بلدية زغرتا “الحكيمة”.. ماذا يحدث حين يُشاع أن “نازحا” تحرش بطفل؟


2018-06-29    |   

بلدية زغرتا “الحكيمة”.. ماذا يحدث حين يُشاع أن “نازحا” تحرش بطفل؟

في نهاية الأسبوع الفائت، تداولت مواقع إعلامية وصفحات مواقع التواصل الإجتماعي خبراً مفاده أن طفلاً (عامان ونصف) “تعرض للإغتصاب في بلدته إهدن”. بالطبع، لم يغفل الخبر أن “المغتصب” (المفترض) من التابعية السورية وأضيف أحيانا أنه كردي. تفصيل استنهض رأياً عاماً “غاضباً” بين الأهالي، موجهاً ضد عموم السوريين ومطالباً برحيلهم. وهو غضب لم تتوانَ وسائل إعلامية حزبية، عن تسييسه وتأجيجه ودفعه إلى مزيد من الإحتقان. والأهم أنه تفصيل حجب أمرين لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر: الأول، قرينة البراءة التي تفترض أن كل إنسان بريء حتى إثبات إدانته، والثاني، أن عددا من المواطنين تدافعوا لإنزال عقاب فوري بالمشتبه به وبعدد من اللاجئين السوريين تم الاعتداء عليهم في إطار “العقوبة الجماعية”. في موازاة كل ذلك، برز موقف مميز لرئيس بلديةإهدن الطبيب سيزار باسيم الذي سارع إلى التذكير بأنه لم ينهض حتى تاريخ صدور بيانه أي إثبات على حصول اعتداء جنسي على الطفل أو حتى تحرش به. وقد أسهم هذا البيان في تهدئة الأجواء. ومن دون اتخاذ موقف حاسم في هذا الخصوص، يهم المفكرة توثيق هذه الأحداث في تحذير جديد منها إزاء مخاطر ردود الأفعال الغريزية والتي غالبا ما تأخذ طابع المعاقبة من دون محاكمة، والمخطر طابع المعاقبة الجماعية.

القصة تعود إلى يوم الجمعة بتاريخ 22 حزيران 2018 بعدما اتهمت امرأة من سكان أهدن عاملا سوريا بالتحرش بابنها البالغ من العمر سنتين وثمانية أشهر. حسب الروايات التي أمكن المفكرة جمعها، خرجت الأم تبحث عن طفلها الذي خرج من المنزل فوجدته بمعية عامل سوري كان يعمل في حرج قريب. وبعدما أخذت الطفل، بدأت تصرخ. وسرعان ما التم الناس حولهما وباشر جمع من شبان البلدة شاركوا الأم بضرب العامل بقسوة… بالحجارة. وإذ حاول التفلت منهم، عادت قوى الأمن وقبضت عليه بعدما نقلته إلى المستشفى. وفي موازاة ذلك، اعتدى شبان من القرية بمعية والد الطفل على عمال سوريين آخرين.

كما تداعت مجموعة من أهالي المنطقة إلى وقفة إحتجاجية أمام سراي زغرتا طالبت فيها بتنظيم الوجود السوري، ليس فقط في إهدن بل في كل المنطقة، منعاً لتكرار هكذا حوادث. وقد نقلت قناة OTV عن أحد هؤلاء المعتصمين أنهم يفاخرون أهم عنصريون في حماية “أطفالنا”. وقد أعادت هذه الأخبار وما أعقبها إلى الأذهان حادثة بلدة مزيارة حيث تم اتخاذ اجراءات طرد جماعي للعمال واللاجئين السوريون، في إثر الإشتباه بتورط عامل سوري بجريمة اغتصاب وقتل.

وبسرعة البرق، سارعت وسائل إعلامية إلى تداول الخبر، وقد حسم بعضها أن التحرش حصل فعليا. التغطية الأكثر جزما لحصول الجرم تمثلت في التقرير الإخباري الذي نشرته قناة OTV  تحت عنوان:  “ماذا روى أهل الطفل الذي تعرض لتحرش جنسي من عامل سوري في إهدن”.  يقدم التقرير رواية منقولة عن الأهل مفادها أن “شاباً أربعينياً من التابعية السورية الكردية أقدم على رصد الطفل “أ.ط”، إبن السنتين والنصف (..) واقتاده إلى هذا الدرج (الكاميرا تظهر موقعاً ما) قرب منزل يعمل لدى أصحابه، وتحرش به جنسياً في هذه النقطة، كما روى الطفل لأهله ببراءته… حين  أخبر الطفل والدته بما حصل، توجهت الأم إلى مكان تواجد الشاب السوري الذي ما أن رآها قال لها: ما عملت له شي. لكنها ما لبثت أن ضربته بحجر ولحقت به حتى تم توقيفه. حالة إنفعالية أصيب بها الوالد تجاه بعض الشبان السوريين فور شيوع الخبر، لكن الأمور ما لبثت أن هدأت”.  إذن تتبنى معدة التقرير رواية أهل الطفل بالكامل، وتصيغها بعد تتويجها ببعبارة لا تخلو من التحريض، في سياق يربط الجريمة بجنسية المشبته به بارتكابها: “أنها وحشية همجية وعمل مرضي”. يتخلل رواية أحداث القصة المفعمة بتبرير ردود الفعل الثأرية، إضاءة على مضمون “دردشة مع أسرة الطفل، التي فضلت عدم الظهور في التقرير حمايةً لمصلحة ولدها”. وهكذا ترتكز الرواية التي يبثها التقرير إلى ترجيحات في ذهن والدة الطفل بأن يكون “العامل قد حرر الطفل بعدما شعر بحركة ما أثناء بحثها عنه”. بالطبع، لم يغفل التقرير ضرورة الإستماع إلى عدد من أهالي المنطقة الذين بثت الجريمة بينهم الذعر من “الأجانب”. وهنا نقلت القناة عن أحدهم: “بدنا نطالب إنو عمليا يسحبوهن من بين المنازل. إلنا الشرف نكون عنصريين بالدفاع عن أطفالنا، وعرضنا”.

لم تكن الـ OTV  المؤسسة الإعلامية الوحيدة التي قاربت القضية من هذه الوجهة. فموقعا “آخر الأخبار” و”ليبانون فايلز” سارعا إلى نشر خبر مفاده وجود” حالة غضب تسود في صفوف أهالي وسكان بلدة إهدن في شمال لبنان  إثر تعرض الطفل “أ.ط.” وعمره سنتين من مواليد العام 2016 لتحرش جنسي من قبل السوري (إسم المشتبه به)”.

في خضم كل ذلك، جاء بيان رئيس البلدية متميزا لجهة اتزانه وحكمته. فتحسبا لمزيد من الانزلاق في أعمال العنف بين سكان البلدة والعمال السوريين، سارع رئيس بلدية زغرتا سيزار باسيم إلى إصدار بيان دعا فيه إلى “عدم الانجرار خلف الشائعات والتحلي بالحكمة”، مؤكدا أن الطفل بخير وأن التحقيقات لم تثبت حتى تاريخ إصدار البيان (السبت 23 حزيران) حصول اعتداء جنسي أو حتى تحرش به، مع التأكيد أن هذا ما أثبته تقرير الطبيب الشرعي. وفي اتصال معه، صرح باسيم للمفكرة أن البيان جاء ليبيّن الواقع، وليس لضبط الإنفعالات. ذلك أنه “لا حاجة للإنفعال والتعميم في ظل كل الإجراءات التنظيمية التي تتخذها البلدية”. يضيف أن “البلدية تسيّر دوريات باستمرار، ولديها لجنة متخصصة بمتابعة أوضاعهم، فكل العمل في هذا المجال يتم في سياق سياسة متكاملة قررت بناء على تعاون مع مفوضية اللاجئين لدى الأمم المتحدةUNHCR ، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP“. هذه السياسة، وفقاً لرئيس البلدية، “تقوم على التعاون مع القوى الأمنية، وترتكز إلى إصدار بطاقات، وتنظيم سجل خاص بهم، بالإضافة إلى إجراء مسح دوري للمقيمين، ونحن نتجه حالياً لإنشاء مكتب تشغيل لتنظيم العمالة”. أما عن القضية نفسها، صرح باسيم أن لا معلومات لديه ما اذا تمت إحالة الشاب إلى قاضي التحقيق أم بعد، بل فقط أنه “تم إلقاء القبض عليه”. وقد آثر عدم التوسع في الحديث عن القضية كونها “رهن التحقيق”.

وعليه، وعلى ضوء بيان البلدية، بدت الرواية الإعلامية وكأنها تعتمد على مصدر واحد، لتتهم مجموعة من الأشخاص على أساس جنسيتهم، من دون أن تلتزم بمعايير التعددية والموضوعية، كأن تستمع لآراء مختلفة عن الفرضية التي تسوقها أو للعمال السوريين المتهمين جماعياً. وبالإضافة إلى بيان البلدية، ثمة معلومات كثيرة تؤكد على الخطأ الإعلامي في التسليم بهذه الرواية من دون انتظار التحقيقات القضائية أو على الأقل التدقيق فيها من خلال توسيع دائرة المستمع إليهم. وهذا ما تكشفه روايات كثيرة أخرى، أمكن المفكرة الاستماع إليها من قبل أهالي في البلدة أو أشخاص سوريين يعملون فيها. ومن هذه الروايات التي لا يمكن الجزم بها هو استحالة أن يقدم أحدهم على التحرش بطفل في مكان عام في وضح النهار وعلى مقربة من مسكن أهله، أو أيضا أن العامل المذكور كان عمل لدى العائلة المذكورة طوال أيام ولم يتقاضّ بدل أتعابه؛ وهي روايات تجد ما يعززها في عدم توفر أي إثبات على اعتداء جنسي. وقد ذهب بعض المستمع إليهم إلى ترجيح أن تكون الحادثة مفتعلة أو مضخمة لغاية إثارة نعرات عنصرية ضد السكان السوريين في البلدة.

بقي أن نذكر أن القضية لم تبقَ بمنأى عن الخطاب السياسي. فقد لامس بيان النائب ميشال معوض التحريض العنصري ضد النازحين. فبعدما أكد حصول الاعتداء المروّع، رأى أن ثمة  تمادٍ ل “سلسلة جرائم الاغتصاب والقتل والسرقة التي يقف وراءها نازحون سوريون، وقد نالت زغرتا الزاوية حصة كبرى منها، لا يمكن بعد اليوم السكوت عما يجري أو القبول باستمراره في ظل تقاعس رسمي تخطى المقبول (…)”. وفيما أكد النائب طوني فرنجية بدوره الحادثة، فإن بيانه أتى أكثر هدوءا، بحيث ذكر بأهمية حماية أمان وسلامة ليس فقط أهل إهدن بل أيضا زوارها مطالبا الجهات المختصة إلى اتخاذ إجراءات صارمة تحول دون تكرار أيّ اعتداءات مشابهة وخاصة في الأحياء السكنية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني