اختبار قضائي جديد في المغرب: النيابة العامة تضع تقريرها الأول حول تنفيذ السياسة الجنائية


2018-06-13    |   

اختبار قضائي جديد في المغرب: النيابة العامة تضع تقريرها الأول حول تنفيذ السياسة الجنائية

قدم رئيس النيابة العامة، بتاريخ 12/06/2018 بمقر رئاسة النيابة العامة بالعاصمة الرباط، التقرير الدوري الأول حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة برسم سنة 2017، المرفوع للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. وكانت المادة 110 من القانون التنظيمي لهذا المجلس، قد فرضت على رئاسة النيابة العامة وضع تقرير مماثل، يحال من ثم للمناقشة أمام البرلمان بغرفتيه.

الحدث الذي يعد الأول من نوعه منذ دخول قوانين السلطة القضائية حيز التنفيذ[1] عرف حضورا واسعا لممثلي وسائل الإعلام الوطنية والدولية، فضلا عن ممثلي الجمعيات المهنية القضائية، وفعاليات من مختلف مكونات منظومة العدالة، فيما يرسخ السياسة التواصلية التي اختارتها رئاسة النيابة العامة مند تأسيسها.

ويتضمن هذا التقرير ثلاثة محاور:

-الإطار القانوني للتقرير وتأسيس رئاسة النيابة العامة وجهود دعم استقلالها،

– سير النيابة العامة،

-تنفيذ السياسة الجنائية.

صعوبات تقنية واجهت تجربة استقلال النيابة العامة

أشار التقرير إلى جملة من الصعوبات التي واجهت عملية نقل الصلاحيات بين وزير العدل والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بوصفه رئيسا للنيابة العامة، أهمها تأخر صدور الإطار القانوني الناظم لعملية نقل الصلاحيات[2]، ضعف الموارد البشرية، عدم جاهزية المقر، وغياب اللوجستيك.

ضعف الموارد البشرية أمام تزايد المهام الموكولة للنيابة العامة

سجل التقرير أن كل قاض للنيابة العامة ينجز أكثر من 3760 إجراء سنوي، أي بمعدل 270 يوم عمل في السنة، وبمعدل يومي يتجاوز 13 إجراء لكل قاض، علما بأن بعض الاجراءات تستغرق وقتا طويلا كحضور الجلسات، دون احتساب بعض المهام الإضافية كالديمومة أو الإشراف على خلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف. وهو ما يؤكد حجم الأعباء المهمة الملقاة على عاتق قضاة النيابة العامة، مما يفرض الزيادة في عددهم بحيث يتعين استهداف معدل 10 إجراءات يوميا كمرحلة أولى لتقليص عدد الإجراءات السنوية إلى 3000 اجراء لكل قاض[3]، وهو ما يستدعي زيادة عدد قضاة النيابة العامة بحوالي 300 قاض.

التنظيم الهيكلي للنيابة العامة

خلال سنة 2017 صدر قرار لتحديد البنيات الإدارية والتقنية والمالية لرئاسة النيابة العامة، حيث أصبحت تتألف من كتابة عامة، وأربعة أقطاب، و11 شعبة، و36 وحدة، وقد تم فتح باب التباري لشغل هذه المناصب أعمالا لقواعد الشفافية والكفاءة وتساوي الفرص.

تنفيذ السياسة الجنائية

سبق للمنشور الأول لرئيس النيابة العامة[4] أن حدّد أولويات السياسة الجنائية في حماية الأشخاص والممتلكات، وحماية الأمن والنظام العام، وحماية الأخلاق العامة والحريات والحقوق الفردية، ومحاربة الفساد المالي، وحماية الاستثمار والمناخ الاقتصادي والاجتماعي، وحماية الصحة العامة ومحاربة المخدرات (…).

وفي هذا السياق، استعرض التقرير مجموعة من الإحصائيات المرتبطة بنشاط النيابة العامة لسنة 2017 في مجال مكافحة الجريمة الإرهابية، والجرائم المرتكبة ضد الأشخاص والأموال، ونشاط النيابة العامة في مكافحة الجرائم الماسة بنظام الأسرة والأخلاق العامة.

وعالج التقرير نشاط رئاسة النيابة العامة في مجال مكافحة الجرائم المرتكبة ضد الأمن والنظام العام، وكذا مكافحة جرائم التزوير والتزييف وانتحال الصفة، إضافة إلى الجرائم المنظمة بمقتضى قوانين خاصة كالغش في المواد الغذائية وقضايا التهريب والهجرة السرية وقضايا الصحافة والجمعيات وقضايا التعمير والبيئة، بالإضافة إلى نشاط النيابة العامة في مكافحة جرائم المخدرات.

وركز تقرير السياسة الجنائية وسير النيابة العامة على قضايا تحقيق الأمن العقاري وجعله أولوية من أولويات السياسة الجنائية الوطنية، ودعا قضاة النيابة العامة إلى تتبع الأبحاث الجارية بشأن قضايا الاستيلاء على عقارات الغير بالحزم والصرامة اللازمين وتسريع وثيرة البث في هذه القضايا.

في نفس السياق، اعترف التقرير بأن ارتفاع معدل الاعتقال الاحتياطي يبقى أحد التحديات الكبرى التي تواجه السياسة الجنائية. فبينما كان الهدف محددا في الوصول الى نسبة 35%، ما يزال هذا الرقم مرتفعا حيث وصل إلى 42.5% خلال شهر أكتوبر 2017.

الآفاق المستقبلية لتطوير عمل النيابة العامة

اختتم التقرير برصد الصعوبات والإشكاليات التي تعترض سير النيابة العامة. كما قدم مجموعة من المقترحات والتدابير والإجراءات التي تراها رئاسة النيابة العامة مناسبة لتذليل الصعوبات وحلّ الإشكاليات، الأمر الذي سيؤدي إلى تحسين العمل القضائي والتفعيل الأمثل لتنفيذ السياسة الجنائية.

على المستوى التشريعي

اعتبر التقرير أن بعض أهداف السياسة الجنائية ما تزال متوقفة على بعض التعديلات التشريعية المرتقبة، وعلى رأسها تعديل القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، وهي التعديلات المعول عليها من أجل الاسهام في ترشيد الاعتقال الإحتياطي، والتخفيف من تضخم المتابعات القضائية، تسريع وتيرة تجهيز الملفات، وتوفير الإطار القانوني لإجراء المحاكمات عن بعد وحلّ معضلة نقل المعتقلين إلى المحاكم[5]، وتنظيم وسائل البحث والإثبات الجنائي المعتمد على الوسائل التقنية والعلمية، وتعميم التبليغ الإلكتروني.

على المستوى المؤسساتي

أكد التقرير على غياب أو عدم كفاية البنية المؤسساتية المواكبة لعمل النيابة العامة، وفي هذا السياق أوصى ب:

-توسيع الطاقة الاستيعابية للمستشفيات المخصصة لتنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بانعدام المسؤولية الجنائية بسبب خلل عقلي حيث يتعذر على النيابات العمومية تنفيذ الأحكام في هذا الشق نظرا لانعدام أسرة بالمستشفيات المذكورة؛

-ضرورة تطوير البنية المؤسساتية المعدة لاستقبال الأطفال والتي يتم فيها تنفيذ تدابير الحماية والتهذيب؛

-الحاجة إلى توفير مراكز كافية لمعالجة الادمان على المخدرات حتى تتمكن النيابة العامة من تفعيل آلية الإيداع بغاية العلاج والتي يكفلها القانون.

على مستوى الموارد البشرية

سجل التقرير النقص الحاد في عدد قضاة النيابة العامة وكذلك ضباط الشرطة القضائية، مقترحا في هذا المجال رفع عدد قضاة النيابة العامة بحدود 400 قاض[6]، وجعل نسبتهم توازي 33% من مجموع القضاة، ودعم تخصصهم في المجال المالي والالكتروني والأسري والتجاري.

على مستوى اللوجستيك

توقف التقرير عند الحاجة إلى تطوير البرنامج المعلوماتي لتتبع القضايا لدى النيابات العامة والمحاكم لضبط أهداف السياسة الجنائية، مقترحا في هذا المجال:

-ضرورة تحديث أساليب تنفيذ المقررات القضائية؛

-تمكين رئاسة النيابة العامة من الاطلاع على النظام المعلوماتي المركزي لتدبير الملفات القضائية الزجرية، وذلك لتتبع السياسة الجنائية بفعالية وسرعة.

 


[1]– ظهير رقم 40-16-1، بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 13-100 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وظهير رقم 1.16.41 صادر24/03/2016  بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، الجريدة الرسمية عدد 6456 بتاريخ 14/04/2016 ، ص 3160.

[2]– أنظر لمزيد من التفاصيل الموضوع التالي المنشور بموقع المفكرة القانونية:

رئاسة النيابة العامة في المغرب: مسار قانون مثير للجدل

[3]– يحتسب على أساس حذف العطل الأسبوعية 25 يوم، والسنوية 30 يوم، والرسمية 13 يوم، أي حوالي 95 يوم ينقص من 365 يوم، والباقي 270 يوم.

[4]– أنظر لمزيد من التفاصيل الموضوع التالي المنشور بموقع المفكرة القانونية:

رسمياً النيابة العامة بالمغرب مستقلة عن وزارة العدل: رئيس النيابة العامة الجديد يعلن عن ملامح السياسة الجنائية

[5]– أنظر لمزيد من التفاصيل الموضوع التالي المنشور بموقع المفكرة القانونية:

مشروع لتقنين المحاكمات عن بعد في المغرب: كيف يمثل المتهم في مكان احتجازه من دون قيد؟

[6]   في بداية التقرير، قال رئيس النيابة العامة أن النيابة العامة تحتاج إلى 300 قاضيا إضافيا (ص 39 من التقرير)، ثم عاد وأوصى ضمن التوصيات الختامية برفع عدد قضاة النيابة العامة إلى 400 قاضيا (ص. 121 من التقرير).

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، المغرب ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني