جلسة مرافعة في ملف حضانة Garderêve: “المتهمات قبلنَ المخاطرة بحياة الأطفال”


2024-04-30    |   

جلسة مرافعة في ملف حضانة Garderêve: “المتهمات قبلنَ المخاطرة بحياة الأطفال”

“علمن بالجرم وتوقّعن نتائجه، وقبلن المخاطرة بحياة الأطفال”، هذا ما خلصت إليه مرافعة المحامية إيميه الحلو في دفاعها عن الأطفال الّذين تعرّضوا للتعنيف في حضانة Garderêve في جديدة المتن، خلال جلسة انعقدت يوم أمس الاثنين في 29 نيسان 2024 أمام محكمة الجنايات في بعبدا برئاسة القاضي ربيع حسامي وعضوية المستشارتين أنّا منصور وسارة بريش وبحضور ممثل النيابة العامّة القاضي فادي ملكون. استعادت الحلو الأحداث التي حصلت في 10 تمّوز 2023، حين انتشرت فيديوهات وتسجيلات صوتيّة على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر المربية دجيني الحلو وهي تحشر الطعام في أفواه الأطفال في الحضانة بطريقة تؤدي للاختناق كما وضربهم على رؤوسهم وأجسادهم. وبعد أقل من أربعة أشهر، صدر القرار الاتهامي في 25 تمّوز 2023 ليخلص إلى اتهام المربية ومالكة الحضانة طوني مهنّا وموظفة التنظيف جومانا أبو سعيد بجرائم محاولة القتل مع قصد احتمالي والإيذاء.    

وفيما اعتبرت الحلو في مرافعتها أنّ المتهمات الثلاثة علمن بالجريمة وتوقّعن المخاطرة بحياة الأطفال، ومع ذلك استمرّين بالجرم، ذهبت مرافعات وكلاء الدفاع عن المتهمات إلى الطلب من المحكمة إعلان براءتهنّ، كما فعل وكيل طوني مهنّا المحامي شربل رومانوس ووكيل جومانا أبو سعيد المحامي حسن العكّاري. أمّا وكيل المربية دجيني، المحامي ميشال نصر، فطلب إعلان براءتها من جناية القتل التي اتهمت فيها، والاكتفاء بإدانتها بجنحة بالإيذاء غير القصدي. وحددّت المحكمة  تاريخ 5 حزيران 2024 موعدًا لإصدار الحكم. 

وراء القضبان 

الوصول إلى قاعة محكمة الجنايات في بعبدا في الطابق الأوّل، لا يحصل إلّا باصطدام أكتاف زائري قصر العدل ببعضها، نظرًا إلى الازدحام الذي يشهده المكان. كما لا مهرب من أن تدوس أقدام العابرين في مستنقع مياه على أرض القصر، فالنش يحصل في أكثر من مكان عدا عن أنّ الإضاءة خافتة في أروقته. وأحيانًا تحلّ العتمة في حال انقطاع الكهرباء، فتجدين الموظفين يستفيدون قدر الإمكان من ضوء الشمس. وعند آخر الرواق، حيث قاعة محكمة الجنايات، يؤدي الازدحام إلى وقوف عدد من المحامين والمتقاضين وأفراد عائلات الموقوفين لانتظار جلستهم، فيما يتجمّع الموقوفون وراء قضبان قفص الاتهام وهم يترصّدون الجلسات. هناك في القفص تجلس النساء الثلاثة المتهمات، واحدة تصلّي بصمت، وأخرى تلقي رأسها على القضبان وتبكي، وثالثة تُراقب عن كثب مجريات المحاكمات. ولا توفر أيّ منهنّ فرصةً للدفاع عن نفسها فكلّما سنحت لهنّ فرصة الكلام، يقدّمن تبريرات متعدّدة لما شوهد في المقاطع المصوّرة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. وسواء في التحقيقات أو خلال الاستجواب العلني أمام محكمة الجنايات، حاولت المتهمات مرارًا الدفاع عن أنفسهنّ. فـ طوني مالكة الحضانة، المتّهمة بالتدخل في محاولة القتل مع قصد احتمالي والإيذاء، لطالما شددت على أنّها لم تكن على علم بما يحصل في الحضانة. أمّا المربية دجيني، المتهمة بمحاولة القتل مع قصد احتمالي والإيذاء والقدح والذم بالأطفال، فبرّرت أكثر من مرّة، أنّها لم تكن تنوي إيذاء الأطفال بل كانت في وضع نفسي صعب بسبب تحمّلها وحدها مسؤولية الاهتمام بنحو 20 طفلًا. أمّا عاملة التنظيف جومانا، المتهمة بجناية محاولة القتل والتدخّل في إيذاء الأطفال، التي وثّقت عملية إيذاء الأطفال فتؤكد في كلّ مرّة أنّها صوّرت ما يحصل بهدف حماية الأطفال.   

الجلسة لم تبدأ قبل الساعة الثانية بعد الظهر، بعد نظر المحكمة في 11 ملفًا تنوّعت بين جرائم القتل والاتجار بالمخدرات. وخصّصت الجلسة للمرافعة، بعدما جرى استجواب المتهمات الثلاث في الجلسة السابقة التي انعقدت في تاريخ 6 آذار 2024.  

“جميعهنّ على علم بمخاطر التعنيف”

في مرافعتها، طلبت الحلو إدانات مختلفة لكلّ متهمة، وتوافقت مرافعتها في تحديد الوصف الجرمي لأفعال المتهمات الثلاث، مؤكدّة أنّ جميعهنّ علمنَ بمخاطر التعنيف الذي يتعرّض له الأطفال في الحضانة لكنّهن امتنعن عن إيقافه، وهذا ما يُشكّل القبول بالمخاطرة حسب تعبيرها. 

بخصوص مالكة الحضانة طوني مهنّا، اعتبرت الحلو أنّها “كانت على علم بكل ما كان يحصل في الحضانة من ضرب وإيذاء وتعنيف للأطفال”. وأضافت أنّ ذلك ثابت في الاعترافات، وفي التسجيلات والمقاطع المصوّرة، بالإضافة إلى إهمال تصليح الكاميرات لعامين. كما أشارت الحلو إلى إهمال مهنّا مسؤولياتها تجاه الأطفال، بخاصّة من ناحية عدم توظيف ممرضة في الحضانة، فيما وظّفت دجيني التي لا تملك شهادة تخوّلها تربية الأطفال. وخلصت الحلو إلى التأكيد على أنّ أفعال مهنّا تدلّ على “سلوكها السلبي المتمثل بامتناعها عن اتخاذ اجراءات بحق دجيني… بالرغم من علمها وتوقعها النتيجة المتمثلة بإمكانيّة حدوث وفاة لأحد الأطفال ومع ذلك قبلت بالمخاطرة”. وعليه طلبت إدانتها بالتدخّل في محاولة القتل مع القصد الاحتمالي (المادة 548 من قانون العقوبات معطوفة على المواد 201/219/و189)، كما بجنحة الإيذاء المشدّدة (المادة 554 من قانون العقوبات معطوفة على 559 من القانون نفسه). 

أمّا وكيل طوني المحامي رومانوس، فاعتبر أنّ “طوني معروفة بحسن معاملتها للأطفال، ولذلك سارعت لتقديم الشكوى أمام مخفر الجديدة حالما رأت الفيديوهات”. واعتبر أنّ “أركان الجريمة غير متوفرة، ولا حتّى المعنوي منها”. فطلب إعلان براءتها وإلّا الاكتفاء بمدّة توقيفها. 

وبالنسبة لجومانا بو سعيد، اعتبرت الحلو أنّها كانت توثّق الفيديوهات منذ ما قبل حوالي ستّة أشهر من تاريخ إفصاحها عنها، وذلك يُشكل دليلًا على علمها ودرايتها بالأفعال الجرمية بحق الأطفال. وعددّت الحلو العناصر التي اعتبرتها  دلائل لإدانة جومانا، مشيرةً إلى أنّها لم تبادر إلى نجدة الأطفال، ولا حتّى إلى ردع دجيني، بل كانت تشدّ من عزيمتها وتستفزّها من خلال العبارات التي تقولها أثناء التصوير مثال: “هيدي ما بتمشي إلّا بالضرب، عم تعمل نكاية فيكي”. واعتبرت الحلو أنّ احتفاظ جومانا بهذه التسجيلات دليل على تيقنها بالأفعال الجرمية وعلى توقعها النتيجة الجرمية وبالتالي القبول بالمخاطرة بحياة الأطفال. وطلبت إدانتها بمحاولة القتل القصدي (المادة 548 من قانون العقوبات معطوفة على المواد 201/219/و189)، كما بجنحة التدخّل بالإيذاء المشدد (المادة 554 من قانون العقوبات معطوفة على المادتين 219 و554 من القانون نفسه). 

من جهته، لفت وكيل جومانا المحامي حسن العكّاري إلى أنّ المتهمة كانت تُعارض إيذاء الأطفال وأنّها حاولت منع دجيني، كما أنّه لم يتبادر إلى ذهنها أنّ هذه الأفعال قد تسبب خطرًا على حياة الأطفال. وطلب العكّاري كفّ التعقبات عن جومانا، وإلّا إعلان براءتها لعدم كفاية الدليل. 

وفيما يتعلق بدجيني، اعتبرت الحلو أنّها كانت قد بدأت بتعنيف الأطفال منذ شهر شباط 2023، وفي تلك الفترة لم تكن مهام الاهتمام بالأطفال ملقاة على عاتقها وحدها. وأشارت إلى أنّها كانت قد قدّمت تقريرًا لمالكة الحضانة يثبت أنّها لا تُعاني من أمراض نفسية، عدا عن أنّها تركت العمل لمدّة شهرين ثمّ عادت إليه ما يدل على أنّها لا تُعاني من أي مشاكل عصبية ونفسية. كما اعتبرت الحلو أنّه من الثابت أنّ دجيني كانت تقوم بتعنيف الأطفال في كل الأوقات وليس فقط أثناء الطعام. وفي مرافعته أكدّ وكيل دجيني المحامي ميشال نصر أنّ موكلته قصّرت وارتكبت أفعال جرمية لكنّ لا ينطبق عليها جريمة محاولة القتل بخاصّة لعدم وجود نيّة جرمية لديها. وطلب إعلان براءتها من جناية محاولة القتل وإدانتها بجنحة الإيذاء غير القصدي.   

الحكم في حزيران المقبل 

في ختام الجلسة، مُنحت المتهمات الإذن بكلمة أخيرة قبل تحديد موعد إصدار الحكم في 5 حزيران 2024. في البداية صرّحت طوني “سمعتي تشوهت، وتسكّر شغلي”. وأضافت “أنا بطلب البراءة، ما كنت بعرف شو عم يصير”. ثمّ كان دور دجيني التي قالت للمحكمة: “أنا لديّ أطفال ولا نيّة لديّ لإيذاء أي طفل، أطلب البراءة من تهمة محاولة القتل”. ثمّ قالت جومانا كلمتها الأخيرة: “في شهر شباط كان لدّي شك بإيذاء الأطفال، كانوا يأتون إلّي ويقولون لي إنّ دجيني تضربنا، وحين حاولت التوثيق، لم يكن هناك ضوء كافٍ، وفعليًا أنا بدأت التصوير في أيّار” أي قبل شهر من تسليمها الفيديوهات للأهل. وأضافت: “ما عملت شي يغضب ربنا، كانت غايتي إنقاذ الأطفال”. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، حقوق الطفل ، لبنان ، مقالات ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني