تعديلات قانون الضريبة على الدخل في مصر: هل تحقق العدالة الاجتماعية؟


2020-05-12    |   

تعديلات قانون الضريبة على الدخل في مصر: هل تحقق العدالة الاجتماعية؟

في 7-5-2020، أصدر رئيس الجمهورية القانون رقم 26 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 وتم نشره في الجريدة الرسمية، وهو القانون الذي أقره مجلس النواب في أبريل الماضي، بناءً على مشروع قانون مُقدم من الحكومة. يتضمن القانون تعديل المادة 8 والخاصة بتعديل الشرائح الضريبية وسعر الضريبة الخاصة بكل شريحة، والمادة 13 بند 1 الخاصة بمبلغ الإعفاء الشخصي، والمادة 87 والتي تتناول فرض مبالغ ضريبية إضافية على الفرق بين قيمة الضريبة النهائية وقيمة الضريبة الواردة بالإقرار الضريبي.[1] وقد تم تعديل قانون الضريبة على الدخل عدة مرات كان أخرها عام 2018 حيث تم تعديل نسب نظام الخصم الضريبي الذي تم استحداثه في تعديل عام 2017 لتخفيف العبء الضريبي على الطبقات الأقل دخلاً.

وبالنظر للتأثير المباشر لهذه التعديلات على الدخل المتاح للمستهلكين بالإضافة لأثرها على العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الدخل بين الطبقات المختلفة، سنسعى في هذا المقال إلى إجراء تحليل مبسّط لها، وتحديدًا لجهة كيفية تأثيرها على الطبقات الأكثر فقرًا وبالتالي العدالة الاجتماعية. كما سنسعى إلى عرض أثر هذه التعديلات على الحصيلة الضريبية لموازنة الدولة وكيف ستساعد على تقليل فرص التهرب الضريبي. وأخيرًا سوف نطرح تساؤلا حول مدى تحقيق تقسيم الشرائح للعدالة الإجتماعية، خاصة في ظل جائحة الكورونا وما أظهرته من أهمية لسياسات الحماية الإجتماعية.

ماهية التعديلات

أولا: وبالنظر إلى تعديل المادة 8 الخاصة بتعديل شرائح الضريبة على الأشخاص الطبيعيين، نجد أن أهم بنود التعديل يشمل رفع حدّ الإعفاء الضريبي ليصبح 15000 جنيها بزيادة قدرها 7000 جنيها عن حدّ الإعفاء قبل التعديل الذي كان 8000 جنيها.

بالإضافة إلى ذلك، أقر البرلمان تعديل المادة 13 بند 1 بزيادة حدّ الإعفاء الشخصي السنوي للعاملين لدى الغير إلى 9000 جنيه من قيمة الدخل، بعد أن كانت 7000 جنيه قبل التعديل. وحدّ الإعفاء الشخصي هو المبلغ الذي يتم إعفاؤه بالكامل من الضرائب بالنسبة لدخل العاملين لدى الغير، ولا يسري على غيرهم من الأشخاص الطبيعيين، وبالتالي، عند حساب ضريبة الدخل، يتمّ طرح هذا المبلغ من إجمالي الراتب أولاً ثم يتم احتساب الضريبة على المتبقي.

بالإضافة إلى ذلك، تم استحداث شريحة جديدة لدعم الطبقات الأكثر فقرًا بسعر 2.5% لأصحاب الدخول حتى 30000 سنويا. هذا إلى جانب استحداث سعر ضريبة على أصحاب الدخول المرتفعة والتي تزيد عن 400000 سنويا بواقع 25%. بالإضافة إلى إلغاء نظام الخصم الضريبي؛ الذي سنفصله أدناه.

وبناءً عليه فقد أصبح توزيع الشرائح المختلفة كما يلي:

الشريحة الأولى: حتى 15000 جنيه في السنة: معفاة من الضرائب. (كان المبلغ 8000 جنيه قبل التعديل).

الشريحة الثانية: أكثر من 15000 جنيه وحتى 30000 جنيه سنويا: 2.5%. (تم استحداث هذه الشريحة)

الشريحة الثالثة: أكثر من 30000 وحتى 45000 جنيه سنويا: 10%. (قبل التعديل: 8000 حتى 30000)

الشريحة الرابعة: أكثر من 45000 جنيه وحتى 60000 جنيه سنويا: 15%. (قبل التعديل 30000 حتى 45000)

الشريحة الخامسة: أكثر من 60000 جنيه حتى 200000 سنويا: 20%. (قبل التعديل: 45000 حتى 200000)

الشريحة السادسة: أكثر من 200000 وحتى 400000 جنيه سنويا: 22.5% (قبل التعديل: أصحاب الدخول أكثر من 200 ألف)

وأخيرا أصحاب الدخول الأكثر من 400000 سنويا: 25%.

ومن أجل الحفاظ على تصاعدية الضرائب، حدد القانون بعض القواعد والتي من شأنها عدم تطبيق حد الإعفاء على الطبقات الأكثر دخلاً. فعلى سبيل المثال، إذا تجاوز صافي الدخل السنوي 600000 جنيه، لا يحق للممول الإستفادة بالشريحة المعفاة (أي شريحة ال 15000). أما إذا تجاوز الدخل 700000 جنيه، فلا يحق للممول الإستفادة من شريحة ال 2.5%.

وبالمقارنة مع القانون السابق، نجد أنه كان يتم منح الخاضعين للشرائح الثلاث التالية خصما على الضرائب المستحقة عليهم كما يلي:

الشريحة الثانية: 85%

الشريحة الثالثة: 45%

الشريحة الرابعة: 7.5%

أما الواقعون في الشريحة الخامسة فلا يجوز منحهم هذا الخصم. ويكون منح الخصم وفقا لأعلى شريحة يقع فيها الممول.

وبالنظر إلى تعديل المادة 8 الخاص بتعديل الشرائح وسعر الضريبة، نجد أن الهدف هو تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال رفع حدّ الإعفاء واستحداث شريحة مخفضة بسعر 2.5% على الدخول حتى 30 ألف جنيه سنويا. ولكن من أجل تحقيق هذا الهدف، لا بد من التأكد أن زيادة الشريحة الأولى مع إلغاء الخصم الضريبي سيحقق الوفر الضريبي للفئات الأقل دخلاً دون الخلل بتصاعدية الضرائب؛ وهو ما سنناقشه في الفقرة الثانية من المقال.

ثانيا: فيما يتعلق بالمادة 87 مكرر والتي تنظم فرض الغرامات على الممولين في حالة وجود فروق بين المبلغ الذي أقره الممول في الإقرار الضريبي الخاص به ومبلغ الضريبة المقدرة نهائيًا. كانت هذه المادة تستبعد الممول الذي لا يمسك دفاتر وحسابات منتظمة من دفع هذه الغرامات. وبناءً على ذلك، تم تعديل هذه المادة بحيث يخضع لها جميع الممولين على حد السواء: سواء من يمتلك أو لا يمتلك دفاتر وحسابات منتظمة. كما استحدثت المادة إمكانية تخفيض الغرامة إلى النصف في حال الإتفاق بين الممول ومصلحة الضرائب قبل اللجوء إلى لجان الطعن.

فعلى سبيل المثال، فقد أقرت هذه المادة غرامة قدرها 20% من الفرق بين قيمة الضريبة النهائية وقيمة الضريبة الواردة في الإقرار الضريبي إذا كان هذا الفارق أقل من 50% من مقدار الضريبة النهائية. وإذا تم الإتفاق بين الممول ومصلحة الضرائب على قيمة الضرائب قبل الإحالة إلى لجان الطعن، يتم خفض هذه الغرامة إلى النصف.

وعليه يمكن القول إن تعديل هذه المادة تم من أجل تحقيق هدفين أساسيين. أولهما: تحقيق المساواة بين جميع الممولين عن طريق استبعاد الاستثناءات. ثانيهما: تخفيف العبء على لجان الطعن مما يساعد على تقصير أجل النزاعات وتحصيل الدولة لمستحقاتها في وقت أقصر.

إلغاء نظام الخصم الضريبي: من المستفيد؟

كان قد تم استحداث النظام الخاص بالخصم الضريبي في عام 2017[2] من أجل دعم الطبقات الأقل دخلاً والتأكد من توزيع عبء الضريبة بصورة عادلة بين الشرائح المختلفة. ولكنه وفقاً للتعديل محل التعليق، فقد تم إلغاء نظام الخصم الضريبي، كما أشرنا. وقد استندت الحكومة في مشروع القانون الذي قدمته لمجلس النواب لإلغاء نظام الخصم الضريبي إلى أن التطبيق العملي له أسفر عن حدوث التأثير الحدي للشرائح والذي بدوره أدى إلى حدوث تشوهات في تصاعدية الضرائب. ولفهم التأثير الحدي للشرائح، فإنه يحدث عندما تحصل الشرائح الضريبية الأعلى على خصم أقل. فعلى سبيل المثال إذا كان هناك شخصان أحدهما يتقاضى دخلا سنويا يعادل 37000 جنيها فإنه يقع في الشريحة الثانية ويحصل على خصم ضريبي قدره 85% والأخر يتقاضى دخلا سنويا 37500 جنيه فإنه بذلك يقع في الشريحة الثالثة ويحصل على خصم ضريبي قدره 45%. وقد يترتب على ذلك أن يصبح صافي الدخل الذي يحصل عليه الشخص الثاني بعد خصم الضرائب أقل من صافي الدخل للشخص الأول. وذلك على الرغم من أن اجمالي الدخل للشخص الثاني أعلى من الشخص الأول، ولكن بسبب وقوع الشخص الثاني فيما يعرف بالشريحة الحدية (أي أن دخله أعلى بقليل من الحد الأدنى للشريحة الأعلى مما يجعله يقع تحت هذه الشريحة الأعلى وبناءً عليه يحصل على خصم ضريبي أقل).

ولكنه يجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من الضرر الواقع على الممولين نتيجة الشرائح الحدية فإن المزايا التي عادت على الفئات الأقل دخلا نتيجة تطبيق نظام الخصم ودون إهدار حصيلة الضرائب تفوق الضرر الواقع على هذه الفئات القليلة التي تضررت بسبب التأثير الحدي للشرائح[3]؛ حيث كانوا يحصلون على خصم إضافي، مما يقلل من قيمة ما يدفعونه من ضرائب.

وهنا نشير أن الهدف المعلن من استحداث شريحة ضريبية جديدة لأصحاب الدخول الأقل من 30000 جنيها سنويا بمعدل 2.5% هو تعويض الضرر الناتج عن إلغاء الخصم الضريبي. ولكن في التطبيق العملي، هل استحداث هذه الشريحة سيكون من شأنه تخفيف العبء الضريبي على الطبقات الأكثر فقرًا كما كان الوضع مع نظام الخصم الضريبي؟ الإجابة: لا ليس بالضرورة.

فإن نظام الخصم الضريبي كان يكفل توزيع العبء الضريبي بين الفئات المختلفة وفقاً لأعلى شريحة يقع فيها الدخل. فكان يكفل ألا يستفيد كل الممولين بنفس قدر الإعفاء الضريبي مع اختلاف إجمالي رواتبهم. ولكن استحداث الشريحة ذات السعر 2.5% يستفيد منه، بنفس القدر، كل الفئات التي تحصل على دخل سنوي حتى 30000. وبناءً على ذلك فإن هذا التعديل الذي يكلف الخزانة العامة للدولة 4 مليار جنيه- وفقا لتقديرات وزارة المالية- لن يستفيد منه في الواقع الطبقات الأكثر احتياجاً.

فإذا دققنا النظر نجد أنه وفقا لآخر تعديل طرأ على الحد الأدنى للمرتبات، فإن موظفي الدولة الذين يتقاضون الحد الأدنى أي ما يعادل 28800 جنيه سنويا يقعون تحت الشريحة الثانية وفقا لنص القانون قبل التعديل وبالتالي كانوا يحصلون على خصم على الضريبة المستحقة بما يعادل 85%. هذه الفئات لن تتأثر كثيراً من جراء تعديل الضريبة إلى 2.5% بدلاً من ال 10% السابقة على التعديلات إذا أخذنا بعين الاعتبار إلغاء الخصم.

أما الفئات التي تتقاضى دخلاً أعلى من الحد الأدنى وبالتالي تقع في الشرائح الأعلى سوف تستفيد من فرض ضريبة تعادل 2.5% على دخولهم حتى 30000 بنفس القدر الذي يُفرَض على أصحاب الدخول الأقل. على الرغم من أنهم كانوا يخضعون لخصم ضريبي أقل بمقدار 45% أو 7.5% وفقا للشريحة التي يقعوا فيها.

وعليه، يمكن القول إن رفع حد الإعفاء الضريبي مع استحداث الشريحة بسعر 2.5% مع إلغاء نظام الخصم الضريبي والذي كان يستفيد منه الفئات الأقل دخلاً لن يعود بالنفع المرجو على الطبقات المستهدفة مع تحميل الخزانة العامة للدولة أعباء إضافية.

وفيما يلي نقوم باستعراض مثال رقمي[4] توضيحي من أجل التأكد إذا كانت الفئات الأقل دخلاً والواقعة في الشرائح الدنيا هي المستفيد الأكبر من هذه التعديلات:

جدول 1: معدل التغير في الضرائب المفروضة لعدة شرائح:

يتضح من الجدول أعلاه أن معدل التغير في الضريبة المفروضة وفقًا للنظام القديم والنظام الحديث يكون أقل لدى الفئات الأقل دخلاً. فنجد على سبيل المثال أن الموظف الذي يتقاضى الحد الأدنى للمرتبات ما يعادل 28800 سنويا سوف يقوم بدفع ضرائب أقل بمعدل 18% تقريباً. في حين أنّ من يتقاضى ضعف الحد الأدنى للمرتبات يستفيد من معدل تغير يساوي 47% أي أكثر من ضعف ما يستفيد منه من يحصل على الحد الأدنى للمرتبات.كما أن من يحصل على دخل سنوي يساوي 100000 جنيها سنويا يستفيد من هذا النظام الحديث بنفس معدل استفادة الذي يتقاضى الحد الأدنى للمرتبات.

وبناءً على ما سبق توضيحه، يمكننا القول بأن على الرغم من رفع حد الإعفاء واستحداث الشريحة لأصحاب الدخول حتى 30000 بسعر ضريبة 2.5%، فإن إلغاء الخصم الضريبي قد أدى إلى أنه، على الرغم من تقليل الضرائب المفروضة على الفئات الأقل دخلاً، فإنها ليست المستفيد الأكبر من هذه التعديلات على الرغم من تحمل الخزانة العامة للدولة مبالغ طائلة من أجل رفع حد الإعفاء.

ولذلك نجد أن مقترح القانون الذي قدمته النائبة مرفت ألكسان عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب كان يعالج ذلك من خلال تحريك الشرائح الخمس ولكن مع إبقاء نظام الخصم الضريبي[5]، ولكن مجلس النواب فضل مقترح الحكومة.

وهنا يجب التأكيد على أن إصرار مجلس النواب على رفع حد الإعفاء الشخصي ليصبح 9000 جنيها بدلاً من 7000 جنيها، وذلك على الرغم من اعتراض وزارة المالية، يرفع إجمالي حد الإعفاء 24000 جنيها (9000 + 15000 سعر الشريحة الأولى المعفاة من الضريبة)[6]؛ مما قد يؤدي إلى تخفيف حدة إلغاء الخصم الضريبي.

خاتمة:

بدراسة أثر تعديل الشرائح وحدّ الإعفاء مع نظام الخصم الضريبي، نجد أن نظام الخصم الضريبي – وذلك على الرغم من مساوئه فيما يتعلق بما يعرف بالتأثير الحدي للشرائح- يعد خطوة إيجابية على طريق تحقيق العدالة الضريبية. وأنه كان من الأجدى ربما معالجة السلبيات الناجمة عنه بطرق أخرى من دون إلغائه.

كما يجب أن نعبر هنا عن خشيتنا من أن يؤدي استحداث شريحة جديدة للطبقات الأكثر دخلاً بواقع ضريبة 25%، إلى تحويل بعض الممولين دخولهم إلى شركات وذلك للإستفادة من فرق سعر الضريبة حيث إن معدل الضرائب على الأشخاص الاعتباريين أقل (22.5%). مما قد يعرقل تحقيق الهدف المرجو من استحداث هذه الشريحة وهو زيادة الحصيلة الضريبية.


[1] راجع القانون رقم 26 لسنة 2020 المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 7-5-2020.

[2] راجع القانون رقم 82 لسنة 2017 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005. وصدر بتاريخ 21-6-2017.

[3] رئيس مصر كابيتال: الإبقاء على نظام الخصم الضريبي مع توسيع الشرائح يحقق أهداف العدالة الاجتماعية – موقع جريدة أموال الغد- 29 أبريل 2020.

[4] يجب الإشارة إلى أن هذا المثال تبسيطي لتوضيح معدل التغير في الضريبة المفروضة. حيث أننا لم نقم بخصم قيمة التأمينات أو العلاوات الخاصة.

[5] اقتراح بقانون لرفع حد الإعفاء الضريبي إلى 14 ألف جنيه بدلا من 8000-موقع اليوم السابع-07 يناير 2020.

[6] اقتراح بقانون لرفع حد الإعفاء الضريبي إلى 14 ألف جنيه بدلا من 8000- موقع اليوم السابع-21 أبريل 2020.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، مصر ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني