السلطة تنوّع أساليب التضييق على الحرّيات: الأمن العام يحجز جواز صانع محتوى ساخر


2021-12-16    |   

السلطة تنوّع أساليب التضييق على الحرّيات: الأمن العام يحجز جواز صانع محتوى ساخر

تواصل السلطات اللبنانية التضييق على حرية التعبير من خلال تدابير وإجراءات غير قانونيّة تتخذها بين الحين والآخر بحق صحافيين وناشطين على خلفية آراء ومواقف عبّروا عنها على وسائل التواصل الاجتماعي. وآخر هذه التدابير كان حجز الأمن العام جواز سفر الكوميدي توفيق بريدي المعروف بـ” toufiluk” لمدة يومين (من مساء الإثنين 14 لغاية صباح الأربعاء 15 كانون أول 2021)، في إجراء يشكل اعتداء صارخا على حق مضمون في الدستور اللبناني، وهو حقّ حرية التنقل والذهاب والإياب حسب ما يوضح المدير التنقيذي لـ “المفكرة القانونية” نزار صاغية، إذ أن حجز جواز سفر أي مواطن يعني عمليا منعه من السفر خلال فترة الحجز.

ويذكّر صاغية بهذا الخصوص بالأحكام الصادرة عن القضاء المستعجل في قضايا العمال الأجانب التي اعتبرت بوضوح كلي أنّ أي حجز لجواز سفر هو تقييد لحرية التنقل المكرسة في العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية. 

ويشير صاغية إلى أنّ الخطير في الموضوع أيضا انتهاك الأمن العام حقا دستوريا لضرب حقّ آخر وهو حقّ حريّة التعبير، إذ إنّ الأمن العام وبحجزه جواز بريدي يحرم الأخير من حقّه بالتنقل كعقاب على ممارسة حقه في حرية التعبير.

ويشدّد صاغية أيضا على أنّ الإجراء الذي اتخذ بحقّ بريدي مخالف للقانون، إذ لا يحقّ لأي جهاز أمني حجز جواز سفر أي شخص وبخاصة بغياب أي قرار قضائي، لافتا إلى أنّ حجز جواز بريدي كان من دون أي محاكمة أو تحقيق وكأن الأمن العام كجهاز أمني يعطي لنفسه الحقّ بقمع الحريات من دون أي سند قانوني.     

حجز جواز السفر على خلفية “معلومات” غير أكيدة!

وكان بريدي وصل الإثنين الماضي إلى مطار بيروت حيث سحب منه جواز سفره بعدما أخبره الأمن العام وخلال التحقق من الجواز بوجود إشارة تفيد بطلب سحب مستنداته من دون تعليل الأمر، وأنّه عليه مراجعة مكتب شؤون المعلومات في الأمن العام خلال 72 ساعة.

ويوضح بريدي في حديث مع “المفكرة القانونيّة” أنّه بعد مراجعة مكتب شؤون المعلومات يوم الأربعاء تبيّن أنّ الموضوع يتعلّق بمقطع فيديو نشره نهاية شهر أيّار الماضي تحت عنوان “شو فيك تعمل بجواز السفر اللبناني”، وأنّ الأمن العام وصلته معلومات بأنّ الفيديو تسبب بالأذى لمشاعر عدد من اللبنانيين كونه مسّ برمز وطني، فأراد استيضاح الأمر، مضيفا أنّه تمّ إعادة جواز السفر له بعد “تمني”  الأمن العام عليه حذف الفيديو ومن دون طلب توقيع أيّ تعهدات.

وفي حين يؤكّد بريدي أنّه حذف الفيديو لأنّه لا يريد أن يسبب إساءة إلى أي مواطن يستغرب التنبه إلى مقطع الفيديو بعد حوالي سبعة أشهر من نشره ولاسيّما أنّه كان زار لبنان بعد نشر الفيديو وغادره من دون أن تتخذ الجهات الرسمية أي إجراء بحقه، على الرغم من ترجيحه أن يكون الأمن العام قد اطلع على الفيديو تاريخ نشره كون هذا الفيديو أثار وفور نشره حملة إلكترونية ضد بريدي عمد خلالها عدد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى إشعار الأمن العام ووزارة الداخلية، (عبر تقنية TAG) في التعليقات على منشور مقطع الفيديو.

من أعطى الأمن العام حقّ حجز الجواز!

توضح المحامية ديالا شحادة أنّه لم يتم توقيف بريدي وأنّ شعبة المعلومات في الأمن العام أصرّت خلال مراجعته لها بأنّه لا يخضع إلى التحقيق، وأنّ الأمن العام أراد فقط أن يتأكّد من معلومات وصلته حول إهانة بريدي جواز السفر الذي يعتبر رمزا وطنيا. وأضافت في حديث مع “المفكرة” أنّ الأمن العام أصر أيضا أثناء مراجعته أنه تصرف ضمن صلاحياته التي تخوّله حجز جواز السفر عبر إشارة أمنية سواء كانت مستندة إلى قرار قضائي أو لا في حال وجود شبهة جرم تمثّلت مع حال بريدي بإهانة رمز وطني، مع العلم أنّ لا قانون يعطي الأمن العام ولا أي جهاز أمني هذه الصلاحية، وهذا ما شدّدت عليه شحادة خلال المراجعة.

وفي الإطار تؤكّد شحادة على أنّ ما حصل مع موكلها مخالف للقانون، فتدبير سحب جواز السفر الذي أقدم عليه الأمن العام لا يستند إلى أي نص قانوني بل إلى  تعاميم للأمن العام نفسه، يعتبر فيها أن لديه هذه الصلاحية كونه مصدر إصدار جوازات السفر وتجديدها. 

وتشرح شحادة أنّ شعبة المعلومات في الأمن العام تصدر عادة بلاغات مختلفة الأسماء والمضامين والأهداف، واحد من هذه البلاغات هو بلاغ سحب مستندات في إطار تدبير يسمى “إخضاع” كان وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق أعلن وقف العمل به خلال توليه الوزارة، مشددة على أنّ هذا التدبير أصلا ينطلق من تعاميم للأمن العام وأنّه لا يوجد في القانون أيّ مادة تعطي صلاحيّة سحب مستندات من أي مواطن أو مقيم، وأنّ هذا التدبير يتطلب قرارا قضائيا ينص على حجز أو مصادرة جواز سفر عندما يكون هناك شبهة جرم.

انتهاكات بالجملة ومؤشرات خطرة

يشكّل ما حصل مع بريدي انتهاكا جديدا بحق حرية الصحافة والتعبير يُضاف إلى 110 انتهاكات سجّلت في العام الحالي حسب ما يشير جاد شحرور، المسؤول الإعلامي في “مؤسسة سمير قصير” التي تُعنى بالدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية.

ويعتبر شحرور في حديث مع “المفكرة” أنّه عند مقاربة الانتهاكات يجب عدم الوقوف عند  عددها وحده، وإن كان مرتفعا، حيث هناك مؤشرات خطيرة يجب التنبّه إليها، مثل وجود  15 انتهاكا في قضايا تتعلّق بصحافيين والناشطين 3 منها فقط تمّ التعاطي معه عبر المحكمة المختصّة أي المطبوعات والباقي كان أمام محاكم غير مختصة مثل المحكمة العسكرية.

 ويلفت شحرور إلى مؤشرات خطيرة أخرى منها ارتفاع نسبة الاعتداءات على الصحافيين من قبل عناصر تابعة لأكثر من جهاز أمنيّ وعناصر مسلحة تابعة لأحزاب في السلطة، وإصدار أحكام بالسجن، وإن لم تنفذ، بحق صحافيين على خلفيات تتعلق بعملهم، فضلا عن أنّ القسم الأكبر من الاستدعاءات للصحافيين والناشطين تتم عبر آليات غير قانونية، إذ غالبا ما يختار المدعي جهة الاستدعاء  بما يتناسب مع مصلحته. 

وفي الإطار نفسه يذكّر شحرور بكيفيّة تحرّك النيابة العامة وبسرعة البرق عند وجود أي إخبار ضدّ صحافي أو ناشط بينما تهمل النيابة نفسها مئات الإخبارات المقدمة من صحافيين وناشطين ضد مكامن فساد في الدولة.

السلطة لا تفهم السخرية!

يأتي التدبير الذي اتخذ بحق بريدي بعد أقل من أسبوعين على تقديم إخبار ضدّ الناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي أماني دنهش المعروفة بـ “أمونز” على خلفية اتهامها بتحقير رئيس الجمهورية ميشال عون في مقاطع فيديو ساخرة. وبعد أقلّ من شهر على استدعاء المحكمة العسكرية الممثلة الكوميدية شادن فقيه للمثول أمامها في 24 حزيران 2022، بتهمة “المسّ بسمعة المديرية العامة لقوى الأمن والتحقير” على خلفية فيديو ساخر نشرته على حسابها على “إنستغرام” ظهرت فيه وهي تطلب إذن من قوى الأمن للخروج من أجل شراء فوط صحية، خلال فترة حظر التجول المرتبط بإجراءات كورونا.

تعكس هذه الانتهاكات وبحسب ما ترى “أمونز” إفلاس السلطة ولاسيما الفريق الحاكم في لبنان، إذ بدل من أن ينشغل المعنيون بمعالجة هموم الناس وإيجاد حلول ومخارج للأزمة الاقتصادية  يصبون جهدهم في ملاحقة أشخاص يرسمون وعبر انتقادهم للأوضاع المعيشية ضحكة على وجوه المواطنين، معتبرة أنّ مثل هذه الانتهاكات قد تزيد مع اقتراب الانتخابات من باب كم الأفواه أو تسجيل انتصارات وهمية.

ويُشار إلى أنّ “أمونز” كانت تعرّضت ومنذ انتفاضة 17 تشرين 2019 لحملات تهديد ومضايقات على خلفية نشرها مقاطع فيديو تنتقد فيها رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، الأمر الذي تسبّب بفقدان عملها في دبي وكاد يتسبّب بخسارتها إقامتها.

وفي هذا اللإطار تقول “أمونز” لـ “المفكرة” أنّ التهديدات لم تتوقّف يوما وبعضها وصل إلى حدّ  التهديد بالقتل والاغتصاب، مشيرة إلى أنّها لن تتوقّف عن قول ما تريد وبالأسلوب الذي تريده طالما أنّها تقول ما يمليه عليها ضميرها، وأنّ كلّ الإجراءات التي يتخذها ممثلو السلطة في لبنان ضد الناشطين تزيد تشويه صورة السياسيين في الداخل والخارج.

تماما كما “أمونز” يؤكّد “توفيلوك” على استمراره بنشر محتويات ساخرة ولكنّ كليهما قد لا يعودان إلى لبنان قريبا. “الأمر ليس خوفا، بل تفاديا لأي موقف قد يحصل، فضلا عن احترام رغبة عائلتي التي لديها مخاوف تتعلّق بعودتي”، تقول “أمونز” التي تعيش بين الإمارات وإيطاليا حيث تكمل دراساتها العليا مضيفة: “سأعود يوما بالطبع إلى لبنان، لا شيء يمنعني من العودة”.

أما “توفيلوك” الذي يعيش في لندن منذ أكثر من 5 سنوات فيسأل بأسلوب ساخر “من أجل ماذا قد أرغب بالعودة إلى لبنان؟”   

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، البلد ، أطراف معنية ، أجهزة أمنية ، حرية التعبير ، حرية التنقل ، لبنان ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني