التعقيب التونسية تطيح بالتشاركية في تحمّل أعباء العائلة: المفكرة تنشر النصّ الكامل للقرار


2017-11-24    |   

التعقيب التونسية تطيح بالتشاركية في تحمّل أعباء العائلة: المفكرة تنشر النصّ الكامل للقرار

بتاريخ 6/10/2017، أصدرت محكمة التعقيب التونسية قراراً بنقض الحكم بإلزام سيدة بتسديد نفقة شهرية لطليقها على خلفية توليه حضانة ابنيهما. وكانت الدائرة الشخصية بالمحكمة الابتدائية بتونس بوصفها محكمة استئناف لقاضي ناحية تونس في مادة النفقات ألزمت في حكمها عدد 17154 بتاريخ 29/05/2017 سيدة بأن تدفع نفقة شهرية، موجبةً عليها الإسهام في الإنفاق على أسرتها، عملا بأحكام الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية. ويشار إلى أن الإصلاح التشريعي الذي تم بموجب القانون عدد 74 لسنة 1993 المؤرّخ في 12 -07- 1993[1] المنقح لمجلة الأحوال الشخصية والذي ألغى واجب الطاعة في العلاقات الأسرية، كان فرض في فصلها 23 على الزوجة واجب المساهمة في الإنفاق على أسرتها؛ لكن هذا الإصلاح لم يلقَ قبل ماي 2017 تطبيقا من المحاكم لسبب رئيسي قوامه أن القضاء التونسي دأب على إسناد حضانة الأبناء القصر لأمهاتهم عملا بمصلحتهم الفضلى في حال انفصال الرابطة الزوجية أو حصل الإنجاب خارجها، مما أبقى خارج النقاش مسألة تكليف الأم المقتدرة ماليا بالمساهمة في الإنفاق عليهم.

وبالعودة إلى تفاصيل القضية، يلحظ أنها بدأت فصولها في سنة 2014 حين طلب أب حاضن لولديه بإلزام طليقته بالمساهمة بالإنفاق عليهما. وقد أسند دعواه إلى عدم كفاية أُجرته لتغطية حاجياتهم، وإلى كون أجرة والدتهم تفوق أجرته. وبتاريخ 06-11-2014، رفض قاضي ناحية تونس الطلب على أساس أن الإنفاق واجبٌ محمولٌ أصالة على الأب ولا يرفع عنه ويفرض على الأم إلا متى ثبت إعساره إعمالا لأحكام الفصل 47 من مجلة الأحوال الشخصية. كما جاء في الحكم أن تحميل المشرع للأم لواجب المساهمة في النفقة والمذكور في الفصل 23 من المجلة إنما ورد في إطار حديثه عن واجبات الزوجين كل منهما حيال الآخر وأسرته وهو لا ينطبق في حال انفصام الرابطة الزوجية. رفضت الدائرة الشخصية بالمحكمة الابتدائية بتونس في ماي 2017 هذه القراءة وتمسكت بكون تنقيح سنة 1993 لمجلة الأحوال الشخصية "يندرج ضمن قراءة معاصرة وحديثة لواقع الأسرة التونسية التي هي قائمة على التشاركية بمشاركة الأم في تسيير شؤون الأسرة ووجوب مساهمتها في الإنفاق الأسري"؛ وهي قراءة "تنسجم مع نص الدستور التونسي الذي نص بالفصل 21 منه على وجوب المساواة بين المواطنين دون تمييز"، كما تتلاءم مع القراءة القضائية ذات البعد التقدمي لقانون الأسرة عموما. وعليه، أقصت هذه المحكمة القراءة "الرجعية" لواجب الإنفاق وخلصت إلى أن الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية يفرض واجب مساهمة الأم في الإنفاق. كما رأت المحكمة أن تفسير الفصل 23 على هذا النحو لا يتعارض مع أحكام  الفصل 47 الذي نص صراحة على أنه في حال إعسار الأب، تُقدّم الأم على الجدّ في تحمل أعباء النفقة، دون أن يستبعد مشاركتها في الإنفاق.

رفضت محكمة التعقيب في قرارها استدلالات محكمة الأصل وتمسكت بقراءة قاضي ناحية تونس ب "أن الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية ورد في باب عنوانه "فيما يجب لكل واحد من الزوجين على صاحبه"، ما يفرض بداهة قيام علاقة زوجية وهي صورة لا تنطبق على وقائع القضية التي تنظرها اعتبارا لما ثبت لها من فراق بالطلاق بين طرفي الدعوى". وخلصت المحكمة إلى نقض الحكم على أساس أنه لم يثبت توفر شروط الفصل 47 من مجلة الأحوال الشخصية قبل قضائه بإلزام المعقبة بالإنفاق على ابنيها. وبهذه القراءة الحرفية للنصوص القانونية، تكون محكمة التعقيب رفضت فكرة قراءة النصوص القانونية في سياقاتها التشريعية ومن خلال مقاصد المشرع، فنقضت حكما قضائيا كرس لأول مرة المساواة بين الرجل والمرأة في تحمل أعباء الأسرة. ويرجح أن يلقى هذا القرار انتقادات واسعة من الحقوقيين، لا تقل عن الترحيب الواسع الذي كان لقيه الحكم الذي تم نقضه. كما يؤمل أن يفتح النقاش مجددا حول وظيفة القاضي في حماية الحقوق والحريات وتطويرها من خلال تفسير النصوص القانونية على النحو الأكثر انسجاما مع مقتضيات هذه الحماية.

وتبادر في هذا الإطار المفكرة القانونية بنشر القرار القضائي، فاتحة فضاءها لكل القراءات التحليلية له سواء كانت قانونية أو سوسيولوجية.

 


[1] ينص الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية والذي يعده شراح قانون الأسرة بتونس بمثابة دستور العائلة على أنه " علي كلّ واحد من الزوجين أن يعامل الآخر بالمعروف ويحسن عشرته ويتجّنب إلحاق الضرر به.ويقوم الزوجان بالواجبات الزوجية حسبما يقتضيه العرف والعادة.ويتعاونان علي تسيير شؤون الأسرة وحسن تربية الأبناء وتصريف شؤونهم بما في ذلك التعليم والسفر والمعاملات المالية.وعلى الزوج بصفته رئيس العائلة أن ينفق علي الزوجة والأبناء علي قدر حاله وحالهم في نطاق مشمولات النفقة.وعلى الزوجة أن تساهم في الإنفاق علي الأسرة إن كان لها مال.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني