اعتداء على أماني البعيني في مرج بسري: “إنك لا تستطيع أن تحرّك زهرة دون أن تهتز إحدى النجوم”


2020-05-03    |   

اعتداء على أماني البعيني في مرج بسري: “إنك لا تستطيع أن تحرّك زهرة دون أن تهتز إحدى النجوم”

تعاني أماني البعيني، التي اعتدى عليها عماد البعيني بالضرب عصر أمس السبت 2 أيار 2020، في سهل مرج بسري من "إرتجاج في الدماغ مثبت بتشخيص عيادي، وهي غير قادرة على التركيز بشكل كامل وهناك بطء وقصر في تجاوب بعض أعضائها مع أوامر الدماغ، وتظهر عليها أيضاً عوارض صدمة ما بعد التعرض لاعتداء أو عنف (Choc Traumatic)"، هذا ما أكدته الطبيبة سماح بيطار التي تشرف على علاج أماني لدى إدخالها إلى مستشفى أبو عياش في بعقلين إثر تعرضها للضرب المبرح والشتم والإهانات والتهديد بالإعتداء الجنسي "بدي ….أنت وأختك" وغيرها من الشتائم من قبل عماد البعيني. عماد البعيني نفسه سبق واعتدى بالضرب على منسق الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري رولان نصور. وأماني هي إحدى المؤسسات للحملة وناشطة فيها لغاية اليوم.

وعماد البعيني لم يتوقف عن القول وهو يعتدي على أماني "وليد جنبلاط هو لي حرر المرج، والحزب التقدمي الإشتراكي ع راسك"، فيما أبلغها وهو ينهال بقبضته على رأسها أن لديه أوامر بمنعها عن دخول المرج "معي أوامر أنه ما بتدعسي بالمرج أنت". يريد عماد البعيني أن يمنع أماني من دخول المرج، أماني التي لولا وعيها المبكر لخطر السدّ وأهمية مرج بسري، والتي ساهمت مع آخرين بالتأسيس لتحول حماية مرج بسري إلى قضية وطنية، لما تمكن أحد من "أن يدعس في المرج".

 

من هي أماني البعيني؟

من يعرف أماني البعيني، ابنة الـ29 عاماً، الثائرة، التي كانت من أوائل الذين حركوا انتفاضة 17 تشرين 2019، والمناضلة ضد سد بسري منذ 2015، عندما لم يرفع أحد من أهالي المنطقة الصوت اعتراضاً على المشروع "كون وليد جنبلاط موافق يعني هو أخبر وبيعرف أنه لمصلحة المنطقة"، كما كان يجيبها كل من تتصل به للوقوف معها في محاربة السدّ، يدرك حجم الإعتداء الذي تعرضت له لتصل إلى الحالة الجسدية والنفسية التي وثقتها الطبيبة بيطار. فأماني صبية قوية، خليّة نحل قائمة بذاتها، متحمسة وثائرة لا تهادن، بوصلتها الوحيدة القضايا التي تناصرها وتؤمن بها، هي "تتبع الحق في داخل الإنسان"، عملاً بمقولة "المعلم كمال جنبلاط"، الذي تعتبر نفسها تلميذته، كما تقول، وهي تستشهد بعبارته الشهيرة "نحن نتبع الحق فينا وليس الأشخاص". وعليه تبعت أماني الحق وليس الشخص، وذهبت بمعارضتها مشروع السد إلى تكريس السنوات منذ 2015 ولغاية اليوم من مسيرتها للنضال لمنع سد بسري. وأماني تصدرت ثوار 17 تشرين لدى اقتحامهم مرج بسري وتحريره من آليات متعهد تنفيذ السد، ورفعت عليها الشركة المتعهدة دعوى قضائية. أماني التي صدح صوتها في خطاب يفند مخاطر السد في الإعتصام الأول الذي نُفذ في بيروت أمام مكاتب البنك الدولي الممول الرئيسي للمشروع، والتي تابعت وما زالت نضالها حيث ربطت نفسها مع آخرين قبل عشرين يوماً بشجر مرج بسري لتقول "إذا بدكم تكملوا السد عليكم أن تقطعوا جسدي مع أشجار بسري".

تقول الطبيبة بيطار أن صورة السكانر الأولية لم تظهر أي نزيف أو تجمع دماء أو كسر في الرأس، ولكننا سوف نضطر لإعادة تصوير رأس أماني كونها لم تتحسن بعد خوفاً من أن يكون هناك نزيف في الشرايين الصغيرة، وهذا يأخذ بعض الوقت ليظهر في التصوير الطبقي". وعليه، أبقيت أماني في المستشفى للمراقبة ولكونها غير قادرة على الوقوف إذ أنها سرعان ما تفقد توازنها ويمكن أن تهوي أرضا في حال لم يسندها أحد. وتترك الطبيبة بيطار وضع أماني قيد المراقبة مع احتمال حصول الأسوأ "سواء على الصعيد الصحي الجسدي (نزيف متأخر) أو النفسي في حال تطورت صدمة ما بعد الإعتداء لانهيار نفسي وعصبي".

 

جنبلاط مغرداً

في إثر الإعتداء على أماني، غرّد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط  عبر حسابه على تويتر قائلاً "آن الأوان لبعض العقول المتحجرة في الحزب التقدمي الإشتراكي أن يخرجوا من منطق الشخصنة والأنانية. إن الحزب يجب أن يكون حالة تقبل الغير وتساعد الغير في أي عمل يصب للصالح العام. أن المجتمع المدني هو الذي انتصر في الإعتراض على سد بسري وأقنعني بالضرر الفادح. لم أطلب يافطات ترحيب باسمي في بسري".  وكأن جنبلاط حاول بتغريدته لملمة ذيول سعي بعض مناصريه في الحزب ومن أهالي منطقة الشوف إلى "تطويب" انتصار وقف مشروع سد بسري (مع أنه لم يتوقف رسميا بعد) لصالحه شخصيا ومن ورائه الحزب التقدمي الإشتراكي. وهذا ما أوحت به ليس فقط اليافطات التي رفعت في المرج منذ صباح يوم السبت 2 أيار والتي تشكر جنبلاط وترحب باسمه بالقادمين إلى المرج. وساهم عماد البعيني مع اتحاد بلديات الشوف السويجاني (الذي تقع معظم أراضي بسري في نطاقه) بتعليق هذه اللافتات، بل أيضاً بكل الأجواء التي سبقت احتفال الأمس الأحد في المرج، والذي حمل توقيته المعنى نفسه حيث تمت الدعوة إليه لمناسبة الأول من أيار، تاريخ تأسيس الحزب التقدمي الإشتراكي. وأرسل جنبلاط بتغريدته رسالة واضحة، تتحدث عن بعض "العقول المتحجرة" بالحزب، تعترف بجهود المجتمع المدني والناشطين من الشوف وجزين ومختلف المناطق اللبنانية، الذين واظبوا لسنوات، وأماني في طليعتهم، لتحرير مرج بسري. وقد جاءت هذه التغريدة أيضا بمثابة اعتراف بأن العقول المتحجرة التي يرفضها جنبلاط هي وراء الإعتداء الحاصل على أماني.

وفي إثر تغريدة جنبلاط، غرد نائب الشوف بلال عبدالله، تأكيداً على المنحى نفسه، بما يكرس دور الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري بالقول "إن الحملة الوطنية لحماية مرج بسري، التي شاركت فيها بقوة جمعيات ومؤسسات متنوعة من المجتمع المدني والمحلي، والتي يسجّل لها نفسها الطويل ونضالاتها من أجل وقف مشروع السد، مدعوة لمتابعة المواجهة، والبناء على كل المستجدات السياسية والتشريعية المواكبة للهدف، في إطار التكامل والإنفتاح".

غير تكريس دور الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري عبر تثمين نضالاتها ونفسها الطويل، كان عبدالله يسعى لتبرئة الحزب التقدمي الإشتراكي مما تلفظ به عماد البعيني خلال اعتدائه على أماني "يللا فلوا كلكم من المرج، ما إلكم شي هون أنتو وغيركم"، قال لها ولمزارع من باتر (خلدون تابت) الذي كان يحاول تهدئته والحؤول دون استمراره بضرب أماني. كما انهال البعيني شتما للناشطين، شركاء في النضال من أجل المرج، وكأنه ممنوع على غيره ومن هم في صفه مواجهة سد بسري والوقوف ضده.

 

"ستدفعين ثمن 90 يوما سجنت فيها"

يعتبر عماد البعيني من بين الذين ناضلوا لمنع سد بسري، وإن كان يذهب في تقييمه لنضاله إلى حد اعتبار نفسه وبعض حلفائه "أهل الأرض" مع الإيحاء بأن كل ما فعله بقية الناشطين ومن ضمنهم الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري غير ذي جدوى. حصل أن وصلت الخلافات ضمن رفاق النضال ضد السد إلى حد اعتداء البعيني على منسق الحملة الوطنية لمرج بسري رولان نصور. وأدت الشكوى التي رفعها نصور ضد البعيني إلى سجن الأخير لمدة تسعين يوما لم تنتهِ لولا إسقاط نصور حقه الشخصي في الدعوى المقامة على عماد البعيني. وكانت أماني البعيني في طليعة من تمنوا على نصور وسعوا لديه لإسقاط حقه الشخصي. في إثر الإعتداء على نصور، وقفت أماني ضد الإعتداء الجسدي واستخدام العنف تحت أي عنوان أو سبب كان. ومنذ ذلك اليوم وضعها عماد البعيني، إبن بلدتها، بين من سيواجههم لكي لا نقول أعدائه.

 

كيف اعتدى عماد على أماني؟

كانت أماني، أمس السبت، ترافق فريق عمل المخرجة أليان الراهب لتصوير فيلم عن مرج بسري وإجراء مقابلات مع الفلاحين الذين عادوا إلى زراعة المرج اليوم، بعد استعادته من قبل ثوار الإنتفاضة ونضالات أهالي حوض مرج بسري ومعهم الحملة الوطنية والحركة البيئية من ضمنها وناشطين من مختلف المناطق اللبنانية، ومدعومين بتغيير وليد جنبلاط رأيه الداعم للسد إلى معارض له وبشدة، وبتقديم النائب بلال عبدالله باسم نواب الحزب التقدمي الإشتراكي اقتراح قانون لتحويله إلى محمية طبيعية.

فجأة توقفت سيارة تابعة لبلدية مزرعة الشوف بالقرب من أماني يقودها خالد بوكروم ومعه عماد البعيني. وبوكروم عينه رئيس بلدية مزرعة الشوف ورئيس اتحاد بلديات الشوف السويجاني يحيي بوكروم موظفا في الإتحاد.

ألقى مَن في السيارة التحية على أماني ورفاقها. ردت أماني التحية بأن اقتربت نحو السيارة مرحبة بعماد وخالد. عندها، تقول أماني للمفكرة بصوت متعب يشي بوضعها الصحي، قال لها عماد "إنت بكرا وين بدك تصطفي"، في إشارة إلى الإحتفال الذي نُظم في بسري لمناسبة 1 أيار، وتكريسا لعودة المرج إلى أهله. ردت أماني بالقول "مش على علمي في إصطفافات، قضيتنا يا عماد قضية وحدة هي استرجاع مرج بسري". هنا جاوبها عماد "أنت بالذات لازم تحددي موقفك، كل الناس بتكرهك وانكشفت حقيقتك المزيفة". تقول أماني أنها ردت عليه بشكل عادي مؤكدة على وحدة القضية عندما استمر بإهانتها. في هذه اللحظة اقترب أحد مزارعي باتر وكان بصدد إجراء مقابلة لصالح الفيلم وسأل "شو فيي؟ ليش هيك عم يصير؟". سأله عماد "من وين أنت؟". رد خلدون : من باتر. فسارع عماد إلى طرده بالقول "يللا روح ع باتر"، ثم توجه إلى أماني :"وأنت روحي من هون، يلللا كلكم فلو ما إلكم شي هون"، وفتح باب السيارة واقترب منها ومن خلدون. ظنت أماني أن عماد ينوي ضرب خلدون كما فعل مع رولان نصور. وقفت أمام خلدون وهي غير عالمة أن عماد ينوي الإعتداء عليها. وخلال إهانتها لفظيا بألفاظ نابية أقلها "بدي…أنت وأختك"، "ويا ع…"، وغيرها من الألفاظ التي لم تتمكن أماني من تردادها، بدأ بدفعها بيديه وضربها. وبينما حاول الشبان الموجودون رده عنها، كان خالد بوكروم يقول لهم "أنتو شو خصكم؟ أخوة عم يتخانقوا ببعضهم أنتو ما دخلكم"، ليحول بينهم وبين حماية أماني. في هذه المعمعة سحبت أماني هاتفها وحاولت تصويره وهو يعتدي عليها، فثارت سائرة عماد وأشبعها ضربا وعاد إلى سيارة البلدية. افتقدت أماني هاتفها لتكتشف أن عماد خطفه منها، فسارعت للوقوف أمام السيارة لمنعه وخالد من المغادرة قبل استرجاعه. عندها نزل عماد مرة ثانية وهاجمها فهرعت إلى السيارة تحاول نزع مفتاحها لمبادلته بالهاتف فلاقاها إلى السيارة وبدأ بدفعها خارجها. نزلت أماني من السيارة خوفا من اعتدائه على الأشخاص الذين يرافقونها وضربها مجدداً وكانت بدأت تشعر بالدوران والتعب وآلام في الرأس.

قبل مغادرة خالد بوكروم، الموظف في اتحاد بلديات الشوف السويجاني، والذي يقود سيارة بلدية مزرعة الشوف، بلدة أماني، قالت أماني ل بوكروم "أتذكر يا خالد وأشهد أنك تركت عماد يضربني ويشتمني بألفاظ نابية وأنت ساكت". لم يجب بو كروم بل سمح لعماد بالركوب في سيارته وقادها مسرعا بعد أن تطاير البحص من تحت إطاراتها باتجاه أماني "شفط وفلّ"، تقول للمفكرة.

رفعت أماني شكوى على عماد البعيني وطلبت بمعرفة من أعطاه الأوامر ليمنعها من دخول المرج في مخفر المختارة الذي تقع بلدتها في نطاقه. وما أن خرجت من المخفر حتى بدأت بالتقيؤ وفقدت وعيها ما استدعى نقلها إلى المستشفى. وسطرت الطبيبة بيطار تقريرا طبيا يوثق حالة أماني كما روتها للمفكرة.

وبينما كانت أماني التي ساهمت بتحرير المرج والنضال في سبيله منذ خمس سنوات عندما لم تكن قد أنهت عامها ال 24 ولغاية اليوم، ترقد في المستشفى، كان عماد البعيني يحتفل في المرج مع قلة لبت الدعوى للإحتفال بعدما امتنع عدد كبير من الأهالي عن المشاركة بعد تعرض أماني للضرب واحتجاجا على ما حصل. وسمع ناشطون البعيني يقول "الإثنين بروح ع المخفر، هلأ مشغول بالمرج". 

 

ما كتبته أماني للمفكرة في عدد "مرج بسري في قلب الإنتفاضة"

شاركت أماني في إعداد العدد الخاص للمفكرة حول مرج بسري وقد نشرت مقالا تحت تسمية "قضية بسري ما بين سلطة الساحر وصرخة الصواب". وقد افتتحت المقال بالعبارة الآتية:

"إنك لا تستطيع أن تحرّك زهرة دون أن تهتز إحدى النجوم"، مقولة قد توحي للبعض بأنّها سوريالية تغالي في الوجدانية، إلّا أنها في الواقع تجسّد حقيقة وجودية، كونية وإنسانية، رسم بحروفها المفكر كمال جنبلاط خوفاً على مصير كوكب الأرض، إزاء السلوك الإنساني الجامح. ولا أبالغ بالجزم أنّ تجاهل الإنسان لهذه المعادلة سيمضي أبداً – وإن تحت شعار الإنماء والإعمار – ملوّثاً ومدّمراً البيئة والوجود، إلى أن يطوي ليل الهلاك والدمار وجوده."

ويتابع المقال: "من المؤسف أن يحكم لبنان ويؤتمن على مجد البلاد وصون حقوق الإنسان والحريات وتأمين العيش الكريم، أشخاص تبوّأوا الكراسي بدون أن يفقهوا جوهر السياسة، ألا وهو خدمة الشعوب. فتراهم من خلال خطط وصفقات مشبوهة، كخطة إنشاء السدود المائية في لبنان، ومنها سدّ بسري، يدمرون البلاد، ويخرّبون طبيعتها، ويعبثون بآثارها، ويختلسون ثرواتها، كما ويهددون الإنسان، لا بسلامته وصحته وحسب، بل بوجوده وحياته ومستقبله".

"يسألني الأصدقاء، عن سبب نضالي للحفاظ على مرج بسري، وإن كان الدافع انطلاقاً من كوني حقوقية، حيث إن قانون حماية البيئة 2002/444 لا يكرّس فقط حق المواطن في الدفاع عن البيئة، بل يلقي على عاتقه واجب الدفاع عنها. فقد أفرد المشرّع بحرفية النص في المادة الثالثة:

"على كلّ مواطن السهر على حماية البيئة وتأمين حاجات الأجيال الحالية من دون المساس بحقوق الأجيال المقبلة"

واستنادًا إليه، فإنني أقوم بواجبي..".

ألف سلام لك، ونحن بانتظار شفائك لتعرفي الدنيا عن مرج بسري ولماذا يتحتم علينا كلنا الدفاع عنه في وجه سياسة السدود والصفقات.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، حراكات اجتماعية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني