طلّاب الشهادة الثانويّة في لبنان يطالبون بالعدالة لزملائهم في الجنوب


2024-06-20    |   

طلّاب الشهادة الثانويّة في لبنان يطالبون بالعدالة لزملائهم في الجنوب

على بعد أقلّ من عشرة أيام من موعد الامتحانات الرسمية لشهادة الثانوية العامة المقرّرة في 29 من حزيران الجاري، اعتصم عدد من طلاب هذه الشهادة أمام وزارة التربيّة في بيروت مطالبين بالعدالة وبحلول واقعيّة تُنصف طلّاب جنوب لبنان الذين عاشوا عاما دراسيًّا استثنائيًّا بسبب الاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة.

وذكّر الطلّاب الذين أتوا من مناطق مختلفة وزير التربيّة بأنّ الجنوب هو جزء من لبنان، وهو يعيش حربا مستمرّة منذ 9 أشهر جعلت العام الدراسي، الذي بدأ متأخرا أصلا، غير منتظم فلم يستطع معظم الطلّاب في الجنوب تحصيل المعارف والمهارات المطلوبة منهم لإجراء الامتحانات. كمّا ذكّر المعتصمون بأنّ هناك آلاف العائلات النازحة من منازلها وتعيش ظروفا اجتماعيّة ونفسيّة صعبة بسبب فقدان أهاليها لمصادر رزقهم ومنازلهم وأقارب وأصدقاء سقطوا شهداء. وبعيدا من كلّ هذه المعاناة، سأل الطلاب وزير التربية عباس الحلبي إن كان يضمن سلامة الطلّاب في مراكز الامتحانات في الجنوب، كما في طرقاتهم إلى هذه المراكز ومنها.     

وبالتزامن مع الاعتصام أمام وزارة التربية في بيروت، اعتصم عدد من طلاب الشهادة الثانوية في شمال لبنان في ساحة النور في طرابلس، مطالبين أيضا بالعدالة لطلاب الجنوب. 

لا نطلب غير إنصافنا 

أمام وزارة التربية يقف جوزيف ناصيف، وهو طالب شهادة رسميّة من بلدة دبل، ويخبرنا أنّه ذهب إلى ثانوية رميش الرسمية يوما واحدا وبعدها تابع دراسته فيها عن بعد، ولكن بعد مرور أكثر من شهر على انتظام العام الدراسي في كلّ المحافظات ما عدا الجنوب. يروي ناصيف كيف لم يكن العام الدراسي منتظما: “كان هناك غياب للأساتذة والتلامذة بسبب القصف المستمر، الأساتذة أعطوا أفضل ما لديهم وكذلك نحن كطلّاب ولكنّ واقع الحرب كان أقوى” يقول، مضيفا “أنا نزحت من منزلي ومن ثمّ عدّت إليه، لم استقر، كنت أنا وأخوتي جميعا ندرس عن بعد وأمي مدرّسة تدرّس عن بعد أيضا، كان الوضع صعبا جدا نفسيا واجتماعيًّا”.

يُطالب ناصيف وزير التربية باستثناء طلاب الجنوب من الامتحانات، و بإعطائهم إفادات، لأنّه ليس من العدل أن يُجري هؤلاء الذين لم ينه عدد كبير منهم المنهاج المطلوب الامتحانات نفسها التي سيجريها طلاب أنهوا مناهجهم وربما أعادوها. وبالإضافة إلى عدم اكتسابه المهارات الكافية، يتحدّث ناصيف أيضا عن شعوره بعدم الأمان، وعن القلق من التحاقه بمركز قد لا يكون آمنا: “لا مكان آمنا في الجنوب” يقول.

وليس بعيدًا يتحدّث نعمة الذي نزح من ميس الجبل إلى الغازية عن عام دراسي استثنائي، لم يتمكّن خلاله هو وزملاؤه من اكتساب المهارات المطلوبة لإجراء الامتحانات الرسميّة. “كنّا ندرس على صوت القصف وجدار الصوت، عندما نسمع صوت الطيران لا نستطيع التركيز، وأنا أشعر بالخوف طبعا، إذ لا أمان في الجنوب، ولا نطلب غير إنصافنا”.

وفي الإطار نفسه، يقول حسن ابن بلدة  كفرجوز في النبطية إنّ طلّاب الجنوب شيّعوا شهداء أكثر ممّا درسوا، مشيرا إلى أنّه حتى لو كان العام الدراسي في المناطق غير الحدودية حضوريا إلّا أنّه لم يكن منتظما، وكان متوترا جدا: “الطائرات الإسرائيليّة كانت فوق قاعات التدريس، كيف يمكن أن نركّز؟ القلق كان المسيطر علينا، نحن حاولنا، ولكنّ الواقع كان صعبًأ”، يقول.

صحيح أنّ البقاع لم يشهد وتيرة الاعتداءات عينها التي شهدها الجنوب إلّا أنّ القصف الإسرائيلي طاله أيضا، ما جعل الطلاب في مناطقه قلقين أيضا، كما يقول محمد، وهو طالب أتى من الهرمل للاعتصام أمام وزارة التربية. وأشار محمد في حديث مع “المفكرة” إلى أنّه في البقاع أيضا مبان تهدّمت وشهداء سقطوا وطيران كان يُرعب الطلّاب بجدار صوت أو بغارة، مطالبا باستثناءات لأهالي البقاع أيضا.

الجنوب جزء من لبنان

“نحن درسنا المنهج كاملا، واستطعنا أن نراجعه حتّى، أنا جاهز للامتحان ولكنّني أشعر بالحرج من زملائي في الجنوب وأطالب بالعدالة لهم، نحن نتعلّم لنبني وطنا، وطنا واحدا من الشمال إلى الجنوب” يقول مجد، أحد الطلاب المعتصمين أمام وزارة التربيّة، مضيفا في حديث مع “المفكرة” أنّه ابن الخيام ومن سكّان بيروت وأنّه يشعر بالحرج عندما يسمع كيف مرّ العام الدراسي على أقرانه الذين نزحوا أو بقيوا في القرية، وأنّه لم يستطع إلّا أن يأتي ليرفع الصوت عاليا أمام وزارة التربية، لأنّه يعرف أنّ معظم طلّاب الجنوب لن يتمكّنوا من القدوم والاعتصام هنا.

كما مجد، يؤكد محمد هزيمة أنّه جاهز لإجراء الامتحانات، ويقول إنّه كان يُتابع عن كثب أوضاع أقربائه في منطقة ميس الجبل وكيف نزحوا إلى قعقيّة الجسر، ويعرف ما عانوه من تبعات النزوح، وكيف لم يتمكّنوا من إكمال المنهج واكتساب المهارات الكافية.

“أنا لا استطيع إلّا أن أطالب بالعدالة لكلّ طلاب الجنوب، هم جزء من لبنان وإنصافهم واجب، كيف يمكن أن أخضع أنا وابن الجنوب، ولاسيّما ابن الشريط الحدودي، للامتحان نفسه؟ أين العدالة؟” يسأل هزيمة.

لارا أيضا طالبة في بيروت أتت للاعتصام أمام وزارة التربية مطالبة بالعدالة لطلّاب الجنوب، معتبرة أنّ الظلم يقع على هؤلاء الطلاب مرتين: مرّة عندما يُعاملون وكأنّ عامهم الدراسي كان عاديا، ومرّة عندما يتعرّضون للخطر لاضطرارهم إلى الانتقال إلى مراكز الامتحانات. “يجب على جميع الطلاب أن يتضامنوا مع طلاب الجنوب، هؤلاء زملاؤنا وأهلنا وما يعيشونه منذ 9 أشهر صعب جدا، على وزارة التربية أن تنظر بأمرهم وأن تنصفهم. 

وكان طلاب الشهادة الرسمية في التعليم المهني والتقني قد قادوا حملة احتجاج واسعة على صفحات أنشأوها على وسائل التواصل الإجتماعي اعتراضاً على توزيعهم في مراكز يبعد بعضها نحو 80 كيلومترا عن أماكن سكنهم ليكونوا مرغمين على سلوك طرقات غير آمنة في الجنوب المستهدف. وفي محاولة لاستدراك توزيع طلاب الفروع المهنية، أصدرت مديرة مديرية التعليم المهني والتقني هنادي بري تعميما أمس الثلاثاء، سمح للطلاب في محافظتي الجنوب والنبطية بالالتحاق بمركز امتحانات غير الموجود على بطاقة ترشيحهم بسبب “الوضع الأمني (الذي) أجبر الكثير من المواطنين على النزوح من قراهم”. 

العشوائيّة والوضع الاقتصادي 

من جهة أخرى رأى الطلّاب المعتصمون أنّ المطالبة بالإفادات وإلغاء الامتحانات هي مطلب لا يتعلّق فقط بالأوضاع جنوبا بل بالعشوائيّة التي تعاطت فيها الوزارة مع العام الدراسي الحالي، إذ أنها لم تعلن المواد الإختياريّة حتى نهاية العام، في حين كانت مدارس عدّة، وفي مختلف مناطق لبنان، لم تعط موادًا كان تمّ إلغاؤها العام الماضي ظنّا أنّها ستُلغى هذا العام أيضا.

وفي هذا السياق يقول طالب في إحدى ثانويات بيروت الخاصة إنّ مدرسته كما مدارس أخرى اعتمدت مادة علميّة واحدة ومادة واحدة من الاجتماعيّات على أساس العام الماضي، ولكنّ الوزير وقبل انتهاء العام الدراسي بشهر تقريبا قرّر أنّ المطلوب 3 مواد اختياريّة (مادتان اجتماعيات مادة علمية).

وأدرج المعتصمون تراكم الفاقد التعليمي لديهم ضمن الأسباب التي توجب إعطاء الإفادات، وكذلك الأوضاع الاقتصادية الصعبة: “أنا أعمل ليلا في أحد المطاعم، بعد الأزمة لم يعد معيل واحد للأسرة يكفي، وهذا ضغط عليّ” يقول عبدالله وهو طالب مدرسة حكوميّة، مضيفا “نحن طلاب المدارس الرسميّة ظُلمنا فالإضرابات المتتالية خلال السنوات الماضية والدراسة عن بُعد أوجدت فجوات لم نستطع خلال هذا العام تخطّيها، الإفادات هي الحل لإنصافنا، لسنا المسؤولين عن عدم اكتسابنا المهارات الكافية”.

 الطلّاب ليسوا جاهزين للامتحانات الرسميّة 

كانت دراسة أعدّها مركز الدراسات اللبنانيّة أشارت إلى أنّ 27% من الطلاب في المدارس الخاصة و 17% في المدارس الرسميّة فقط، قالوا إنّهم جاهزون لإجراء الامتحانات الرسميّة هذا العام. وفي استبيان أجري شهر أيار الماضي شمل عينة من 406 من طلاب الشهادة الثانوية (48٪ في المدارس الخاصة و52٪ في المدارس الرسمية من جميع المحافظات) قال 26% من طلاب في المدارس الخاصة و 36% في المدارس الرسمية إنهم غير جاهزين للامتحانات الرسميّة.  

ورأت الدراسة أنّ غياب الجهوزية لدى الطلاب يعود بالدرجة الأولى إلى تراكم الفاقد التعليمي بحسب ما أشار 73٪ من الطلاب المشاركين في الدراسة.

ما بالنسبة لطلاب الجنوب وبعلبك، فرأت الدراسة أنّ العدوان الإسرائيلي أدّى إلى نزوح 36٪ من طلاب الشهادة الثانوية من مناطقهم، وأثّر على العملية التعليمية لـ 60٪ من الطلاب، إما جزئيًا أو كليًا. إذ ذكر 38٪ من الطلاب أن مدارسهم أغلقت لفترات مؤقتة قبل أن تستأنف الدراسة، وقال 30% من الطلاب أن مدارسهم أغلقت بشكل كامل، ولجأوا إلى التعليم عن بعد. كما انقطع 6٪ من الطلاب عن الدراسة بشكل تام من دون الحصول على أية فرص لاستكمال تعليمهم.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قرارات إدارية ، الحق في التعليم ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني