بعد رفضه منحهم امتيازات مالية: نواب الاردن يتناولون مخصصات الملك و”هرقلة غيت”


2014-09-26    |   

بعد رفضه منحهم امتيازات مالية: نواب الاردن يتناولون مخصصات الملك و”هرقلة غيت”

تزال تداعيات رفض الملك الأردني المصادقة على تعديل قانوني اقره النواب لمنح انفسهم مزايا مالية تقاعدية ماثلة للعيان في العلاقة بين النواب من جهة والملك والسلطة التنفيذية من جهة أخرى. فرغم ان هذا الموقف قد فتح الباب للتكهنات بقرب رحيل مجلس النواب، الا ان هذه التكهنات سريعا ما تبددت بعد ان اشار الملك انه يرفض المساس بهيبة مجلس النواب بعد ان اصبح مادة خصبة للتندر والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى وسائل الاعلام الرسمي التي شاركت في الهجمة على النواب بعد اقرارهم مشروع قانون التقاعد المعدل الذي رفض الملك المصادقة عليه. وعلى الرغم من كل ذلك، شعر النواب انهم كانوا ضحية وانه قد غرر بهم فيما يخص التصويت على قانون التقاعد، وربما كان هناك دور لرئيس الوزراء ورئيسي مجلسي الاعيان والنواب في ذلك من خلال ايهام النواب بأن هناك ضوءا أخضر لتمرير القانون. وقد تعززت لديهم هذه القناعة بعد موافقتهم على التعديلات الدستورية لعام 2014 والتي اعطت صلاحيات تعيين قادة الجيش والمخابرات للملك بشكل حصري ومن دون أي نقاش مسبق، الأمر الذي أوحى لديهم بوجود صفقة ما يجري ترتيبها بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية على طريقة "نفع واستنفع". ولكن رفض الملك المصادقة على مشروع قانون التقاعد المدني مؤخرا أعاد خلط الاوراق بعض الشيء. وقد حلل البعض موقف الملك على أنه ينم عن امتعاض ازاء اداء النواب ، في حين رأى اخرون ان ذلك كله مدبر بشكل او بأخر على حساب مجلس النواب. ولعل قناعة عدد من النواب بهذا الرأي الاخير هو ما دفعهم للدفاع عن كرامتهم والوقوف في وجهة السلطة التنفيذية وربما حتى الملك ولو حتى على سبيل المناكفة.

وقد تبدى هذا الموقف في اكثر من مناسبة: فقد تناقلت وسائل الاعلام الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي أن أحد أعضاء مجلس النواب واثناء عقد اجتماع ضم عددا من النواب في جامعة اليرموك قد تطاول على الملك وتلفظ بالشتائم على اثر رد الملك لمشروع قانون التقاعد. وعلى حد زعم وسائل الاعلام التي تناقلت الخبر،استهجن عدد كبير من المشاركين في الإجتماع المذكور إقدام النائب على التلفظ بالشتائم معتبرين أن النائب المذكور تهمه مصلحته الشخصية بالدرجة الأولى[1]. واذا شكلت هذه الحادثة في حال صحتها موقفا فرديا لأحد النواب، فإن هناك مواقف اخرى قد تكون اكثر وضوحا تعبر عن امتعاض غالبية النواب من رد الملك للقانون، وقد طال بعضها شخص الملك نفسه.

اخضاع مخصصات الملك لضريبة الدخل
في معرض مناقشة مجلس النواب لمشروع قانون ضريبة الدخل المعروض حاليا على المجلس واثناء مناقشة احدى مواد المشروع المتعلقة بالاعفاءات والتي تعفي مخصصات الملك من ضريبة الدخل كما ورد في مشروع القانون من الحكومة، بادر أحد اعضاء مجلس النواب وهو النائب تامر بينو باقتراح لاخضاع مخصصات الملك للضريبة باعتباره مواطنا ومن قبيل المساواة مع بقية المواطنين الاردنيين كما امر الدستور.

الا ان هذا الاقتراح الجريء لم يحظ بالقبول المطلق من قبل النواب لا بل ان الاغلبية المطلقة عارضت هذا المقترح وكانت حجة بعضهم أن الملك ليس بتاجر ولا يعمل بالتجارة وبالتالي لا يجوز مناقشة هكذا اقتراحات تحت قبة البرلمان[2]. ومن جهته، احتج النائب طارق خوري على ما وصفه الرد الضعيف الذي قدمته الحكومة ردا على السؤال الذي طرحه النائب تامر بينو الذي تساءل فيه عن السبب من إعفاء الملك من دفع ضريبة الدخل:وقال النائب خوري عندما يكون الحديث عن الملك فيجب ان يكون الرد قويا[3].وتجدر الاشارة هنا الى أن اعفاء مخصصات الملك من الضريبة امر مستقر ومتعارف عليه في كافة قوانين ضريبة الدخل الاردنية منذ تأسيس المملكة وهو ليس بالشيء الجديد. الجديد بالامر أن يثار مثل هذا الموضوع تحت قبة البرلمان ويطلب اخضاع مخصصات الملك شخصيا للضريبة ، فهذه جرأة غير مسبوقة لدى اعضاء مجلس النواب .

واللافت أن غالبية النواب أبقوا على الاعفاء، ليس من منطلق ان هذا المخصصات تصرف للملك من موازنة الدولة كممثل للدولة ورمز لها، بل من منطلق أنه لا يعمل بالتجارة او ليس تاجرا. وتاليا، جاءت حجج الغالبية في سياق ردها للاقتراح "الاستفزازي" تقنية وخالية من أي اعتراف للدور المميز للملك، مما يؤشر الى موقف يميل الى السلبية.
 
ذهب عجلون (هرقلة غيت)[4]
لم ينشغل الشارع الاردني بكل اطيافه ومؤسساته بأمر مثل انشغاله بكنوز وتماثيل يُزعم أنه تم العثور عليها في بلدة ارحابا بمحافظة عجلون. فقد استيقظ الشارع الاردني في 19-9-2014 على خبر مفاده انه حضرت ليلا الى بلدة ارحابا بمحافظة عجلون قوة عسكرية وامنية هائلة بمشاركات اشخاص اجانب وتحديدا الى  احد المواقع الاثرية بالمنطقة والمعروف لدى الاهالي بأنه يحوي كنوزا وتماثيل ذهبية. وقامت هذه القوة باغلاق المنطقة على بعد كيلومترات من موقع الحفر واستخدمت في الحفر آليات ثقيلة ومتفجرات واستمرت العملية لما يقرب سبع عشرة ساعة. وبعد ذلك انسحبت القوة من المنطقة مع شاحنات محملة بالصناديق والبعض يروي ان طائرات عمودية استخدمت في العملية.  وعند وصول الاهالي لموقع الحفر صباح اليوم التالي وجدوا انه تم طمسه بمواد اسمنتية مقواة يستحيل حفرها من جديد. وهذا ما دعا الشارع الاردني افرادا وجماعات ومنظمات للسؤال عن طبيعة المواد التي تم استخراجها واذا كانت تماثيل وكنوزا تعود لهرقل ملك الروم آنذاك. فهل صحيح ان قيمتها تفوق عشرة مليارات دينار؟ وكذلك الحال، اين ذهبت هذه الكنوز ولحساب من؟ ولعل ما يدعو للقلق من هذا التصرف هو أن احد خبراء الاثار والكنوز والمعروف بصائد الذهب وهو فرنسي من اصول جزائرية (بغداد ضيف الله) صرح في 2013 أنه عثر على قبر وكنوز الاسكندر المقدوني في الاردن وعرض ذلك في محاضرة القاها في معهد العالم العربي في باريس[5]. وبسبب تضارب تصريحات الحكومة حول ما جرى في تلك المنطقة، زاد الشك لدى الجميع بحقيقة الامر. فقد صرحت الحكومة على لسان احد وزرائها ان ما جرى هو معالجة لانهيارات ارضية قريبة من الشارع تشكل خطرا على المارة، في حين صرح وزير اخر اكثر قربا للحدث وهو وزير الداخلية ان ما جرى هو شأن امني عسكري يتعلق بنصب رادارت ترتبط بالاقمار الصناعية، بالاضافة لروايات اخرى صدرت عن مسؤولين اخرين. ولعل مجلس النواب وجد ضالته في هذا التخبط من قبل الحكومة، فدعا لمناقشة (ذهب عجلون) تحت القبة . وقال مقرر لجنة النزاهة والشفافية وتقصي الحقائق النيابية النائب معتز ابو رمان في بيان حمل عنوان "ذهب عجلون بين الحقيقة والسراب" ان اللجنة قامت بكشف حسي على موقع الحفريات ما سمي بذهب عجلون في منطقة "هرقلة" وتبين للجنة ان من قام بالحفر قام بطمر الحفريات حتى لا يترك اثرا للحفر ووجود مشدات فولاذية مثبتة بالصخور تثبت أن هنالك عملية إنزال أو سحب بإستخدام رافعات، وانه قد تم قطع إحدى الاشجار بالموقع لتسهيل العملية. المنطقة كانت تبعد عن الشارع أقل من 3 م، و مساحة الحفر لا تتجاوز 2 في 2 م2. واكد النائب ابو رمان بان اللجنة قامت بالكشف الحسي بعد تضارب في الرواية الرسمية حول الحفريات التي ادلى بها وزير الداخلية حسين هزاع المجالي امام اللجنة امس ووزير السياحة والاثار ووزير الاعلام ومحافظ عجلون. واضاف: "مما زاد في عدم تصديق الرواية الرسمية، الظروف المحيطة بالقضية، مثل طبيعة المنطقة التي تمت بها عملية الحفر، حيث إنها منطقة أثرية ويعتقد بوجود دفائن فيها".

من جهته، اكد قائد المنطقة العسكرية الشمالية العميد محمود فريحات لرئيس لجنة النزاهة النائب مصطفى الرواشدة ، واعضاء اللجنة النائب زيد الشوابكة والنائب محمد فريحات والنائب معتز ابو رمان، أن العملية كانت عسكرية فقط، و لغايات أمنية تخص تجهيزات لسلاح الجو. واضاف العميد فريحات أن العملية إشتملت على الحفر لعمق يقارب 3 م ، و أتلاف مواد و رواسب أمنية قديمة تشكل خطورة وتحديث لأجهزة تقنية وكوابل، بالإضافة الى وضع أجهزة أمنية ذات علاقة بالإتصالات والبث والرادار. وقد تم استخدام المتفجرات الموضعية في بعض مراحل العمل لهذه الغاية، حيث سمع دوي الإنفجارات في المناطق القريبة، وأنه قد تم تحذير الجامعة المجاوره وفتح شبابيكها حتى لا تتعرض للكسر، قبل القيام بالعملية. كما اكد قائد المنطقة العسكرية على حساسية العملية و خطورتها فقد أمر قائد المنطقة بإيقاف السير بالإتجاه الموازي وكما تم أستدعاء سيارة اسعاف وإطفائيه عدد 2 من الدفاع المدني، تحسبا" لمخاطر التفجيرات . واوضح ان العملية تمت بنجاح و بعد الانتهاء ، تم صب الخرسانة حسب ما تقتضيه الاجراءات،  ثم أعيد ردم الحفره كما كانت"[6].

وقد اكد عدد آخر من النواب عدم قناعتهم بصحة الرويات الحكومية حول ما جرى في عجلون وانهم سيذهبون بانفسهم الى المنطقة لمعاينة ما جرى والوقوف على الحيثيات من ارض الواقع وسماع شهود العيان من ابناء المنطقة[7].

واذا صحت الروايات بالعثور على كنوز وتماثيل ذهبية تعود للحضارة الرومانية فإن تلك الكنوز والتماثيل الذهبية تدخل في باب الاموال العامة باعتبارها من الاثار وفقا لاحكام القانون.ويجدر الذكر أن المادة (14) من قانون الاثار حظرت "على أي شخص طبيعي أو معنوي القيام بأية حفريات في المواقع الأثرية بحثآً عن الدفائن الذهپية أو أية دفائن أخرى".كما حظرت المادة (16/ب) من القانون ذاته "على أي شخص طبيعي او معنوي التنقيب عن الآثار في أي مكان في المملكة حتى ولو كان مملوكا له". وجاء في المادة ( 21 / أ ) " تعتبر ملكا للدولة جميع الآثار التي يتم العثور عليها أثناء أي اعمال تقوم بها أي جهة او شخص في المملكة" . وهكذا ومن خلال هذه النصوص نجد أن قانون الآثار قد نص بشكل صريح على إعتبار جميع الدفائن والكنوز الأثرية الموجودة في الأردن حقا للدولة وأمالا عامة من حق مجلس النواب ان يراقب عليها وعلى كيفية التصرف بها ومن اي جهة كانت ومهما علت. ومن هذا الباب، دخل النواب على خط (هيرقلة غيت) او ذهب عجلون لاستغلال حالة الضعف التي تعيشها الحكومة في مواجهة سخط شعبي ناتج عن استخفاف الحكومة بعقول المواطنين فيما يخص قضية ذهب عجلون. وبهذا يكون مجلس النواب قد سدد جزءا من حسابه مع الحكومة على اثر الحملة التي تعرض لها بمباركة الحكومة عقب اقراره لمشروع قانون التقاعد المدني.

للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك الضغط هنا



[1]http://alhurra-jordan.com/post/56665، علما بأنه لم تفصح اي من وسائل الاعلام او مواقع التواصل الاجتماعي عن شخصية النائب او طبيعة الشتائم التي تلفظ بها بحق الملك ، ولم تجري لغاية الان اي ملاحقة قانونية للنائب بتهمة إطالة اللسان التي طالت عدد كبير من نشطاء الحراك الذين تمت احالتهم لمحكمة امن الدولة .
 
[4]– نسبة الى منطقة هرقلة في محافظة عجلون التي تمت فيها عمليات الحفر ويرتبط اسمها بهرقل عظيم الروم الذي تنسب له الكنوز في المنطقة .
[7]– يذكر ان النواب الذين قاموا بالذهاب الى عجلون بعد انتهاء جلستهم مع الحكومة : محمد الرياطي ، علي السنيد ، رلى الحروب ، هند الفايز ، تامر بينو ، جمال قموة.
http://www.shaabnews.com/news-44587.htm
 
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني