً أصدرت وزيرة العدل ماري كلود نجم بياناً أعلنت فيه أنّ الكتاب المذكور لم يرد إلى وزارة العدل.
حطيط لنعمة: من نصّبك قاضياً؟
وخلال الوقفة الاحتجاجية أمام منزل نعمة، عبّر الناطق الرسمي باسم لجنة أهالي الضحايا إبراهيم حطيط، عن صدمة ذوي الضحايا ممّا وصفه “وقاحة” كتاب نعمة الذي “يبرّئ العدو الصهيوني والجماعات الإرهابية، ويستبق نتائج التحقيقات بهدف لعب دور الحريص على حقوق المتضرّرين”. وتوجّه إلى نعمة بالسؤال: “من أنت حتى تنصّب نفسك قاضياً؟”، مطالبا إيّاه “بتنفيذ واجباته أولاً (…) بعد فشله في إدارة وزارة الاقتصاد وتقصيره الذي زاد من معاناة اللبنانيين، سواء لجهة تهريب السلع المدعومة والتلاعب بأسعارها، أو تفاقم أزمة الدولار الأميركي، أو ارتفاع سعر رغيف خبز الفقراء، وغيرها”، كما قال حطيط.
ورداً على توضيح نعمة لأسباب تقديم الطلب، بأنّ هذا التقرير من شأنه أن “يمكنّنا من إصدار التوجيهات والإرشادات المناسبة لهيئات الضمان اللبنانية، ومخاطبة هيئات إعادة الضمان الدولية لتسديد التزاماتها المالية حفاظاً على حقوق المواطنين المؤمّنين”، أشار حطيط إلى أنّ “هذا التوضيح الذي حاول فيه نعمة تبرير كتابه المشؤوم لا يكفي، وعليه دفع الثمن”. فنعمة، برأي حطيط، “أخطأ خطأ كبيراً بتدخلّه السياسي في المسار القضائي ولن يمرّ من دون عقاب”.
التفجير ليس قضاءً وقدراً
وألقت رئيسة جمعية أهالي الضحايا وشقيقة الضحية غايا فودوليان، ماريان فودوليان كلمة أمام منزل الوزير جاء فيها: “أختي لم تمت قضاءً وقدراً أو بسبب الإهمال لكن بسبب الإجرام. لذلك لن نقبل بالتدخّل في القضاء حتى لا يذهب دم أهالينا هدراً”.
“المحاسبة والعدالة حق”، يقول والد الشهيدة نيكول حلو (25 عاماً). فهو سعى لتعيش ابنته “أحلى عيشة”، لكنه خسرها في مار مخايل بينما كانت تشرب القهوة يوم الانفجار. لذا يطلب من السياسيين ألّا يتدخّلوا بالقضاء أو يتهرّبوا من المحاسبة بحجّة الحصانات لأنّه “بدنا نحاسب كل متورط، كبيراً كان أم صغيراً”.
وبعيداً عن كل هذا الصخب، تجلس زوجة الشهيد محمد ضغيم وهي تحضن صورته بشدّة. يقف ابنها الذي لا يتجاوز العشر سنوات بجوارها، ويرفع لافتة كبيرة تسقط منه باستمرار. وفي منزل الأسرة أربعة أبناء غيره تركتهم الزوجة “يتامى” في البيت. “بأيّ ذنب؟”، تسأل. “يقولون قضاءً وقدراً لكنها حادثة مفتعلة ولن أهدأ قبل أن أعرف من الذي تسبب بقتل زوجي”، تقول بصوت يبدو عليه التعب.
إلى جانبها، تجلس خالة الشهيد جاك بارامكيان. تسخر من “حجّة” وزير الاقتصاد التي صنفت “جريمة بحجم الوطن” إهمالاً وليس عملاً إرهابياً. لا يهمها التعويضات المالية “فدم أولادنا لا يثمّن بأية تعويضات”. همّها الوحيد هو بلوغ الحقيقة وما عدا ذلك ترف.
نعمة يتراجع
وفي وقت لاحق، وبعد حملة انتقادات طالت نعمة على خلفية كتابه وإثر اعتصام الأهالي، اعترف وزير الاقتصاد في تغريدة على تويتر بتوجيهه الكتاب إلى المحقق العدلي وأبدى استعداده لـ”سحبه وإعاده صياغته طالما تمّ سوء تفسيره بما لا يتماشى مع الهدف المنشود منه”، معتبراً أنّ الهدف منه ليس “بأي شكل التدخّل في عمل القضاء”.
وأوضح أنّ وزير الاقتصاد مسؤول عن لجنة مراقبة هيئات الضمان، وهو يحضّ بشكل متواصل شركات التأمين على تعويض المتضرّرين من انفجار مرفأ بيروت، حماية لحقوقهم، إنّما لا يمكن إلزامهم التعويض من دون صدور تقرير رسمي يبين الأسباب وراء الانفجار، لأنّ غالبية عقود التأمين وإعادة التأمين تستثني أعمال الحرب والإرهاب من نطاق التغطية”. وأضاف: “عليه، وجّهت لجنة مراقبة هيئات الضمان كتاباً إلى المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، للإضاءة على أهمية تبيان بأسرع وقت الأسباب التي أدت إلى انفجار مرفأ بيروت، آملة منه في حال خلصت التحقيقات، إلى إعلان ذلك في سبيل اتخاذ اللجنة الإجراءات اللازمة”.
ورأى المحامي نزار صاغية بأنّ البيان التوضيحي “يشكّل مسعى لبيع التحقيق بقروش غير مؤكدة طبعاً”.