الدستورية تبت في قانون الدفع بعدم دستورية القوانين في المغرب


2018-03-08    |   

الدستورية تبت في قانون الدفع بعدم دستورية القوانين في المغرب

أصدرت المحكمة الدستورية بالمغرب بتاريخ 06/03/2018 قرارها حول القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، والذي يعد أحد أهم المستجدات التي أقرها دستور 2011 في الفصل 133 منه. قرار المحكمة الدستورية حسم العديد من النقاط التي شكلت محور نقاش دام زهاء ثلاث سنوات بين فرق الأغلبية والمعارضة البرلمانية وبين هيئات حقوقية وطنية وأخرى دولية، تمحورت بالأساس حول مدى تقييد حق المتقاضين في الوصول إلى المحكمة الدستورية. وقد قضى القرار بعدم دستورية مجموعة من المواد، كما قدم توضيحات حول مواد أخرى.

 

للنيابة العامة بوصفها طرف الحق في الدفع بعدم دستورية قانون

انتصرت المحكمة الدستورية لمقتضيات الدستور التي تؤكد على حق جميع أطراف الدعوى في الدفع بعدم دستورية قانون. وقد اعتبرت أن حرمان النيابة العامة كطرف في الدعوى من إمكانية تقديم هذا الدفع غير دستوري. وجاء في القرار: "وحيث إنه، لئن كانت النيابة العامة، باعتبارها طرفا في الدعوى المدنية، قد يشملها تعبير "مدع أو مدعى عليه" …،

وحيث أن ممارسة النيابة العامة للاختصاص الدستوري الموكول لها، والمتمثل في تطبيق القانون (الفصل 110)، يجب أن يتم في استحضار لما ورد في الفصل السادس من الدستور من أن دستورية القواعد القانونية "تشكل مبدأ ملزما"؛ وحيث إن التقيد بإلزامية دستورية القواعد القانونية، يقتضي من النيابة العامة، بصفتها طرفا، أن تدفع بعدم دستورية قانون، في حال تقديرها أو شكها من أن مقتضياته الواجبة التطبيق، تعتريها شبهة عدم الدستورية؛ وحيث إنه، تبعا لذلك، فإن عدم تخويل النيابة العامة، إلى جانب أطراف أخرى، صفة طرف في دعوى الدفع بعدم الدستورية، يشكل مخالفة لما قررته الفقرة الأولى من الفصل 133 من الدستور".

 

 Haut du formulaire

مدى إلزامية تنصيب محام لتقديم الدفع بعدم دستورية قانون

تعليقا على نص المادة الخامسة من مشروع القانون التي تنص على أنه "يجب… إثارة الدفع بعدم الدستورية بواسطة مذكرة كتابية… تكونه موقعة من قبل الطرف المعني أو من قبل محامٍ مسجّل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب…"؛ اعتبرت المحكمة الدستورية أنه يتعين تفسير الاختيار الوارد في المادة المذكورة، بأن الدفع بعدم الدستورية، يتبع الدعوى الأصلية بخصوص ما تتطلبه في موضوع الاستعانة بمحام، فتكون إجبارية الاستعانة بمحام في الحالة التي توجب ذلك الدعوى الأصلية، في حين يكون للمعني بالأمر الحق في توقيع مذكرة الدفع، إذا كانت الدعوى الأصلية التي أثير بمناسبتها معفية من تطبيق قاعدة الاستعانة الوجوبية بمحام.

 

الإحالة على قانون داخلي يعد تخليا من المشرع عن ممارسة اختصاص موكول حصرا بمقتضى الدستور

اعتبرت المحكمة الدستورية إن إحالة القانون التنظيمي، على نظام داخلي للمحكمة الدستورية، لتحديد قواعد تتعلق بالدفع المثار أمام المحكمة المذكورة، بخصوص المنازعة في انتخاب أعضاء البرلمان، يعد تخليا من المشرع عن ممارسة اختصاص موكول له حصرا، بمقتضى الدستور. وعليه، فإن "غياب أحكام من ذات القبيل المرتبطة بتطبيق حقوق وضمانات دستورية لا سيما ما يتعلق منها بإجراءات التقاضي وحق الدفاع، يشكل إغفالا تشريعيا يتعين معه التصريح بعدم دستورية المادة".

ولذات العلة، اعتبرت المحكمة الدستورية أن ما نصت عليه المادة 21 من إحالة تحديد حالات سرية الجلسات إلى نظام داخلي للمحكمة الدستورية، يبقى بدوره غير مطابق للدستور؛ لأن تحديد حالات سرية الجلسات يندرج ضمن "الشروط والإجراءات" المشكلة لمشمولات القانون التنظيمي؛ ولأن الدستور اعتبر علنية الجلسات أحد حقوق المتقاضين، مما يجعل تنظيمها موكولا للمشرع طبقا للفصل 71 منه، الذي ينص على أن القانون يختص بالتشريع في الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور.

 

نظام التصفية وتخويل محكمة النقض الحق في فحص جدية الدفع مقتضى غير دستوري

أرسى مشروع قانون الدفع بعدم الدستورية نظاما للتصفية، على مرحلتين اثنتين، إذا أثير الدفع أمام محكمتي أول أو ثاني درجة، وعلى مرحلة واحدة إذا أثير الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض. ويرمي هذا النظام إلى التحقق من توافر الشروط الشكلية أمام محاكم الموضوع، ويتم في أعقاب ذلك التصريح بقبول أو عدم قبول الدفع، وفي حال قبوله، يحال على محكمة النقض للبت في جديته لتصدر مقررا معللا، إما برد الدفع أو بإحالته إلى المحكمة الدستورية.

وقد اعتبرت المحكمة الدستورية هذا المقتضى مخالفا للدستور، لأن اختصاص النظر في كل دفع بعدم الدستورية الموكول للمحكمة الدستورية، هو اختصاص عام، يشمل النظر في الدفوع المحالة عليها شكلا وموضوعا، وليس في الدستور ما يشرع تجزئة هذا الاختصاص المندرج في ولايتها الشاملة، ولا ما يبرر نقله لغير الجهة المحددة له دستوريا. وعليه، اعتبر قرار المحكمة الدستورية أن نظام التصفية، الوارد في المشروع، "يؤدي إلى عدم مركزة المراقبة الدستورية، وانتقاص استئثار المحكمة الدستورية بصلاحية المراقبة البعدية للدستور، وحرمانها  من ممارسة اختصاصها كاملا، عبر دفعها لمباشرة النظر في موضوع الدفوع المقبولة، دون رقابة شكلية عليها".

وقد عللت المحكمة الدستورية قرارها كالتالي:

"وحيث إنه، يتبين من الإطلاع على الأعمال التحضيرية للقانون التنظيمي، أن غاية المشرع من خلال اختياره هذا النظام للتصفية، تتمثل، على الخصوص في تجنيب المحكمة الدستورية حالة تضخم عدد القضايا المحتمل إحالتها عليها؛

وحيث إن الغايات الدستورية، لكي تكون مبررا مقبولا للتشريع، يجب أن تتم في تلاؤم وانسجام مع قواعد الدستور احتراما لمبدإ وحدته؛

وحيث إن الغاية التي يستهدفها المشرع، لئن كانت تستجيب للعديد من المبادئ المقررة في الدستور، من قبيل، إصدار الأحكام داخل آجال معقولة وضمان النجاعة القضائية، فإنها تخالف قاعدة جوهرية صريحة تتعلق بالاختصاص المعد من النظام العام؛

وحيث إنه، لئن كان يعود للمشرع تكييف اختياراته وتفضيلاته مع متطلبات الدستورية، فإنه يسوغ للمحكمة الدستورية، بالنظر لاختصاصها في تفسير الدستور بمناسبة إحالة معروضة عليها، وفي حدود ما تقتضيه مراقبة الدستورية، تبيان كيفيات تطبيق القواعد والإجراءات الواردة في الدستور بما يتلاءم مع سموه ووحدة أحكامه؛

وحيث إن التوفيق بين الحق في إثارة الدفع بمناسبة قضية معروضة على محكمة ما، واختصاص المحكمة الدستورية بالبت شكلا وموضوعا في الدفوع الدستورية المحالة عليها، وبين متطلبات النجاعة القضائية وحسن سير العدالة وسرعة البت في الدفوع وإصدار قرارات بشأنها داخل أجل معقول، يقتضي من المشرع حصر نطاق الشروط التي يتحقق القاضي من استيفائها بمناسبة إثارة الدفع في تلك التي لا تشكل عناصر تقدير أولي للدستورية، وفي إحداث آلية كفيلة بإرساء نظام للتصفية بالمحكمة الدستورية، يحدد قانون تنظيمي تركيبتها وضوابط عملها، وذلك تحقيقا للمرونة المتطلبة الكفيلة بالوصول إلى الغايات التي سبق عرضها؛

وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق، فإن أحكام المواد السادسة والعاشرة و11، والمواد الخامسة (فيما نصت عليه من شروط متصلة بمراقبة الدستورية كما تم بيانه) والسابعة (الفقرة الثانية) و12، المرتبطة بها، غير مطابقة للدستور".

-قرار المحكمة الدستورية رقـم : 70/18 م.د ، في ملف عــدد: 024/18 .

لمزيد من التفاصيل حول الأعمال التحضيرية لمشروع قانون الدفع بعدم دستورية قانون، وتعديلات فرق الأغلبية والمعارضة، ومذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأنه، يراجع تقرير لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب ومجلس المستشارين على الروابط التالية:

http://www.chambredesrepresentants.ma/ar

http://www.chambredesconseillers.ma/ar

المزيد على الروابط ادناه

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، المرصد البرلماني ، دستور وانتخابات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني