الملك الأردني يرفض امتيازات النواب: انتصار للمساواة أم مجاملة الشعب على حساب هؤلاء؟


2014-09-17    |   

الملك الأردني يرفض امتيازات النواب: انتصار للمساواة أم مجاملة الشعب على حساب هؤلاء؟

اثارت الارادة الملكية السامية الصادرة في 15 / 9 / 2014 والمتضمنة عدم موافقة  الملك على التعديلات التي ادخلها مجلس الامة بشقيه الاعيان والنواب على قانون التقاعد المدني المؤقت لعام 2010 الذي منحهم امتيازات مالية واضحة، جدلا واسعا في الاوساط السياسية والقانونية حول مستقبل هذا القانون من جهة ومستقبل مجلس النواب من جهة أخرى. فرفض الملك المصادقة على مشروع القانون المقر من قبل مجلس الامة يعني عدم رضاه عن هذا السلوك من قبل اعضاء المجلسوالذي اظهر انحيازا واضحا للمصالح الشخصية لهؤلاء على حساب مصلحة الوطن والمواطن[1].
 

رسالة ملكية لرئيس الوزراء 
وجه الملك رسالة لرئيس الوزراء تتضمن عدم موافقته على التعديلات التي ادخلها مجلس الامة على قانون التقاعد المدني تضمنت الاسباب الموجبة للرفض[2]. وجاء في هذه الرسالة " في ضوء ما يواجهه الأردن من تحديات إقليمية غير مسبوقة .. والتي تستدعي اعتماد سياسات اقتصادية ناجعة تسهم في تحسين الأداء الاقتصادي وحفز نموه، وبما يرشد النفقات ويحافظ على المال العام، ويحقق الأفضل لجميع أبناء وبنات أردننا العزيز، ويعزز العدالة والمساواة الاقتصادية والاجتماعية وتكافؤ الفرص، إضافة إلى الجدل الذي ظهر لنا مؤخرا حول مشروع القانون المعدل لقانون التقاعد المدني، الذي أقره مجلس الأمة، والذي يشير إلى احتمالية وجود شبهة دستورية حول مشروع هذا القانون، الأمر الذي يقتضي من الحكومة التوجه إلى المحكمة الدستورية للوقوف على رأيها بهذا الشأن، ومن ثم ضرورة إعادة دراسة هذا الموضوع بمختلف أبعاده، دراسة شاملة وموضوعية، وصولا إلى حلول واقعية وعادلة تتفق وأحكام الدستور وتحقق العدالة بين الجميع، وتأخذ بالاعتبار الظروف الاقتصادية الصعبة التي نمر بها وفي كل الاحوال يجب ان نتوخى دائما مراعاة الصالح العام ، وان مصلحة الاردن والاردنيين فوق كل اعتبار ، ولن نقبل ان يتم المساس بها ، وحيث أن مشروع القانون المعدل لقانون التقاعد المدني لسنة 2014، والمرفوع إلينا، بعد إقراره من مجلس الأمة، لم يعالج الأسباب المتقدمة، فقد قررنا، واستنادا إلى الصلاحيات المخولة إلينا، بموجب الفقرة الثالثة من المادة 93 من الدستور، رد مشروع هذا القانون، وعدم التصديق عليه" .ويتضح من الرسالة الملكية أن الملك قد بين من خلالها اسباب عدم المصادقة على مشروع القانون كما يقضي بذلك الدستور ، وتمثلت في سببين رئيسين : الاول : ان هذا القانون لا ينسجم مع ما يمر به الاردن من ظروف اقتصادية صعبة ويخرق المساواة بين الاردنيين في اشارة واضحة الى استغلال اعضاء السلطة التشريعية مناصبهم لتشريع قانون يخدم أغراضهم الخاصة ولا ينظر لبقية ابناء الشعب الاردني . والثاني : أن مشروع هذا القانون قد ينطوي على مخالفة للدستور الامر الذي يستوجب مخاطبة المحكمة الدستورية بخصوصه وهو ما امر به الملك في رسالته لرئيس الوزراء .

جدل قانوني حول مصير مشروع القانون
استخدم الملك سلطاته الدستورية المخولة له بمقتضى المادة ( 93 ) من الدستور التي تعطي الملك صلاحية الموافقة على مشروع القانون المرفوع له بعد اقراره من مجلس الامة ، او رفض ذلك المشروع في غضون مدة ستة اشهر مع بيان الاسباب الموجبة لذلك الرفض او عدم المصادقة [3]. وفي هذه الحالة يعاد مشروع القانون لمجلس الامة لإعادة النظر فيه على ضوء ملاحظات الملك ، فإذا وافق عليه مجلسا الاعيان والنواب باغلبية الثلثين وجب عندئذ إصداره رغم معارضة الملك وعدم موافقته [4].فاذا لم تحصل اكثرية الثلثين فلا يجوز اعادة النظر فيه خلال تلك الدورة على انه يمكن لمجلس الامة ان يعيد النظر في المشروع المذكور في الدورة العادية التالية. وبناء عليه سيعود مشروع هذا القانون لمجلسي الاعيان والنواب في الدورة العادية القادمة في الاول من تشرين الاول القادم [5]، الا اذا تم إرجاء هذه الدورة بإرادة ملكية سامية .

وفي حال مناقشة هذا المشروع من جديد اذا حصل على اغلبية الثلثين من اعضاء مجلس الامة وجب اصداره وبخلاف ذلك اذا لم يحصل على اغلبية الثلثين فلا يجوز مناقشته مرة اخرى في ذات الدورة . وفي ضوء مجريات الاحداث على الساحة الاردنية وحتى لا تتوتر العلاقة اكثر بين القصر ومجلس النواب، قد يتراجع النواب عن هذا القانون ولا يعاد اقراره مرة اخرى سواء تم ذلك بارادة ذاتية من النواب حفظا لماء الوجه ومنعا لمواجهة مع القصر او كان ذلك بفعل ضغوط قد تمارس على الاعيان والنواب لمنع اقرار القانون مرة اخرى. وربما يكون هذا الحل هو الاقرب للواقع والمنطق، الا اذا تم اللجوء لحلول اخرى قد تكون اكثر صعوبة على مجلس النواب مثل حل مجلس النواب او اعلان المحكمة الدستورية بعد استفتائها عدم دستورية شمول النواب بقانون التقاعد المدني على النحو الوارد في مشروع القانون. اما ما يتردد من ان عدم البت في هذا القانون المؤقت بمضي دورتين عاديتين لمجلس النواب من تاريخ عرضه على المجلس يترتب عليه وجوب اعلان بطلان هذا القانون فورا بمقتضى التعديلات الدستورية قبل الاخيرة عام 2011 هو كلام غير دقيق ، ذلك ان هذه التعديلات الدستورية لا تسري بأثر رجعي على القوانين المؤقتة التي سرى مفعولها قبل نشر التعديلات الدستورية بالجريدة الرسمية ، وحيث ان القانون المؤقت المعدل لقانون التقاعد المدني محل النقاش قد صدر وسرى مفعوله عام 2010 فلا يسري عليه نص المادة ( 94 ) من الدستور بصيغتها المعدلة [6]. ومن جهة اخرى ووفقا لما ورد بالارداة الملكية التي بينت اسباب رفض المصادقة على هذا المشروع يثور نقاش حاليا في الاوساط القانونية حول دستورية شمول اعضاء مجلس الامة بقانون التقاعد المدني على النحو الوارد فيه إذ تضمن مشروع قانون التقاعد المدني بعض الثغرات، التي يمكن أن تكون عيوبا تشريعية فيه، أولها موضوع المساواة في الراتب بين النائب والوزير، والثاني النص على حق النائب وعضو مجلس الأعيان الجمع بين تقاعدين، وعدم السماح للوزير بذلك، إضافة الى وجود شبهة دستورية، تتعلق بالنص على الأثر الرجعي في احتساب تقاعد لأعضاء مجلس الأمة السادس عشر، اي منذ العام 2010، الأمر الذي يخالف مبدأ قانونيا هاما، وهو عدم رجعية النصوص القانونية، ويرتب أعباء مالية ومطالبات من فئات أخرى بشمولهم بقوانين أخرى بأثر رجعي.لذلك من المتوقع وعلى ضوء الرسالة الملكية ان تقوم الحكومة باستفتاء المحكمة الدستورية حول هذا الامر وربما يكون قرار المحكمة الدستورية منهيا للجدل اذا ما اعتبر ان شمول اعضاء مجلس الامة بقانون التقاعد على النحو الوارد فيه مخالفا للدستور، الامر الذي سيرفع الحرج عن السلطة التنفيذية في مواجهة قد تكون مؤكدة مع مجلس النواب الذي اعتبر اعضاؤه ان رفض مشروع القانون المقر من قبلهم هو مجرد لعبة سياسية لكسب تعاطف شعبي على حساب المجلس، حتى ان البعض منهم وصف ذلك بالمسرحية الهزلية الهزيلة على حساب مجلس النواب[7].

جدل سياسي حول مستقبل مجلس النواب 
يبدو أن هذه المواجهة غير المتوقعة بين مجلس النواب والقصر لم تكن تدور ببال اي من اعضاء المجلس. وربما اعتقد البعض منهم أن إقرار مجلس النواب للتعديلات الدستورية الاخيرة دون نقاش يذكر سيسجل لصالح المجلس وسيكافأ على ذلك بتمرير قانون التقاعد وسيمد ذلك في عمر المجلس حتى نهاية مدته الدستورية، خاصة وان المجلس يسير بشكل متناغم مع الحكومة ولم يحاول ان يعرقل عملها بشكل جدي بكل الأحوال. 

ولكن هذه الهفوة من المجلس قد فتحت عليه ابوابا يصعب سدها. فبعد غضب الملك من إقرار القانون محل النقاش، بدت الاصوات تتعالى والتكهنات تتوالى بأن قرارا وشيكا بحل مجلس النواب سيصدر وأن ما يجري حاليا ما هو الا تمهيد لهذا القرار بعد أن استنفد مجلس النواب الغرض من وجوده. وبالتالي سيضحى به لامتصاص الغضب الشعبي منه ومن الاوضاع الاقتصادية التي باتت تثقل كاهل المواطن الاردني. ولكن يبدو هذا الخيار مستبعدا تفاديا لاعتبار المحكمة مستقيلة، ناهيك عن ان حل مجلس النواب يتطلب اجراء انتخابات نيابية خلال اربعة اشهر من تاريح الحل او عودة المجلس المنحل، وهو أمر يصعب حصوله في الظروف الصعبة الحاضرة[8].  ناهيك عما يترتب على ذلك من كلف ونفقات تتحملها الخزينة العامة مع ما تعانية من عجز مالي واضح . ومن جهته وفي بادرة تهدئة قال رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، إن الموقف، الذي عبر عنه الملك عبدالله الثاني، في رد مشروع قانون التقاعد المدني أمس، جاء في إطار حرص جلالته على الحفاظ على الدستور، وحرصه على عدم وجود أي شبهات دستورية بالقانون .واشاررئيس المجلس إلى أن على الحكومة توجيه سؤال للمحكمة الدستورية حول مدى دستورية القانون، مشيرا إلى أن مجلس النواب، وكذلك الأعيان، حريصون على حماية الدستور، وحريصون على عدم وجود مواد تتقاطع مع نصوص دستورية.[9]

للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك الضغط هنا
 



[1]– للمزيد عن هذا القانون انظر مقال د.حمدي القبيلات ، المفكرة القانونية ، مجلس الامة الاردني يقر لنفسه امتيازات مالية على حساب الشعب، 12 / 9 / 2014 ، https://legal-agenda.com/article.php?id=854&lang=ar.
[2]– الموقع الرسمي للملك عبدالله الثاني ،  http://kingabdullah.jo/index.php/ar_JO/royalLetters/view/id/346.html
[3]– المادة ( 93 / 1و2و3 ) من الدستور الاردني " 1- كل مشروع قانون اقره مجلسا الاعيان والنواب يرفع الى الملك للتصديق عليه. 2- يسري مفعول القانون باصداره من جانب الملك ومرور ثلاثين يوما على نشره في الجريدة الرسمية الا اذا ورد نص خاص في القانون على ان يسري مفعوله من تاريخ آخر. 3 – اذا لم ير الملك التصديق على القانون فله في غضون ستة اشهر من تاريخ رفعه اليه ان يرده الى المجلس مشفوعاً ببيان اسباب عدم التصديق ".
[4]– المادة ( 93 / 4 ) من الدستور الاردني " اذا رد مشروع اي قانون (ماعدا الدستور) خلال المدة المبينة في الفقرة السابقة واقره مجلسا الاعيان والنواب مرة ثانية بموافقة ثلثي الاعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين وجب عندئذ اصداره وفي حالة عدم اعادة القانون مصدقاً في المدة المعينة في الفقرة الثالثة من هذه المادة يعتبر نافذ المفعول وبحكم المصدق. فاذا لم تحصل اكثرية الثلثين فلا يجوز اعادة النظر فيه خلال تلك الدورة على انه يمكن لمجلس الامة ان يعيد النظر في المشروع المذكور في الدورة العادية التالية ".
[5]– المادة ( 78 / 1 ) من الدستور الاردني "1- يدعو الملك مجلس الامة الى الاجتماع في دورته العادية في اليوم الاول من شهر تشرين الاول من كل سنة واذا كان اليوم المذكور عطلة رسمية ففي اول يوم يليه لا يكون عطلة رسمية، على انه يجوز للملك ان يرجئ بارادة ملكية تنشر في الجريدة الرسمية اجتماع مجلس الامة لتاريخ يعين في الارادة الملكية، على ان لا تتجاوز مدة الارجاء شهرين" .
[6]– المادة ( 94 / 1 ) " … ويكون للقوانين المؤقتة التي يجب أن لا تخالف أحكام الدستور قوة القانون على أن تعرض على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده، وعلى المجلس البت فيها خلال دورتين عاديتين متتاليتين من تاريخ إحالتها وله أن يقر هذه القوانين أو يعدلها أو يرفضها فإذا رفضها أو انقضت المدة المنصوص عليها في هذه الفقرة ولم يبت بها وجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلان نفاذها فورا، ومن تاريخ ذلك الإعلان يزول ما كان لها من قوة القانون على أن لا يؤثر ذلك في العقود والحقوق المكتسبة " .
[7]– قالت النائب هند الفايز في بيان صادر عنها : إن “الديوان نسق مع رئيسي مجلس الأعيان ومجلس النواب ودعوا رجالاتهم صباح الخميس قبل التصويت بسويعات لوضع اقتراح تبصم عليه كل من الغرفتين التشريعيتين”.وأضافت الفايز ” للأسف تراجع الديوان عن طمأنتهم بسبب الضغط الشعبي ليسجل موقفا يضع مجلس النواب على المحك، فالانتقاد ليس موجه لا للديوان ولا للوزراء ولا حتى للأعيان! “.ووصفت الفايز كواليس مشروع القانون ” بالمسرحية” وقالت: “مسرحية هزلية هزيلة كانت على حساب مجلس النواب، وللأسف نصحناهم ولكننا لم نرى إلا الانتقاد ومن البعض الشتيمة!”.16 / 9 / 2014  . http://www.sawaleif.com/details.aspx?detailsid=126559.
 
[8]– المادة ( 73 ) من الدستور الاردني 1" – اذا حل مجلس النواب فيجب اجراء انتخاب عام بحيث يجتمع المجلس الجديد في دورة غير عادية بعد تاريخ الحل باربعة اشهر على الاكثر وتعتبر هذه الدورة كالدورة العادية وفق احكام المادة (78) من هذا الدستور وتشملها شروط التمديد والتأجيل. 2- اذا لم يتم الانتخاب عند انتهاء الشهور الاربعة يستعيد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن ويستمر في اعماله الى ان ينتخب المجلس الجديد. 3- لا يجوز ان تتجاوز هذه الدورة غير العادية في اي حال يوم (30) ايلول وتفض في التاريخ المذكور ليتمكن المجلس من عقد دورته العادية الاولى في اول شهر تشرين الاول ، واذا حدث ان عقدت الدورة غير العادية في شهري تشرين الاول وتشرين الثاني فتعتبر عندئذ اول دورة عادية لمجلس النواب.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني