اقتراح قانون لانجاح راسبين في مباراة كتاب العدل، وهؤلاء يعارضون جماعيا “الامر الواقع”


2012-04-02    |   

اقتراح قانون لانجاح راسبين في مباراة كتاب العدل، وهؤلاء يعارضون جماعيا “الامر الواقع”

خلال الاشهر الماضية، درست لجنة الادارة والعدل النيابية اقتراح قانون يؤول الى تثبيت المكلفين للعمل ككتاب عدل لفترة لا تقل عن ثلاث سنوات منقطعة او متواصلة، ككتاب عدل اصيلين. والواقع ان قانون نظام كتاب العدل الصادر في 1994 اناط بوزير العدل تكليف احد الموظفين الدائمين في الوزارة او احد المساعدين القضائيين الحامل الاجازة اللبنانية في الحقوق او احد المساعدين القانونيين القيام بمهام الكاتب العدل بصورة مؤقتة اثناء تغيب الكاتب العدل باجازة او عند شغور مركزه، وقد ترك القانون للوزير تكليف هؤلاء وفق ما يراه مناسبا من دون اي معايير او ضوابط اضافية. وهكذا درج وزراء العدل المتعاقبون على تكليف عدد من الأشخاص بعضهم استمر تكليفهم لآماد طويلة، غالبا على اساس معايير الزبونية والمحسوبية على اختلافها.
والواقع ان هذا الاقتراح – الذي حمل تواقيع عدد من نواب يمثلون كتلا متصارعة، فيما يشبه الوحدة الوطنية – يعكس توجها خطير جدا: فهو ليس تجاوزا لمبدأ المباراة وحسب، فالمجلس النيابي ابدل المباراة بالتعيين في مرات عدة سابقا (تعيين قضاة من دون مباراة في التسعينات) كما هو يلجأ بشكل اعتيادي شبه منظم الى حصر المباراة بفئات معينة (متعاقدين مثلا) رغم اعتراضات البعض بتجاوز مبدأ المساواة. الخطير هنا هو الذهاب ابعد من ذلك من خلال ممارسة الصلاحية التشريعية في اتجاه تثبيت اشخاص معينين رسب عدد كبير منهم في مباريات كتاب العدل في هذه الوظائف. ففي حالة المباراة المحصورة، بامكان السلطة ان تدعي ان الناجحين يتمتعون بمستوى جيد لتولي الوظيفة العامة حتى ولو استبعد من المباراة عدد من الاشخاص الذين ربما هم اكثر اهلا منهم لتوليها. كما بامكانها ان تدعي في حال التعيين من دون مباراة انها تحرص على اختيار اشخاص جيدين. اما ان يتم تثبيت اشخاص في وظائف رسبوا في المباراة المخصصة لتوليها (وبعضهم بشكل مريع بحيث حصل احدهم على 22/100 وفق ما صرح به احد كتاب العدل في مقابلة خاصة)، فذلك يعني وبشكل قاطع ان هؤلاء النواب ارتضوا تعيين اشخاص من الثابت انهم غير صالحين للقيام بالوظيفة التي ثبتوا فيها وهم لا يترددون من ممارسة صفتهم التمثيلية للقيام بذلك. بل كأنهم يعلنون ان لهم حصص في الوظائف العامة وان معيارهم في ملئها ليس الكفاءة انما قبل كل شيء المحسوبية، بما يشكل خيانة لانتظارات المواطنين وانقلابا من نوع جديد على القواعد الاساسية للوظيفة العامة. فاذا رسب بعض "المكلفون ككتاب عدل" في مباراة الكفاءة العلمية، فهم نجحوا بالمقابل في مباراة التزلم والمحاصصة والزبونية. ولا يغير من شيء اعتماد معيار المدة الزمنية للتكليف (ثلاث سنوات منقطعة او متواصلة) بل على العكس تماما طالما ان طول مدة التكليف تؤشر الى مدى تمتع هؤلاء برضى وزراء العدل المتعاقبين، ومنهم النائب سمير الجسر، الذي كان احد ابرز موقعي الاقتراح. وما يزيد الامر سوءا هو ان هؤلاء النواب اختاروا اجتراح هذه السابقة الشاذة التي من شأنها ان تزعزع الثقة العامة بمبدأ المباراة وبالنظام ككل، لتثبيت اشخاص في وظيفة تستمد مشروعية وجودها من الحاجة الى اضفاء الثقة العامة على ما يوثقونه من افعال قانونية (عقود، اسناد، وصايا، تصريحات الخ..) من دون مجال للتشكيك.
وازاء هذا الامر الخطير، بقيت ردود الفعل جد محدودة، كأنما ثمة اعتيادا على تسفيه الفساد المؤسساتي ولا سيما حين يحصل على ما يشبه الاجماع الوطني. وفيما تحرك كتاب العدل جماعيا واعتصموا في المجلس النيابي وقدموا للجنة النيابية للادارة والعدل تباعا في 13 كانون الثاني (يناير) و12 آذار (مارس) عريضتين في مواقف قد تكون الاولى من نوعها بالنسبة الى هذه المهنة "المحافظة" تقليديا، فان اعتراضهم بقي خجولا في ظل الصمت وربما اللامبالاة المحيطين بهم. بل ان تحركاتهم بدت في محطات عدة وكأنها مسكونة باعتبارات "السلطة بمعناها الواسع" رغم اختلافها معها، فالسلطة هي التي ترسم ابعاد هذه التحركات وحدودها وهي التي تفرض الاشكاليات موضوع البحث مهما كانت عبثية او تافهة. وهذا ما نتبينه بشكل خاص من خلال نص العريضتين المشار اليهما اعلاه وما تخللهما من رقابة ذاتية وتراجع في الموقف.

العريضة الاولى لكتاب العدل، 13-1-2012:
وقد ضمنوها عددا من النقاط الآيلة الى اثبات ضرورة التمسك بمبدأ المباراة والى الرد على الذرائع التي تثار لاستبعادها في هذه الحالة بالذات. وبالواقع، امكن حصر نقاط هذه العريضة بمسائل اربع رئيسة:
التمسك بمبدأ المباراة خوفا من تحول الاستثناء الى قاعدة
وهذا ما ورد في البنود الاولى من العريضة: فقد شددوا على اهمية احترام مبدأ المباراة في تعيين كتاب العدل من دون فتح الباب امام اي استثناء، خشية ان يولد تجاوزه ولو لمرة "سابقة" تسمح بتجاوز مبدأ المباراة في كل مرة عملا بالمبدأ المتبع في لبنان ومفاده "الاستثناء هو القاعدة". لكنهم بالمقابل اظهروا حرصا على ابقاء مطالبهم واحتجاجاتهم محصورة بمبدأ المباراة لوظيفة كاتب العدل بعيدا عن التعميم. فالمباراة هي "المبدأ الوحيد المعمول به في لبنان" بموجب قانون 1994 الناظم لكتاب العدل والذي لا ينص على اي طريقة اخرى لتعيين هؤلاء؛ وقد عمل بهذا المبدأ و"لم يتم تجاوزه مطلقا في السابق"، "نظرا لما تستلزمه مهنة كتابة العدل من كفاءة ومواصفات معينة في المرشحين لتولي هذا المنصب". وهذا الامر انما يعكس قناعة لديهم بأن اقناع النواب بمبدأ المباراة في حال حصره بكتاب العدل على خلفية مستلزمات مهنتهم وحساسيتها اسهل من اقناعهم به في حال تعميمه على مجمل الوظائف العامة حيث دأبوا على تجاوزه من خلال عرف "المباراة المحصورة". وبكلمة اكثر وضوحا ان اقناع النواب بالتخلي عن المحسوبية في مجال كتاب العدل اسهل من اقناعهم بالتخلي عن المحسوبية في مجمل الوظائف العمومية.
استثناء لصالح بعض الراسبين
كما اوضحوا من خلال العريضة ان مخاطر تجاوز المباراة ليست نظرية محض انما ثابتة في هذه الحالة بالذات بالنظر الى ملفات عدد من المكلفين الذين رسبوا في المباريات الاخيرة مما يجعل القانون بمثابة اداة لانجاحهم رغم رسوبهم. وما لم يقله كتاب العدل في عرائضهم يقولونه ويرددونه في جلساتهم الخاصة من خلال القول بان بعضهم نال 22 علامة من اصل 100، فماذا يقول مثلا الذي رسب بعلامة 59 والذي كان يحتاج الى نقطة واحدة اضافية للنجاح اذا تم تثبيت ذاك فيما تم استبعاده (مقابلة مع احد كتاب العدل)؟ كما يتردد ان بعضهم محل ملاحقات جزائية بالتزوير وباستعمال مزور. ومن هذه الزاوية، يتعدى الاستثناء الذي يستسيغه اصحاب الاقتراح مبدأ المباراة ليشمل نتائجها، بحيث يشمل بعض الراسبين دون سواهم.
اي حقوق مكتسبة؟ بموجب ماذا؟ وبارادة من؟
كما سعت العريضة الى الرد على مقولة مفادها بان للمكلفين حقوق مكتسبة. فالتكليف يتم اصلا بصورة مؤقتة حسب القانون وان لهؤلاء وظائف اساسية مما يمنع التذرع بنشوء انتظارات مشروعة لأي كان. وما يزيد هذه الحجة قوة هو ان التكليف ليس طارئا انما هو جزء من نظام كتاب العدل، بمعنى ان لا مناص من اللجوء اليه عند وجود شواغر، وانه لو ان القانون رأى انه يرتب حقوقا مكتسبة لكان نص صراحة على ذلك. ثم، كيف يمكن الادعاء بوجود حقوق مكتسبة فيما ان هؤلاء قد تقدموا لمباريات كتاب العدل ورسبوا فيها كما سبق بيانه؟ وثم ان كتابة العدل ليست رتبة يرفع اليها موظف عمومي انما هي اقرب الى المهنة من النظام العمومي. والواقع ان اهم مما تقوله العريضة في هذا المجال هو ما لا تقوله: فهي امتنعت، ربما من باب تجنب التصادم مع "النظام" بمعناه الواسع، عن الاشارة الى كيفية حصول التكليف (الذي يشكل السبب لبقاء المكلفين آمادا طويلة على هذا الوجه وتاليا لاكتساب الحق المدعى به) والذي غالبا ما يتم بقرار من وزير العدل على اساس المحسوبية. ومن هذه الزاوية، يصبح القول بوجود حقوق مكتسبة مرادفا للقول بأن من شأن اكتساب فوائد تبعا للمحسوبية والزبونية، ان يولد انتظارات مشروعة بالاستفادة من مزيد من الامتيازات عملا بالقواعد المعمول بها عند بدء تكليفهم نفسها.
تعيين من دون مباراة وفر للخزينة العامة؟
اما النقطة الأكثر غرابة وخطورة في العريضة فهي تتمثل في الرد على الذريعة القائلة "بان تثبيت المكلفين يوفر على الخزينة العامة تكاليف اجراء المباريات". والغريب هنا ان العريضة انزلقت في فخ اصحاب الاقتراح (ومن خلالهم السلطة بمعناها الواسع): وهكذا، وبدل اهمال هذه الذريعة بحجة انها تنتقص الى الحد الادنى من المشروعية والاخلاقية، استرسل كتاب العدل في اثبات ان الغاء المباراة لا يحقق اي وفر مالي: فهؤلاء المكلفون هم موظفون في وزارة العدل او قصور العدل ويقتضي تعيين بدائل عنهم في هذه الوظائف في حال تعيينهم كتاب عدل اصيلين وذلك من خلال مباريات هي الاخرى "مكلفة"، كما ان نسبة كبيرة من اتعاب كتاب العدل المكلفين تغذي الخزينة العامة بخلاف حال اتعاب كتاب العدل الاصيلين مما يتسبب بنقص في الموارد بنتيجة تغيير صفاتهم من مكلف الى اصيل.. وما الى هنالك من حجج.. والواقع ان هذه الذريعة كما مناقشتها هي امور في منتهى العبثية: فالا يؤدي تجاوز المباراة الى المس بمبادئ ومصالح (التكافؤ في الحظوظ وضمان الكفاءة في الوظائف العامة) تتجاوز اهميتها بكثير اي وفر مالي في هذا المجال؟ ثم، وعلى فرض ان لهذه الحجة اي اساس، فالا يؤدي تعميمها الى نتائج هي غاية في العبثية والكارثية؟ والا يشكل مجرد الانجرار الى مناقشتها بالواقع تخليا الى حد ما عن مبدئية المباراة، كما قد تشكل مناقشة ذريعة لالغاء الانتخابات الرئاسية او النيابية او البلدية بحجة انها مكلفة تخليا عن مبدئية الانتخابات، او ايضا مناقشة ذريعة لالغاء حق التعليم تحقيقا للوفر في الموازنة تخليا عن مبدئية التكافؤ في الحظوظ وعن مبدئية حقوق الطفل…؟
ومن هنا، وكما سبق بيانه، بدت هذه العريضة موصومة بقوة السلطة في ابعادها وحدودها والاشكاليات التي تطرحها، وعاجزة عن فرض طرق جديدة لمقاربة الاشياء.
عريضة 12 آذار 2012
وقد بدا هذا الامر اكثر وضوحا في العريضة الثانية والتي وقعها حوالي ستين كاتب عدل. فبدل ان يصعد هؤلاء مواقفهم ضد الاقتراح، بدوا وكأنهم يتعاملون معه على اساس انه امر واقع. وهكذا، فقد انحصر تمسكهم بمبدأ المباراة ببند واحد من اربعة، تألف من ثلاثة اسطر ونصف من اصل ثلاث صفحات، فيما خصصوا سائر البنود للسعي الى معالجة نتائج تثبيت هؤلاء وانعكاساته على صندوق التعاضد او ايضا الى تحقيق مكاسب مهنية معينة (رفع سن التقاعد الى 68 سنة مثلا، اجراء التكليف المؤقت من بين كتاب العدل المتقاعدين، ايجاد سبل لتمويل صندوق التعاضد). لا بل ان تمسكهم بمبدأ المباراة نفسه وفي الاسطر الثلاثة والنصف قد جاء مائعا بحيث انهم قبلوا بنفس تسووي واضح باجراء مباراة محصورة فيما بين الموظفين المكلفين دون سواهم. وكأنهم بذلك اكتفوا بتحفظ مبدئي ازاء الاقتراح ليركزوا جهودهم على المطالبة بمكاسب –غالبها مالي- من شأنها ان تقلل من الآثار السلبية الناجمة عنه وتحسن اوضاعهم في محلات اخرى. وقد بدوا بذلك وكأنهم يتماشون مع نظام يتحفظون عليه لكن يبقى من الانسب التفاوض معه لعدم قدرتهم على جبهه.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، لبنان ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني